كيف ألهم حزب الله وحماس فكر المقاومة العالمية
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
لقد نجح الكيان الصهيوني، بدعم قوي من القوى الأميركية والأوروبية، في تحقيق أجندته وأهدافه من خلال القمع والعنف. وقد أدى هذا المسار التدميري، المقنّع بغطاء الأمن والشرعية، إلى إزهاق أرواح لا حصر لها، إذ تحمّل الأبرياء وطأة السعي الوحشي للاستعمار والاستكبار. وبينما كان العالم يراقب في صمت، عانت غزة من حصار لا هوادة فيه، وواجه لبنان هدم القرى، وظلت الأصوات الفلسطينية مقموعة في الساحة الدولية.
لقد كان النضال الفلسطيني لسنوات طويلة لا يُعترف به إلا في لحظات عابرة، مع إدانات سطحية تركت الأجندة الصهيونية من دون أي تحد. وظلت غزة، رمز الصمود، محاصرة ومعزولة وخاضعة للعنف العشوائي من قبل الكيان الصهيوني. وظلت القوى العالمية غير مبالية، وكأنها مشلولة بقبضة المصالح المؤيدة للاحتلال، ما سمح للحصار بالاستمرار من دون اتخاذ أي إجراء ذي معنى. لكن عملية “طوفان الأقصى” حطمت هذا الرضا عن الذات، وأشعلت الوعي حتى بين أولئك الذين ربما لم يروا فلسطين على الخريطة الجغرافية قط. كما سلطت الضوء بشكل واضح على الحق في مقاومة الاحتلال، وهو مبدأ عالمي يتردد صداه بين الناس في جميع أنحاء العالم. وما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه صراع محلي أصبح الآن رمزاً لنضال أكبر بكثير من أجل العدالة والسيادة والكرامة الإنسانية.
إن التأثير المتتالي لعملية “طوفان الأقصى” لا لبس فيه. ففي شوارع أوروبا وأميركا، ترتفع الأصوات احتجاجاً، حاملة الأعلام الفلسطينية، وتهتف تضامناً، وتتحدى دعم حكوماتها الثابت للكيان الصهيوني. لقد تحوّلت شرعية المقاومة ضد الاحتلال من خطاب إقليمي إلى خطاب عالمي يرمز إلى المقاومة ضد الظلم. ويشير هذا السرد المتطور إلى تحوّل ينتج بالفعل عواقب بعيدة المدى. واليوم، تتردد شعارات المقاومة الفلسطينية في قلوب الناس عبر القارات، وتغرس صدى دائماً لا يمكن لدعاية الكيان الصهيوني إسكاته.
هذه المقاومة ليست مقتصرة على القضية الفلسطينية وحدها؛ إذ تسلط تجربة لبنان الضوء على قصة مماثلة. لقد سعى الكيان الصهيوني لعقود من الزمان، وبالأخص خلال الأشهر الماضية، إلى تقويض حزب الله، مستخدماً استراتيجيات لا ترحم من الاغتيالات الواسعة النطاق إلى التدمير الكامل للقرى في جميع أنحاء جنوب لبنان وبيروت. ولكن، بدلاً من كسر رابطة حزب الله مع شعبه، فإن هذه الحملات العنيفة لم تفعل سوى تعزيزها. واليوم، ينظر الشعب اللبناني، المتحد عبر جميع الطوائف، إلى حزب الله كمدافع عن أرضه وسيادته ضد المعتدي الذي لا يميز بين الطوائف أو المجتمعات. كل قنبلة سقطت، وكل حياة فقدت لم تفعل سوى تعزيز دور حزب الله كمدافع ثابت عن سلامة لبنان وحامي شعبه.
إن حزب الله ليس مجرد منظمة عسكرية؛ بل هو حركة متجذرة بعمق في الإيديولوجية والدعم الشعبي. إنه ليس فصيلاً معزولاً بل هو انعكاس لإرادة لبنانية جماعية للدفاع عن النفس والكرامة. لقد أتت استراتيجية الكيان الصهيوني المتمثلة في إضعاف حزب الله من خلال الاغتيالات بنتائج عكسية، حيث عززت قدرته على الصمود وألهمت حركات مماثلة في أماكن أخرى. فمع كل محاولة اغتيال، خرج حزب الله أقوى، باستراتيجية أكثر تقدماً وقدرات عسكرية محسنة. لقد تجاوزت فكرة حزب الله الآن لبنان، وألهمت حركات تشترك في الالتزام بمقاومة الاحتلال والظلم، ما يثبت أن القوة العسكرية وحدها لا تستطيع سحق فكرة ولدت من المقاومة الجماعية.
