عربي21:
2025-08-12@06:30:16 GMT

أنس.. الكلمة التي أرعبت الرصاصة

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

لمن يهمه الأمر  الاحتلال يلوّح باجتياح غزة بجدية، والمدينة تنزف منذ اثنين وعشرين شهرًا تحت نيران البر والبحر والجو. شهداؤها بعشرات الآلاف، وجرحاها بمئات الآلاف، وإن لم يتوقف هذا الجنون فلن يبقى من غزة سوى الركام، وستغيب صورة وصوت أهلها، وستسجّلكم ذاكرة التاريخ كشهود صامتين على جريمة إبادة لم يفعل أحد شيئًا لوقفها.



 أنس الشريف، تغريدة قبل ساعة من استشهاده.
حين كنت شابًّا غِرًّا، كنت أظن كما رسمته وسائل الإعلام الغربية أن الإرهاب سيارة مفخخة، أو طائرة مختطَفة، أو حزام ناسف، وأن الإرهابي لا يكون إلا ذا لحية كثّة وملامح متجهّمة. لكنني أدركت لاحقًا أن هذا النمط ليس إلا شكلاً بدائيًّا أمام إرهاب الدول الذي نشهده اليوم؛ كالمجزرة المستمرة في غزة على مرأى ومسمع العالم. فالإرهابي ذو اللحية الكثّة ليس سوى مبتدئ أمام أولئك الذين يرتدون البذلات الفاخرة، ويعقدون ربطات العنق اللامعة، ويبتسمون بثقة أمام عدسات الكاميرات.

وقد تأتي صورة الإرهاب أحيانًا أقل دمويّة، كما حدث قبل أيام في بريطانيا حين خرجت مظاهرة سلمية تندّد بالمجزرة، فاعتُقل 522 مشاركًا فيها، كان أكثر من نصفهم قد تجاوزوا الستين عامًا.

افتتح الكيان الصهيوني هجومه الجديد على غزة باغتيال الصحفي النشيط أنس الشريف وثلاثة من رفاقه، بعد لحظات فقط من تغطيتهم للهجوم الهمجي على القطاع، في نهج ممنهج لإسكات الأصوات الحرة وترهيب الصحفيين وثنيهم عن كشف فصول المجزرة الجديدة التي بدأت للتو.

ولم تُخفِ الدولة المجرمة أن الاغتيال كان مقصودا، زاعمةً أن أنس قائد خلية لحماس. فكل صحفي تغتاله، في روايتهم، حماس، وكل طفل جائع يُقتل عند مواقع توزيع المساعدات حماس، وكل مسجد أو كنيسة أو مستشفى يُقصف حماس، وكل مظاهرة حماس، وكل ناشط فلسطيني حماس، بل إن قول الحقيقة حماس، والأمم المتحدة حماس، والدول التي تدين المجزرة حماس.

لقد تحوّلت هذه الكذبة المبتذلة إلى أسطوانة ممجوجة لا يرددها إلا نتن ياهو وزبانيته، وزبائن جيفري إبستين مغتصبو الأطفال، والسياسيون الفاسدون الذين تحرّكهم أموال اللوبيات الصهيونية.

وإذا كان أنس، كما يزعم الكيان المجرم، رأس خلية إرهابية، فلماذا لم يُغتَل وحده؟ ولماذا استُهدِف معه ثلاثة صحفيين آخرين، وابن شقيقته الذي لم يكن يحمل سوى حلم أن يصبح صحفيًّا مثل أنس حين يكبر؟
بالطبع، لن تثور وسائل الإعلام الأجنبية ولا كبار صحفييها لاغتيال أنس
ورغم سيطرة الكيان على 80% من قطاع غزة، وإقامته مصائد الموت التي يسميها مراكز مساعدات، وإنكاره وجود مجاعة أو إبادة جماعية، وادعائه أن الصحفيين يكذبون، فإنه في الوقت نفسه يمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع. وهذا وحده دليل قاطع على أن ما ينقله الصحفيون من هناك هو الحقيقة العارية.

