المواطن المستقر .. قطيع في حديقة العولمة !
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
بقلم : حسين الذكر ..
بعض الدول حينما يتعاقدون مع كفاءة ما لمتطلبات وتوظيفات معينة يثبتون في العقد نقطتين أساسية .. يمكن التساهل بكل شيء الا فيهما : ( الدين والسياسة ) حتى أقارب وأصدقاء المتعاقد الجديد ينصحوه محذرين بقولهم الشهير ( اياك ان تتدخل في الدين والسياسة .. غير ذلك كله متاح ومباح مع ليال سبع ملاح .
في كتابه ( العبودية الاختارية ) للمفكر الفرنسي إتيان دولابويسي يعرف صناعة المواطن المستقر قائلا : ( هو المواطن الذي يتعرض الى قمع ورضوخ لسياسات توفر الاحتياجات المادية دون السماح بأي فسحة من التفكير بالواقع .. اذ يعيش المواطن فيه برضى وقناعة حتى ينتج أجيال لا تحتاج الى الحرية ولا تفكر بها ، بل ان تعريف الوعي عندهم يصبح مختلف تماما عما هو في القواميس العالمية ) .
يضيف دولابويسي : ( ان المواطن المستقر اقرب الى حيوان ناطق اذ يصب جل اهتمامه بالعيش السهل وممارسة الدين السطحي والهوس بكرة القدم .. فتويفر احتياجاته اليومية تجعله لا يعبه ولا يفكر باي حقوق سياسية او قانونية ما دامت البطون مترعة والاغاني مشرعة والطقوس متاحة .. فهم لا يثورون ولا يشتكون فاقدي الإحساس في البيئة والمحيط متلبسين لذات قنوعة حد الإحباط .. ملتزمين بالتعليمات طوعا ومهوسين بكرة القدم التي تعوضهم عما حرموا منه في الواقع اليومي فاصبحوا يجدوه من خلال منافسة تسعين دقيقة تتيح لهم التشجيع والتعبير عن آرائهم بحرية فلا احد يراقبهم ولا يحاسبهم فضلا عن إحساسهم بالعدالة والمنافسة المحرومين منها .. اما الدين فعندهم تادية طقوس سطحية جامدة لا تغيير فيها مسلمة خلف عن سلف .. لا يعدون الدين أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية اوالإحساس الثوري او الوعي الفكري فهو طقوس توارثوها دون ان تكون له علاقة بالسلوك : فهم يكذبون ويجرمون دون الإحساس بذنب .. لكنهم يحسون بتانيب الضمير حينما تفوتهم فريضة معينة .. يمارسون النفاق والرشوة والسرقة علنا بلا حرج . كما انهم لا يدافعون عن دينهم ولا يحسون بآلام أبناء طبقتهم الدينية الاكبر .. الا اذا حسوا بخطر شخصي او على اسرهم ) .
يقول د . علي شريعتي ان المسجد في زمن الرسول محمد (ص ) كان له ثلاثة أبعاد : بُعدٌ ديني (معبد)، وبُعدٌ تربوي (مدرسة)، وبُعُد سياسي (برلمان)، وكان كل مواطن عضواً فيه.
فيما يقول إتيان ( ان المواطن المستقر يعيش ويترعرع في ظل الاستبداد .. حتى يتحول الى كيان مطيع متكيف لا يعبه بالثورات والمظاهرات .. يفضل عالمه الصغير الذي يحصل فيه على متطلباته .. فهو متواضع قنوع لا يطمح اكثر من اكل وشرب وهوس ترفيهي بالغناء والمهرجانات ولعب الكرة وسباق الحيوانات ومهاوشة الطيور .
المواطن المستقر يؤمن ايمان مطلق بمقولة ( سلمت أمور الناس ما سلمت اموري ) فحينما يكون بخير يشعر بان العالم كله بخير .. اما الامام الامام علي بن ابي طالب (ع) فكان يردد قولته الشهيرة ( سلمت اموري ما سلمت أمور المسلمين ) ..
بالمحصلة النهائية المواطن المستقر ليس عنده مشكلة كبرى في حياته فقد كره التغيير وكل من يتحدث فيه بل يحاول الخلاص منه عبر اتهامه بالزندقة والخروج من الدين .. المواطن المستقر يعد مشكلة كبرى على الدولة والمجتمع ويصبح خطرا اكبر لتحوله الى عقبة حقيقية بوجه أي تغيير فكري . حسين الذكر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
«البرازيل ليست حديقة خلفية».. بين تحدي الهيمنة وصعود القوة الناعمة في الجنوب العالمي
منذ عودته إلى سدة الحكم، رفع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا شعار «البرازيل أولًا»، ليس كنسخة مقلّدة من شعارات قومية أخرى، بل كتعبير صادق عن رغبة وطنية لكسر حلقة التبعية والهيمنة، وإعادة تعريف موقع البرازيل على الخريطة العالمية.
في زمن تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية، وتتفكك فيه مراكز القوة التقليدية، قررت برازيليا أن تكون أكثر من مجرد قوة إقليمية: أن تصبح لاعبًا عالميًا له موقف مستقل، ورؤية مختلفة للعالم، بعيدًا عن الوصاية الغربية.
