هل يجوز المسح على الشراب في الوضوء للرجال والنساء؟.. اعرف شروطه ومدته ومبطلاته
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
لعل ما يطرح السؤال عن هل يجوز المسح على الشراب في الوضوء للرجال والنساء ؟ هو أن الوضوء شرط صحة الصلاة، فيما أن غسل الرجلين من أركانه ، في الوقت الذي قد يتعذر ذلك على المرأة وكذلك الرجل ويضطران إلى المسح على الجوارب في الوضوء، ومن ثم ينبغي الوقوف على حكم وحقيقة هل يجوز المسح على الشراب في الوضوء للرجال والنساء ؟.
قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن حول حكم المسح الجورب في الوضوء، وخصوصًا بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين أنواعًا متعددة من الشراب بأطوال مختلفة ومنها الشفافة، إن الشراب يجب أن يكون ساترًا لمنطقة القدمين حتى فوق الكعبين، بحيث يغطي العظام البارزة للكعبين.
وأكد “ وسام ” في إجابته عن سؤال: هل يجوز المسح على الشراب في الوضوء للرجال والنساء ؟، على ضرورة أن يكون الشراب من مادة غير شفافة، بحيث لا يظهر لون البشرة من خلاله، منوهًا بأن الشراب يختلف في طوله حسب الأنواع المختلفة.
وأضاف: مثل الشراب الكلاسيكي الذي يغطي الكعب أو الشراب الرياضي الذي لا يتعدى الكعب. أما بالنسبة للشراب الخفيف، مثل الذي يرتديه البعض داخل الأحذية لتفادي الانزلاق أو للتدفئة، فيجب أن يكون سميكًا بما يكفي لكي لا يظهر لون الجلد، أي لا يكون شفافًا.
هل يجوز المسح على الشراب الشفافونبه إلى أنه إذا كان الشراب شفافًا، فلا يجوز المسح عليه في الوضوء، لأن المسح يكون على الخف أو الجورب السميك الذي يغطّي القدم بشكل كامل، لكن في حالة الضرورة، كما إذا كان الشخص في موقف يضطر فيه إلى الصلاة ولا يستطيع خلع الشراب الشفاف، يمكنه أن يصلي ويعتبر ذلك مسألة خلافية.
وأوصى بأن الشخص في هذه الحالة يمكنه أن يخرج من الخلاف بوضوء صحيح عن طريق غسل القدمين بدلًا من المسح على الشراب الشفاف، خاصة إذا كان هناك شك في صحة المسح على الشراب الشفاف.
وأشار إلى أن الأهم هو عدم تعطيل الصلاة بسبب هذه المسألة، وأن الإنسان ينبغي أن يبذل ما في وسعه من اجتهاد لتجنب الخلافات الفقهية، ويقوم بما يحقق له الوضوء والصلاة بشكل صحيح.
حكم المسح على الجوربوأفادت دار الإفتاء المصرية، بأنه ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز المسح على الجورب (الشَّراب) في الحَضَر والسفر للرجال والنساء، شريطة أن يكون مجلدًا يمكن تتابع المشي فيه، وأن يكون ساترًا للقدمين كاملتين؛ أي: يغطي الكعبين، وأن يكون طاهرًا في نفسه، وأن يكون قد لُبِسَ على طهارة. ومن الفقهاء من ذهب إلى جواز المسح على الجورب مطلقًا حتى لو كان خفيفًا؛ ومن القواعد المقررة أنه "لا إنكار في مختلفٍ فيه"، فمن كان في حاجةٍ ولا يجد إلا أن يمسح على الجورب (الشَّرَاب) الخفيف فلا حرج عليه ناويًا تقليد من أجاز من الفقهاء، وتكون مدة المسح للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح من وقت الحدث بعد لبس الجورب، ويبطل المسح بنزعه من القدم، أو انقضاء مدة المسح؛ فيتوضأ إن كان محدثًا، ويغسل قدميه لا غير إن كان متوضئًا، ويبطل كذلك بما يوجب الغسل من جنابة أو حيض أو نفاس.
تعريف الجورب عند العلماءالجورب: هو ما يرتديه الإنسان في قَدَمهِ سواء كان مصنوعًا من الصوفِ أو القطنِ أو الكتانِ أو غير ذلك.
