بقلم :- مجدي ابو الخير
في هذا الشارع المزدحم لا يملك هذا الأب الشاب الذي يقود سيارته وباب رزقه الأوحد إلا أن يترك السيارة بالجوار ليسهل عليه نقل أشيائه، وحتى لا يعترض أحد على انتظاره بهذا المكان يترك هذا الطفل صاحب الأربع سنوات تقريبا بداخل السيارة، يترجل لأحد المحلات ليحمل منه بضاعته متجاهلا أنه قد أغلق أحد أبواب الجراجات أسفل البناية التي توقف أمامها ليخرج منها هذا الرجل المسن بكامل أناقته ورابطة عنقه المميزة، ومنديل يشبهها في جيب الجاكيت البني فوق القميص الأبيض الذي يشبه لحيته المتوسطة.
ينظر داخل السيارة التي تجاهلت هذا التنبيه المكتوب على باب الجراج «ممنوع الوقوف قطعيا»، ليجد هذا الطفل الذي ينظر من النافذة الأخرى مشاهدًا العالم من خلف زجاج أسقط إلى المنتصف، عيناه تذهبان وتجيئان مع ما يجذبه ذهابا وعودة.
المنتظر سائلاً: من معك؟ ليجيبه: أبي، ويده تشير إلى أحد المحلات القريبة فيطلب منه أن يذهب ويأتي به.
أبوه الذي أوصاه قبل أن يغادر «خد بالك من العربية يا علي أنا سايب راجل» ليجيبه بحماسة وهزة رأس وحركة أكتاف مؤكدا أنه اختار الشخص الأنسب لتلك المهمة.
يفتح له المنتظر باب السيارة الملاصق للرصيف ليخرج هذا المفوض، بعد أن توارى بداخل السيارة لنصف دقيقة ولم يظهر منه شيء لينطلق حاملاً في يده شيئاً.
المفوض الصغير الذي يتوارى ليجلب معه حذاءه الأبهى.
لم يكتشف المنتظر هذا إلا بعد الخروج من السيارة، وهو الكاظم غيظه، المنتظر يترقب وصول من يحرره من انتظاره، يظهر المفوض وفي يده حذاؤه محتضنه بذراعيه، يتحرك بضع خطوات ثم يتوقف وكأنه تذكر شيئًا، ظننت أنه استحضر وصيه أبيه الذي أوصاه على ما يملك، ها هو يغادره الآن وأحد أبوابه لا زال مفتوحا، لكن «علي» توقف ليرتدي حذاءه، يبدو أنه خشي أن يعاتبه أبوه على السير حافي القدمين أو أنه خجل أن ينظر الناس له وهو يحمل حذاءه،
استطاع المفوض بهذا أن يجعل المنتظر يبتسم من فعلته ويتابعه بشغف.
يخرج الأب معتذرا ويفسح الطريق ليحرر المنتظر ويعود الأب لمكانه مطمئنا، لا أحد سيحركه الآن بعد مغادرة السيارة وخلو الجراج، و«علي» ينفخ صدره ويقف واضعًا يديه أعلى خصره بحذائه الأبيض محركا قدميه وكأنه يخبر المارة قائلا: أنا أيضا لدى ما أخشى عليه.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
"العمومة ولاية وتراحم".. دور العم في حياة أولاد أخيه
العم.. قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن العم أب في حياة الأب وبعد وفاته، من حيث الولاية والرعاية والحفظ والحنو؛ سيما إذا كان الأولاد صغارا، وقد ورد في نصوص الشرع ما يدل على أن العم والد؛ قال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].
دور العم في حياة أولاد أخيه :قال الإمام القرطبي رحمه الله: والعرب تجعل العم أبا كما أخبر الله عن ولد يعقوب أنهم قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وإسماعيل عم يعقوب. [تفسير القرطبي 7/ 31]
وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: أي مثل أبيه. [شرح النووي :7/ 57]
دور العم في حياة أولاد أخيه ماديًّا :
وأوضح الأزهر أن نفقة أولاد الأخ المُتوفى الذين لا مال لهم من أبيهم واجبة على العم، قدر الوسع والكفاية؛ لأن قرابته توجب الإنفاق عليهم؛ شريطة عجزهم عن الكسب، وقدرته على الإنفاق؛ يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَعَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ عَلَى ذِي رَحِمِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَهَا هُنَا وَهَا هُنَا». [أخرجه النسائي]
وقدر الكفاية في نفقة العم القادر على أبناء أخيه الذين لا مال لهم؛ تشمل ما يسد جميع حاجاتهم قدر الكفاية في العادة، قال الإمام النووي رحمه الله: "القريب يلزمه كفايته من كل وجه حتى الدواء وأجرة الطبيب". [المجموع شرح المهذب (6/ 191)]
العم:
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة، بقدر العادة .. لأن ذلك من تمام كفايته". [المغني لابن قدامة 8/ 222]
وإذا كان أبناء الأخ المُتوفى لهم مال يُغنيهم، أو قادرين على الكسب فلا تجب عليهم النفقة، وينفق الوصي عليهم من مالهم قدر كفايتهم في العادة، بما يحفظ عليهم مالهم، ويرعى به مصالحهم.
وأضاف الأزهر أن قيام العم على شئون أبناء أخيه المُتوفى -في عمومها- ولاية تقتضي حقوقًا معنوية؛ كحسن تربيتهم، وتوجيه سلوكهم، وحمايتهم وصيانتهم، ومتابعة دراستهم، ورعاية مصالحهم في الصغر، وإرشادهم إلى اختيار الزوج الصالح، والوقوف بجانبهم في دروب الحياة، وعند الحاجة في الكبر.
دور العم في رعاية بنات أخيه:
وحث الشرع الشريف العم على القيام برعاية بنات أخيه وحسن تربيتهن وتوجيههن، وفي قيام العم بهذا الواجب عند فقد الأب عظيم الأجر والثواب؛ سيما وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل للعم إرثًا شرعيًّا مع بنات أخيه في مال أبيهن، لحِكِم جليلة، منها: كونه أب لهن بعد الأب، والقاعدة الفقهية تقرر: أن الغُنمَ بالغُرمِ.
وأكد الأزهر أن العمومة ولاية وقرابة وإحسان، يزيد أواصر الرحم، ويحفظ استقرار الأسر.
وفي مقابل واجبات العم تجاه أولاد أخيه، كلف الشرع هؤلاء الأولاد ببره، وبر الأب فيه، وحسن صحبته، وصلة رحمه، وتوقيره، وإكرامه، واحترامه.