تسعى البرازيل اليوم لتكون رافعة جديدة للاقتصاد العالمي من خلال دورها المحوري في مجموعة «بريكس»، وتوسيع نفوذها في ملفات التنمية، والطاقة النظيفة، والمناخ، والغذاء، وأيضًا عبر سياسة خارجية متوازنة تراعي العدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في هذا السياق، برز موقفها المتقدم من قضايا الشرق الأوسط، وخصوصًا في دعمها لحل الدولتين في فلسطين، ورفضها القاطع لأي تدخل عسكري أجنبي في سوريا، وإدانتها للحصار على غزة، ما جعل منها صوتًا جنوبيًا حرًا يعيد التوازن في خطاب العلاقات الدولية.
ولا يمكن تجاهل الدور المتنامي للجاليات العربية في الداخل البرازيلي، لا سيّما من أصل لبناني وسوري وفلسطيني، التي تجاوزت عدة ملايين من السكان، وساهمت في تشكيل المزاج العام والسياسات، سواء في البرلمان أو الإعلام أو التجارة.
لقد أصبحت هذه الجاليات جسرًا ثقافيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، يعزّز من روابط البرازيل بالمنطقة العربية، ويجعلها في قلب الحسابات الجديدة لما بعد عصر الهيمنة.
ترامب ونظرة التسلط المستمرةفي هذا الإطار، يبرز موقف الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يزال يتعامل مع أمريكا اللاتينية بعقلية الحرب الباردة. يعتقد ترامب أن البرازيل مجرد "حديقة خلفية"، وأن بإمكانه توجيه قراراتها، أو على الأقل ليّ ذراعها اقتصاديًا من خلال فرض ضرائب وعقوبات غير معلنة على صادراتها تحت ذرائع بيئية أو سياسية أو تجارية.
لكن هذه النظرة الفوقية تصطدم بواقع مختلف: البرازيل لم تعد تلك الدولة التي تُدار من واشنطن، بل باتت أكثر جرأة في رفض الإملاءات، وأكثر وعيًا بمصالحها القومية، كما ظهر في ملفات كبرى تتعلق بعلاقاتها مع الصين وروسيا، ورفضها التدخل في نزاعات لا تعنيها إلا من منظور العدالة الدولية، وليس الاصطفاف السياسي.
صراع الضرائب.. أم صراع السيادة؟في الأشهر الأخيرة، تصاعد التوتر التجاري بين البرازيل وبعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في شكل ضغوط مالية وضرائبية تمس قطاعات استراتيجية في الاقتصاد البرازيلي، مثل الزراعة والتعدين والطاقة.
هذه "الإتاوات الجديدة" ليست مجرد أدوات ضغط تجارية، بل هي شكل من أشكال تقييد القرار السيادي، وإجبار البرازيل على إعادة تموضعها الجيوسياسي.
البرازيل من جانبها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل بدأت في تعزيز شراكاتها مع دول الجنوب العالمي، والانخراط بعمق أكبر في مبادرات بديلة للنظام المالي الغربي، سواء عبر بنك التنمية التابع للبريكس، أو في تعزيز التجارة بالعملات المحلية بعيدًا عن الدولار.
هل تستطيع البرازيل المواجهة؟الجواب نعم، ولكن بشروط، فالبرازيل تملك مقومات القوة: اقتصاد كبير ومتنوع يُعد من أكبر 10 اقتصادات في العالم، وموارد طبيعية هائلة تؤهلها لتكون قوة غذائية وطاقوية عظمى، وتحالفات استراتيجية مثل «بريكس+»، تمنحها بدائل للنظام الغربي، فضلًا عن رأي عام محلي بات أكثر وعيًا ورفضًا للهيمنة الأجنبية.
وفي المقابل، تحتاج إلى تحصين مؤسساتها السياسية ضد محاولات زعزعة الاستقرار، وإصلاح داخلي جاد يعالج التفاوت الاجتماعي ويعزز الثقة، وإعلام مستقل يستطيع أن يعبّر عن الرؤية الوطنية دون الوقوع في فخ الدعاية.
البرازيل والتاريخ المعاد كتابتهتخوض البرازيل اليوم معركة رمزية كبرى، ليست فقط على مستوى التجارة أو المناخ أو السياسة، بل على مستوى سردية «من يملك الحق في القرار».
لم تعد مستعدة لأن تكون تابعًا، بل شريكًا متكافئًا في كتابة فصول النظام العالمي الجديد.وكما قال أحد المحللين البرازيليين: «الاستقلال لا يُستعاد فقط من الاستعمار، بل من كل وصاية جديدة تتخفى خلف خطاب ديمقراطي أو بيئي أو أمني».
البرازيل إذن، ليست حديقة خلفية لأحد، بل غابة سيادية كثيفة، فيها ما يكفي من الجذور والأغصان لتقاوم الرياح القادمة من الشمال.
كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية والصراعات الدولية. [email protected]
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يلتقي نظيره البرازيلي في نيويورك لبحث جهود وقف إطلاق النار بغزة
رئيس البرازيل يرفض تهديدات ترامب: لن نخضع للضغوط