لجريدة عمان:
2025-08-01@18:51:33 GMT

الصحافة والتحول الرقمي

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

منذ أسبوعين استضافت سلطنة عُمان ممثلة في جامعة السلطان قابوس مؤتمرا دوليا حول الإعلام والاتصال وثورة الذكاء الاصطناعي. المؤتمر الذي استمر على مدى ثلاثة أيام ونظمه قسم الإعلام بالجامعة بمشاركة أكثر من 60 باحثا من مختلف دول العالم، ناقش قضايا عديدة تتصل بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي سواء في الصحافة ووسائل الإعلام أو في برامج ومناهج التعليم الإعلامي.

النتائج النهائية التي خرج بها المؤتمر تؤكد أننا أمام تحول رقمي فرعي جديد ضمن التحولات الرقمية التي شهدتها صناعة الصحافة منذ دخول جهاز الحاسوب في تحرير وإنتاج الصحف. هذا التحول كما أكد المؤتمر يمثل حتمية تكنولوجية لا بد للصحافة أن تتبناها وتتعامل معها وتستفيد منها وفي نفس الوقت نفسها تأخذ الحذر من سلبياتها ومخاطرها ليس فقط على صناعة الصحافة، ولكن على المجتمع كله.

السؤال الذي لم يجد إجابة حاسمة في المؤتمر هو سؤال أين نحن من هذه الثورة الجديدة أو بالأصح أين صحافتنا من هذه التقنية الواعدة والخطيرة في الوقت نفسه. في اعتقادي أن الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تبدأ بالحديث عن التحول الرقمي الذي تنتمي له ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية حتى يمكن أن نضع تلك الثورة في سياقها الطبيعي وهو سياق التحولات والثورات التكنولوجية التي سبقتها وتبنتها الصحافة من ثورة الطباعة وحتى ثورة شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى هذا الأساس أتناول في هذا المقال الذكاء الاصطناعي باعتباره تحولا من تحولات رقمية عديدة شهدتها صناعة الصحافة على طول تاريخها، على أن أجيب في المقال التالي عن سؤال أين صحافتنا من ثورة الذكاء الاصطناعي؟

علينا بداية أن نعترف أن عالم اليوم يشهد تحولات جوهرية في مجالات متعددة بفضل التكنولوجيا الرقمية. ولم تكن الصحافة بعيدة عن هذه التحولات ولم تتأخر في استيعابها وتوظيفها، بل والمساهمة في تطويرها تماما مثلما من قبل مع كل التقنيات السابقة على التقنيات الرقمية بدءًا من تطوير الطباعة والتصوير مرورا باستخدام التلغراف والمذياع في نقل الأخبار والصور وتوزيعها، والأقمار الصناعية في إصدار طبعات دولية من الصحف الوطنية الصحف وحتى ظهور جهاز الحاسوب وإدماجه في غرف الأخبار واستخدامه في التغطية الصحفية وإنشاء الأنظمة التحريرية. ويمكن اعتبار دخول أجهزة الحاسوب مجال الإنتاج الصحفي وإدارة المؤسسات الإعلامية البداية الفعلية للتحول الرقمي الذي كان على الصحافة مواكبته والتأقلم مع متطلباته المادية والبشرية.

ومع خروج شبكة الإنترنت من ضيق الاستخدام العسكري والعلمي إلى رحابة الاستخدام الجماهيري، تتال ظهور التقنيات الرقمية وبالتالي التحولات في جميع مجالات الحياة وفي مختلف الصناعات بما في ذلك صناعة الصحافة. ويمكن القول إن التقنيات الرقمية المتتالية التي ظهرت مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين، قد أحدثت بالفعل ثورة في الصحافة خاصة في كيفية إنتاج الأخبار ونقلها واستهلاكها.

وتمثلت أبرز معالم هذا التحول في الخروج المبكر للصحف الورقية إلى شبكة الويب وتأسيس مواقع إلكترونية، بعد أن كانت شركات التزويد بخدمات الإنترنت تستخدم أخبارها في باقات الاشتراكات التي تقدمها للمشتركين فيها. وبعد فترة قصيرة قررت الصحف الكبرى الخروج بنفسها إلى الشبكة لتحجز لها مكانا عليها وتأسيس مواقع لها تكون امتدادًا إلكترونيًا لها من جانب، ولكي تكون تلك المواقع وسيلة للترويج للنسخ الورقية، من جانب آخر. وأصبحت مواقع الصحف بوابات إخبارية متكاملة تستقطب أعدادا كبيرة من المشتركين.

ومع مطلع الألفية الجديدة شهدت الصحافة الرقمية تطورًا كبيرًا بفضل التقدم المستمر في التقنيات التي تم توظيفها لتحسين المنتج الصحفي ومد توزيعه عبر منصات جديدة لم يكن من المتصور الوصول لها. الإنترنت فائق السرعة، والهواتف والأجهزة اللوحية الذكية، والتطبيقات التفاعلية، ساهمت جميعها في تغيير كيفية إنتاج وتوزيع الأخبار، وأصبحت الصحف الإلكترونية قادرة على تحديث محتواها في الوقت الفعلي، مما أتاح للجمهور الوصول إلى الأخبار فور حدوثها.

