قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أركان الإسلام رسول الله صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: والحرب الحقيقية تبدأ الآن
والمغنية في الحكاية تُحكم العود وتقول لعاشقها:
ماذا أغنّيك؟
قال: غنِّني قول الشاعر:
“إذا كان في بطني طعامٌ ذكرتها،
وإن جعتُ لم تخطر على بالي ولا فكري”.
والحرب الأعظم تتسلل الآن في دروب السودان،
حرب كسر العظم بالجوع والفقر،
وفي أسبوع يقفز كل شيء الآن إلى سعرٍ مضاعف.
وما يجعل الرعدة في القلب ليس هو السعر هذا… ما يُخيف هو أن
تنفيذ… تنفيذ… تنفيذ القفزة هذه ودقتها أشياء تكشف أن الأمر يُدار من مكتبٍ واحد.
……
وكامل الذي يسأل الناس: ماذا أغنيكم؟ يجب أن يسمع الإجابة.
وكامل لا يستطيع إغلاق المتاجر التي تنطلق الآن في السودان كله،
لكن كامل يستطيع أن يفعل ما فعلته العبقرية السودانية دون محاضرين وتعليم.
يستطيع هدم المخطط كله بالأسلوب هذا:
أسلوب
ماعز في كل بيت،
دجاجتان في كل بيت،
مزرعة خضروات (أربع أمتار مربعة) في كل بيت،
مزرعة تسمين عجول في كل قرية،
زراعة الذرة في كل بلدة.
والصرخة العاجزة عن: التمويل من أين؟ ما يجيبها هو أن النازحين، المعدمين تماماً، فعلوها أمام الخيام، أمام البيوت التي استأجروها.
والمانجو زُرعت في أكياس البلاستيك المخرومة، والبطيخ، والموز، والـ… الـ… ونجحوا دون بذل جنيه واحد.
الدولة تستطيع انتهاز فرصة سقوط حائط السجن الذي كان يسجن الزراعة في السودان،
فالسودان كان يعجز عن ميكنة الجزيرة، لأن كل شبر فيها كان مملوكاً لألف شخص.
السيد كامل إدريس… أعلم أنني الصوت الصارخ في البرية. لكن… لكن… لكن…
…….
وأحياناً الأدب يصف.
وهذه أيام توفيق الحكيم.
وطريد الفردوس عند الحكيم هو رجل ظل منذ طفولته معتكفاً مسبحاً لا يعرف الدنيا.
ويموت…
وملائكة الجنة عند الحكيم لا يدخلونه الجنة… اسمه ليس عندهم…
وملائكة النار لا يدخلونه النار… اسمه ليس عندهم.
والحل…
الحل هو إعادته إلى الأرض، لأنه دخل الدنيا وخرج منها دون أن يشعر بوجود حرب، وبالتالي لا نجاح ولا سقوط.
والرجل يجد نفسه في شوارع القاهرة،
والناس هناك يجدون شاباً يهذي بكلمة: الفردوس… الفردوس…
ويقوده بعضهم إلى “بار الفردوس”،
وهناك يصبح فتوة البار والبلطجة.
ثم فجأة يبصر ويتوب و…
الحكيم يقول إن الدين هو صراع وابتلاء، وليس عزلة وتسبيحاً، مثلما يظن المتدينون الآن.
وهذا الفهم هو ما صنع الإسلاميين.
ومحاولة الإسلاميين تقديم الإسلام الحقيقي تجعلهم الهدف الأول لكل عدو، وحربهم مباشرة أمر مستحيل؛ لهذا، لما فشل مرتزقة الداخل في السودان جاء العدو بمرتزقة الخارج.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب