علي جمعة: صدق رسول الله عندما قال سيأتي على الناس سنوات خداعات
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أفتخر بأنني أنتمي إلى هذا الوطن العزيز، وأفرح له كلما رأيته يعلو ويتقدم ويقوى، وأحزن إذا رأيت ما يعرقله ويعوقه ويؤرقه ويعكر صفوه. أستبشر عندما أراه حرًّا مبدعًا، وأحمل الهم إذا رأيته مكبَّلًا أو رأيت من يحاول تشويهه.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه دائمًا يبحث عن الخير فيه وفي أبنائه، وقد صار هذا طبعًا لنفسي لا أستطيع الفكاك منه، والحمد لله رب العالمين.
وقُلْتِ الشّمْسُ بالبَيْداءِ تِبْرٌ .. ومِثْلُكِ مَنْ تَخَيّلَ ثُمّ خالا
وفي ذَوْب اللُّجَيْنِ طَمِعْتِ لمّا .. رأيْتِ سَرَابَها يَغْشَى الرّمَالا
ومما يعرقل مسيرة الإصلاح تشويه فهم الحرية وتطبيق ذلك المفهوم. هل الحرية تعني التفلت؟ أم أن الحرية تستلزم الصدق؟ الحرية الحقيقية تعني الصدق والالتزام، وليست تفلتًا. مثال ذلك في الصحافة، حيث تُعد الحرية في أسمى صورها عندما يُتاح نشر المعلومات الصادقة الدقيقة، كما فعل الصحفيان بوب وودوارد (Bob Woodward) وكارل برنستين (Carl Bernstein) في قضية ووترغيت التي كشفت الحقيقة وأدت إلى استقالة الرئيس نيكسون. وهذا النوع من الصحافة الجادة يتطلب جهدًا كبيرًا وبيئة ثقافية تعزز الصدق وتفصل بين الصحافة الجادة وصحافة الإثارة.
يقول رسول الله ﷺ: " سيأتى على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" [أخرجه الحاكم في المستدرك]. ونطق الرويبضة علامة وليس له حكم في ذاته، وأعني بذلك أنه قد يكون ضروريًا للوصول إلى بناء الملكة عند القارئ حتى يميز الصحيح من القبيح.
ظاهرة انتشار "الرويبضة" الذين يتحدثون في الشأن العام بغير علم، ويسيئون للوطن والدين والتاريخ، داعين إلى إرهاب فكري وتحريف للحقائق، إنما هي نموذج لمن يروج فكرة "إما هو وإما الجحيم"، بينما جحيمه هو الجنة، وجنته هي الجحيم، لأنه دجال من الدجاجلة. والمخرج من ذلك كله هو الصبر، والتأكيد على الحرية الملتزمة، وترك الرويبضة ليكتشفهم الناس في تفاهتهم وهشاشة تفكيرهم. كما يجب الاستمرار في بناء الإعلام الجاد الملتزم، الذي سوف يطرد الهش والغث. وأنا مستبشر خيرًا بأن هذه الحالة من الكسل والتفاهة سوف تنتهي.
علينا بالصبر، كما قال الله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) ، وقال أيضًا: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا). كما يجب أن نتمسك بصفات عباد الرحمن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الرويبضة الصدق والالتزام المزيد
إقرأ أيضاً:
اتقوا الله في الأموات.. مات الإنسان.. لكن الطمع بَقي
غاب شاب في ريعان شبابه، بعد صراع مؤلم مع مرض قاسٍ لم يُبقِ فيه من الجسد شيئًا، كانت أيامه الأخيرة ثقيلة، لكنها لم تُثقل قلبه، رحل بصمت، ومعه أحلام كثيرة، وترك خلفه أبناءً صغارًا يحتاجون الحنان لا الحساب.
لكن الصدمة لم تكن في الموت، بل فيما تبعه.
فبينما كان الناس يدعون له بالرحمة، خرج من دمه من يطالب بالميراث. دون قهرة الموت بهذا المرض اللعين الذي أصاب الابن، أين الدعاء للمتوفي، أين احتضان الأحفاد اليتامي، فقط حسابات، ووعودٌ قديمة أُعيدت للحياة كأنها صكوك تنفيذية.
بيت؟ عُمرة؟ مال علشان نجوز من يكون عبء وعاله دايما؟
هل صار الرحيل لحظة للمطالبة لا للمواساة؟
هل أصبح الحزن مشروطًا بالرصيد البنكي؟
الأقربون… لا يرحمونمن المفترض أن يكونوا أهله، سندَه، من يحملون اسمه بحب بعد غيابه. لكن المدهش أن الجراح جاءت من هناك.
