اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا.. صفحة جديدة في تاريخ جنوب القوقاز
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
في 8 أغسطس/آب 2025، شهد البيت الأبيض توقيع اتفاق سلام "تاريخي" بين أذربيجان وأرمينيا، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وضع حدا لأطول نزاع عرفته منطقة القوقاز منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وحضر مراسم التوقيع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، في خطوة وصفت بأنها "تحول إستراتيجي" في المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
يعود النزاع بين أذربيجان وأرمينيا إلى أوائل تسعينيات القرن الـ20، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز النزاع على إقليم ناغورني قره باغ ذي الأغلبية الأرمينية داخل الأراضي الأذرية، والذي دعمت أرمينيا انفصاله عن أذربيجان.
وفي عام 1992 اندلع أول نزاع مسلح واسع النطاق بين الطرفين، وانتهى عام 1994 باتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية، وبقي الإقليم والمناطق المحيطة به تحت سيطرة القوات الأرمينية، إلا أن التوتر ظل قائما رغم الهدنة، إذ استمرت مناوشات متفرقة على مدى عقدين.
وفي أبريل/نيسان 2016، شهدت المنطقة ما عُرف بـ"حرب الأيام الأربعة"، وهي مواجهة عسكرية عنيفة أسفرت عن مئات القتلى وأعادت النزاع إلى واجهة الاهتمام الدولي، قبل أن يشهد الصراع منعطفا خطيرا خريف عام 2020 عندما اندلعت حرب استمرت 44 يوما، وانتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، سمح لأذربيجان باستعادة مساحات واسعة من إقليم ناغورني قره باغ والمناطق المحيطة به، مع نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة.
ورغم هذا الاتفاق استمرت الاشتباكات الحدودية بين عامي 2021 و2022 وسط تبادل الاتهامات بخرق الهدنة. وفي سبتمبر/أيلول 2023 نفذت أذربيجان عملية عسكرية خاطفة في ناغورني قره باغ دفعت جميع الأرمن المتبقين في الإقليم البالغ عددهم 100 ألف تقريبا إلى الفرار لأرمينيا، وأدت إلى استسلام القوات الأرمنية المحلية وانسحابها، ما أتاح لباكو فرض سيطرة كاملة على الإقليم.
وعمّق هذا التحول الميداني فجوة الخلافات السياسية بين البلدين وأبقى حالة العداء قائمة. وبعد ذلك تصاعدت الضغوط الأميركية والأوروبية لدفع الطرفين نحو حل نهائي للصراع بينهما.
إعلانوتُوجت تلك الجهود في الثامن من أغسطس/آب 2025 بتوقيع اتفاق سلام وصف بـ"التاريخي" في واشنطن برعاية أميركية، أنهي رسميا أكثر من 3 عقود من النزاع المسلح والعداء السياسي بين أذربيجان وأرمينيا.
وساطات سابقةمنذ اندلاع النزاع المسلح بين أرمينيا وأذربيجان مطلع تسعينيات القرن الـ20، شكلت الوساطات الدولية أداة رئيسية لمحاولة احتواء الصراع.
وساطة روسيةوكانت أولى هذه الجهود في عام 1994 بوساطة روسية، أسفرت عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في موسكو، نجح في إنهاء الحرب الأولى بين الطرفين، إلا أنه لم يضع أساسا لتسوية نهائية للصراع.
وظلت الوساطة الروسية حاضرة بقوة في الكثير من المحطات التفاوضية بين الطرفين، في إطار مجموعة مينسك التي تم تأسيسها لهذا الهدف.
دور مجموعة مينسكوبرز دور مجموعة مينسك (أسستها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1992) برئاسة ثلاثية تضم كلا من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا أواخر العقد الأخير من القرن العشرين.
تبنت المجموعة مبادرات عدة لتسوية النزاع، فقدمت من أجل ذلك في عام 1997 مقترحين متوازيين، تمثل الأول فيما سمي بـ"خطة الخطوات المتتابعة"، ودعت من خلاله إلى انسحاب تدريجي للقوات الأرمينية من المناطق المحيطة بالإقليم، مقابل خطوات لبناء الثقة وترك مسألة الوضع النهائي لمرحلة لاحقة.
