قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن التدين ليس تضييق على النفس والآخرين في حياتهم وأرزاقهم ، منوهًا بأن الدين جاء لتحقيق التوازن بين مراد الله تعالى وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

ماذا يفعل من ضاقت به الدنيا وتكالبت عليه الديون؟.. ردد هذا الدعاءالتضييق على النفس والآخرين

وأوضح “عياد” في تصريح له، أن الدين يهدف إلى إقامة حدود الله وأداء فرائضه، وفي ذات الوقت يسعى لتحقيق السعادة الحقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة.

. ولكن كيف يتحقق ذلك؟ من خلال الفهم السليم والمتأني لمعطيات الدين.

وأضاف أن بعض الناس قد يضيقون على أنفسهم وعلى الآخرين في حياتهم وأرزاقهم، ويظنون أن هذا هو الطريق إلى السعادة الأبدية ورضا الله سبحانه وتعالى ، وفي المقابل، قد يجد البعض الآخر أنفسهم في انفتاح مفرط يفضي إلى نوع من التمييع في المفاهيم.

الحل يكمن في التوازن

ونبه إلى أن الحل يكمن في التوازن الذي يعلمه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال في حديثه المعروف عن بعض أصحابه الذين تفاخروا بصوم دائم واعتزال النساء: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما إني والله أخشى الله وأتقيه، ولكنني أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

وأفاد بأن التدين المنقوص قد يظهر للبعض كأنه هو التدين الحقيقي، لكنه في الواقع ناتج عن فهم غير صحيح لمقاصد الدين، فالدين جاء ليحقق الاعتدال والتوازن بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وربه، وبين الإنسان وبني جنسه، وبين الإنسان وسائر المخلوقات".

قانون التسخير 

وأشار إلى أن الإنسان كونه مستخلفًا عن الله تعالى، يجب عليه أن يلتزم بقانون التسخير الذي أتاح له استخدام ما في الكون من أجل تحقيق واجب الاستخلاف، وإن هذا الاستخلاف لا يتحقق إذا كان فيه إرهاق أو تعذيب أو استبداد.

 وتابع: بل يجب أن يتم وفقًا للرفق والعدل، حيث دعا الله تعالى إلى أن نضع الأمور في مواضعها الصحيحة، مشيرًا إلى أن الدين لا يقتصر على العبادات فقط، بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة، مشيرًا إلى أن الدين يجب أن يتزين بكل جميل في أقواله وأفعاله مع نفسه ومع ربه ومع بني جنسه ومع سائر مخلوقات الله.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية المزيد المزيد أن الدین إلى أن

إقرأ أيضاً:

داء القلق

 

د. صالح بن ناصر القاسمي

ماذا عساه أن يواجه الإنسان وهو يبدأ مسيرته على وجه البسيطة؟ فمنذ أن تبدأ صرخته الأولى في فضاء الحياة، وهو يعيش حالة من الترقب والقلق، دائم الالتصاق بأمه التي يشعر معها بالأمان والاطمئنان.  حيث يولد الإنسان وهو محمل بغرائز طبيعية، في مقدمتها حب الحياة، وإلا فما هو تفسير أن يمتلك الطفل ردة فعل مباشرة حين يسمع صوتًا غريبًا بالقرب منه؟ جميعنا لاحظنا ذلك مراراً وتكراراً مع أطفالنا، بل نعايشه بأنفسنا رغم أننا نمتلك رصيدًا من الأعوام، نخشى فيه على ذواتنا من أي تهديد خارجي، ونتفاعل بردة فعل تناسب الموقف المعاش.

ولا زلت أذكر، ونحن في مقاعد الدراسة الجامعية، أن أحد المدرسين ضرب بيده على الطاولة بينما كان يشرح لنا كيف أن الإنسان لديه ردة فعل طبيعية تجاه التهديدات الخارجية. فما كان منَّا إلا أن تحركنا تلقائيًا، وتملكنا الخوف، وكان ذلك مثالًا حيًّا لا تزال تفاصيله حاضرة في ذهني، كأنها حدثت للتو.

 كثيرة هي الأشياء التي تجعل الإنسان يعيش داء القلق: الخوف من المستقبل، القلق بشأن تأمين المعاش، الخوف من تربية الأبناء، وغير ذلك الكثير من الهواجس. بل وأحيانًا يعيش الإنسان حالة من القلق والخوف من أمور لا يستطيع حتى أن يحدد مصدرها، فكثيرًا ما يخبرنا أصدقاؤنا أنهم يمرون بحالة قلق لا يعرفون سببها. وهذا ما يزيد من خطورة هذا الداء، أنه متسلل، لا يأتي من باب واضح، بل يتسلل من النوافذ الصغيرة المهملة في زوايا النفس.

ومع تدرج الإنسان في مراحل حياته، يبدأ الصراع مع العديد من الأدواء، في مقدمتها الأمراض الجسدية. ومع ذلك، فإن تلك الأوجاع غالبًا لا تجعله يعيش حالة من القلق الشديد، لأنه يشعر بأن لكل داء دواء، وأن هناك دائمًا أملًا في الشفاء. أما إذا أصيب الإنسان بداء القلق، وتمكن منه حتى تغلغل في نفسه، وسيطر على روحه وأفكاره، فهنا فقط تبدأ المأساة الحقيقية.

