قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الطعام الحلال في نفسه هو الذي جاء بطريق حلال فيؤهل صاحبه أن يكون من الصالحين، وأن يكون ممن يستجاب دعاؤه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء) [رواه الطبراني في الأوسط]، فتحري الطعام الطيب في نفسه بأن يكون ممن أباحه الله، وكذلك يكون طعمه طيب، ويكون قد وصل إلى الناس من طريق حلال (الكسب المشروع).

 

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الإنسان الذي يخرج بالطعام عن مراد الله هو الذي لا يبالي من حلاله كسبه أو من حرام ؟ ولا يبالي هل الطعام في نفسه مما أحل الله أم لا ؟ وهل الوقت الذي يأكل فيه الطعام مما أباح الله له الأكل (فالمسلم ممنوع من الأكل في نهار رمضان) ؟ فإذا لم لا يراعي كل هذه الأشياء تدنى بنفسه وبإنسانيته وبشريته، ويشابه غير البشر من الحيوانات التي تأكل دون أن تراعي أي نظام، غير أن تلك الحيوانات لا تحاسب بعدم مراعتها هذه، ولقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى ذلك الشبه في كتابه، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد :12]. 

وقد يسأل سائل عن وجه شبه أكل الكفار بالأنعام ؟ فالحقيقة وجه الشبه هو أن الحيوان لا يرى قيودًا ولا ضوابط على شهواته ورغباته والتي منها رغبته في الطعام، فيأتي شهواته في أي وقت من أي طريق بأي شكل، وأساس رقي الإنسان أنه يرى أن هناك قيودًا وضوابط على رغباته وشهواته والتي منها رغبته في الطعام، فهناك قيود شرعية تبين إطار قضاء تلك الشهوات أو الرغبات، وهناك قيود اجتماعية تحدد له الشكل المقبول في مجتمعه لأدائها، فإذا ألغى الإنسان تلك القيود والضوابط فهو عندئذ يتدنى إلى درجة الحيوانات.

وذلك يجعلنا نلاحظ أن الإنسانية والحضارات البشرية كان سموها ورقيها الحقيقي هو الرقي الأخلاقي، والذي يعبر عن الالتزام بالقيود الدينية والاجتماعية، وأن معنى الحرية المغلوط الذي يروج إليه، حيث يعرف الغربيون الحرية بأنها : غياب الحواجز والقيود أمام رغبات الإنسان، هو في الحقيقة رجعية مقيتة، ولكنها ليست رجعية تؤدي بالإنسان لعصور الظلام فحسب، بل تؤدي به إلى حياة الحيوانات وقوانين الغاب التي نسأل الله أن لا تصل إليها البشرية في يوم من الأيام.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الطعام الحلال الصالحين مستجاب الدعاء

إقرأ أيضاً:

«كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»

من منا لم يخطئ يومًا في هذه الحياة؟ فالأخطاء جزء من طبيعتنا البشرية، نقع فيها أحيانًا عن قصدٍ وتعمد، وأحيانًا أخرى عن غير إدراك أو نية. يتعلّم الإنسان من زلاته إن أنصت لضميره، وراجع خطواته، وواجه نفسه بصدق. لكن المؤلم أن بعضنا يصرّ على الإنكار، يكذب على ذاته، ويقنع نفسه بأنه معصوم عن الخطأ، رغم أن داخله يصرخ بالحقيقة، ويعلم يقينًا أنه قد أذنب في حق غيره. وهنا يكون الفرق، فالصادق مع نفسه يراجعها، ويحاسبها قبل أن يُحاسب بين يدي الله، أما المكابر، فلا يزيده الإنكار إلا بعدًا عن التوبة والإصلاح.

البعض يتربص بالآخرين، ويغني بهفواتهم وأخطائهم، ويتلذذ بتمزيقهم بمشرط جراح تمددت أمامه جثة إنسان ضعيف، فالقوي لا يدرك بأنه يرتكب جريمة أخرى في حق نفسه قبل أن يرتكبها في حق الآخرين، وعندما ينتهي من جريمته بتجريح القلوب وإذلال النفوس يقول بأنها «وجهة نظر»!

أيها البشر، ترفقوا ببعضكم البعض، واعلموا بأن الوقوف على الأخطاء ليس معناه معاقبة الآخرين وجلدهم وتمزيق قلوبهم وجلب كل ما من شأنه إدخال التعاسة إلى نفوسهم، فبعض الأخطاء يمكن تصحيحها بسهولة دون أن تكبر دائرة الذنب أو ارتكاب أخطاء جديدة بحقهم، ليس هناك فينا من لا يخطئ، ولكن الله منحنا الفرص لكي نصلح ما أفسدناه، وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح. الاعتراف بالخطأ ليس انهزامًا أو قلة حيلة كما يعتقد الجهلاء والسفهاء من الناس بل هو جزء من الشجاعة وحسن الخلق، فعندما نخطئ في حق أحد منا، لا ننتظر بأن يخاصمنا الآخر إلى «القضاء أو إلى الله» بل علينا أن نبادر ونسارع إلى تنظيف الجرح الذي أحدثناه، وذلك بالعمل على تطييب القلوب، فرب كلمة طيبة تزيح صخورًا ثقيلة على قارعة قلوب المظلومين. لا تظننّ أنك معصوم عن الخطأ، بل تمهّل قليلًا وتأمّل حديثك، وتصرفاتك، ونيّاتك، وتلك الوساوس الخفيّة التي يدفعك الشيطان بها نحو الزلل... ستجد إن كنت منصفًا مع نفسك أن هناك هفواتٍ قد خرجت منك، دون قصد أو بغير وعي، تحتاج منك إلى وقفة صادقة.