بالطبع، لن تثور وسائل الإعلام الأجنبية ولا كبار صحفييها لاغتيال أنس؛ قد يصدرون إدانات ويبدون شيئًا من الغضب، لكنه غضب لا يرقى إلى اعتبار اغتياله جريمة تمسهم جميعًا. وهم لم يغضبوا من قبل على اغتيال أكثر من 245 صحفيًّا حصدتهم آلة الحرب خلال اثنين وعشرين شهرًا، أي بمعدل صحفي واحد كل ثلاثة أيام، وهو رقم لم يشهد التاريخ مثله.

قبل اغتياله، تعرّض أنس لحملة تشويه صهيونية منظمة، قادها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي نعته بالإرهابي لمجرد ظهوره على شاشة التلفاز جائعًا منهكًا، وكأن الجوع أصبح تهمة إرهاب! ولعمري، لم أرَ في حياتي إرهابيًّا جائعًا.

وقد شُكّلت لجنة للدفاع عنه، وحذّرت المنظمات الأممية المعنية بحماية الصحفيين من الخطر الذي يحدق بحياته، وسط عشرات التغريدات التي نشرها بنفسه. لكن تلك التحذيرات ضاعت في الفراغ، بل إن وسائل الإعلام الغربية شككت في الأمر وتبنّت الرواية الصهيونية. عندها كتب أنس وصيته، وحمل كفنه، ومضى في جهاده بالكلمة والصورة حتى اللحظة الأخيرة.

لحق أنس ورفاقه بركب مئات الصحفيين الذين فقدوا منازلهم وعائلاتهم أولًا في محاولة لترهيبهم، لكنهم أبوا أن يضعوا الكاميرا أرضًا أو أن يصمتوا أمام الجريمة. قبل عامين، لم يكن اسم أنس يتردّد في الأروقة ولا يظهر على الشاشات، لكنه تسلّم الراية من رفيقٍ مضى شهيدًا قبله، وسيتسلمها من بعده آخرون، يحملون أرواحهم بأيديهم ليواصلوا هذه المهمة المقدسة، وهم يدركون أن ثمنها غالبًا حياتهم، مؤمنين بأن الكلمة والصورة ستنتصران على الرصاصة والقنبلة يومًا ما.

الدستور الأردنية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة غزة الاحتلال العدوان انس الشريف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات رياضة صحافة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وسائل الإعلام

إقرأ أيضاً:

في واقعة مدير المدرسة.. نقابة المعلمين تشيد بمحافظ المنيا وتهاجم وسائل الإعلام

قالت النقابة العامة للمعلمين، إنها تابعت ما تم تداوله بشأن واقعة مدير مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا، انطلاقا من دورها في الحفاظ على مكانة المعلم بما يسهم فى استقرار العملية التعليمية، وتغليب روح التعاون، للصالح العام وتنشأة الأجيال بطريقة سليمة تدعم قيم الاحترام والوطنية.

وأكدت النقابة العامة برئاسة خلف الزناتي نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب أن المعلم هو ركيزة العملية التعليمية، واحترامه وتقدير جهوده واجب وطني ومجتمعي، فهو من يغرس القيم ويبني العقول، ويؤدي رسالته في ظروف قد تكون صعبة أحيانًا، لكن بروح من التضحية والإخلاص.

ودعت النقابة وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم الانسياق وراء الشائعات أو تأويل المواقف بما يثير الفتنة أو يسيء لصورة المعلم أو المؤسسات التعليمية.

وشددت النقابة على أهمية التعاون البنّاء بين جميع مؤسسات الدولة، بما يحقق مصلحة أبنائنا الطلاب ويحافظ على استقرار العملية التعليمية.

وتواصلت النقابة العامة للمعلمين، مع محمود زكي مدير مدرسة أشروبة الثانوية بالمنيا، لتأكيد تقدير النقابة لدوره التربوي، الذى شهد له كل من يعمل في الحقل التربوي بمحافظة المنيا، وأن المدرسة تحت إدارته، تمثل بيتًا للتعليم والمعرفة، ومكانًا يحتضن أبناءنا الطلاب في مناخ يسوده الانضباط والتقدير المتبادل.