إذ إن أي داء يصيب الجسد، فإن الروح تسنده لتجاوز المرض، أما إذا أصيبت الروح، فإن الجسد حينها لا يقدم عونًا، بل يصبح عاجزًا، ويصيبه الوهن، ويغدو عرضةً للأمراض والانهيار. ولهذا، فإن الكثير من الدراسات الطبية الحديثة أكدت العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية والجسدية، فكل اضطراب في الأولى قد يُترجم في الثانية على شكل أمراض عضوية ملموسة.

ومن الملاحظ أيضًا أن الأمراض النفسية، وعلى رأسها داء القلق، أصبحت أكثر انتشارًا في المجتمعات المعاصرة. ويعود ذلك إلى نمط الحياة المتسارع وضغوطها، وصعوبة التأقلم معها، مما يؤدي إلى تجاوب مباشر وسريع مع كل مثير، فينتقل القلق ويتعمق في النفوس، ويتحول من شعور عابر إلى نمط تفكير مزمن.

ولا شك أن الأمر، في أوله وآخره، مرتبط بالحالة الإيمانية للإنسان. فمتى ما كان الإنسان قوي الإيمان، كان أقل عرضة للإصابة بداء القلق، لأنه موقن أن مصيره بيد الله، وأنه المدير والمسيّر لأحواله، وأن كل ما يصيبه ما هو إلا ابتلاء واختبار. كما قال تعالى:

"قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 51)

فالآية الكريمة وصفت حال المؤمنين الحقيقيين الذين تمكن الإيمان من نفوسهم. وهو خط الدفاع الأول الذي يحميهم من داء القلق. وفي الحديث الشريف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا" (رواه الترمذي).

ولعل من أعظم الشواهد على صدق التوكل، ما وقع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الهجرة، عندما كان مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في غار ثور، وكانت قريش تلاحقهم، حتى وصلت إلى باب الغار، واقتربت الخُطى، فهتف أبو بكر: "يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!"، فجاءه الرد الحاسم من النبي عليه الصلاة والسلام:

"يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" (رواه البخاري ومسلم)

إنها لحظة مفصلية في تاريخ التوكل البشري. فالخطر محدق، والقلق مشروع، لكن اليقين بالله كان أقوى من كل مظاهر الخوف. ذلك الموقف يُعلّمنا أن الطمأنينة ليست في غياب التهديد، بل في حضور الله في قلوبنا، يقينًا لا يهتز، وثقة لا تنكسر.

فإذا كان أكثر ما يقلق الإنسان هو رزقه، وهو يعلم يقينًا أن رزقه بيد الله وحده، فلم القلق؟ يعيش حينها ببساطة، بل بسعادة واطمئنان. ولهذا، علينا أن نوقن أن داء القلق لا يصيب إلا من كان في إيمانه خلل، وعليه أن يراجع نفسه، فالدواء الحقيقي مرهون بها، لا بغيرها.

ومن المهم أن نلتفت إلى ضرورة بناء توازن نفسي، من خلال تهذيب النفس، وترويض الفكر، وتوجيهه نحو ما ينفع. فالعقل إذا تُرك ليتأمل المخاوف وحده، صنع منها وحشًا وهميًا يهابه صاحبه كل يوم. ولكن متى ما تم إشباع الروح بطمأنينة الإيمان، واليقين، والذكر، خمدت نيران القلق، وانزاحت غيوم الخوف.

فيا من أنهكه القلق، وتاه في دروب الهواجس، تذكّر أن الحياة لا تعطي أمانها لمن يركض خلف الظنون، بل لمن وقف بثبات على أرض الإيمان. لا تجعل يومك ساحة معركة بينك وبين ما لم يحدث بعد. فالقلق لا يغير المستقبل، بل يسرق منك الحاضر لحظة بلحظة. قاومه بالتوكل، واجه ظلاله باليقين، وعلّم قلبك أن لا يرتجف إلا من خشية الله، لا من غموض الغد.

ولعل أجمل انتصار تحققه في معركتك مع القلق، هو أن تبتسم وسط ضجيج الخوف، وأن تقول لنفسك بثقة: "أنا لست وحدي، فرب السماء يدبر أمري."

ومن هنا، تبدأ رحلة السلام.

 

مقالات مشابهة

  • مشاركة المونديال.. هذا المبلغ الذي حصل عليه الأهلي والترجي
  • المفتي: تأكيد التمسك بالعيش الواحد ورفض أي عمل غير انساني
  • هل صلاة الفجر سُنة أم فرض؟.. الإفتاء تصحح خطأ شائعا
  • التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
  • أذكار المساء كاملة.. أفضل 7 أدعية لتحصين النفس مع بداية الليل
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ترجمة على شريط النفس)
  • مؤتمر صحفي للمتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا حول التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس بدمشق
  • كيف تحصن نفسك من الحسد والسحر؟.. الأزهر للفتوى يكشف 4 طرق مجربة
  • داء القلق