الكهرباء في العراق.. كيف تبتلع المجمعات السكنية الفاخرة حصص المواطنين؟- عاجل
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
في أزمة ليست بجديدة، تعاني مدن العراق من أزمة كهرباء مستمرة، تتفاقم مع مرور الوقت خصوصا مع الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، بالمقابل خرجت وزارة الكهرباء في تبرير جديد لتقول إن المجمعات السكنية في العاصمة تستحوذ على نسب كبيرة من الإنتاج المحلي للطاقة الذي لا يكفي أساسا لسد الحاجة.
فجوة كبيرة بين الإنتاج المتحقق والحمل المطلوب، مع فارق يزيد عن 17 ميغاواط.
وتشير أصابع الاتهام إلى مشاريع المجمعات الاستثمارية التي تمنح لها الطاقة الكهربائية على حساب المواطنين. حيث يعتبر الكثيرون أن هذه المجمعات، التي غالبا ما تعود إلى أثرياء وشخصيات متنفذة، تساهم في نقص الكهرباء الموجهة للمواطنين.
محاباة سياسية وتجاهل للشروط
ويؤكد مراقبون أن هيئة الاستثمار الوطنية تشترط على المجمعات السكنية بناء محطات مياه وكهرباء خاصة بها، إلا أن هذه الشروط غالبا ما يتم التغاضي عنها نتيجة للتأثيرات السياسية. بينما يؤكد آخرون أنه بعد استكمال المشروع وبناء المجمع السكني، يتم تزويده بالطاقة على حساب المواطنين، مما يعكس فسادا إداريا وظلما اجتماعيا".
معاناة المواطنين
محمد رضا الزهيري أحد سكان بغداد، يقول لـ"بغداد اليوم": "نعيش في ظل انقطاع مستمر للكهرباء، بينما نرى المجمعات الاستثمارية ومناطق الخصخصة تتمتع بالكهرباء دون انقطاع. هذا ليس عدلا". ويضيف الزهيري: "نشعر بأن حقوقنا كمواطنين تتعرض للانتهاك من قبل الأثرياء والمتنفذين".
رقية حسين مواطنة تسكن منطقة الدورة، جنوبي العاصمة بغداد، تقول لـ"بغداد اليوم" إن "المنطقة على غرار أغلب مناطق بغداد تعاني من قلة ساعات تجهيز الكهرباء (الوطنية)، فإن المنطقة تدخل بنظام الجدول والذي يتضمن (ساعتين إطفاء مقابل ساعتين تشغيل)"، وتضيف "الساعتان تأتيان متقطعتان ولا يتم تجهيزها بشكل متواصل".
خطة الوزير "الطموحة"
في غمرة الأزمة هذه، يعلن وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، عن خطة "طموحة" قوامها انشاء محطة ثانوية وتأهيل 900 مغذيا. وهذا "يندرج ضمن استعدادات الصيف المقبل في بغداد"، تقول وزارة الكهرباء.
بيان للمكتب الإعلامي للوزارة تلقته "بغداد اليوم" يقول إن "وزير الكهرباء، التقى يوم الاثنين (16 كانون الأول 2024)، رئيس مجلس محافظة بغداد عمار القيسي، لمناقشة ما تحتاجه العاصمة بغداد بملف الكهرباء، وتعزيز التعاون المشترك بين الوزارة والحكومة المحلية، وتقديم الدعم والاسناد وتذليل التحديات التي تعيق تطور ملف الكهرباء في بغداد".
وأشار الوزير وفق البيان، "للدور المهم الذي تمثله الحكومات المحلية من حيث الدور التشريعي للمجلس، والتنفيذي المحافظين، وأنهم الذراع الأساسي مع الوزارات المكملة لعمل الحكومة المركزية، ولابد من العمل كفريق واحد لتكون المخرجات حقيقية تقدم على نحو خدمي لمواطني بغداد واستحقاقهم".
البيان ذكر، أنه "جرى خلال اللقاء تسليط الضوء على أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الكهرباء في بغداد، كتحديات الغاز والوقود وتأثير توقفه على محطات الانتاج وحصة العاصمة، كما تم الحديث عن أهمية صيانة شبكات التوزيع، وإيجاد حلول فعّالة لتقليل انقطاعات التيار الكهربائي، بظل ازدياد الطلب على الطاقة".
الوزير يريد، بحسب البيان، "تنفيذ التحول الذكي بمناطق مختارة من جانبي الكرخ والرصافة للسيطرة على الضياعات وتنظيم الاستهلاك والعشوائيات والمناطق الزراعية، بشبكات نظامية".
الأجندات الحزبية والفساد بالوزارة
وبعد كل ما ذُكر، يبدو أن وزارة الكهرباء ووزيرها زياد علي فاضل، نسوا أو تناسوا أن العاصمة بغداد والمحافظات العراقية كافة- باستثناء محافظات إقليم كردستان- تعاني من انقطاع مستمر، تقريبا، للطاقة الكهربائية رغم أن الفصل شتاء، ولا حمولات أو استهلاكا للكهرباء إذا ما تمت المقارنة مع فصل الصيف الذي تلامس درجات الحرارة فيه الـ 50 مئوية.
وعلى أي حال، فإن وزارة الكهرباء، وفق مراقبين، يعتريها الفساد منذ أكثر من 20 عاما، بدلالة الملفات "المؤجلة" في القضاء وهيئة النزاهة. ملفات مغلقة بإرادة سياسية وأجندات حزبية بفاعل خارجي.
وهنا، يقول المحلل السياسي عدنان التميمي، إن دولا واحزابا مستفيدة من أزمة الكهرباء في العراق، فيما يشير الى أن محاولات استثمار الغاز يجري تعطيله في ظروف غامضة.
وأكد التميمي لـ"بغداد اليوم"، السبت (14 كانون الأول 2024)، أن "الدولة العراقية انفقت بعد 2003 وحتى يومنا هذا مبالغ طائلة لتحسين ملف الكهرباء لكن النتائج كانت مخيبة للآمال في ظل أزمات متجددة مع ذروة كل موسم، صيفا وشتاءً بسبب اعتماد المنظومة على استيراد الغاز والطاقة معا وانفاق مليارات الدولارات من ميزانيتها".
وأضاف، أن "دولا واحزابا مستفيدة من أزمة الكهرباء في العراق وأي محاولة تمضي باتجاه الحل تصطدم بالفيتو، لدرجة أنه حتى محاولات استثمار الغاز يجري تعطيله في كل مرة وبظروف غامضة".
وأشار الى أن "الفساد في وزارة الكهرباء موجود والقضايا الموجودة في هيئة النزاهة على مدى أكثر من 20 سنة تؤكد بأن احزابا وقوى كثيرة متورطة بصفقات مشبوهة استنزفت خزينة البلاد".
التميمي قال أيضا، إن "أي وزير يأتي الى رأس هرم الوزارة لن يحقق شيئا في ظل مشاكل متراكمة تبدأ من توفير الطاقة والهدر الكبير في الاستهلاك وصولا الى استفادة اطراف كثيرة من صفقات كثيرة".
عقود الفساد تبتلع الـ41 مليار دولار
ملفات فساد كبيرة في وزارة الكهرباء، وما تزال هي السبب الرئيس بتدمير قطاع الكهرباء في العراق، واستمرار وجود الكثير من مافيات المفسدين المسيطرة على الوزارة، وتعد أزمة الكهرباء هي واحدة من أبرز الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، ولم تتمكن من تجاوزها، على الرغم من إنفاق نحو 41 مليار دولار في هذا القطاع، وفقا لتقارير رسمية.
من ناحيته، علق الكاتب والمحلل السياسي أحمد الخضر، يوم السبت (14 كانون الأول 2024)، حول استمرار أزمة الكهرباء في العراق خلال فصلي الصيف والشتاء، والفشل بإدارة هذا الملف.
وقال الخضر لـ "بغداد اليوم" إن "هذا الملف ليس جديدا، وفشل وزارة الكهرباء في توفير الحد الأدنى من الكهرباء للمواطنين، وبالرغم من تصريحات رئيس الوزراء ووزير الكهرباء، إلا أن لا كهرباء كافية في العراق".
وأضاف، أنه "اعتقد أن الخلل الحقيقي يكمن في إدارة وزارة الكهرباء نفسها، حيث أن الوزارة مازالت متأثرة بالتحزب السياسي ولاحظنا أن هناك شكاوى من عدة محافظين في الوسط والجنوب قدمت من قبلهم في المحاكم ضد وزير الكهرباء، حيث اتهم بالتلاعب بحصص المحافظات من التجهيز الكهربائي حيث وصلت محافظاتهم إلى 6 ساعات تجهيز باليوم الواحد مقابل محافظات 16 ساعة تجهيز".