وأوضح محمود زكي مدير مدرسة أشروبة الثانوية، أن المجتمع المحلي يشهد لإدارة مدرسة أشروبة بالتفاني فى خدمة العملية التعليمية، وأنه جرى تكريمه أكثر من مرة من النقابة ومديرية التربية والتعليم والمحافظة، لجهوده فى تعليم وتنشأة الطلاب بطريقة سليمة، مؤكدا أن الواقعة الأخيرة قد أُسيء فهمها في بعض الجوانب، وأن المدرسة وإدارتها يكنّون كل الاحترام لقيادات المحافظة في خدمة العملية التعليمية وتطوير المدارس.

وشدد على أن جميع العاملين بالمدرسة ملتزمون بالقيم الأخلاقية والمهنية، مع إعلاء قيم الحوار البنّاء والاحترام المشترك لما فيه مصلحة أبنائنا الطلاب ومجتمعنا المحلي.

وقال مدير مدرسة أشروبة، إننا نؤمن أن الحوار الهادئ وروح التعاون هما السبيل الأمثل لتطوير العملية التعليمية، ونشدد على التزامنا الكامل بالقيم التربوية والإنسانية التي تحفظ كرامة الجميع وتضع مصلحة الطلاب في المقدمة.

من جانبها نشرت الصفحة الرسمية لمحافظة المنيا تصريحات اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أكد خلالها تقديره واعتزازه البالغ بمعلمي المحافظة، للدور المحوري الذي يقومون به في إعداد وتربية النشء، وصناعة أجيال جديدة قادرة على بناء المستقبل، مؤكّدًا أن المعلم سيظل دائمًا رمزًا للعطاء، وصاحب رسالة نبيلة، وصانعًا للأجيال.

في سياق متصل، نفى المحافظ ما تم تداوله عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات من تفسيرات تهدف لافتعال أزمة مع أسرة التعليم بالمنيا، مؤكدًا أن ذلك لم ولن يحدث فى ضوء تقديره لما تقدمه أسرة التعليم من جهود وعطاء متواصل عبر الأجيال.

وشدد المحافظ على أن ما تم خلال الزيارة الأخيرة من توجيهات كان في الأساس للصالح العام، وبما ينعكس إيجابيًا على العملية التعليمية بكافة مدارس المحافظة، تحقيقًا لمصلحة الطلاب والمعلمين على حد سواء.

طباعة شارك النقابة العامة للمعلمين مدير مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا محافظة المنيا مدرسة أشروبة الثانوية نقابة المعلمين نقيب المعلمين خلف الزناتي اللواء عماد كدواني محافظ المنيا

مقالات مشابهة

  • مقتل الصحفيين الشريف وقريقع في قصف إسرائيلي استهدف خيمتهم أمام مجمع “الشفاء الطبي” بمدينة غزة (صورة)
  • في واقعة مدير المدرسة.. نقابة المعلمين تشيد بمحافظ المنيا وتهاجم وسائل الإعلام
  • اغتيال خيمة الصحفيين في غزة: جريمة بحق الكلمة والصورة وصمت يفضح العالم
  • «البحري» تنفي نقل شحنات إلى إسرائيل وتؤكد التزامها بسياسات المملكة تجاه القضية الفلسطينية
  • صحفي “إسرائيليّ” يفضح أكاذيب جيش الاحتلال حول اغتيال أنس الشَّريف
  • وسائل إعلام فلسطينية: استشهاد مراسل الجزيرة أنس الشريف وعدد من الصحفيين جراء قصف إسرائيلي لخيمتهم
  • اتفاقية بين ترامب ميديا وجي بي نيوز البريطانية ذات التوجه اليميني
  • المجالي ناطقاً إعلامياً باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي
  • نيويورك تايمز تكشف تفاصيل عن وريثة الحكم في كوريا الشمالية