مع توقف إطلاق النار، كان هادي يأمل أن تكون الحرب قد وضعت حداً لمعاناته كنازح، لكنه سرعان ما اصطدم بواقع الأضرار التي لحقت بمنزله في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية.

يقول بحسرة "عندما عدت إلى المنزل، لم أتوقع أن أراه بهذه الحالة المزرية. النوافذ محطمة، الأثاث مكسور، وكل شيء ليس على حاله. هذا المنزل الذي كان يوماً ملاذاً آمناً لي ولعائلتي أصبح غير صالح للسكن قبل إصلاح الأضرار".

الدمار لم يقتصر على منزله فقط، فالضاحية الجنوبية بأكملها تعرّضت لقصف عنيف خلال الحرب. ويضيف هادي في حديث لموقع "الحرة": "عندما قمت بجولة في الأحياء المجاورة، كان المشهد مروعاً. المباني مدمرة جزئياً أو كلياً، والسكان لا يزالون يعيشون تحت تأثير الصدمة، محاولين التأقلم مع واقع جديد قاس."

رغم مظاهر الفرح التي رافقت عودة النازحين اللبنانيين إلى بلداتهم ومناطقهم بعد توقف المعارك، إلا أن هذه الفرحة سرعان ما تلاشت أمام واقع صادم في العديد من البلدات والمناطق، وخصوصاً في الجنوب اللبناني. الدمار الواسع الذي طال المنازل والبنى التحتية أدى إلى غياب أبسط مقومات الحياة، مما جعل من العودة تحدياً جديداً للنازحين.

قرار العودة

من جهة أخرى، قرر عدد من النازحين تأجيل العودة، إما خشية من انهيار مفاجئ لاتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، أو لأنهم يدركون أن منازلهم قد دُمرت بالكامل وتحولت إلى ركام، ومنهم هادي الذي يعبّر عن رغبته في زيارة بلدته عيترون، لكنه أجّل ذلك بعد أن أبلغه أقاربه بأن منزله هناك قد دمّر بالكامل، إلى جانب حوالي 70 في المئة من منازل البلدة.

ويقول "البنية التحتية في عيترون تضررت بشكل كبير. لا توجد كهرباء ولا مياه ولا خدمات إنترنت، والجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في المنطقة، وهو يحظر على المواطنين من التوجه إليها، مما يجعل العودة مستحيلة في الوقت الراهن".

يتحدث هادي عن حال الأهالي الذين عادوا إلى قراهم الجنوبية، حيث يشير إلى أن الكثير منهم اضطروا للمغادرة مجدداً، ويشرح ذلك قائلاً "بعض العائلات اكتشفت أن منازلها مدمرة بالكامل أو غير قابلة للسكن، أو أن الوضع الأمني غير المستقر، وبدلاً من العودة إلى مراكز إيواء بعيدة عن جنوب لبنان، اختاروا الإقامة في بلدات قريبة من قراهم".

النازحون اللبنانيون تحت وطأة المعاناة.. وتحذيرات من تفاقم الوضع شهد لبنان موجة نزوح جديدة نتيجة التصعيد العسكري الأخير بين حزب الله وإسرائيل، حيث اضطر حوالي مليون و400 ألف شخص إلى مغادرة المناطق المستهدفة بالقصف. هذه التطورات أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، والتي تتزامن مع ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة، مما يزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة اللبنانية في توفير الدعم والرعاية للنازحين.

حالياً، يعيش هادي مع عائلته في منزل خاله في جبل لبنان، كحل مؤقت حتى تنتهي أعمال الترميم في منزله في الشياح، ويقول "أنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي أعود فيه إلى منزلي، وأتمكن من استئناف حياتي الطبيعية بعد كل هذه المعاناة".

دمار البيوت.. والأحلام

بمرارة وحزن شديدين، تتحدث مايا، ابنة مدينة صور، عن المأساة التي حلت بمدينتها جراء الحرب الأخيرة، والتي تركت أثراً بالغاً في البشر والحجر. تقول بأسى "للأسف، ما حدث يدمي القلب"، واصفة الدمار الذي طال المدينة التي كانت يوماً ما تعرف بجمالها وتاريخها العريق، وجذبت السياح من مختلف أنحاء العالم.