ابدأ بمواجهتها داخليًا، وصحّحها مع ذاتك أولًا، ثم بادر إلى تصويبها مع من تأذّى منك، حتى لا تُعيد الكرّة، ولا يتكرّر الخطأ؛ فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف، لا من الإنكار أو التبرير. ثق دائمًا بأن ساحات المعارك التي تدخلها مع الآخرين قد تخرج منها منتصرًا، بقدر ما يمكن أن تسبب لك في خسائر لن تلتفت إليها ساعة الذروة، ولكن ما أن تهدأ الأمور ستجد بأن ثمة جرحًا يدمي قلبك وعينك. نعم، الخطأ وارد في مسيرة الإنسان، فهو جزء من فطرته وضعفه، لكن الاستمرار في درب الخطيئة هو ما حذرنا منه المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ إن التمادي وعدم التراجع هو ما يثقل الميزان ويفسد القلوب. فمن الناس من لا يُلقي بالًا لما يصدر عنه من لغو أو أذى أو ظلم للآخرين، تغريه قوته، ويغلفه غرور المكانة، ويعميه الحسب والنسب عن التواضع والاعتراف بالزلات، فلا يُفكّر في التوبة، ولا يستشعر عِظم الخطأ الذي ارتكبه، كأن كبرياءه يمنعه من أن يطرق باب الله، متناسيًا أن التوبة شرف، والرجوع عن الذنب فضيلة، والاعتراف أول أبواب الرحمة.

كم من أناسٍ ترجلوا عن هذه الدنيا وقلوبهم مثقلة بالحزن، يعتصرها ألم الظلم الذي وقع عليهم، بينما الظالم يقف مزهوًا بقوته، وبقدرته على أن يحرز إنجازًا يعتقد بأنه مفخرة أمام الآخرين، لكنه يخطئ في هذا الظن، فالظلم ظلمات يوم القيامة. لذا، كلّما أخطأنا في حق أحد فلنُبادر إلى مراجعة أنفسنا، وإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن يحين الأجل، فما أقسى أن نغادر هذه الحياة وحولنا دعاء مظلوم، أو عقوبة تنتظرنا في ميزان العدل الإلهي، فالحياة كما نراها كل يوم: «فرح هنا، وعزاء هناك»، والأرواح تسافر ولا تبقى في مكانها.

يجمع علماء الدين والفقهاء على أن «الظلم من أقبح الكبائر، وهو ظلمات يوم القيامة»، ودليلهم على ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا»، ويقول في القرآن الكريم في سورة الفرقان: «وَمَن يَظْلِمْ مِنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا»، ويقول في سورة الشورى: «وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»، إذن ليعرف الناس بأن الظلم شره عظيم، وعاقبته وخيمة، نسأل الله تعالى العفو والمغفرة. يسخّر الله تعالى لعباده من الأدوات والقدرات ما يعينهم في دروب الحياة، فيمنح بعضهم قوة في القول، وبأسًا في الفعل، وسلطة في التأثير، فمنهم من يهتدي بتلك النعمة، فيسخّرها في الخير، ويجعل منها بابًا للعون والإصلاح. لكن آخرين، للأسف، يوجهون هذه القوة نحو الأذى، ويتخذون من سلطانهم وسيلة للتسلّط على الخلق، خاصة إذا التفّ حولهم بطانة فاسدة، لا ترشدهم للحق، بل تزيّن لهم المعصية، وتدفعهم إلى ارتكاب الآثام؛ فيغرق في غياهب الغرور، وتبتعد روحه عن نور الهداية، وتغشى بصيرته غمامة لا تكشفها إلا صحوة متأخرة، أو حساب لا مفر منه.

مقالات مشابهة

  • لا تنسوا الدعاء فهو عبادة يحبها الله
  • «تُستجاب فيه الدعوات».. عضو المعهد العالي للقضاء يوضح فضل يوم عرفة
  • هل يجوز الدعاء بشيء وأنا أعلم أنه شر لي؟.. الإفتاء تجيب
  • مجلة فوربس تكشف عن النادي الذي يتصدر قائمة الأندية الأعلى قيمة للعام الرابع تواليا
  • هكذا قاله النبي.. أفضل 6 أوقات لـ دعاء يوم عرفة
  • دعاء النبي يوم عرفة مستجاب.. اغتنمه بـ 4 كلمات في يوم الكرم الإلهي
  • «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»
  • علي جمعة: كل أحاديث البخاري موجودة في مسند الإمام أحمد ما عدا حديثًا واحدًا
  • «علي جمعة»: كل أحاديث البخاري موجودة في مسند الإمام أحمد ما عدا حديثًا واحدًا
  • الحزن الذي يحرق شرايين القلوب!