وأشار إلى، أن "هذا يعطينا انطباعا أن هناك خللا اداريا، بالإضافة إلى الخلل القيادي الذي لم يقدم خططا بديلة لحد الان، لإيجاد مصادر أخرى غير الغاز الإيراني الذي يعاني من عقوبات أمريكية يؤدي بين فترة وأخرى لنقص في تجهيزه".
وسجلت ساعات تجهيز الكهرباء انخفاضا كبيرا في بغداد والمحافظات مع الهبوط الحاد بدرجات الحرارة وبدء موسم الشتاء وبالتزامن مع توقف تصدير الغاز الإيراني إلى العراق.
وشكا مواطنون من قلة ساعات إمداد الطاقة من شبكة منظومة الكهرباء، فيما طالبوا الوزارة بإيجاد حلول جدية لهذه الأزمة، ووضع حد للفساد وهدر المليارات على العقود السنوية والمحطات التي يتجاوز عددها الـ 36 محطة في بغداد فقط.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الکهرباء فی العراق وزارة الکهرباء وزیر الکهرباء أزمة الکهرباء بغداد الیوم فی بغداد
إقرأ أيضاً:
مناجم الذهب في حجة.. قبور مفتوحة تبتلع أرواح الأبرياء (تقرير)
في أعالي جبال حجة الوعرة شمال غرب اليمن، يخوض عشرات الشبان يومياً مغامرة محفوفة بالموت في مناجم الذهب التقليدية، حالمين بحفنة من المعدن النفيس تنتشلهم من بؤس الحياة، لكن هذه المناجم قد تتحول إلى قبور مفتوحة تبتلع أحلامهم وأرواحهم معاً في أي لحظة.
وفي مشهد يجسد هذا الواقع المرير، لقي ستة أشخاص حتفهم، الإثنين، إثر انهيار منجم ذهب بدائي في جبل المنجم بقرية بني ريبان، التابعة لمديرية كُشر في محافظة حجة، لتتحوّل الحفرة التي حفروها إلى قبر جماعي يكشف الوجه القاتم لتعدين الذهب العشوائي في تلك الجبال المنسية.
وقالت شرطة محافظة حجة في بيان رسمي إن المنجم الذي انهار كان يُدار بطريقة عشوائية، وأدى إلى وفاة كل من: محمد علي حسين ريبان، فاروق راجي صالح ريبان، محمد هادي سرحان ريبان، أحمد علي حسين ريبان، نصر الله يحيى صالح ريبان، ورمزي علي صالح ريبان فيما أصيب
علي صيفان مجمل ريبان بجروح بالغة.
وأكدت الشرطة أن الضحايا سبق وأن تم احتجازهم قبل أيام على خلفية ممارستهم التنقيب غير القانوني، وأُفرج عنهم بعد توقيع تعهد خطي بعدم تكرار ذلك، إلا أنهم عادوا للعمل سرًا وفقاً للبيان.
انشقت الأرض وابتلعتهم
يقول أحد شهود العيان ويدعى أحمد ريبان، وهو من سكان المنطقة في حديثه لـ"الموقع بوست": "كأن الأرض انشقت وابتلعتهم، كنا نسمع صوت الحفر صباحًا، وفجأة سمعنا دوي انهيار قوي. هرعنا إلى الموقع، لكن الغبار كان كثيفًا والصرخات مكتومة واستغرق إخراج جثث الضحايا عدة ساعات".
ويضيف متحسرًا: "هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة ما لم يتم إيقاف هذا العبث بأقصى سرعة. الناس هنا تعيش على الأمل، يظنون أنهم سيجدون الذهب ويودعون الفقر، لكنهم ينتهون تحت التراب".
مخاطر كبيرة
تنطوي عمليات التنقيب البدائي عن الذهب في محافظة حجة على مخاطر كبيرة، بما في ذلك الانهيارات وارتفاع معدلات الوفاة، وتلوث البيئة، وتضرر صحة العاملين بسبب استخدام الزئبق في تصفية المعدن الأصفر.
ومنذ اندلاع الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، اندفع عشرات الشبان العاطلين عن العمل نحو مناطق التعدين التقليدي، في مديريتي كشر وأفلح الشام حاملين أدواتهم البسيطة "مجارف، فؤوس، ومعاول" أملاً في الحصول على جرامات قليلة من الذهب.
"نخرج كل صباح لا نعلم إن كنا سنعود" يقول حسن علي، شاب في منتصف العشرينات من عمره، يعمل في أحد مناجم الذهب العشوائية في مديرية أفلح الشام بمحافظة حجة: "كم من رفيق دفنّاه هنا؟ هذه الحفر تبتلعنا مثل القبور.
وفي حديث لـ"الموقع بوست" يضيف حسن: "نعمل بالساعات داخل حُفر ضيقة لا يوجد فيها تهوية وبدون أدوات سلامة وكل مرة ننزل إلى الحفرة نقول قد لا نعود لكن ما باليد حيلة فالفقر أقسى من الخوف."
وقال سليمان، وهو أحد العاملين في مجال التنقيب التقليدي في مديرية كشر المجاورة، إن "الخطر لا يقتصر على الانهيارات، فنحن نواجه لسعات العقارب والثعابين، ونتنقل في مناطق معزولة لا يصلها أحد إن حدث مكروه".
سموم قاتلة
لا يتوقف الخطر عند الانهيارات الصخرية فالمواد الكيميائية المستخدمة في استخراج الذهب، مثل الزئبق تُستخدم دون رقابة وقد تتسرب إلى المياه الجوفية وتدمر البيئة وتترك آثارًا صحية مميتة على الإنسان.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يشكّل التعرض للزئبق خطراً على الجهاز العصبي والجهاز الهضمي وجهاز المناعة لدى الإنسان، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.
ناشط محلي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية يقول: "الناس هنا يعملون في ظروف خطيرة، يستنشقون الغبار السام ويتعاملون مع مواد كيميائية قاتلة مثل الزئبق دون وعي كافي. الأطفال يلهون قرب أماكن التعدين، والنساء يجلبن الماء من آبار ملوثة.
ويضيف لـ"الموقع بوست": "المنطقة كلها صارت ملوثة، مياه الآبار تغيّر طعمها، والناس تشتكي من أمراض جلدية وتنفسية. الزئبق يباع في البقالات أمام أنظار الجميع ويتم استخدامه بشكل عشوائي والدولة تلتزم الصمت."
وطالب ناشطون الجهات الرسمية في محافظة حجة بفرض رقابة صارمة على نشاط التعدين وتأمين معدات سلامة وأدوات إنقاذ بالإضافة إلى توفير بدائل اقتصادية للباحثين عن الذهب.
حُمّى الذهب
تشهد مديريتا كُشَر وأفلح الشام بمحافظة حجة، انتشاراً واسعاً لمناجم الذهب العشوائية التي يحفرها السكان بأنفسهم دون ترخيص، مستخدمين أدوات بدائية بسيطة، دون أي معدات للسلامة أو إشراف فني.
وتقدر عدد المواقع غير القانونية النشطة في هذه المديريتين بالعشرات معظمها يتم اكتشافه عبر وسائل تقليدية ثم يتوافد إليها الأهالي، في تكرار لنمط خطير من "حمى الذهب" التي تنتشر في ظروف غياب الدولة وتفشي الفقر والبطالة.
ويعتمد العاملون في قطاع التعدين الأهلي بمحافظة حجة على أدوات يدوية قديمة في ظل انعدام الوعي وتفشي الجهل لدى غالبية العاملين الذين هجروا أراضيهم الزراعية في سبيل الجري وراء إغراءات المعدن النفيس.
ثروة مهدورة
تحتضن مديرية أفلح الشام بمحافظة حجة أكبر منجم للذهب في اليمن، وهو منجم "الحارقة" الذي تم إنشاؤه من قبل شركة "كانتكس" الكندية، عام 1996م بعد اكتشافها ما يزيد على 96 مليون جرام من الذهب.
ويرتبط جبل الحارقة بمديرية أفلح الشام، والذي يتواجد به أكبر منجم للذهب في اليمن، بسلسلة جبلية تمتد إلى مديرية كشر المجاورة، والتي تحتوي جبالها على كميات كبيرة من الذهب والمعادن النفيسة.
وتُقدّر هيئة المساحة الجيولوجية احتياطي الذهب في منجم الحارقة بمديرية أفلح الشام، بـ30 مليون طن، بمحتوى يتراوح بين 1- 1.65 جرام ذهب في كل طن من الصخور التي تحتوي على الذهب.
ورغم الأهمية الاقتصادية لهذا المنجم، لم يتم استثماره من قبل الدولة أو شركات مرخصة، ما فتح الباب واسعاً أمام الأهالي لمحاولة استغلاله بطرق بدائية، وأدى لاحقاً إلى توسع نشاط التعدين العشوائي ليشمل مناطق واسعة مثل كُشَر، العبيسة، وأرياف أخرى مجاورة.