وتشدد مايا في حديث لموقع "الحرة" على أن "هناك مواطنين أبرياء لا علاقة لهم بحزب الله كانوا ضحايا هذه الحرب، نحن من بينهم، فقد دمّر منزل عائلتي بالكامل، وكذلك منزلا جدي وأقاربنا وحتى أصدقائي".

آلاف اللبنانيين أخلوا مساكنهم بسبب الحرب

وتضيف "والدتي الآن نازحة تعيش عند معارفنا، بينما كنت أنتظر انتهاء الحرب بفارغ الصبر لأعود إلى لبنان وأستعيد حياتي. لكن الآن، لم يعد هناك منزل أعود إليه. ذكرياتي كلها أصبحت رماداً، وصور طفولتي وشبابي اختفت مع الدمار".

"الحرب لم تقتصر على هدم المباني، بل محت أرواحنا وذكرياتنا وأحلامنا"، تقول مايا بغصة، وتردف "كل زاوية في المدينة كانت تحكي قصة، وكل حجر كان يشهد على تاريخ طويل".

وتشير إلى الوضع المأساوي التي تعيشه والدتها بعد الحرب، موضحة "لا كهرباء ولا ماء، فهناك سكان يمضون الليل في الظلام ويضطرون لتعبئة المياه من أجل الطبخ والاستحمام".

وتلفت أيضاً إلى أزمة السكن التي تفاقمت بعد الحرب. ذلك أن "عددا كبيرا من المنازل في المدينة دمر بالكامل، والطلب على المساكن القليلة المتبقية أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق"، حسب مايا مضيفة "العائلات تواجه صعوبات كبيرة في إيجاد مأوى يناسب إمكانياتها".

وتوجه مايا نداء إلى اللبنانيين قائلة "نتمنى أن يستفيق الجميع، وخصوصاً أبناء بيئة حزب الله، ويدركوا أن التضحية يجب أن تكون للوطن لا لجماعات أو أفراد. نحن تربينا على حب الوطن، لكن هناك من استطاع غسل عقول البعض ليجعلهم وأولادهم وممتلكاتهم فداء لمصالح ضيقة".

كما تعرب عن قلقها من احتمال تجدد الحرب، قائلة "ما يخيفني هو تكرار السيناريو المأساوي، حيث أخشى أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار، وندخل في دوامة جديدة من الدمار. كل ما أتمناه هو أن يتوقف هذا العبث، وأن تمنح مدينتنا فرصة لإعادة بناء نفسها واستعادة مجدها".

وينص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوبي لبنان خلال 60 يوماً، مقابل الانسحاب الكامل لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني (نحو 30 كم عن الحدود مع إسرائيل).

ومع انسحاب حزب الله والجيش الإسرائيلي بشكل تدريجي، سيبدأ الجيش اللبناني انتشاراً تدريجياً أيضاً في جنوب لبنان، وفقاً لبنود الاتفاق.

وسيخضع الاتفاق إلى إشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يصبح اتفاقاً دائماً بعد فترة الـ60 يوماً.

حواجز نفسية وأمنية

بعد قضاء 14 ساعة متواصلة في رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر من بلدة معركة في قضاء صور إلى طرابلس، لا تزال ريان تعيش حالة من الخوف المستمر. وتقول "رغم إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن مشاهد القصف التي هزت جنوب لبنان لا تفارقني. عشت وعائلتي ساعات في الجحيم، وحتى الآن، لا نشعر بالأمان الكافي للعودة إلى منزلنا، حيث نخشى أن تتكرر تلك الأيام العصيبة".

وتضيف ريان في حديث لموقع "الحرة": "نرى أن بعض بنود الاتفاق يصعب تطبيقها، لذلك نرفض العودة قبل انتهاء مهلة الستين يوماً، أي حتى تتضح الصورة بشكل كامل"، مشيرة إلى أن أقاربها الذين غامروا بالعودة إلى البلدة قاموا بذلك بشكل مؤقت فقط لجلب بعض الأغراض.

وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، حذّر سكان بعض البلدات الجنوبية من العودة إليها حتى إشعار آخر.

وفي هذا السياق، أصدرت عدة بلديات بيانات دعت فيها السكان إلى عدم العودة، لذلك دعت بلدية دير سريان السكان إلى إخلاء البلدة حفاظاً على سلامتهم.

"كأهوال يوم القيامة".. نازحون لبنانيون يروون قصص الهروب من الموت "أشعر أنني أختنق، لا أستطيع تجاوز ما حدث لي ولأولادي"، بهذه الكلمات بدأت الناشطة الاجتماعية، الخبيرة بالحماية الأسرية، رنا غنوي، رواية تجربتها المرعبة عقب الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت بلدتها كفر رمان الجنوبية.

من جانبها، حذرت بلدية ميس الجبل من خطورة العودة بسبب استمرار القصف الإسرائيلي وانتشار الألغام والعبوات غير المنفجرة، داعية السكان إلى الالتزام بالتوجيهات وانتظار بيانات لاحقة.

أما بلدية الخيام، فقد أكدت ضرورة انتظار انسحاب الجيش الإسرائيلي واستكمال عمليات المسح ورفع الردميات قبل العودة لضمان سلامة السكان وتجنب المخاطر.

وفي السياق نفسه، أصدرت بلدية حبوش في النبطية بياناً دعت فيه النازحين السوريين إلى عدم العودة إلى البلدة، باستثناء العمال الحاملين أوراق قانونية، مشددة على ضرورة التزام أصحاب المنازل المؤجرة بالقرار لتوفير مساكن للمتضررين من سكان البلدة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی وقف إطلاق النار حزب الله

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 54 ألفا و772 شهيدا منذ بدء الحرب

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، السبت، ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها في القطاع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023، إلى « 54 ألفا و772 شهيدا، و125 ألفا و834 مصابا ».

وقالت الوزارة في تقريرها الإحصائي اليومي، إن مستشفيات القطاع استقبلت خلال 48 ساعة « 95 شهيدا و304 إصابات » « جراء استمرار القصف الإسرائيلي على القطاع.

وبيّنت في تقريرها ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية من مراكز « المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية » جنوبي القطاع إلى « 110 شهداء بينهم 10 وصلوا إلى المستشفيات خلال الـ48 ساعة الماضية ».

بينما ارتفع عدد مصابي توزيع المساعدات في القطاع إلى « 1000 بعد تسجيل أكثر من 110 إصابة جديدة » خلال اليومين الماضيين.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة، بدأت إسرائيل في 27 ماي، تنفيذ مخطط لتوزيع « مساعدات إنسانية » عبر « مؤسسة غزة الإنسانية » المدعومة أمريكيا وإسرائيليا، ويقول فلسطينيون إن المخطط يستهدف تهجيرهم من شمال القطاع إلى جنوبه.

ويأتي ذلك بينما تغلق إسرائيل منذ 2 مارس الماضي بشكل محكم معابر غزة بوجهة شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود.

ولم تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.

وفي السياق، أوضحت الوزارة أن حصيلة الضحايا الفلسطينيين منذ استئناف إسرائيل إبادتها في 18 مارس الماضي ارتفعت إلى « 4497 شهيدا و13793 مصابا ».

وبذلك، ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023، إلى « 54 ألفا و772 شهيدا، و125 ألفا و834 مصابا ».

ولا يزال هناك عدد من الضحايا تحت ركام المنازل المدمرة وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم، وفق تقرير الوزارة.

ومطلع مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية وإشراف أمريكي.

وبينما التزمت حماس ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري.

واستأنفت إسرائيل منذ 18 مارس الماضي، جرائم الإبادة عبر شن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدف معظمها مدنيين بمنازل وخيام تؤوي نازحين فلسطينيين، فيما أعلن جيشها في 8 مايو الماضي، بدء عملية « عربات جدعون » لتوسيع الحرب على غزة بما يشمل هجمات برية في أنحاء مختلفة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وقبل الإبادة حاصرت إسرائيل غزة طوال 18 عاما، واليوم بات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون، بلا مأوى بعد أن دمرت الحرب مساكنهم.

مقالات مشابهة

  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات
  • الراعي في افتتاح سينودس الاساقفة: نحن هنا لنصل إلى الحقيقة الكاملة التي تحرّرنا وتوحّدنا وتطلقنا
  • نائب رئيس الحكومة: الترحيل القسري والجماعي للسوريين غير وارد
  • غارات وتحليق وإنذارات.. التصعيد الإسرائيلي يتمدد من الضاحية إلى الجنوب
  • نائب أمل شكر وقفة عون المشرفة التي طال انتظارها
  • سجناء فروا من مخفر غزير
  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 54 ألفا و772 شهيدا منذ بدء الحرب
  • غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يشدد على ضرورة تقصير أمد الحرب في غزة
  • تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها