أفريقيا ولعبة التوازنات الدولية
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
أعاد التنافس والصراع الدولي حول المصالح بين القوى العظمى والكبرى الذي تشهده القارة الأفريقية والذي تجدد مع بداية هذا القرن شيئًا من البريق المفقود لهذه القارة، التي عانت وما تزال من حالات الاحتراب الداخلي، والتشظّي المُجتمعي، وانسداد الأفق السياسي المفضي لعقد اجتماعي يعمل على بلورة مشروع وطني يتجاوز بدول القارة مربع الفشل التنموي والتخلف الاقتصادي إلى نوع من الاستقرار والازدهار، مقارنة مع أقاليم وقارات أخرى من العالم.
وقد لعبت عدة عوامل دورًا في تسليط الضوء مجددًا على أفريقيا في إطار معادلة البحث عن القوة وتعزيز النفوذ بين المتنافسين الإقليميين والدوليين. ومن هذه العوامل قضايا النمو السكاني، ووفرة الموارد الطبيعية التي تشمل 30٪ من احتياطيات العالم من المعادن، و12٪ من احتياطياته من النفط، و8٪ من الغاز الطبيعي، و65% من الأراضي الصالحة للزراعة، بجانب كون أفريقيا موطنًا لـ 40٪ من احتياطيات الذهب في العالم التي جعلت من القارة محورًا مُهمًا للاقتصاد العالمي، خاصة في مجال الصناعات الإستراتيجية عالية التقنية، مثل: الرقائق الإلكترونية Semiconductors، والبطاريات، والصناعات المرتبطة بالطاقة الخضراء.
إعلانوعلى الرغم من هذه الموارد، فإن دول القارة – كما أسلفنا – لم تتجاوز مربع الفشل التنموي والتخلف الاقتصادي، وهذا يطرح مجموعة من الأسئلة التي يسعى هذا المقال للإجابة عنها، والتي من بينها:
ما هي جذور وخلفيات التنافس الدولي على أفريقيا؟ ما أبعاد التنافس الدولي على القارة الأفريقية؟ ماهي تداعيات ذلك التنافس على الدول الأفريقية؟ ما طبيعة العلاقة بين التحديات الداخلية للقارة، مثل: الصراع السياسي، وتحديات الحكم التي تعيق تقدمها، وتعزيز نفوذ الأطراف الخارجية؟ ما مستقبل النفوذ الخارجي على أفريقيا، ولمصلحة أي الأطراف ستحسم معركة التنافس حول المصالح والنفوذ؟ مؤتمر برلين وانعكاساته الجيوستراتيجيةعقد مؤتمر برلين في الفترة ما بين 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1884 إلى 26 فبراير/ شباط 1885، وقد عُرف عند بعض المؤرخين بالمؤتمر الذي وضع أسس الصراع في أفريقيا، إذ قاد إلى رسم خريطة سياسية مُشوهة تجاهلت الحدود الثقافية والعرقية للشعوب، مما أسفر عن عواقب وخيمة لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
فقد تمّ تقسيم الشعوب المتجانسة ثقافيًا وعرقيًا إلى كيانات متفرقة، ومن أمثلة ذلك شعب التوغو الذي قسم بين دول مختلفة، مما أدى إلى تشتيت هويتهم وزرع بذور الصراع، بجانب إشعال النزاعات الحدودية، حيث أصبحت الحدود المرسومة arbitrarily وقودًا للصراعات والنزاعات بين الدول الأفريقية.
ويتجلى هذا الأمر في الخلاف الحدودي بين الصومال وإثيوبيا حول إقليم أوغادين، والمشكلة الحدودية بين تشاد والسودان حول قبائل الودّاي، والنزاع الموريتاني – السنغالي حول قضية قبائل التكرور، ومشكلة قبائل الباكونغو المقسمة بين الكونغو برازافيل، والكونغو كينشاسا، ومشكلة قبائل الهوسا بين النيجر ونيجيريا، ومشكلة دينكا نجوك بين السودان وجنوب السودان.
الأمر الذي خلّف إرثًا ثقيلًا من التفتت والنزاع في القارة الأفريقية، وقد قاد هذا الواقع الصراعي الذي وضعت لبناته الدول الكبرى عبر بوابة مؤتمر برلين، إلى فتح الباب لمزيد من التنافس بينها حول أفريقيا ومواردها، بصورة أضرت بمستقبل التنمية السياسية، والاقتصادية والاجتماعية داخلها.
إعلانوالملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا تتمثل في أن الاستعمار لم يكن يحتل أكثر من 10% من المساحة الكلية لأفريقيا قبل مؤتمر برلين، ولكن بعد المؤتمر لم يتبقَّ من الأراضي الأفريقية خارج سيطرة المستعمر إلا 8% فقط.
