صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-02@05:51:19 GMT

الحرب وجز أعناق الحقائق

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

الحرب وجز أعناق الحقائق

حيدر المكاشفي

“وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم.. وما هو عنها بالحديث المرجم.. متى تبعثوها تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضريتموها فتضرم.. فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا، ثم تنتج فتتئم”.

إذن هكذا هي دائما الحرب نار ورحى تورثان دمارا وهلاكا هائلا كما وصفها الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته، مقدما ما يمكن اعتباره أبلغ وصف للحرب.

.

ولك أن تتصور حجم الهلاك والدمار والخراب الذي تسببه الحروب اليوم التي تستخدم فيها أحدث الأسلحة الفتاكة، إذا قارنتها بحروب العصر الجاهلي التي عاصرها الشاعر زهير، والتي تدور رحاها بأسلحة بسيطة وتقليدية من رماح وسيوف وخلافها.. فحرب اليوم التي تدور في بلادنا، وتستخدم فيها أفتك الأسلحة خفيفها وثقيلها، وبطائراتها المقاتلة ومسيراتها وداناتها وقذائفها الصاروخية وبراميلها المتفجرة، لا تقتل البشر الآمنين الوادعين، وتجز أعناقهم فحسب، بل إنها أيضا تجز أعناق الحقائق، فتصبح الحقيقة من بين أول ضحايا الحرب، حيث تنبري الجماعات الخائضة للحرب والداعمة لها والنافخة في كيرها.

كما نشهد حاليا، وتنخرط في نشاط محموم لاغتيال الحقيقة بعدة وجوه وأشكال، لتعبر فوق جثة الحقيقة، بل وتدوس عليها لبلوغ مبتغاها وهدفها الذي من أجله تخلصت من الحقيقة والمعلومة الصحيحة، ليخلو لها الجو، فتفرخ وتبيض وتملأ الأجواء والاسافير بالأكاذيب والأخبار الملونة والمعلومات المضللة والشائعات، ولهم في ذلك أفانين وطرائق قددا، ومتخصصون متفرغون لصناعة وبث الرسائل المسمومة.

وبغياب الأخبار الدقيقة والصحيحة والمعلومات الحقيقية تتوفر لهم البيئة المثالية لأداء أدوارهم القذرة، وفي حالة حربنا السودانية التي تخضع فيها أجزاء من البلاد لسيطرة الجيش وأجزاء أخرى خاضعة للدعم السريع،تكون الحقيقة في الحالين هي الضائعة، فلا الجيش يسمح بنشر وبث إلا ما يروقه ويطربه ويخدم أغراضه وأجندته، ولا مليشيا الدعم السريع تسمح بنشر وبث ما يمسها ويضر بها، ولهذا غابت تماما التغطية الإعلامية والصحفية المهنية المتوازنة والموضوعية عن مجريات ويوميات الحرب كما هي على الأرض.

أما من هم خارج البلاد ولا سيطرة مباشرة عليهم من طرفي القتال، فتسيطر عليهم أجندتهم الخاصة الموزعة بين الطرفين، فمن داعم منهم للجيش أو داعم للدعم السريع ولا داعم بينهم أبدا للحقيقة.

وهكذا تغتال الحقيقة مرتين مرة بالداخل ومرة أخرى بالخارج، ومن عجب أن أفرزت هذه الحرب العبثية طبقة أخرى عابثة تسورت مهنة الإعلام، وقفزت عليها بليل بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، وملأت الاسافير والوسائط بغثاء كثيف يثير الغثيان ودونك من يسمون ب(اللايفاتية والتيكتوكرز واليوتيوبرز)..

وسبحان الله كلما نأتي على ذكر مصيبة من مصائب الحرب وإفرازاتها الضارة، إلا وترافقها ذكرى مصيبة من مصائب (الكيزان)، وليس ذلك بمستغرب فهم من أشعلوا هذه الحرب وما زالوا ينفخون في غيرها، حيث إنهم وعلى امتداد سنين حكمهم الكالحة، كانوا قد جندوا واستقطبوا عددا من الصحافيين والإعلاميين كانوا يعملون إلى جانب المنظمين أصلا (من انقاذويين وإسلاميين) للدفاع عن النظام بالحق وبالباطل وخدمة أهدافه والترويج لها، على النحو الذي يعرفه متابعو أجهزة الإعلام وقراء الصحف.

وتشهد عليه (الأراشيف)، وفي مقابل ذلك كان النظام يغدق عليهم الأموال والعطايا والمكرمات والكريات، ويخصهم بالأسفار الرسمية في معية المخلوع وغيره من القيادات الرسمية والحزبية والحركية للاستفادة من النثريات الدولارية والاستمتاع بالإقامة في أفخم الفنادق،ويخصهم بقطع الأراضي المميزة وغيرها من التصديق، فصاروا على رأي المثل يأكلون خبز السلطان ويضربون بسيفه.

وغير أجهزة الراديو والتلفزيون والصحافة الورقية، كان للنظام البائد وإسلامييه (مجندون) في الإعلام الإلكتروني، حيث أنشأ العديد من المراكز والمنصات والمواقع الاسفيرية، وكانت هذه المواقع تنشط في الدفاع عن السلطة ونشر أفكارها وأفكار الحركة الإسلاموية، كما كانت تبث الشائعات التي تخدم هذه الأغراض الخبيثة، وهي مراكز يعلمها بالاسم العاملون في الوسط الصحفي والإعلامي، بل إن عامة الناس اكتشفوها وأطلقوا عليها مسمى شعبياً (الجداد الإليكتروني)، ومن أحد هذه المراكز درجوا على إعداد وإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية المعادية للثورة وللشباب والشابات الثائرات، منها الفيلم الخسيس والخبيث (خفافيش الظلام) الذي حشوه بمحتويات مفبركة مسيئة لشباب الحراك الثوري والاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.

ولمواكبة التطورات التقنية المتلاحقة انشأوا مركزا حديثا يمارس نشاطه على نحو سري من على مبنى بضاحية الرياض شرقي الخرطوم، ودفعوا بكوادر بارزة منهم معلومون بالاسم لإدارته، وبعد الثورة تحول نشاط هذه المواقع والكوادر الصحافية المجندة إلى معول هدم للثورة، فعمدوا لحياكة المؤامرات، وبث الرسائل المسمومة والشائعات تجاه الحكومة الانتقالية وتخريب مجمل عملية الانتقال المدني الديمقراطي، بغرض دنيء هو إحباط الرأي العام وتأليبه ضد الثورة والثوار والحكم المدني الديمقراطي، لإجهاض الحراك الشعبي بقيادة ثورة مضادة، سعيا للعودة مجددا لسدة الحكم، وها هو نفس هذا النشاط المسموم يتواصل الآن بكل الإمكانات والخبرات السابقة لخدمة أهدافهم من هذه الحرب التي أشعلوها وبعثوها ذميمة كدمامة أفعالهم الذميمة.