أما المقترح الثاني فهو "الحزمة الكاملة" واقترحت بموجبه حلا شاملا يحدد الوضع السياسي للإقليم بالتوازي مع الانسحاب العسكري، إلا أن أيا من المقترحين لم يكن محل اتفاق بين الطرفين.
وفي الإطار نفسه جرت مفاوضات "كي ويست" في فلوريدا عام 2001 برعاية أميركية، وطُرح آنذاك مقترح جديد يقضي بتبادل أراض ومنح الإقليم المتنازع عليه وضعا خاصا داخل أذربيجان بضمانات دولية، إلا أن المفاوضات تعثرت متأثرة بضغوط داخلية تمثلت أساسا في الرفض الشعبي في كلا البلدين لأي تنازلات.
وفي 2007 عادت المجموعة وطرحت مبادرة أخرى عرفت بـ"مبادئ مدريد"، وأصبحت الإطار الأكثر تداولا في جهود الوساطة بين الطرفين، واقترحت المبادرة إعادة المناطق المحيطة بالإقليم إلى أذربيجان، وضمان ممر يربطها بأرمينيا، وتحديد الوضع النهائي عبر استفتاء أو آلية قانونية، إضافة إلى توفير ضمانات أمنية لعودة اللاجئين.
وجرى تحديث لهذه المبادئ عام 2009، أضيفت بموجبه ترتيبات أمنية ونشر قوات حفظ سلام، لكنها بقيت دون تنفيذ حتى انهارت المفاوضات إثر حرب 2020.
في أبريل/نيسان 2016، وبعد "حرب الأيام الأربعة"، تدخلت روسيا مجددا عبر محادثات في موسكو وفيينا، لكنها اكتفت بإعادة تثبيت وقف إطلاق النار من دون معالجة القضايا السياسية العالقة.
وبعد حرب 2020، قادت موسكو وساطة مباشرة أسفرت عن اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، تضمن انتشار قوات حفظ سلام روسية في الإقليم، إلا أن هذا الإجراء لم يمنع تجدد الاشتباكات لاحقا.
دور تركيوفي ظل تراجع دور مجموعة مينسك وفقدان الثقة في الوساطة الروسية، بدأت تركيا في لعب دور داعم لأذربيجان، في حين ظلت محاولات الاتحاد الأوروبي محدودة التأثير.
وبعد سيطرة أذربيجان الكاملة على ناغورني قره باغ في سبتمبر/أيلول 2023، دخل النزاع مرحلة جديدة جعلت التسوية الشاملة أكثر إلحاحا، إلا أن غياب إطار وساطة موحد يلقى قبول الطرفين معا أبقى الوضع معلقا.
إعلان وساطة أميركيةاستمر الوضع كذلك إلى أن فرضت الولايات المتحدة نفسها وسيطا رئيسيا لحل النزاع عام 2025، مستفيدة من ضعف حضور روسيا بسبب انشغالها بالحرب على أوكرانيا، ورغبة الطرفين في كسر الجمود الذي طبع الملف لسنوات.
تُوجت هذه الجهود بتوقيع اتفاق السلام في واشنطن يوم 8 أغسطس/آب 2025، والذي أنهى رسميا حالة الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 عقود.
