الحرب وجز أعناق الحقائق
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
حيدر المكاشفي
“وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم.. وما هو عنها بالحديث المرجم.. متى تبعثوها تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضريتموها فتضرم.. فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا، ثم تنتج فتتئم”.
إذن هكذا هي دائما الحرب نار ورحى تورثان دمارا وهلاكا هائلا كما وصفها الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته، مقدما ما يمكن اعتباره أبلغ وصف للحرب.
ولك أن تتصور حجم الهلاك والدمار والخراب الذي تسببه الحروب اليوم التي تستخدم فيها أحدث الأسلحة الفتاكة، إذا قارنتها بحروب العصر الجاهلي التي عاصرها الشاعر زهير، والتي تدور رحاها بأسلحة بسيطة وتقليدية من رماح وسيوف وخلافها.. فحرب اليوم التي تدور في بلادنا، وتستخدم فيها أفتك الأسلحة خفيفها وثقيلها، وبطائراتها المقاتلة ومسيراتها وداناتها وقذائفها الصاروخية وبراميلها المتفجرة، لا تقتل البشر الآمنين الوادعين، وتجز أعناقهم فحسب، بل إنها أيضا تجز أعناق الحقائق، فتصبح الحقيقة من بين أول ضحايا الحرب، حيث تنبري الجماعات الخائضة للحرب والداعمة لها والنافخة في كيرها.
كما نشهد حاليا، وتنخرط في نشاط محموم لاغتيال الحقيقة بعدة وجوه وأشكال، لتعبر فوق جثة الحقيقة، بل وتدوس عليها لبلوغ مبتغاها وهدفها الذي من أجله تخلصت من الحقيقة والمعلومة الصحيحة، ليخلو لها الجو، فتفرخ وتبيض وتملأ الأجواء والاسافير بالأكاذيب والأخبار الملونة والمعلومات المضللة والشائعات، ولهم في ذلك أفانين وطرائق قددا، ومتخصصون متفرغون لصناعة وبث الرسائل المسمومة.
وبغياب الأخبار الدقيقة والصحيحة والمعلومات الحقيقية تتوفر لهم البيئة المثالية لأداء أدوارهم القذرة، وفي حالة حربنا السودانية التي تخضع فيها أجزاء من البلاد لسيطرة الجيش وأجزاء أخرى خاضعة للدعم السريع،تكون الحقيقة في الحالين هي الضائعة، فلا الجيش يسمح بنشر وبث إلا ما يروقه ويطربه ويخدم أغراضه وأجندته، ولا مليشيا الدعم السريع تسمح بنشر وبث ما يمسها ويضر بها، ولهذا غابت تماما التغطية الإعلامية والصحفية المهنية المتوازنة والموضوعية عن مجريات ويوميات الحرب كما هي على الأرض.
أما من هم خارج البلاد ولا سيطرة مباشرة عليهم من طرفي القتال، فتسيطر عليهم أجندتهم الخاصة الموزعة بين الطرفين، فمن داعم منهم للجيش أو داعم للدعم السريع ولا داعم بينهم أبدا للحقيقة.
وهكذا تغتال الحقيقة مرتين مرة بالداخل ومرة أخرى بالخارج، ومن عجب أن أفرزت هذه الحرب العبثية طبقة أخرى عابثة تسورت مهنة الإعلام، وقفزت عليها بليل بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، وملأت الاسافير والوسائط بغثاء كثيف يثير الغثيان ودونك من يسمون ب(اللايفاتية والتيكتوكرز واليوتيوبرز)..
وسبحان الله كلما نأتي على ذكر مصيبة من مصائب الحرب وإفرازاتها الضارة، إلا وترافقها ذكرى مصيبة من مصائب (الكيزان)، وليس ذلك بمستغرب فهم من أشعلوا هذه الحرب وما زالوا ينفخون في غيرها، حيث إنهم وعلى امتداد سنين حكمهم الكالحة، كانوا قد جندوا واستقطبوا عددا من الصحافيين والإعلاميين كانوا يعملون إلى جانب المنظمين أصلا (من انقاذويين وإسلاميين) للدفاع عن النظام بالحق وبالباطل وخدمة أهدافه والترويج لها، على النحو الذي يعرفه متابعو أجهزة الإعلام وقراء الصحف.
وتشهد عليه (الأراشيف)، وفي مقابل ذلك كان النظام يغدق عليهم الأموال والعطايا والمكرمات والكريات، ويخصهم بالأسفار الرسمية في معية المخلوع وغيره من القيادات الرسمية والحزبية والحركية للاستفادة من النثريات الدولارية والاستمتاع بالإقامة في أفخم الفنادق،ويخصهم بقطع الأراضي المميزة وغيرها من التصديق، فصاروا على رأي المثل يأكلون خبز السلطان ويضربون بسيفه.
