أثار قانون «تنظيم لجوء الأجانب» فى مصر حالة من الجدل بين التأييد انطلاقًا من الحاجة إلى توفير إطار قانونى يضمن التوازن بين حقوق المهاجرين والتزامات مصر اتجاه 9 ملايين لاجئ حسب تقديرات حكومية، بتكلفة 10 مليارات دولار سنويًا تتحملها الدولة، وبين من يرى أن بنود هذا التشريع المصرى الأول فى هذا الشأن، تثير حالة توتر ومخاوف من تقييد حقوق هؤلاء دون رقابة.
تلك الحالة من الجدل المتبادل لا تسير فى الإتجاه الصحيح، لأن الخطر ليس فى القانون من عدمه، الخطر الحقيقى عدم الانتباه إلى مخططات الإتحاد الأوروبى بتصدير هذا «اللغم» إلى دول شمال أفريقيا عمومًا ومصر خاصة، والسعى لتحويل بلدان خارج التكتل الأوروبى إلى «مراكز استقبال» اللاجئين والتخلص من تلك الأزمة التى أوشكت على تفجير الإتحاد من الداخل.
بداية الكابوس:
بدأت أزمة اللاجئين فى أوروبا 2015، فى هذا العام فرَّ مئات الآلاف عبر البحر المتوسط هربًا من حجيم الصراعات والحروب فى الشرق الأوسط، فى هذا العام توالت المشاهد المأساوية واحدًا تلو الآخر، بداية من حالات الغرق فى المياة الليبية، مروروًا بعثور السلطات النمساوية على جثث 71 لاجئًا فى شاحنة تبريد مهجورة بالقرب من حدودها مع المجر، وصولًا لمشهد الطفل السورى «إيلان كردى» الذى جرفته الأمواج إلى شواطئ تركيا وهزت صورته ضمير العالم.
النقطة الفاصلة فى عام «أزمة اللاجئين» كانت 5 سبتمبر 2015 عندما قررت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فتح الحدود لإستقبال آلاف اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق، قائلة عبارتها الشهيرة آنذاك:« نستطيع إدارة هذا الأمر»، كان قرار «ميركل» إنحيازًا للإنسانية، ضاربًا بأصوات تتهمها بتعريض هوية ألمانيا وأمنها للخطر عرض الحائط.
قمة الصراع:
بعد مرور تسع سنوات وحالة الصعود المتسارع لأحزاب يمينية متشددة فى أوروبا، بدأ المزاج العام يتحول من «التوطين والدمج الحذر» إلى نبرة رافضة لإستقبال المهاجرين، وفتح الحدود أمام ما يسمونه «إرهابى محتمل»، وأصبحت عواصم أوروبا تقول بشكل واضح:«لا..لا نستطيع»، ردًا على ما مقولة «ميركل»: « نستطيع إدارة هذا الأمر».
فى ظل تلك الضغوط السياسية للأحزاب اليمينية المتطرفة، أصبحت الحكومات تتنافس لاتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الهجرة، وإجراءات حازمة لغلق الحدود وتشديد الرقابة، فقد أعادت ألمانيا فرض عمليات التفتيش على جميع حدودها، وتعهدت فرنسا بمراجعة تشريعات الاتحاد الأوروبى التى لم تعد تناسب باريس، واقترحت السويد وفنلندا قوانين ضد المهاجرين، وقال الائتلاف الجديد فى هولندا، بقيادة حزب الحرية المناهض للهجرة: «إن البلاد لم تعد قادرة على تحمل تدفق المهاجرين»، وقامت السويد بزيادة ما تدفعه للأشخاص الراغبين فى العودة إلى أوطانهم إلى 30 ألف يورو.
تلك الحالة المزاجية الرافضة للهجرة وتشديد الرقابة على الحدود، أصابت دول الإتحاد الأوروبى بالتوتر، ورأى البعض أنها ربما تقضى فى المدى البعيد على منطقة « شنغن» التى تسمح بحرية التنقل فيها دون جوازات سفر، تلك المنطقة التى تعتبر واحدة من أكبر إنجازات الاتحاد الأوروبى وأكثرها أهمية اقتصاديا.
«مراكز العودة» ومحاولات الخروج:
فى ظل مواجهة تلك الأزمة التى باتت تعصف بالإتحاد الأوروبى، بدأت الأصوات تنادى بالتفكير والبحث عن حلول جديدة لمنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فبرزت فكرة الإستعانة بدول خارج الإتحاد الأوروبى لإستقبال المهاجرين ومعالجة طلبات اللجوء أو ما يسمى بـ«مراكز الاحتجاز والعودة» استشهادًا باتفاقية إيطاليا وألبانيا، وصفقة بريطانيا ورواندا.