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

سعد: الغائب الذي لم يَغب

صراحة نيوز ـ الدكتور أسعد عبد الرحمن

يا أيّها الغالي سعد…
لا أحد يدرك، لا أحد يستطيع أن يدرك، كيف أن مطرقة رحيلك الصاعق قد هدمت ابراجاً داخلية عندي لطالما ظننتها منيعة. قد سحقت لبناتٌ شيّدها في داخلي التفاؤل المزمن الذي لطالما صاغ نفسيتي، وحماني من الهموم المتكاثرة في هذه الدنيا لكنك ذهبت. وبذهابك، سقط السقف.
صحيح، صحيح تمامًا، أنك أخي، ابن أمي وأبي. لكن هذا، وحده، لم يُتوّجك سلطانًا على قلبي، ولا جعلك توأم روحي الذي أصبحتَه. لقد جاءت “كلمة السر” في هذه العلاقة الإنسانية الاستثنائية من نبعٍ أعمق من صلات الدم، من ينابيع الصداقة التي تنامت بيننا، منذ كنت طفلًا يحبو. ثم، تفتحت من جديد – بعد انتهاء انقطاع قسري- مع التئام شملنا في الكويت حين بلغت أنت الخامسة والعشرين… ومنذ تلك اللحظة، كأن الحياة ابتسمت لي بك. كأننا، نحن الاثنان، استعدنا بقايا طفولة مؤجّلة، وعشناها بنضج من يعرف معنى أن يجد في أخيه صديقًا يسند الظهر، ويقرأ الصمت، ويكون مرآة الروح.
وحين غربت شمسك، ذات “فجرٍ” من حزيران الأسود عام 2023، غرب معك شيء لن يعود. لم يكن يومًا عاديًا. كان انسحابًا هادئًا لظلّك من كل زاوية في حياتنا. وتركتنا (تركتني انا بالذات) أُعاني من رحيلك ومن تلاشي دعوة متكاملة كنت قد وجهتها لك لرحلات متتابعة نقوم بها لتعزيز توأمة الروح التي جمعتنا، قبل أن يحين الأجل المحتوم والذي “توقعناه” في غضون سنوات…كأننا ظننا في اللاوعي عندنا اننا نعيش في”بروج مشيدة”!!!!!غير ان الحقيقة المرّة انفجرت حين غادرتنا بطريقة جعلت الوداع لا ينتهي.
بكيتك، سرًا وعلانية. بكيتك كما يُبكى الوطن حين يُغتصب، كما يُبكى الضوء حين يُطفأ فجأة ولا يعود. ثم، فجأة، انحبس الدمع وجفّ، الأمر الذي حيّرني. وحين سألني صمتي عن السبب، وجدتُ الجواب في دمار “قطاع غزة” ودمار شمال “الضفة”… في فلسطين التي تنزف ولا تموت. هناك، بكى وجعي الأكبر: فما سكبته عيناي من دموع على أهلنا لم يعلم به أحد. كان ذلك السرّ بين ربي وبيني. وكم حرصتُ على ألّا يعرف أحد عن ذلك الانكسار، لا عائلتي، ولا أصدقائي، ولا زملائي. آنئذٍ، صارت الفجيعة بك-اعذرني ياحبيب- تنزوي في ظلّ فاجعة أكبر.
لكن يا سعد…
عدتَ إليّ، من حيث لم أكن أتوقّع. عدت إليّ حين اجتمعنا في منزلكم لإحياء ذكراك. عدت اليّ في الصور المتكئة على جدران منزلك وفي استعادتي لعباراتك الظريفة كلما تحلقنا حول مائدة طعامكم الشهي. عودتك-هذه المرة- تداخلت مع المفارقة بالتجويع الظالم للأهل في “قطاع غزة”. كل هذه التداعيات “فجرّتني” بالبكاء من جديد، كأنني لم أبكِك من قبل، فحملتُ قلبي المتعب، واندفعتُ خارجًا من منزلك…لا لأهرب منك، بل لأهرب اليك.
ياسعد…
لا أحد يدرك، لا أحد يستطيع أن يدرك كم أفتقدك. وسواء كنتُ وحدي، أو مع الأقارب أو الأصدقاء، لطالما وجدتك تزورني، غالبًا بنعومة، وأحيانًا بشدّة. كنتُ أتجلّد. أتجمّد. كي لا “أفسد الجو”، كما كنت تمازحني…
لكن، آه يا توأم الروح، ما أشدّ وقع هذا التجلّد، وما أبطأ هذا النوع من الموت!
كلما عاد حزيران، سقطت من قلبي صفحة. وكلما اقترب “فجر” يومه الأول، يوم رحيلك، أدركت أنه ليس فجرًا… بل موعدٌ مع وجع، مع غيابٍ لا يرحل، ومعك، أنت، الذي ما زلت تعيش في كل ركنٍ من ذاكرتي. واليوم، انا لم أكتبك لأرثيك… بل لأُبقيك حيًّا. في الورق. في اللغة. في الذين سيقرؤونك دون أن يعرفوك. كتبتك لتظلّ بيننا.
ونعم، يا سعد، غبتَ جسدًا لكنك لم تغب من قلبي لحظة. تسكنني كما يسكن الضوء المرآة: لا يُرى، لكنه يُضيء كل ما يمرّ عليه. فسلامٌ عليك، في الذكرى الثانية، كما يليق بروحٍ نادرةٍ، لا يتكرّر غيابها، ولا يُشفى من فقدها.

مقالات مشابهة

  • هل تنكشف الحقيقة في الانتخابات النيابية؟
  • كاميرات المراقبة تكشف الحقيقة في أزمة أبناء زينة مع كلب مدينة الشيخ زايد
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • سعد: الغائب الذي لم يَغب
  • التغذية والنوم بين الحقيقة والمعلومات المغلوطة: دعونا نصحح الأفكار المسبقة
  • خلافات الجيرة ولهو الأطفال تشعل مشاجرة داخل محل بالشرقية.. والشرطة تكشف الحقيقة
  • ⛔ لاحظ التعابير التي استخدمها فيصل محمد صالح في هذا اللقاء
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • "مريضة إيدز" تثير القلق في مصر.. وبيان رسمي يوضح الحقيقة
  • هاوس: بين الحقيقة والخيال.. دراسة علمية تكشف 77 خطأ في المسلسل الشهير