وحماس أيضاً تجسد قوة المقاومة الشعبية. من المستغرب أن يقوم المجتمع الدولي المنافق بتصنيف حماس “منظمة إرهابية”، فمن غير الممكن إنكار أن حماس تستمد قوتها من جذورها داخل المجتمع الفلسطيني. ويحاول هذا الوصف نزع الشرعية عن حركة هي في الأساس استجابة للاحتلال غير الشرعي من الكيان الصهيوني. منذ عام 1948، كانت حماس تمثل جهداً مشروعاً للدفاع عن النفس، يرتكز على النضال من أجل استعادة الحقوق ومقاومة التهجير المنهجي. فكيف يمكن لنظام قائم على الأكاذيب والعنف واحتلال أراضي الآخرين أن يبرر حقه في “الدفاع عن نفسه”، في حين يحرم الفلسطينيين الأصليين من حق المقاومة واستعادة تراثهم وأرضهم؟ إن المعايير المزدوجة صارخة، وهي تفشل بشكل متزايد في إقناع العالم الذي يستيقظ على حقائق الاحتلال والقمع من كيان دموي.
إن الوضع الحالي يتطلب تدخلاً دولياً حاسماً، وخصوصاً من القوى الناشئة التي وقفت تاريخياً من أجل العدالة. ويتعين على روسيا والصين أن تتحمّلا مسؤوليتهما وتعارضا بنشاط قمع الكيان الصهيوني. لقد تغيرت التوقعات العالمية؛ فلم يعد كافياً أن تعبّر الدول المستقلة عن الدعم اللفظي فحسب. بل إن الأمر يتطلب موقفاً استباقياً، لا يدافع عن التغيير فحسب، بل ويواجه بشكل مباشر طغيان الاحتلال والمعاناة التي يلحقها بالشعب الفلسطيني. وهذه الدعوة هي مطلب لإعادة ترتيب التحالفات الدولية لدعم أولئك الذين تم تهميشهم وقمعهم بعنف من قبل الكيان المحتل والولايات المتحدة والأوروبيين الفاقدين للاستقلال. لقد حان الوقت لكي تصطف روسيا والصين بقوة إلى جانب العدالة وتقفا إلى جانب المضطهدين، في معارضة الاحتلال الصهيوني.
ولا يمكن تجاهل دور إيران المحوري في هذه المعادلة. ففي حين واجهت العديد من التحديات والتهديدات، عززت إيران باستمرار قدراتها الاستراتيجية والعسكرية، وبرزت كقوة هائلة ضد عدوان الكيان الصهيوني. لقد نجحت إيران، من خلال ما ارتكبه الكيان الصهيوني وأنصاره بناء على حسابات خاطئة، في تطوير دفاع قوي يتجلى بوضوح في نفوذها المتنامي وشراكاتها في مختلف أنحاء المنطقة.
ومن الجدير بالذكر أنه في حين تعهدت إيران بعدم تطوير الأسلحة النووية، فإن حلفاءها الاستراتيجيين لا يلتزمون بأي التزام من هذا القبيل. ويشكل هذا التوازن في القوة رادعاً قوياً ضد الطموحات التوسعية للكيان الصهيوني، ما يضمن مواجهة أي عدوان بمقاومة هائلة.
الرسالة واضحة للجميع وهي أن عصر الهيمنة الصهيونية غير المقيدة قد انتهى. لقد عادت روح المقاومة إلى الظهور، الأمر الذي ألهم ليس الفلسطينيين فحسب، بل وأيضاً الحلفاء في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها. وتدعو هذه الحركة العالمية إلى عالم يقدر العدالة والكرامة وحق جميع الناس في العيش أحراراً من القمع. إنها دعوة تتجاوز الحدود والثقافات، وتستمد الدعم من أولئك الذين يرون من خلال النفاق ويطالبون بإنهاء العنف.
إن النضال من أجل فلسطين أكثر من مجرد نزاع إقليمي؛ إنه نضال محدد لعصرنا، وهو نضال يختبر نزاهة القوى العالمية وعزيمة الدول الملتزمة بالعدالة.
وبينما يراقب العالم ما يجري، تستمر المقاومة بلا هوادة في الصمود. وبفضل دعم الأصوات الواعية في مختلف أنحاء العالم، سيستمر النضال الفلسطيني، وسيكشف في نهاية المطاف عن خواء الاحتلال الذي كان مبنياً دائماً على الخداع ومدعوماً بقوى الاستكبار والاحتلال. وفي هذا النضال، سيظل انتصار المظلوم على الظالم شهادة على قوة الكرامة الإنسانية الدائمة وروح المقاومة التي لا تنكسر.
مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی حزب الله من خلال من أجل
إقرأ أيضاً:
هُزم جدعون وانتصر داود بإرادته: فشل عربات الاحتلال وبزوغ نصر غزة
في قلب المعركة المستعرة على أرض غزة، وبين الركام والدمار، سقطت أقنعة القوة الإسرائيلية وانكشفت هشاشة منظومتها العسكرية، حين فشلت عملية "عربات جدعون" فشلا ذريعا أمام ثبات المقاومة الفلسطينية، في ملحمة تُعيد إلى الأذهان صورة داود الذي انتصر بمقلاعه على جالوت. ولعل في هذا الفشل المتكرر والارتباك الإسرائيلي المتصاعد، بدايات تشكل نصر فلسطيني أكبر، تتجاوز نتائجه الميدان، لتصل إلى معادلات الردع والسيادة والإرادة.
أولا: انهيار خرافة "جدعون"
لم تكن عملية "عربات جدعون" مجرد اجتياح عسكري محدود، بل كانت ترجمة لمشروع سياسي-أمني إسرائيلي كبير، يهدف إلى فرض معادلة جديدة في ملف الأسرى. أرادت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من خلالها قلب الطاولة على حماس، وكسر إرادتها عبر الضغط العسكري المتواصل، واقتحام المخيمات الوسطى حيث يُعتقد أن الأسرى الإسرائيليين محتجزون هناك، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق.
فبعد أسابيع من القصف، وتوغلات محدودة، وخسائر بشرية ومادية لم تعلن عنها إسرائيل كاملة، انتهت العملية دون أن تحقق أيا من أهدافها، بل وأعادت الجدل الإسرائيلي الداخلي حول جدوى العمليات العسكرية، في ظل تعقيد المشهد السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية.
بعد أسابيع من القصف، وتوغلات محدودة، وخسائر بشرية ومادية لم تعلن عنها إسرائيل كاملة، انتهت العملية دون أن تحقق أيا من أهدافها، بل وأعادت الجدل الإسرائيلي الداخلي حول جدوى العمليات العسكرية، في ظل تعقيد المشهد السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية
ثانيا: مقاومة تتحدى جالوت العصري
غزة المحاصرة، المكلومة، المدمرة، لم تسقط، بل وقفت شامخة في وجه أعتى الآلات العسكرية في المنطقة. فمقاتلو المقاومة، الذين توزعوا في الأنفاق، والمخيمات، والأنقاض، لم يكتفوا بالصمود، بل أداروا معركة استنزاف ذكية، أفقدت الاحتلال توازنه، وجرّته إلى فشل سياسي وعسكري مزدوج.
لم تسفر العملية عن تحرير أي أسير إسرائيلي، ولم تُضعف حماس، ولم تُحقق الانفراجة السياسية التي سعى نتنياهو لتسويقها داخليا. بل على العكس، تعزز موقع المقاومة، وتكرست صورة الفشل الإسرائيلي في الرأي العام العالمي.
ثالثا: خيارات الاحتلال تتقلص وأزمته تتعمق
بحسب ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية، فإن المؤسسة الأمنية تدرس الآن بدائل خطيرة تُوصف بـ"المتطرفة"، تشمل حصارا شاملا للتجمعات السكانية في غزة، ومنع دخول الغذاء والماء والمساعدات، لإجبار الفلسطينيين على النزوح جنوبا. لكن هذه الخطط، وفق اعتراف المصادر نفسها، ما تزال "حبرا على ورق"، وغير قابلة للتطبيق الفوري في ظل صمود المدنيين والمقاومة، وخشية إسرائيل من ردود الفعل الدولية.
البدائل الأخرى لا تقل كارثية: احتلال كامل للقطاع، أو تقسيم غزة، أو حكم عسكري مباشر. لكنها جميعا تحمل في طياتها فشلا استراتيجيا مستترا، وتدلل على ارتباك غير مسبوق في منظومة القرار الإسرائيلي.
رابعا: الجيش الإسرائيلي في مرآة الهزيمة
في جلسة المجلس الوزاري المصغر، كان رئيس الأركان إيال زامير صريحا عندما قال إن أهداف الحرب باتت متضاربة. وهو اعتراف علني بأن إسرائيل، رغم قوتها النارية والاستخباراتية، تعجز عن تحديد هدف نهائي قابل للتحقيق. لقد أصبحت آلة الحرب تائهة، تدور في فراغ استراتيجي، وتتآكل معنويا وسياسيا وعسكريا.