أبرز بنود اتفاق السلاميتكون اتفاق السلام بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا من 8 بنود رئيسية، وفيما يلي أبرز مضامينه:
وقف شامل ودائم للأعمال العدائية، والتزام الطرفين بإنهاء كل أشكال القتال والامتناع عن أي أعمال عسكرية أو استفزازية عبر الحدود. إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وفتح السفارات والقنصليات، واستئناف العلاقات الرسمية بعد انقطاع دام عقودا. احترام الحدود والسيادة واعتراف متبادل بالحدود المعترف بها دوليا، وعدم المطالبة بأراض خارجها. فتح ممر زنغزور الذي سمي بـ "طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي" ، وهو ممر بري يربط أذربيجان بإقليم نخجوان الأذري عبر الأراضي الأرمينية، والاتفاق على خضوعه لإشراف أميركي مدة 99 عاما. الانسحاب من مجموعة مينسك وإنهاء دورها التفاوضي في النزاع. تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة في مجالات الدفاع والتدريب العسكري. إطلاق مشاريع اقتصادية وبنى تحتية مشتركة للنقل والطاقة والاتصالات تربط جنوب القوقاز بتركيا وآسيا الوسطى وأوروبا. تشكيل لجنة أميركية-أذرية-أرمينية مشتركة للإشراف على تنفيذ الاتفاق وتسوية أي خلافات قد تنشأ.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات بین أذربیجان وأرمینیا لوقف إطلاق النار ناغورنی قره باغ مجموعة مینسک بین الطرفین إلا أن
إقرأ أيضاً:
ترحيب دولي واسع باتفاق أذربيجان وأرمينيا وإيران تحذر
رحبت روسيا وتركيا ودول أخرى، اليوم السبت، بالاتفاق الذي وقّعته أرمينيا وأذربيجان أمس الجمعة في البيت الأبيض برعاية أميركية، في حين حذّرت إيران من مغبة الاقتراب من حدودها.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "اجتماع مسؤولي الجمهوريتين الواقعتين في جنوب القوقاز، بوساطة الجانب الأميركي، يستحق تقييما إيجابيا". وأضافت "نأمل في أن تدفع هذه الخطوة قدما بأجندة السلام".
وشددت موسكو على ضرورة إقامة "حوار مباشر دون مساعدة خارجية". وحذرت من أن "مشاركة جهات فاعلة من خارج المنطقة يجب أن تُسهم في تعزيز أجندة السلام، لا أن تُسبب صعوبات إضافية".
من جهته، رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتقدم المحرز لتحقيق السلام بين أذربيجان وأرمينيا، وذلك في اتصال هاتفي بين الرئيس أردوغان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، بحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية.
وأكد أردوغان أن السلام الدائم والمنشود سيسهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة بأسرها. كما شدد على أن تركيا ستواصل تقديم الدعم اللازم لتحقيق هذا الهدف.
وأعربت باريس ولندن والمفوضية الأوروبية عن ارتياحها للاتفاق. كما رحّبت الأمم المتحدة بـ"المرحلة المهمة في تطبيع العلاقات" ووصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) بدوره الاتفاق بـ"الخطوة المهمة إلى الأمام".
تخوف إيرانيومقابل هذا الترحيب، حذرت إيران، الجارة الجنوبية للبلدين، من أنها لن تتساهل مع ما تضمنه الاتفاق من خطط لإقامة منطقة عبور تربط أذربيجان بجيب نخجوان عبر أرمينيا، تعرف باسم "ممر زنغزور".
وتخشى إيران من أن يؤدي هذا الممر الذي تطالب به باكو منذ عقود، بقطع اتصالها الجغرافي البري من خلال حدودها الشمالية مع أرمينيا، وبالتالي عبر ذلك إلى أوروبا.
وأشادت وزارة الخارجية الإيرانية "بوضع البلدين اللمسات الأخيرة على نص اتفاق السلام"، من دون أن تخفي "مخاوفها بشأن التداعيات السلبية لأي تدخل أجنبي، بأي شكل كان، خصوصا بالقرب من الحدود المشتركة".
أما علي أكبر ولايتي، المستشار البارز للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فكان واضحا في رفض طهران ما تضمنه الاتفاق بشأن ممر بين أذربيجان وجيب نخجوان.
إعلانونصّ الإعلان المشترك على إنشاء "منطقة عبور" تمر عبر أرمينيا وتربط أذربيجان بجيب نخجوان التابع لها غربا، على أن يشار إليه بـ"طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين" (TRIPP).
ولطالما عارضت طهران هذا المشروع، الذي يعرف أيضا بـ"ممر زنغزور"، ويربط أذربيجان بتركيا مرورا بمحاذاة الحدود الإيرانية مع أرمينيا.
وخاضت أرمينيا وأذربيجان حربين على خلفية الحدود والأقاليم ذات النسيج العرقي المتباين ضمن أراضيهما. وتحاول الجمهوريتان السوفيتيتان السابقتان منذ سنوات التوصل إلى اتفاق سلام، لكن المحادثات لم تثمر.
وتعهد رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في الولايات المتحدة الجمعة، بـ"إنهاء نزاعهما الإقليمي بشكل دائم"، بحسب ما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب راعي اللقاء بين الزعيمين.