قال الإمام الزبيدي في "تاج العروس" (2/ 156، ط. دار الهداية): [الجورب: غشاءان للقدم من صوف يُتخذ للدفء، وكذا في (المصباح) (جمعه جواربة).. (و).. (جوارب).. (و) استَعمَلَ ابنُ السكيت منه فِعلًا، فقال يصف متقنص الظباء: قد (تجورب) جوربين: لبسهما، وتجورب: (لبسه، وجوربته) فتجورب أي (ألبسته إياه) فلبسه] اهــ.
شروط المسح على الجوربونوهت بأنه قد نصَّ الفقهاءُ على جواز المسح على الجوربين للحديث الذي رواه الأربعة وأحمد في "مسنده" -واللفظ له- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وآله وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ"، إلا أنهم قد اشترطوا لذلك عدة شروط منها: أن يُلبَسا على طهارة تامة، وأن يكونا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا مجلدين يمكن تتابع المشي فيهما، وأن يكونا ساترين للقدمين كاملتين؛ أي: يغطيان الكعبين، وأن يكون لبسهما مباحًا؛ أي في غير معصية.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1/ 10، ط. دار الكتب العلمية): [وأما المسح على الجوربين، فإن كانا مجلدين، أو منعلين، يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء؛ لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز. وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره، وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لعُوَّاده: "فعلتُ ما كنتُ أمنع الناسَ عنه" فاستدلوا به على رجوعه] اهــ.
وجاء في "مختصر خليل" (ص: 23-24، ط. دار الحديث): [رُخِّصَ لرجلٍ، وامرأةٍ وإن مستحاضةً بحَضَرٍ أو سَفَرٍ مسحَ جورب جلد ظاهره وباطنه.. بشرط جلد وستر محل الفرض، وأمكن تتابع المشي به بطهارة ماء كملت بلا ترفه وعصيان بلبسه] اهــ.
وقال الإمام النووي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه" (ص: 14، ط. دار الفكر): [وشرطه أن يُلبَس بعد كمال طهر، ساترًا محل فرضه، طاهرًا يمكن تباع المشي فيه] اهــ.
وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 215، ط. مكتبة القاهرة): [(وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه) إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذَيْن ذكرناهما في الخف، أحدهما: أن يكون صفيقًا، لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه. هذا ظاهر كلام الخرقي. قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل: إذا كان يمشي عليهما، ويثبتان في رجليه، فلا بأس] اهـ.
وهناك من ذهب إلى جواز المسح مطلقًا على كل ما يُطلق عليه اسم الجورب حتى لو كان خفيفًا، وممن قال بذلك من الفقهاء الإمام ابن حزم الظاهري والشيخ ابن تيميَّة.
قال العلامة ابن حزم في "المحلى بالآثار" (1/ 336، ط. دار الفكر): [قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بالمسح على الخفين، وأنه مسح على الجوربين، ولو كان ههنا حد محدود لما أهمله عليه السلام ولا أغفله، فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خُف أو جورب أو لبس على الرجلين فالمسح عليه جائز] اهــ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (19/ 242، ط. مجمع الملك فهد): [النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أمته بالمسح على الخفين، فقال صفوان بن عسال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كنا سفرًا أو مسافرين: ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جَنَابةٍ، ولكن من غَائطٍ وَبَولٍ وَنَومٍ». ولم يقيد ذلك بكون الخف يثبت بنفسه أو لا يثبت بنفسه. وسليمًا من الخرق والفتق أو غير سليم، فما كان يسمى خفًّا ولبسه الناس ومشوا فيه مسحوا عليه المسح الذي أذن الله فيه ورسوله، وكلما كان بمعناه مسح عليه فليس لكونه يسمى خفًّا معنى مؤثر، بل الحكم يتعلق بما يُلبس ويُمشى فيه، ولهذا جاء في الحديث المسح على الجوربين] اهــ.
