بوابة الوفد:
2025-05-25@00:26:39 GMT

التسلح الرقمي

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT


يشهد العالم اليوم سباقاً محموماً نحو التسلح الرقمي، حيث تتنافس الدول الكبرى على تطوير قدراتها التكنولوجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية. هذا السباق الرقمي لا يقتصر في كونه محاولة لمواكبة التطورات التقنية، بل يمثل استثمار استراتيجي في مستقبل الأمن القومي والنمو الاقتصادي، ويتجاوز ذلك ليؤثر على العلاقات الدولية وموازين القوى بين الدول، بالنظر إلى تأثير السيطرة على التقنيات المتقدمة واستغلالها كأداة في النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي.

في هذا السياق، تجد الدول العربية نفسها أمام تحديات عميقة، ولكنها تقف أيضاً أمام فرص واعدة يمكن أن تغيّر ملامح مستقبلها الرقمي وتموضعها في الاقتصاد العالمي.
كسائر دول العالم، تواجه الدول العربية تحديات جوهرية في مواكبة التطور الرقمي العالمي. ومن أبرز هذه التحديات ما يُعرف بـ"الفجوة الرقمية"، حيث تعاني العديد من الدول العربية من تفاوت كبير في مستويات الوصول إلى التقنيات الحديثة والبنية التحتية الرقمية مقارنةً بالدول المتقدمة. ووفقاً لتقارير الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023، فإن حوالي 45% من سكان المنطقة لا يتمتعون بوصول موثوق إلى الإنترنت، وهو ما يحدّ من قدرتهم على الاستفادة من التحول الرقمي ويعرقل جهود التنمية الاقتصادية. هذه الفجوة التقنية تنعكس أيضاً على نقص الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع التحديات الرقمية المعقدة، إذ تُظهر الدراسات أن المنطقة العربية تعاني من نقص في الكفاءات المتخصصة، خاصة في مجالات مثل الأمن السيبراني، حيث تبلغ فجوة المهارات حوالي 3.4 مليون متخصص، وهو ما من شأنه أن يترك المؤسسات العربية عُرضة للمخاطر السيبرانية ويفاقم من هشاشة بنيتها التحتية الرقمية.
وإذا ما بحثنا في الأسباب والمُسببات، نجد بأن الإنفاق العربي على البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا لا زال ضئيلاً مقارنةً بالمعايير العالمية. فبينما تخصص الدول المتقدمة ما معدله 2.3% من ناتجها المحلي الإجمالي لهذا القطاع، تخصص الدول العربية نسباً أدنى بكثير، لا تتجاوز 0.8% في بعض الدول. هذا العجز في التمويل يجعل من الصعب على الدول العربية تطوير حلول محلية ومبتكرة للتحديات التقنية، بل ويضعها في وضعية "التابع" لتكنولوجيا الدول الأجنبية. 
كما أن غياب الاستراتيجيات الوطنية المتكاملة للتحول الرقمي يشكل تحدي آخر؛ حيث أن العديد من الدول العربية تفتقر إلى رؤية واضحة وشاملة لكيفية توظيف التكنولوجيا لدعم الخطط التنموية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تشتيت الجهود وتبديد الموارد، فضلاً عن تحولها عُرضة للتهديدات السيبرانية المتزايدة نتيجة الاعتماد المتواصل على التكنولوجيا دون وجود المعرفة والإمكانات لحماية كافية للبنية التحتية الرقمية.
ورغم كل هذه التحديات، إلا أن الدول العربية تمتلك فرص فريدة يمكن استغلالها. فالتركيبة السكانية في المنطقة العربية تُشكل أحد أهم عناصر القوة، حيث يمثل الشباب حوالي 60% من إجمالي السكان. هذه النسبة المرتفعة للشباب تفتح أبواب واسعة للاستثمار في تدريبهم وصقل مهاراتهم التقنية، وللمساهمة في الارتقاء بالقدرة التنافسية للمنطقة في سوق العمل الرقمي العالمي. إضافةً إلى ذلك، فإن مخصصات الميزانيات الحكومية السنوية لتمويل مشاريع البنية التحتية الرقمية يمكن أن تُحدث فارقاً كبيراً في الحضور الرقمي للدول العربية.
أما في سياق الاستفادة من هذه الفرص، فإن التحول الرقمي في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والزراعة يُمثل مدخلاً مهماً لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد العربي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقيق التنوع الاقتصادي. أضف إلى ذلك التعاون الإقليمي بين الدول العربية في مجال التكنولوجيا والذي من شأنه أن يسهم في تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، وتنمية قدرات المنطقة على المنافسة في الساحة العالمية.
ولكي تتمكن الدول العربية من اللحاق بركب التطور الرقمي، فإنها تحتاج إلى مجموعة من الخطوات الاستراتيجية المتكاملة. أول هذه الخطوات تتمثل في تطوير منظومة التعليم، وتحديث المناهج لتركز على مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل البرمجة وتحليل البيانات. ولا يجب الاقتصار هنا على التعليم الأكاديمي، بل أن يمتد إلى تطوير القوى العاملة المستقبلية من خلال الاستثمار في البرامج التدريبية المتخصصة لتأهيل الشباب في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ولجعلهم قادرين على المساهمة الفعالة في الاقتصاد الرقمي الوطني.
في الوقت نفسه، يتعين على الحكومات أن تستثمر في تطوير البنية التحتية الرقمية، وذلك ببناء شبكات اتصالات سريعة وموثوقة، وتوفير متطلبات الطاقة اللازمة لدعم هذه التقنيات. كما أن توفير بيئة جاذبة للاستثمار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا سيساهم في تعزيز الابتكار وخلق المزيد من فرص العمل. ومن جانب آخر، يُعد رفع مستوى الأمن السيبراني ضرورة مُلحة في ظل تزايد التهديدات الرقمية، ويتطلب ذلك وضع قوانين صارمة لحماية البيانات الشخصية، وبناء قدرات محلية لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.
من المحاور الأخرى التي لا يمكن الاختلاف عليها هو محور التعاون الدولي والذي يُمثل ركيزة أساسية لتدعيم التحول الرقمي، حيث أن التعاون مع الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا وتبادل المعرفة والخبرات سيُمكّن الدول العربية من الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية. وفي هذا الإطار، يصبح من الضروري وضع سياسات مُحفزة للاستثمار في مجال التكنولوجيا، إلى جانب معالجة العقبات البيروقراطية المعيقة لنمو وتطور القطاعات ذات الأولوية، خاصة المرتبطة منها بالبنية التحتية التكنولوجية، والتعليم الرقمي، وتنمية المهارات البشرية المتخصصة.
ختاماً، السباق نحو التسلح الرقمي لم يعد خياراً مطروحاً بل بات ضرورة استراتيجية، ولا بد للدول العربية أن تضع الإرادة السياسية في صدارة أولوياتها لدفع أجندة التحول الرقمي والتقدم الاقتصادي. وبطبيعة الأمر، يتطلب ذلك توجيه الجهود والموارد نحو تحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية، مدعومة برؤية مستقبلية واضحة واستثمارات استراتيجية وخطط تنفيذية مدروسة، لتتمكن من تجاوز التحديات والاستفادة من الفرص كشرط لتحقيق مكانة مؤثرة في الاقتصاد الرقمي العالمي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فی مجال التکنولوجیا التحتیة الرقمیة الدول العربیة التحول الرقمی فی الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