زامير أضاف أن توسيع العملية إلى المخيمات الوسطى ليس مضمونا، وأن على القيادة السياسية أن تعلن صراحة وجهتها إذا أرادت شيئا آخر. وهو تصريح يحمل بين سطوره لوما ضمنيا للمستوى السياسي الذي يدير حربا مفتوحة بلا رؤية.
خامسا: نتنياهو والخيارات المستحيلة
منذ عودة الفريق الإسرائيلي من قطر، لم تحقق المحادثات أي اختراق. ورغم محاولات الوساطة المستمرة، إلا أن إسرائيل، بلسان نتنياهو، تُصر على تحميل حماس المسؤولية، متجاهلة واقع الاحتلال المستمر، والحصار، والقتل الجماعي.
نتنياهو الذي يتخبط بين الداخل الملتهب، والضغط الدولي، والفضائح القضائية، يبدو أنه يبحث عن مخرج بأي ثمن، حتى وإن كان عبر صفقات إعلامية أو خطط عسكرية وهمية. لكنه يدرك، كما يدرك قادة جيشه، أن الزمن لم يعد في صالحهم.
سادسا: نحو معادلة ردع جديدة
حرب غزة الحالية، رغم ألمها، أسست لمعادلة ردع جديدة. فالمقاومة اليوم لم تعد محاصرة أخلاقيا أو عسكريا، بل أثبتت أنها قادرة على إدارة حرب طويلة النفس، وتحديد متى وكيف تُنهيها.
فشل "عربات جدعون" ليس مجرد نكسة عسكرية، بل هو إعلان بفشل سياسة الضغط المزدوج (العسكري والتجويعي) التي اعتمدتها إسرائيل، إنه تأكيد على أن غزة، رغم نزيفها، تملك زمام المبادرة، وتعيد تشكيل معادلات الإقليم بأكمله.
سابعا: العالم يُعيد النظر
إن صور الحشود العسكرية على حدود غزة، والتي نشرتها وكالات مثل رويترز والصحافة الفرنسية، لم تعد تُخيف العالم كما كانت. بل أصبحت تُثير أسئلة عن جدوى هذا العنف، ومغزاه، ومآلاته. أما مشاهد المجاعة، ونداءات الأطفال، وصمود المدنيين، فقد خلقت تعاطفا إنسانيا متصاعدا، وبدأت تُحرّك مياها راكدة في مواقف بعض الدول.
الحديث في الكواليس بدأ يتسع ليشمل ضرورة فرض تسوية شاملة، لا تستثني المقاومة، ولا تُعيد إنتاج معادلات أوسلو البالية. لقد بدأت غزة تفرض نفسها شريكا إجباريا في صناعة القرار
الحديث في الكواليس بدأ يتسع ليشمل ضرورة فرض تسوية شاملة، لا تستثني المقاومة، ولا تُعيد إنتاج معادلات أوسلو البالية. لقد بدأت غزة تفرض نفسها شريكا إجباريا في صناعة القرار.
ثامنا: النصر ليس ضربة واحدة بل تراكم إرادات
حين نهزم عدونا في ميدان الوعي، ويعترف بفشله، ونفرض عليه لغة الردع، فنحن نقترب من النصر. قد لا يكون نصرا تقليديا في صورة رفع أعلام على المباني، لكنه نصر أعمق، نصر إرادة، وثبات، واستنزاف طويل النفس.
"هُزم جدعون" ليس شعارا، بل واقع عسكري وسياسي ومعنوي. و"داود" الفلسطيني، لا يزال يقاوم بمقلاعه، يصنع معجزته بالصبر، ويقلب موازين الإقليم بحنكة وثبات.
خاتمة: بداية النهاية؟
في هذه اللحظة التاريخية، تتشكل ملامح تحول استراتيجي. لم تعد إسرائيل تلك القوة التي تُرعب، ولم تعد غزة مجرد ساحة للحصار. لقد انقلبت المعادلة، وباتت "عربات جدعون" رمزا لفشل مشروع الاحتلال في إخضاع الفلسطينيين.
ربما لا تزال الطريق طويلة، لكن خطواتها الأولى كُتبت اليوم، بإرادة من لا يملك إلا الإرادة، وبقوة من راهن عليه العالم أن ينكسر، فصمد.
لقد انتصر داود، لأنه لم يفقد ثقته بنفسه، وستنتصر غزة، لأنها لم تفقد إيمانها بحقها.