وبينت أن ما يسري على الخُفِّ من أحكام في صفته ومدته وانتقاضه ومبطلاته يسري على الجورب؛ أما صفة المسح فتكون على ظاهر الجورب وجوبًا كما في الخف، ومسح أسفله مستحب، ولا يجوز مسح أسفله فقط، وإنما يبلل من أراد المسح يده بالماء ثم يمررها على الجورب بداية من الأصابع وحتى الساقين.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 12، ط. دار الكتب العلمية): [يمسح على ظاهر الخف، حتى لو مسح على باطنه لا يجوز، وهو قول عمر، وعلي، وأنس رضي الله عنهم.. وحكى إبراهيم بن جابر في كتاب "الاختلاف" الإجماعَ على أن الاقتصار على أسفل الخف لا يجوز، وكذا لو مسح على العقب، أو على جانبي الخف، أو على الساق لا يجوز، والأصل فيه ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين". وعن علي رضي الله عنه أنه قال: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ"، ولأن باطن الخف لا يخلو عن لوثٍ عادةً، فالمسح عليه يكون تلويثًا لليد، ولأن فيه بعض الحرج، وما شُرع المسح إلا لدفع الحرج] اهــ.
وقال الشيخ أحمد الدردير في "الشرح الكبير على مختصر خليل" (المطبوع مع حاشية الدسوقي عليه) (1/ 146، ط. دار الفكر): [(و) ندب (وضع يمناه) أي يده اليمنى (على أطراف أصابعه) من ظاهر قدمه اليمنى (و) وضع (يسراه تحتها) أي تحت أصابعه من باطن خفه (ويمرهما) بضم حرف المضارعة؛ لأنه من أمر (لكعبيه) ويعطف اليسرى على العقب حتى يجاوز الكعب وهو منتهى حد الوضوء (وهل) الرجل (اليسرى كذلك) يضع اليد اليمنى فوق أصابعها واليسرى تحتها (أو) اليد (اليسرى فوقها) أي فوق الرجل اليسرى واليمنى تحتها عكس الرجل اليمنى؛ لأنه أمكن (تأويلان) (و) ندب (مسح أعلاه وأسفله) أي ندب الجمع بينهما وإلا فمسح الأعلى واجب] اهــ.
مدة المسح على الجوربوتابعت: أما مدة المسح فجمهور الفُقهاءِ على أنَّها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيَّام ولياليها للمُسافرِ؛ للحديث الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن شُرَيْحِ بن هانِئٍ قال: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؛ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ".
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (3/ 176، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه الحُجةُ البَينةُ والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين موقَّت بثلاثة أيام في السفر، وبيوم وليلة في الحَضَر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم] اهــ.
وتبدأ مدة المسح سواء للمسافر أو للمقيم من وقت أول حدث إذا لبسه على طهارة، لا من وقت اللبس، وذلك لأن الحدث هو سبب وجوب الطهارة، فكان ابتداء المدة منه؛ قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (1/ 99، ط. دار المعرفة): [ثم ابتداء المدة من وقت الحدث؛ لأن سبب وجوب الطهارة الحدث، واستتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم، فما هو موجب لبس الخف إنما يظهر عند الحدث؛ فلهذا كان ابتداء المدة منه، ولأنه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق، ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصلِّ أيامًا لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث] اهــ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الفكر): [مذهبنا أن ابتداء المدة من أول حدث بعد اللبس، فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافرًا انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسًا على طهارة، وما لم يحدث لا تحسب المدة، فلو بقي بعد اللبس يومًا على طهارة اللبس ثم أحدث استباح بعد الحدث يومًا وليلة إن كان حاضرًا وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرًا] اهــ. وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 212، ط. مكتبة القاهرة): [ابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف، هذا ظاهر مذهب أحمد] اهــ.