وتحت ستار الاستثمار ومشاريع التنمية، والشراكات الاستراتيجية، بدأ الإتحاد فى إبرام اتفاقيات مع دول شمال أفريقيا، أهم بنود تلك التفاهمات هو مكافحة الهجرة، فتم التوقيع مع تونس يوليو 2023، وتقديم حزمة من المساعدات منها 105 ملايين يورو لهذا البند، وفى مارس 2024 دخل الاتحاد الأوروبى فى شراكة استراتيجية مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار لتعزيز استقرار البلاد وجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، كما تم عقد صفقة مع تركيا عام 2016 بقيمة 6 مليارات يورو، وتم دفع 210 ملايين يورو لموريتانيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا ولبنان والمغرب... إلخ إلخ
الإشكالية أن منح الإتحاد الأوروبى لن تكون « شيكًا على بياض» كما تصور البعض، وظن خطئًا أن تلك المساعدات «رزق وربنا بعته.. وربنا يزيدنا من فضله كمان وكمان »!
فبعد توقيع تلك التفاهمات، ظهرت تقارير تتحدث عن «مكبات النفايات الصحراوية» فى موريتانيا والمغرب وتونس، وكيفية دفع المهاجرين من أطفال ونساء إلى مناطق صحراوية نائية، وتركهم يتدبرون شئونهم بأنفسهم، وتناولت أخرى انتهاكات ضد المهاجرين فى ليبيا، وبذلك يكون الاتحاد الأوروبى تنازل عن قيمه، وألحق الضرر بسمعته فى مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون!
وبعيدًا عن تلك الحلقة المفرغة من مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، رأى البعض أن تلك المحاولات من البحث عن دول خارج التكتل الأوروبى كمراكز لاستقبال اللاجئين، يجعل الإتحاد عرضة للإبتزاز والتلاعب بإستخدام الهجرة كسلاح ضده وورقة ضغط عليه، كما فعل الرئيس الليبى «معمر القذافى» 2011 وتهديداته بإطلاق «طوفان» من المهاجرين إلى أوروبا إذا استمرت فى دعم المحتجين، لنصل فى النهاية إلى حلقة مفرغة من الأزمات والصراعات تبحث عن حل دون جدوى.
أخيرًا: ربما شرحت السطور السابقة خطورة «لغم اللاجئين» الذى تعانى منه أوروبا وتريد تصديره خارج حدودها، ويمكن تلخيصه فى جملة كتبتها «انجيلا ميركل» فى مذكراتها التى صدرت مؤخرًا تحت عنوان «الحرية ذكريات 1954 -2021 » عن تلك اللحظة الفارقة بعد فتح حدود ألمانيا، والتوترات الاجتماعية والسياسية التى أعقبت هذا القرار تقول: كانت لحظة لها « ما قبل وما بعد»!
فى النهاية : يجب التوازن الشديد بين الالتزامات الأخلاقية ومصالح البلاد بعيدًا عن إغراءات المنح والتفاهمات، والانتباه إلى خطورة التورط فى تلك الأزمة نيابة عن أوروبا، فنصبح تائهين بين قرار: « سنتمكن من ذلك» وبين صرخات: « لن نستطيع.. لن نفعل ذلك »، ونكون بين عشية وضحاها أمام إنفجار لغم لا يمكن السيطرة عليه.
حفظ الله مصر من كل سوء.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قبل انفجار اللاجئين تنظيم لجوء الأجانب المهاجرين مصر لاجئ دولار الاتحاد الأوروبي أزمة اللاجئين أوروبا ميركل معمر القذافي
إقرأ أيضاً:
زيادة ملحوظة بعودة اللاجئين السوريين من الاردن لبلادهم
#سواليف
أكدت #المفوضية_السامية للأمم المتحدة لشؤون #اللاجئين، في تحليل “منتصف العام للعائدين لسورية من #الأردن خلال النصف الأول من 2025 “، والذي صدر أخيراً على انه وبعد #سقوط نظام #بشار_الأسد في 8 كانون الأول “ديسمبر” الماضي، شهدت #عودة_اللاجئين ونواياهم للعودة زيادة ملحوظة.
وبحسب المفوضية فإن 40 % من اللاجئين السوريين في #الأردن، كانوا قد أعربوا في استطلاع أجرته بداية العام عن خططهم للعودة خلال العام الحالي، بحسب الغد.
مخاوف مستمرة
وعلى الرغم من ذلك، استمر العديد من اللاجئين بالتعبير عن مخاوفهم المستمرة بشأن الأوضاع الأمنية ومحدودية فرص كسب العيش في سورية.
ووفقا للتحليل فإن “ردود الفعل الأولية على التغيير السياسي كانت قد اتسمت بتفاؤل حذر، حيث أعرب العديد من اللاجئين عن أملهم بإمكانية العودة لأول مرة منذ أكثر من عقد.
ومع ذلك، ومع بدء تقييمهم للواقع العملي على الأرض، خفت حدة هذا التفاؤل، بما في ذلك سلسلة من الحوادث الأمنية الكبرى التي ساهمت بتباطؤ ملحوظ في العودة، وقد أدى عدم القدرة على التنبؤ بالوضع لتقلب اتجاهات العودة طوال النصف الأول من العام الحالي.
وفي الربع الأول العام، عاد ما يقرب من 45 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية، وبحسب التحليل شهد شهرا كانون الثاني “يناير” وشباط “فبراير” أعلى مستويات العودة، بمتوسط حوالي 700 فرد يعبرون يوميًا.
وفي آذار “مارس”، انخفضت أعداد العائدين لأقل من 200 شخص يوميًا، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى شهر رمضان.
واستمر هذا الانخفاض خلال شهري نيسان “أبريل” وأيار “مايو” قبل أن يرتفع بشكل حاد الشهر الماضي، بالتزامن مع نهاية العام الدراسي – وهو عامل ذكره اللاجئون كثيرًا في مناقشاتهم مع المفوضية وشركائها، حيث تمّ تسجيل ما يقرب من 51 ألف عودة في الربع الثاني.
ومنذ 8 كانون الأول “ديسمبر” إلى نهاية الشهر الماضي، عاد أكثر من 100 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية لديارهم، ومن بين هؤلاء، عاد 56 % كعائلات كاملة، بينما عاد 44 % عبر تنقلات عائلية متقطعة أو جزئية.
وبينما تشجع المفوضية العائلات على العودة معًا، فإنها تدرك أن العودة التدريجية قد تدعم إعادة الإدماج حسب الظروف الفردية.
وذكر التحليل – بناء على جلسات تواصل نظمتها المفوضية مع اللاجئين- أنّه خلال النصف الأول من العام أفادت مجتمعات اللاجئين باتباع نهج حذر في التخطيط للعودة، حيث اعتمد الكثير منها نهج “الانتظار والترقب”، وربط اللاجئون قرارات عودتهم بشروط أو جداول زمنية محددة – مثل انتهاء العام الدراسي، أو القدرة على توفير أموال كافية، أو استقرار الوضع السياسي ببلادهم.
وقد تمت الإشارة الى أنه لا يزال لمّ شمل الأسرة هو “عامل الجذب” الرئيسي الذي يدفعهم للعودة. ومع ذلك، لا تزال القيود المالية، بما في ذلك ضرورة سداد الديون، وتغطية تكاليف النقل، وتوفير مدخرات كافية لإعادة الاندماج، تشكل عوائق كبيرة.
وأكد التحليل أن اللاجئين يطلبون باستمرار الدعم من المفوضية وشركائها في المجال الإنساني لتسهيل عودتهم، وتشمل المجالات الرئيسة للمساعدة المطلوبة المنح النقدية، وترتيبات النقل، وإدارة الديون، ودعم سبل العيش وإعادة الاندماج داخل سورية.
وبحسب المفوضية فإن 96 % من المشاركين بالجلسات ذكروا أنّ السلامة والأمن هما العاملان الرئيسان المؤثران على قرارات العودة.
بينما ركزت المخاوف قبل كانون الأول “ديسمبر” الماضي بشكل كبير على الاعتقال والاحتجاز، والتجنيد القسري، والخوف من الاضطهاد من النظام السابق، فإن المخاوف الحالية تشمل الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، واحتمال تجدد الصراع، وعدم اليقين بشأن المستقبل، وعدم وضوح كيفية عمل الحكومة الجديدة.
وأبدى بعض اللاجئين الأكبر سنًا انفتاحًا أكبر على العودة لسورية، ومع ذلك، فإن أطفالهم، وخاصة أولئك الذين ولدوا أو نشأوا في الأردن، غالبًا ما يفضلون البقاء، نظرًا لمحدودية علاقاتهم الشخصية بسورية وارتباطهم الوثيق بالحياة في الأردن.
وأفادت النساء بانخفاض نواياهن قصيرة الأجل للعودة مقارنة بالرجال، نظرًا لمخاوفهن بشأن الأمن، ومحدودية الفرص الاقتصادية، وتباين الأدوار بين الجنسين.
واكتسب كثير منهن مزيدًا من الاستقلالية والوعي بحقوقهن أثناء وجودهن في الأردن، ويخشون ألا تستمر هذه المكاسب بسورية، مما يجعل قرار العودة أكثر صعوبة.
وبحسب التحليل فإنّه خلال النصف الأول من العام عاد أكثر من 52 ألف لاجئ في سن العمل “تتراوح أعمارهم بين 18 و 64 عامًا” لسورية، مُشكلين 54 % من إجمالي العائدين خلال هذه الفترة.
وبحسب التحليل فإنّ 15.400 لاجئ في المخيمات ممن تلقوا مساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية في الربعين الأول والثاني، عادوا منذ ذلك الحين، لم يعودوا يتلقونها، كما أن 10.800 لاجئ في المجتمعات الحضرية ممن تلقوا مساعدات، في تلك الفترة ايضا، عادوا لسورية منذ ذلك الحين ولم يعودوا يتلقونها.