وغير أجهزة الراديو والتلفزيون والصحافة الورقية، كان للنظام البائد وإسلامييه (مجندون) في الإعلام الإلكتروني، حيث أنشأ العديد من المراكز والمنصات والمواقع الاسفيرية، وكانت هذه المواقع تنشط في الدفاع عن السلطة ونشر أفكارها وأفكار الحركة الإسلاموية، كما كانت تبث الشائعات التي تخدم هذه الأغراض الخبيثة، وهي مراكز يعلمها بالاسم العاملون في الوسط الصحفي والإعلامي، بل إن عامة الناس اكتشفوها وأطلقوا عليها مسمى شعبياً (الجداد الإليكتروني)، ومن أحد هذه المراكز درجوا على إعداد وإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية المعادية للثورة وللشباب والشابات الثائرات، منها الفيلم الخسيس والخبيث (خفافيش الظلام) الذي حشوه بمحتويات مفبركة مسيئة لشباب الحراك الثوري والاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.
ولمواكبة التطورات التقنية المتلاحقة انشأوا مركزا حديثا يمارس نشاطه على نحو سري من على مبنى بضاحية الرياض شرقي الخرطوم، ودفعوا بكوادر بارزة منهم معلومون بالاسم لإدارته، وبعد الثورة تحول نشاط هذه المواقع والكوادر الصحافية المجندة إلى معول هدم للثورة، فعمدوا لحياكة المؤامرات، وبث الرسائل المسمومة والشائعات تجاه الحكومة الانتقالية وتخريب مجمل عملية الانتقال المدني الديمقراطي، بغرض دنيء هو إحباط الرأي العام وتأليبه ضد الثورة والثوار والحكم المدني الديمقراطي، لإجهاض الحراك الشعبي بقيادة ثورة مضادة، سعيا للعودة مجددا لسدة الحكم، وها هو نفس هذا النشاط المسموم يتواصل الآن بكل الإمكانات والخبرات السابقة لخدمة أهدافهم من هذه الحرب التي أشعلوها وبعثوها ذميمة كدمامة أفعالهم الذميمة.
الوسومحيدر المكاشفيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
الحلم.. الحقيقة.. العدالة!
المعتصم البوسعيدي
(1)
هل انتهى حُلم كأس العالم 2026؟ لا أعتقد؛ فنحن لم يكن لدينا حُلمٌ منذ البداية، عِشنا وهمًا وسرابًا أدركناه عندما "طارت الطيورُ بأرزاقها".
(2)
الحقيقةُ التي نهرب منها؛ هي عدمُ قدرتِنا على الدخولِ لعالمِ الرياضةِ المُحترف، القائمِ على الصناعةِ والازدهار، فنحن نتعارك على المُدرّب واللاعب والاتحادات المتعاقبة، ولا نتكامل أبدًا، ونعود للمُربّعِ الأولِ في طريقٍ دائريٍّ لا نهايةَ له.
(3)
العدالةُ هي قِيَمٌ تُردّدها (الفيفا) دون تطبيق، فيما يعتبرها الاتحاد الآسيويُّ كلمةً فضفاضةً لا معنى لها.
(4)
الطيبةُ العُمانيةُ قد يفهمُها البعضُ بأنها ضعف، لكنّنا نتسامى عن غثِّ القول، فلا (ماجد) يُرضخنا، ولا (خالد) يُثيرُ أزمةً سياسيةً معنا، نحنُ أكبرُ من سوقِ ألفاظٍ ليس لها قيمة، "والحرُّ تكفيه الإشارة".
(5)
في كل مرةٍ نقول فيها (عُمانُ ولّادة)، ولديها نجومٌ حتى على الطرقات، ونحن نبحثُ منذُ زمنٍ عن جيلٍ يُخرجُنا من العتمة، دونَ السعيِ لإشعالِ شمعةٍ واحدةٍ على الأقل.
(6)
الخبرُ اليقينُ الذي جاء به الهُدهدُ لسُليمان، كان له مسارانِ لا ثالثَ لهما: إما العذابُ، أو أن يأتيَ بسلطانٍ مبين، فعسى أن يأتيَ النبأُ ولو بعد حين.
(7)
نتفهّم حُبّ الوطنِ والغيرةَ عليه، لكن يجب أن ننتبهَ إلى ما يخرجُ من الأفواه، ونحرصَ على إيصالِ مشاعرِنا بلا زيادةٍ أو نُقصان، والكُرةُ لعبةٌ مهما بلغ إنجازُها أو كبرَ ألمُها، والعالمُ يعيشُ تحوّلاتٍ كبيرةً مفتوحةً على عالمٍ افتراضيٍّ واسع.
(8)
الأحلامُ لا تُطلبُ بالتمنّي، والحقيقةُ لا تُقالُ بالتجنّي، والعدالةُ قيمةٌ لا تُشترى، وأن تكونَ كما أنتَ في مرتبةٍ لا تُريدُها، ولكن تسعى لتغييرِها بكلِّ إخلاصٍ وتفانٍ، خيرٌ من الصعودِ بسلالمِ الآخرين، ثم تأتي لتُقدّمَ دروسًا في العملِ والتضحيات.
رابط مختصر