مع كل تحول كبير، تأتي التحديات. ولعل أحد أهم التحديات الكبرى التي تواجهها الصحافة الرقمية هي مشكلة الدخل المالي. لفترة طويلة كانت صناعة الصحافة تعتمد على نموذج أعمال قائم على توليد الدخل من خلال مصدرين رئيسيين، هما عائدات التوزيع والاشتراكات، والإعلان، إلى جانب بعض المصادر الأخرى غير المنتظمة مثل الدعم الحكومي، كما هو الحال في صحافة الدول النامية، وعائدات بيع بعض المواد والخدمات الصحفية لصحف أخرى غير منافسة. ومع التحول الرقمي وظهور الصحافة الإلكترونية انخفض التوزيع الورقي بشكل تدريجي وحاد كما انخفضت حصة الصحف من الإعلانات وهو ما أثر سلبًا على حصيلة الإيرادات، وأدى في النهاية إلى توقف صحف شهيرة وكثيرة عن إصدار النسخ الورقية وخروج بعضها من السوق الصحفي. وقد تأقلمت الصحافة مع هذا التحول من خلال تبني نموذج أعمال جديد يقوم على استمرار النسخ الورقية مع الاهتمام أكثر بالنسخ الإلكترونية، واعتماد نموذج أعمال جديد يقوم على إتاحة بعض الخدمات المجانية للقراء مع تقديم الخدمات الكاملة للمشتركين فقط. وإذا كان هذا التحول الرقمي المتمثل في الصحافة الإلكترونية، قد حرم صناعة الصحافة من مصادر تمويل مهمة فإنه في المقابل أتاح أيضًا فرصًا جديدة، مثل الاشتراكات الرقمية والإعلانات المخصصة التي تستهدف المشتركين وزوار الموقع بناءً على بياناتهم وتفضيلاتهم الشخصية. ولا يمكن الحديث عن التحول الرقمي في الصحافة دون التوقف أمام التحول الكبير الذي أحدثه ظهور وانتشار شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، و«تويتر (اكس حاليا)، و«إنستجرام»، وغيرها من الشبكات التي سارعت الصحف ووسائل الإعلام إلى إنشاء حسابات موثقة عليها واستخدامها كقنوات توزيع أولية للمنتج الصحفي يمكن أن تقود القراء والمستخدمين الى المنصات الرقمية الأخرى للصحيفة، خاصة الموقع الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الذكية، وهو ما يعزز وجودها الرقمي من ناحية ويزيد من حصيلتها الإعلانية من ناحية أخرى. ولم تسهم هذه الشبكات فقط في توزيع أخبار الصحف وزيادة تعرض الجمهور لها، بل أيضًا في تفاعل الجمهور مع المحتوى، مما أضفى طابعًا تفاعليا جديدًا على صناعة الأخبار. في المقابل قدمت الصحافة خدمات كبيرة لمنصات التواصل الاجتماعي وحولتها من منصات اجتماعية تربط بين الأصدقاء والمعارف إلى منصات إخبارية وهو ما ساعد على انتشارها وتزايد استخدامها بشكل غير مسبوق.

آخر التقنيات الحديثة التي دخلت صناعة الصحافة وأثرت فيها هي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي رغم قصر عمرها أصبحت تلعب دورًا محوريًا في صناعة الصحافة. ورغم عدم تبني تلك التقنيات في بيئات صحفية متعددة، والمقاومة التي تلقاها من الصحفيين وإدارات المؤسسات الصحفية في كثير من الدول، ورغم المخاطر الأخلاقية المحيطة باستخدامها، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت تُستخدم بالفعل من جانب أعداد متزايدة من الصحفيين في العالم سواء في إعداد وكتابة الأخبار الجاهزة مثل أخبار الطقس والأخبار الرياضية وتقارير الأسواق المالية أو في تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة، الأمر الذي يساعد الصحفيين في الكشف عن الأحداث والقضايا التي تهم الجمهور ويجب الاهتمام بها، كما يتم استخدام تقنيات التعلم الآلي في تخصيص المحتوى للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم واهتماماتهم.

في مقابل ما سبق يمكن القول إن التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على جودة المنتج الصحفي وعلى فرص العمل في الصحافة. فإذا كانت هذه التقنيات تُمكن الصحف من تحديث الأخبار في الوقت الفعلي وتحليل البيانات الكبيرة، وتجعلها صحافة أكثر تفاعلية وتعزز مشاركة الجمهور في المنتج الصحفي، فإنها على الجانب الآخر يمكن أن تؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة، ونشر الشائعات والأخبار الزائفة والصور والفيديوهات المشكلة بتقنيات التزييف العميق، بالإضافة إلى الاستغناء عن أعداد أكبر من الصحفيين في المستقبل القريب. وللحديث بقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی التحول الرقمی صناعة الصحافة فی الصحافة هذا التحول من الصحف

إقرأ أيضاً:

زوكربيرغ: الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح وشيكًا

وضع مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، خطته لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وتتمحور حول منح المستخدمين "ذكاءً خارقًا شخصيًا".
في رسالة، رسم رئيس "ميتا" صورةً لما هو آتٍ، ويعتقد أنه أقرب مما نعتقد. ويقول إن فرق عمله تشهد بالفعل بوادر تقدم مبكرة.
كتب زوكربيرغ "خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأنا نلمس لمحاتٍ من أنظمة الذكاء الاصطناعي لدينا تُحسّن نفسها. التحسن بطيءٌ حاليًا، ولكن لا يمكن إنكاره. تطوير الذكاء الخارق أصبح وشيكًا".
فما الذي يريد تحقيقه بهذا الذكاء الاصطناعي الخارق ؟
دعك من الذكاء الاصطناعي الذي يُؤتمت العمل المكتبي الممل فحسب، فرؤية زوكربيرغ وشركته "ميتا" للذكاء الخارق الشخصي أكثر عمقًا. إنه يتخيل مستقبلًا تخدم فيه التكنولوجيا نمونا الفردي، وليس إنتاجيتنا فحسب.
على حد تعبيره، ستكون الثورة الحقيقية أن "يتمتع كل شخص بذكاء خارق شخصي يساعد على تحقيق أهدافه، وخلق ما يرغب برؤيته في العالم، وخوض أي مغامرة، وأن يكون صديقًا أفضل لمن يحب، وأن ينمو ليصبح الشخص الذي يطمح إليه".
وصرح روكربيرغ "هذا يختلف عن غيره في هذا المجال ممن يعتقدون أن الذكاء الخارق يجب أن يُوجَّه بشكل مركزي نحو أتمتة جميع الأعمال القيّمة، ومن ثم ستعيش البشرية على نصيبها من إنتاجه".
اقرأ أيضا... مايكروسوفت تتيح مشاركة سطح المكتب مع مساعد ذكاء اصطناعي
ويقول زوكربيرغ إن "ميتا" تراهن على الفرد عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي الخارق، حيث تؤمن الشركة بأن التقدم كان دائمًا نتيجة سعي الناس وراء أحلامهم، وليس نتيجة العيش على فتات آلة خارقة الكفاءة.
إذا كان محقًا، فسنقضي وقتًا أقل في التعامل مع البرامج، ووقتًا أطول في الإبداع والتواصل. سيعيش هذا الذكاء الاصطناعي الشخصي في أجهزة مثل النظارات الذكية، ليفهم عالمنا لأنه يستطيع "رؤية ما نراه، وسماع ما نسمعه".
بالطبع، هو يعلم أن هذا أمر قوي، بل وخطير. يُقر زوكربيرغ بأن الذكاء الخارق سيُثير مخاوف جديدة تتعلق بالسلامة، وأنه سيتعين على "ميتا" توخي الحذر بشأن ما تُطلقه للعالم. ومع ذلك، يُجادل بأن الهدف يجب أن يكون تمكين الناس قدر الإمكان.
يعتقد زوكربيرغ أننا نقف الآن عند مفترق طرق. فالخيارات التي نتخذها في السنوات القليلة القادمة ستحدد كل شيء.
وحذر قائلاً: "يبدو أن ما تبقى من هذا العقد سيكون على الأرجح الفترة الحاسمة لتحديد المسار الذي ستسلكه هذه التكنولوجيا"، واصفًا إياها بالاختيار بين "التمكين الشخصي أو قوة تُركز على استبدال قطاعات واسعة من المجتمع".
لقد اتخذ زوكربيرغ قراره. وهو يُركز موارد "ميتا" الهائلة على بناء مستقبل الذكاء الخارق الشخصي هذا.
مصطفى أوفى (أبوظبي)

أخبار ذات صلة قيمة مايكروسوفت السوقية تتجاوز 4 تريليونات دولار للمرة الأولى مراكز الثورة الصناعية الرابعة بالإمارات وماليزيا ورواندا تعزز حوكمة الذكاء الاصطناعي المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • النائب محمد أبو العينين: الصناعة هي «التريند» العالمي اليوم.. والذكاء الاصطناعي يعلي من القيمة المضافة
  • دبي الرقمية تكشف عن أول «أسرة إماراتية افتراضية» بالذكاء الاصطناعي – فيديو
  • قمة سيلكون للتكنولوجيا والتحول الرقمي تُطلق شرارة المستقبل الرقمي في سوريا
  • زوكربيرغ: الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح وشيكًا
  • شعبة الاقتصاد الرقمي وإيتيدا تطلقان دورة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • لطفي بوجمعة : ” الحركية الكبيرة التي يعرفها القطاع نرى نتائجها مع تحقيق الإقلاع الرقمي وانفاذ الإدارة القضائية الإلكترونية”
  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • شنايدر إلكتريك تطلق العلامة التجارية "لوريتز نودسون" في السعودية لدعم تحول المملكة في مجالي إدارة الطاقة والتحول الرقمي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي