مقام.. لحنٌ أطرب عشاق الموسيقى في جامعة السلطان قابوس
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
على أنغام فن المديمة البحري الذي استعرض فيه البحارة المشاركون مهاراتهم في اللعب وفقًا للتقاليد المتعارف عليها بينهم، وصفقاتهم الرنانة، ونغم الآلات الموسيقية الشعبية التي أطربت أذن السامع كالضرب على المسيندو، واختلاف إيقاع الضرب على الكاسر والرحماني، وصوت القربة الذي يأسر المستمع ويأخذه إلى عالم آخر، عاكسًا روح تراث السواحل العُمانية، انطلقت فعاليات أمسية "مقام"، والتي تعني تتالي العلامات الموسيقية وفق قواعد موضوعة لتصنيف اللحن الموسيقي، مما يسهل تعامل العازف مع الآلة.
وأشار مرتضى العجمي، رئيس جماعة الموسيقى والفنون الشعبية بجامعة السلطان قابوس، قائلًا: "أمسية مقام هي من أصل المقامات العربية، وفي المقام تُبدع النغمات من حجاز الأذان إلى حزن الكرد. ففي موسيقانا العربية إبداع، فوظفنا إبداعنا في الأمسية في المزج بين موسيقانا العربية والموسيقى الغربية الكلاسيكية بشغف متجدد وإيقاع يستمد لحنه من ذواتنا ليصل للجمهور بإحساس عميق وجميل. بإبداع طلاب الجامعة من تأليف وعزف وغناء، نطرب مسامع الجمهور ونمتعهم. فنحن هنا لنُسمع العالم إيقاعًا موسيقيًا أصيلًا. فبالرغم من التحديات، لم تتراجع طموحاتنا، بل زادتنا عزيمة وإصرارًا على تقديم أفضل ما لدينا بإيقاعات تلامس الأرواح وتخاطب الذائقة الرفيعة".
بدأ الحفل الموسيقي بمقطوعة موسيقية من إبداع العازف الموهوب الوليد بن حمود البلوشي، قدّم فيها تجربة موسيقية من تأليفه في مزيج يجمع بين الموسيقى الشرقية والكلاسيكية بعنوان "ظلال الأرواح المتعانقة". حملت المقطوعة مشاعر الحزن والإحباط، وقال عنها إنها كانت عبارة عن ثلاث حركات؛ الأولى بلحن حزين وبطيء، ثم ترتفع السرعة في الحركة الثانية لشرح الخلاف الحاصل، وأخيرًا يرتفع الرتم في الحركة الثالثة شرحًا للمعركة النفسية التي يمر بها".
بعدها، قاد المايسترو السوري نزيه أسعد الأمسية ببراعة، حيث تنقلت الفرقة بين ست مقطوعات موسيقية غنائية متنوعة، اتسمت بمزيج رائع من الألحان، مما جعل العرض تجربة موسيقية فريدة.
اختارت وسن المعمرية في تجربتها الأولى التي تقف فيها أمام الجمهور غناء الأغنية الأجنبية “Sway”، والتي تعني باللغة العربية "التمايل" أو "التأرجح"، للمغني مايكل ببل. وكانت الأغنية، كما يبدو، معروفة لدى أغلب الجمهور، فتفاعلوا معها بحماس، لتكون الأغنية الأولى في الحفل. وترى المعمرية أن الغناء باللغة الأجنبية هو الأقرب لها، وتستطيع من خلاله إيصال أحاسيسها ومشاعرها للجمهور والمستمعين.
استمتع الجمهور بعدها بأغنية "أنا في انتظارك" للفنانة القديرة أم كلثوم، والتي غناها أحمد بن خالد بن عبد الله كوفان على مقام الحجاز. استطاع كوفان من خلالها إيصال إحساسه وقوة أدائه، وقال عن سبب اختياره للأغنية: "اخترتها بسبب اللحن العظيم، ورأيت أن هذه الأغنية تمثلني وتمثل شخصيتي. توقعت أنها ستلامس الجمهور، وهذا ما حدث فعلًا في الحفل. كما أن كلمات الأغنية تحمل قصة تُمتع السامع".
غنى بعدها محمد الندابي أغنية "يا عديم الشوق" على مقام الكرد للفنان عبد المجيد عبد الله، والتي اختارها حبًا للفنان المعروف. وقال الندابي: "اخترت هذه الأغنية لأني أحبها كثيرًا من بين مجموعة كبيرة من أغاني الفنان عبد المجيد عبد الله. آمنت بأني قادر على أدائها اليوم على خشبة مسرح الجامعة وأمام هذا الجمهور العاشق للفن. اختياري لها لا يعني أنها تمثلني، لكنها كانت مجرد ذوق. لا أعتقد أن هناك أغنية تمثل فنانًا إلا إذا كتبها بنفسه".
كما حظي الحفل بأغنيتين للفنان عبد الكريم عبد القادر. غنت تقوى الصولية الأغنية الأولى "سامحني خطيت"، والتي تحمل نوعًا من العتاب والاعتذار مع شيء من العزة. وقالت الصولية عن سبب اختيارها: "هي أغنية جميلة على مقام الكرد، واخترتها لأنني كنت أستطيع إيصال إحساسي للحضور، ومن خلالها يمكنني أن أجعل الجمهور يتذكرني بها. بالرغم من الوقت القصير الذي تدربت فيه على الأغنية بسبب جدولي الدراسي، إلا أنني حاولت جاهدة الظهور بشكل جيد". فيما غنى عبد الملك العريمي أغنية "رد الزيارة"، التي كان الجمهور يحفظها وتفاعل معها مرددين مقاطعها. اختار العريمي غناءها لحبه لها منذ الصغر، وقال: "لطالما حلمت بغنائها على مسرح كبير مثل مسرح جامعة السلطان قابوس، وقد تحقق الحلم".
شارك علي الدروشي بأغنية "اختلفنا" لفنان العرب محمد عبده، وقال عنها إنها أغنية جميلة ورائعة ومتفردة. تتنوع فيها الانتقالات والمقامات، بالإضافة إلى كلماتها العاطفية، مما كان سببًا لاختياره لها. توقع أن تكون خفيفة ويستمتع بها الجمهور، وتمثل شخصيته ويؤديها بشكل جيد.
اختُتمت أمسية "مقام" وسط تصفيق حار وإشعال أضواء هواتف الجمهور المحمولة عند حضور الفنانة زمزم البلوشية، التي استطاعت كسب حب الجمهور بأدائها العفوي المتميز دائمًا. حضرت على خشبة الأمسية لأداء أغنيتها "بلا هود"، التي غنتها بمناسبة العيد الوطني الرابع والخمسين.
وقالت البلوشية: "أنا سعيدة بعودتي اليوم بعد غياب طويل إلى الخشبة التي تخرجت منها، وبعد غيابي عن الغناء على خشبة المسرح وتوجهي إلى تصوير الأغاني المصورة". وأضافت: "لقد كنت في إحدى الفترات رئيسة لهذه الجماعة الطلابية، وقدمت من خلالها عروضًا كثيرة. اليوم، أقف معهم فيها كضيف شرف، وهذا بحد ذاته شعور جميل وفرصة لأحتفل معهم بعملي الجديد الذي نُشر بمناسبة العيد الوطني".
رافق هذا العرض الموسيقي الرائع مجموعة من الآلات الوترية والإيقاعية، مثل الكمان، آلة الأحلام الرقيقة، وآلة التشيللو المنتمية لعائلة الكمان، والجيتار، والعود ملك الطرب الشرقي وسيد الحكايات الموسيقية، والقانون، الآلة المليئة بالأوتار النابضة بالإحساس، والجيتار الكهربائي، وقصبة الناي، وآلة الأورغ، والإيقاعات الخليجية والعربية. وشارك صوت الكورال الذي أضفى جمالًا على الغناء الجماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطان قابوس
إقرأ أيضاً:
عُمان.. حين يكون الحب أمانة والمواطنة مسؤولية
محمد بن علي البادي
حين تنشد الحناجر نشيد "يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان"، فإنها لا تردد كلمات فقط؛ بل تُجدد عهد الولاء، وتبث من أعماقها نبض الحب لعُمان، ولقائدها الحكيم، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه؛ فهذا النشيد الوطني ليس مجرد رمز للدولة؛ بل هو مرآة صادقة تعكس ما تختزنه قلوب العمانيين من حبٍ لوطنهم، ووفاءٍ لقيادتهم.
لقد خُلق العُماني وفيًّا، جُبل على الإخلاص، وتوارث الولاء جيلًا بعد جيل، كما يُورَّث المجد والكرامة. فمنذ الأزل، وعُمان تعرف الوفاء عرفًا، وترضع أبناءها حب الأرض والقائد مع الحليب. لم يكن الولاء يومًا شعارًا يُرفع؛ بل خُلُقًا يُمارس، وسلوكًا يعيش في تفاصيل الحياة اليومية. في المحن قبل الرخاء، وفي الغياب قبل الحضور، يثبت العُماني أنه لا يساوم على عُمان، ولا ينكص عن حُبّ سلطانها، أيًا كان الزمان وأيًا كانت التحديات.
واليوم، تحت ظل السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله-، يواصل العمانيون المسير بكل ثقة. قائدٌ حكيم، نهل من مدرسة النهضة المباركة، وسار على درب البناة الأوائل، مستندًا إلى رؤية واضحة، وعزيمة لا تلين، وإيمانٍ راسخ بشعبه. فعُمان معه لا تكتفي بالبقاء؛ بل تسعى إلى الارتقاء، كما جاء في النشيد: "فارتقي هام السماء واملئي الكون الضياء".
وهنا تتجلّى الصورةُ أكثر وضوحًا: فالعُماني، مهما بلغت به ظروف الحياة، لا يساوم على وطنه. هو ثابت الولاء، راسخ الانتماء، يحمل عُمان في قلبه حيثما حلّ وارتحل؛ سواء خرج لطلب العلم، أو بحثًا عن لقمة العيش، أو للعلاج والتداوي. يظل يشتاق لترابها، ويحنّ لهوائها، ويذكرها في دعائه وسجوده.
هذا المخزون الهائل من الحب والإخلاص، يجب أن يُقابل من الجهات المعنية في الدولة بما يوازيه من رعاية واحتواء. فكل مواطن مخلص هو طاقة كامنة، يمكن أن يُصبح إنسانًا منتجًا، فاعلًا، صالحًا لكل زمان ومكان، مؤهلًا لكل مهنة وحرفة.
إنَّ المواطن العُماني ليس مجرد رقم في سجلات الدولة؛ بل هو أمانة عظيمة في أعناق المسؤولين، استودعهم الله إياها، وحثّ عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- في كل محفل ومناسبة، مؤكدًا أن الإنسان هو محور التنمية، وغايتها العليا، وأن رعايته ليست تفضّلًا؛ بل واجب مقدّس يسبق السياسات والخطط.
وحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أعزه الله- هو الأب الحكيم لهذا الشعب الوفي، ولا ينفك يُعبّر عن استشعاره لهموم مواطنيه، وحرصه على أن يكون كل فرد منهم في موضع الكرامة، والعطاء، والمشاركة الفاعلة في مسيرة البناء الوطني.
وعلى إثر ذلك، باتت قضية الباحثين عن عمل حديثَ كل مجلس، وهمًّا مشتركًا في القلوب. ولم تعد محصورة في أروقة النقاشات الرسمية؛ بل تسللت إلى المجالس العامة، والمساجد، وحتى مناسبات الأفراح والأحزان. الكل يتحدث، الكل يوجعُه هذا الواقع؛ فالمعاناة واحدة؛ سواءً كان الباحث عن عمل خريجًا جديدًا أنهى مشواره الأكاديمي بآمالٍ عريضة، أو موظفًا سابقًا قَدّر الله له أن يُسرّح من وظيفته نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، أو عن إرادة الجهة التي كانت تشغله.
إنها مأساة حقيقية، لا تقلّ في وجعها عن آلام المرض أو فَقْد الأحبة، لأنها تمسّ كرامة الإنسان، وتطرق أبواب الأمل في قلبه. وما من وطنٍ يرتقي إلا حين يجعل من إنسانه أولويته، ويمنحه الفرصة ليكون شريكًا في البناء، لا عالةً تنتظر المجهول.
لذلك، فإن الجميع اليوم يناشد بالرأفة بهؤلاء الباحثين عن عمل، ويدعو بقلوب صادقة إلى أن تتكاتف الجهود من الجهات الحكومية، والقطاع الخاص؛ بل وحتى أصحاب رؤوس الأموال وأهل الخير. فمن كان له مدخل أو قدرة على فتح باب لهؤلاء الشباب؛ فليُبادر دون تردد، وليمد لهم يد العون والمساندة، سواء عبر توفير فرص التوظيف، أو من خلال دعم أصحاب المبادرات الصغيرة والمشاريع الناشئة، الذين لديهم الاستعداد لتحمّل مسؤولية العمل والإنتاج إن توفرت لهم الأدوات والفرصة.
إنها مسؤولية وطنية وأمانة أخلاقية قبل أن تكون واجبًا وظيفيًا أو اقتصاديًا. فكل يد تُمد لشاب يبحث عن عمل، هي يد تبني لبنة في جدار الوطن، وكل فرصة تُمنح لإنسان قادر، هي خطوة نحو مجتمع أقوى، وأكثر استقرارًا وتلاحمًا.
وكذلك، لا بُد من التذكير بمسؤولية الوزارات والمؤسسات التعليمية، من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، في الوقوف إلى جانب أولياء الأمور، والتخفيف عن كاهلهم، خصوصًا من لا يستطيعون توفير احتياجات أبنائهم الدراسية؛ فالميدان التربوي لا يجب أن يكون حِكرًا على القادرين؛ بل حاضنًا للجميع دون استثناء.
ومن هنا، نُهيب بتلك المؤسسات أن تُراجع سياساتها ومتطلباتها، وأن تُقلل ما أمكن من الأعباء والشروط التي ترهق الأسر، وأن تُفعّل الشراكات مع الجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد المقتدرين، لمدّ يد العون لمن لا حيلة له، ممن يعجز حتى عن تأمين أبسط المستلزمات الدراسية.
العلم حق، وليس امتيازًا، والعدالة التعليمية أساس راسخ لبناء أجيال صالحة، لا تُقصى بسبب ضيق ذات اليد؛ بل تُحتضن وتُمنح الفرصة، لتكون عونًا لوطنها، لا عبئًا عليه.
إنَّ عُمان لم تكن يومًا أرضًا فقط؛ بل كانت دومًا روحًا تنبض في القلوب، وقيادةً ترعى شعبها، وشعبًا وفيًا لا يساوم على ولائه. واليوم، ونحن نُجدد عهد الحب والوفاء لوطننا الغالي، ولقائدنا المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فإننا نرفع أصواتنا لا بالشكوى؛ بل بالأمل، وبالرجاء أن تتضافر الجهود، وتلتفت القلوب والعقول إلى أبناء الوطن الذين ينتظرون فرصة، ويستحقون دعمًا، ليكونوا كما أرادهم وطنهم: منتجين، فاعلين، ومصدر عز وفخر.
اللهم احفظ عُمان وأهلها، ووفق جلالة السلطان في قيادته وسدده في قراراته، وألهم كل مسؤول في هذا الوطن أن يجعل من الأمانة طريقه، ومن الإنصاف منهجه، ومن خدمة الناس غايته، فبذلك تُبنى الأوطان وتُحفظ الأجيال، ويزدهر المستقبل كما نحلم به جميعًا.
عُمان في القلب... وستبقى ما حيينا.