أمٌّ تطالب بـ “حقها” مما وعد به ابنها المريض ذات يوم.
أخٌ يقف أمام الكاميرات ليُحصي ما وُضع في يد أخيه من تبرعات في أقصي لحظات المرض، بدلًا من أن يفتح ذراعيه ليرعى أبناءه الصغار.
هكذا تُكشَف الوجوه.. .حين يتكلم المال، ويصمت الضمير.
حين كانت السينما أصدق من الواقعفي فيلم أفواه وأرانب، قدمت فاتن حمامة دورًا لا يُنسى. لم تكن فقط تمثل، بل كانت ترسم مثالًا لأبهى العلاقات الإنسانية ولأعظم صور للعائلة، الخالة كانت امرأة فقيرة، لكنها أغنى الناس قلبًا. احتضنت أبناء أختها، وربّتهم من تعبها وشقائها، لم تنتظر شكرًا، ولم تفتش في جيب أحد، اشتغلت في الحقول، ونامت علي الأرض، ووسط عجز الأم وتقصير الأب، حملت مسؤوليتهم على كتفيها لم تنتظر شكرا ولا ميراثا ولا وعودا، بل كان العطاء منها فطرة ورحمة، وفي نهاية الفيلم لم تشتك نعمة من الفقر، بل حاربت من أجل الطفولة، لم تتكلم كثيرا عن الأمومة بل جسدتها في أروع النماذج.
هذا الدور يجب أن يُدرّس، لا كمشهد فني، بل كقيمة إنسانية. لأن ما نراه اليوم من قسوة وجحود، يؤكد أننا في أمسّ الحاجة إلى أن نتعلم من زمن كان فيه الفن أنقى من الواقع.
الإنجاب مسؤولية.. لا غنيمةفي مجتمعاتنا، لا تزال بعض الأسر تُنجب بلا وعي، بلا تخطيط، بلا مسؤولية. طفل تلو الآخر، بلا قدرة على التربية أو الرعاية. وحين ينجح أحد الأبناء، يُحمَّل وحده عبء العائلة بأكملها، ويُنظر إليه كصندوق ذهبي يجب أن يُفتح للجميع.
هذا ليس عدلًا، ولا حبًا، بل استغلال مغلّف بالقرابة.
لذا، من كل قلبي، أناشد المشرّعين، وأتوسل لأصحاب القرار:
لا بد من قانون يضبط هذا الفوضى.
لا بد من تشريعات تُلزم الأسر بحدود الإنجاب، خاصة في البيئات الفقيرة، لأن الفقر أحيانًا عند بعض الناس لا يقتل الجسد فقط، بل يقتل الرحمة أيضًا.
رسالة من كل نبضة في قلبيرسالتي هذه لا تُكتب بحبر.. .بل بروحي.
الضنا غالٍ، والابن قطعة من الروح.
كم من أم تُبقي لقمَتها لابنها، وتحرم نفسها من الدواء لتُعالج فلذة كبدها! كم من أب يكدّ ويشقى ويموت واقفًا كي لا يشعر أبناؤه بالاحتياج!
لهذه العائلة أطمئنوا حقوق العباد والميراث وشرع الله سوف يأخذ، ومن يسرقه منكم سوف يعذب به يوم الحساب،
الابن راح.. .فهل سيخرج من قبره لينفذ لكِم ما وعد؟
أم سيخرج ليطمئن على أطفاله، الذين تُركوا في زمنٍ لا يرحم؟
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وكونوا سند لابنائه وامتداد حنان لا خصمًا عليه بعد موته.
الرحيل يُغربل القلوب.
يفضح من أحب بصدق، ومن كان ينتظر الغنيمة.
لكننا لن نصمت.
سنكتب، ونحكي، ونشهد على زمن تبدلت فيه القيم، لكن ما زال فينا من يتألم، ومن ينادي:
اتقوا الله في الأموات.. .فمن لا يرحم الراحل، لن يرحم اليتيم.
اقرأ أيضاًمقال «الأسبوع» يزلزل الاحتلال.. مرصد إسرائيلي يتهم الدكتور محمد عمارة بالتحريض ضد إسرائيل
في مقال بإصدارة «آفاق الطاقة».. وزيرة البيئة توضح التكنولوجيا الحديثة لتدوير المخلفات الصلبة البلدية