مبطلات المسح على الجوربيبطل المسح بانتهاء مدته؛ لأن الحكم المؤقت إلى غَايةٍ ينتهي عند وجودها، كما يبطل بما يُوجب الغسل كالجنابة والحيض والنفاس، ويبطل أيضًا بخلع الخُفَّين أو أحدهما، أو انخلاعهما أو أحدهما.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 13-12، ط. دار الكتب العلمية): [المسح ينتقض بأشياء (منها) انقضاء مدة المسح، وهي يوم وليلة في حق المقيم، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لأن الحكم الموقت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية، فإذا انقضت المدة يتوضأ ويصلي إن كان محدثًا، وإن لم يكن محدثًا يغسل قدميه لا غير ويصلي. (ومنها) نزع الخفين؛ لأنه إذا نزعهما فقد سرى الحدث السابق إلى القدمين.. ولو أخرج القدم إلى الساق انتقض مسحه؛ لأن إخراج القدم إلى الساق إخراج لها من الخف، ولو أخرج بعضَ قدمه أو خرج بغير صنعه، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن أخرج أكثر العقب من الخف انتقض مسحه، وإلا فلا] اهــ.
وقال الإمام الدردير في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 156، ط. دار المعارف): [(وبطل بموجب غسل).. فيبطل بموجب الغسل من الجنابة؛ من مغيب حشفةٍ، أو نزول مني بلذة معتادة، أو نِفَاس.. (وبنزع أكثر الرجل لساقه): أي وبطل المسح على الخف إذا أخرجت الرجل منه لساقه أي ساق الخف، وهو ما فوق الكعبين، فأولى لو خرجت كلها] اهــ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: هل يجوز المسح على الشراب حكم المسح على الجورب مدة المسح على الجورب صلى الله علیه وآله وسلم المسح على الجورب المسح على الخف رضی الله عنه ثلاثة أیام المسح علیه قال الإمام دار الفکر اهــ وقال مدة المسح یوم ولیلة أبی حنیفة على طهارة وأن یکون مسح علیه إذا کان لا یجوز أن یکون إن کان من وقت ا یمکن
إقرأ أيضاً:
حكم استعمال المحرم بالحج أو العمرة للشمسية .. اعرف رأي الشرع
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم استعمال المحرم للشمسية؟ فقد كنت محرمًا، ومن شدة الحرِّ كنت استخدم شمسية أثناء المناسك، فاعترض عليَّ أحد الأشخاص بقوله: إن ذلك لا يجوز؛ لأن فيه تغطية للرأس، وهو ممَّا لا ينبغي للمُحرم فعله. فما صحّة هذا الكلام؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه لا مانعَ شرعًا من استظلال المحرم بمظلة الرأس (الشمسية) توقّيًا من أشعة الشمس وحرارتها ما دام أنها لا تلامس الرأس، ولا حرج عليه في ذلك، ولا تلزمه الفدية، ولا يدخل ذلك في النهي الوارد عن تغطية الرجل رأسه وهو مُحْرِمٌ؛ وأمَّا قول المعترض على ذلك؛ فهو موافق لما ذهب إليه بعض الفقهاء، ومع ذلك لا يجوز له الاعتراض على أمرٍ قد ورد فيه اختلاف؛ لما تقرَّر في قواعد الفقه من أنه "لا إنكار في المختلف فيه، وإنما الإنكار في المُجمَع عليه"؛ وحيث لم يرد إجماع في المسألة فإنَّ الإنكار يُعدُّ تضييقًا لما فيه توسعة في الشرع.
المُحرِم: هو مَن أهَّل بالحج أو العمرة، وعلى المُحرم محظوراتٌ عليه ألَّا يفعلها، ومن هذه المحظورات: أن يسترَ المُحرمُ رأسه أو بعضه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن لبس العمائم والبرانس، وذلك فيما رواه الإمامان البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ».
والاستظلال من الشمس للمُحرم توقّيًا من أشعةِ الشمس وحرارتها بشيء يتبع المُحرم؛ كالتظلّل بنحو شيء يرفعه على رأسه كما في مسألتنا: أمرٌ اختلف في حكمه الفقهاء؛ حيث ذهب إلى جوازه الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين اختارها الإمام الخرقي، ووافقهم في ذلك بعض المحققين من المالكية؛ كالشيخ العلامة خليل بن إسحاق، وهو المختار للفتوى.
قال الإمام ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 349، ط. دار الكتاب الإسلامي) في ذكر محظورات الإحرام: [(قوله: وستر الوجه والرأس) أي: وَاجْتَنِبْ تَغْطِيَتَهُمَا.. والمراد بستر الرأس: تغطيتها بما يُغطى به عادة؛ كالثوب، احترازًا عن شيء لا يغطى به عادةً؛ كالعدل، وَالطَّبَقِ، وَالْإِجَّانَةِ] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 547، ط. دار الفكر) فيما يحظر على المحرم فِعلُه: [(أو ستر رأسه) بمعتاد: إما بحمل إجانة أو عدل فلا شيء عليه] اهـ.
وقال الشيخ خليل المالكي في "التوضيح" (3/ 75، ط. مركز نجيبويه) فيما يُباح للمحرم: [وله أن يرفع فوق رأسه شيئًا يقيه من المطر.. وليس له أن يضعه على رأسه من شدة الحر انتهى. والأقرب: جواز ذلك؛ لما في مسلم وأبي داود والنسائي عن أم الحصين رضي الله عنها قالت: "حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ رَفعَ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ"] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 267-268، ط. دار الفكر): [مذهبنا: أنه يجوز للمحرم أن يستظل في المحمل بما شاء راكبًا ونازلًا، وبه قال أبو حنيفة.. دليلنا: حديث أم الحصين رضي الله عنها.. ولأنه لا يُسَمَّى لِبْسًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 490، ط. دار الكتب العلمية): [وفي تظليل المحمل روايتان.. الثانية: له أن يتظلل؛ لأنه ليس بمباشرٍ للرأسِ، أشبَهَ الخيمة، وله أن يتظلل بثوب على عود؛ لما رَوَت أمُّ الحصين رضي الله عنها.. ولا بأس بالتظلل بالخيمة والسقف والشجرة وأشباه ذلك؛ لأنه لا يلازمه، أشبَهَ ظل الجبال والحيطان] اهـ.
وقال أيضًا في "المغني" (3/ 287، ط. مكتبة القاهرة) معلّلًا الرواية المُجَوّزة للاستظلال: [لأنَّ ما حَلَّ للحَلالِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ، إلا ما قامَ على تحريمهِ دليلٌ.. وظاهر كلام أحمد: أنه إنما كره ذلك كراهة تنزيه؛ لوقوع الخلاف فيه، وقول ابن عمر رضي الله عنهما، ولم ير ذلك حرامًا، ولا موجبًا لفدية.. وهو اختيار الخرقي؛ لأنه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالبًا، فأشبه ما لو ستره بشيءٍ يلاقيه] اهـ.
الدليل على جواز استعمال المحرم للشمسية
واستدلوا على ذلك: بحديث أُمِّ الْحُصَيْنِ رضي الله عنها قَالَتْ: "حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ" رواه الإمام مسلم في "الصحيح".
فدلالة الحديث واضحة في أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اطَّلَع على فعلِ بلالٍ رضي الله عنه وهو يستتر من حرِّ الشَّمسِ بثوبهِ ولم ينهه، ولم يأمره بالفدية، فدلَّ على جواز الاستظلال بالمظلة (الشمسية) التي لا تلامس الرأس، وما في معناها ممَّا هو من قبيل المنفصل التابع الذي يستظل به المحرم من الحر؛ كالثوب إذا رفعه فوق رأسه، وكالمحمل.
قال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (9/ 46، ط. دار إحياء التراث العربي): [فِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَازِلًا] اهـ.
وقال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 12، ط. دار الحديث): [قَوْلُهُ: (يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ)، وَكَذَا قَوْلُهُ: (يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ)؛ فِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا مانعَ شرعًا من استظلال المُحرِم بمظلة الرأس (الشمسية) توقّيًا من أشعة الشمس وحرارتها، ولا حرج عليه في ذلك، ولا تلزمه الفدية، ولا يدخل ذلك في النهي الوارد عن تغطية الرجل رأسه وهو مُحْرِمٌ؛ وأما قول المعترض عليك في ذلك فهو موافق لما ذهب إليه بعض الفقهاء، ومع ذلك لا يجوز له الاعتراض على أمرٍ قد ورد فيه اختلاف؛ لما تقرّر في قواعد الفقه من أنه "لا إنكار في المختلف فيه، وإنما الإنكار في المُجمَع عليه"؛ وحيث لم يرد إجماع في المسألة فإنَّ الإنكار يُعدُّ تضييقًا لا وجه له.