لقاء حواري في إدلب لمناقشة خطط تطوير البنية التحتية والخدمات العامة

إدلب-سانا

نظّمت المديرية العامة للإعلام في محافظة إدلب، لقاءً حوارياً جمع المهندس سعيد الأشقر المكلف بمتابعة أعمال الإدارة المحلية بعددٍ من الإعلاميين، لمناقشة المشاريع المستقبلية، وخطط تطوير البنية التحتية والخدمات العامة في مدينة إدلب.

واستعرض الأشقر القوانين الصادرة عن الإدارة المحلية، ومدى أهميتها في تنظيم العمل وتحقيق الاستقرار الخدمي، موضحاً الأولويات التي تعمل عليها الإدارة المحلية حالياً، وتتمثل في تفعيل المؤسسات الخدمية كالمخافر والمدارس والبلديات، مع الإشارة إلى أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ هذه الخطط، وعلى رأسها نقص الكوادر المؤهلة.

وفي ختام الجلسة، أجاب الأشقر عن أسئلة الحضور واستفساراتهم، مؤكداً حرص الإدارة المحلية على تعزيز التعاون مع مختلف الجهات، لضمان تنفيذ المشاريع بشكل فعّال ومستدام.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • النموذج الترامبي.. استنزاف للثروات العربية وخزيٌ للسيادة الوطنية
  • لقاء حواري في إدلب لمناقشة خطط تطوير البنية التحتية والخدمات العامة
  • وفد الصناعات المصرية يبحث فرص العمل بمشروعات البنية التحتية في ميناء أبيدجان
  • تعرف على حجم تجارة الولايات المتحدة مع الدول العربية للعام 2024 (إنفوغراف)
  • السعودية بالمركز الثاني.. ترتيب الدول العربية بحجم تجارة السلع مع أمريكا بـ2024
  • وزير النقل: ننفذ خطة تطوير للبنية التحتية بـ 2 تريليون جنيه
  • جامعة الدول العربية تكرّم ولي عهد الفجيرة بجائزة يوم الاستدامة العربي
  • إغلاق جزئي لعدد من طرق حائل لمدة شهرين لتطوير البنية التحتية.. فيديو
  • المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتنمية الإدارية يدعم جهود السودان في مرحلة اعادة الاعمار
  • العيسوي: 70% من صادرات الحرف اليدوية تتجه إلى الأسواق العربية