وليس بالضرورة أن ينظر لخريطة أفريقيا السياسية اليوم بكل تمزقاتها كنتيجة لمؤتمر برلين فقط، وإنما يجب النظر أيضًا إلى نتائج الحرب العالمية الثانية التي أسهمت في بلورة هذه الخريطة بنسبة مقدرة، غير أن المؤتمر المشار إليه يُعد واحدًا من أهم الأدوات التي استُخدمت لتفتيت القارة وتقاسم النفوذ فيها بين القوى الدولية.
وبالتالي لا يُمكن قراءة واقع التنافس الدولي على القارة الأفريقية اليوم بمعزل عن استصحاب الانعكاسات الجيوستراتيجية الناجمة عن نتائج مؤتمر برلين.
أطراف التنافس وأبعادهتتعدد الأطراف المتنافسة دوليًا على قارة أفريقيا بتعدد المصالح وتباين زوايا النظر لها. ولكن رغم كثرة المتنافسين سنركز على أربع قوى رئيسية تشمل الصين، الولايات المتحدة، روسيا وفرنسا.
فالصين سعت إلى تعزيز وجودها في أفريقيا منذ فترة مبكرة، وذلك بغرض تحقيق عدة أهداف، بدءًا من تأمين المواد الخام وتصدير السلع المصنعة، وصولًا إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي.
وقد اشتملت إستراتيجيتُها في البداية على التركيز على استيراد المواد الخام، وتصدير السلع المصنعة، مصحوبًا ذلك بتمويل مشاريع البنية التحتية التي تُعد جزءًا رئيسيًا من إستراتيجيتها المعروفة بالحزام والطريق.
وترتكز هذه الإستراتيجية على ربط مناطق الإنتاج داخل الصين مع مناطق الاستهلاك خارجها، وتعد أفريقيا أهم الجوائز الكبرى في سباق التنافس الدولي حول المصالح، وتعزيز النفوذ، رغم وجود بعض المخاوف من قبل الأفارقة فيما يتعلق بأمرين.
الأوّل منهما يتعلق بمخاطر الوقوع فيما يُسمى بفخ الديون الذي تنصبه بكين لدول القارة، في مقابل تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي، والأمر الثاني يرتبط بجلب الصين لعمالتها المحلية، والتي تضعف حظوظ السكان المحليين في الحصول على الوظائف في ظل انتشار العمالة الصينية الماهرة، والرخيصة في نفس الوقت.
إعلانفي المقابل فإنّ الولايات المتحدة تنظر لأفريقيا كموقع إستراتيجي حاكم يساعدها على تعزيز سيطرتها ونفوذها العالميين، وذلك بالنظر إلى الموقع الجغرافي الحيوي الذي تتمتع به القارّة، فهي تقع بالقرب من أهم أربع نقاط عبور بحرية من أصل ثمانٍ في العالم: (قناة السويس، مضيق باب المندب، رأس الرجاء الصالح، مضيق جبل طارق، مضيق ملقا، مضيق هرمز، مضيق البوسفور التركي، قناة بنما).
الأمر الذي جعلها محط اهتمام القوى الدولية الساعية للسيطرة على طرق التجارة، وتعزيز النفوذ العسكري، ويتجلى ذلك من خلال تواجد القواعد العسكرية الأميركية بالقرب من المضائق البحرية وطرق الملاحة الإستراتيجية.
وقد منحها ذلك الوضع تفوقًا إستراتيجيًا من الناحية الأمنية والعسكرية. ومن المنظور التحليلي فإن أفريقيا بالنسبة لأميركا تُعدّ ملفًا أمنيًا بامتياز، رغم وجود بعض المصالح الاقتصادية، إذ بلغ حجم الاستثمارات الأميركية في كل أفريقيا في عام 2020 ما قيمته 33.3 مليار دولار، مقابل 175. 3 مليارات دولار تُمثل حجم تجارة الصين مع عشرة شركاء تجاريين فقط في أفريقيا في عام 2021.
وبالتالي فإنّ قصور المقاربة الأميركية، أسهم ضمن عوامل أخرى في تراجع نفوذها لمصلحة شركاء آخرين، وبات قصور نظرتها في إطار تعاطيها مع القارة الأفريقية أحد أهم المحددات التي ربما قادت لمستقبل تؤول فيه السيطرة لأطراف دولية أخرى، تعتمد مقاربة سياسية، اقتصادية وعسكرية أكثر شمولًا وعمقًا.
وفي ذات الإطار المتصل بلعبة التوازنات الدولية، هناك روسيا وفرنسا اللتان تتنافسان على إحدى أهم المناطق في القارة الأفريقية والمتمثلة في دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. وتُعد هذه المنطقة من المنظور التاريخي إحدى دوائر النفوذ الفرنسي التقليدي، وتُمثل آخر القلاع المتبقية لباريس في إطار معركة التنافس الدولي حول المصالح.
إعلانوالملاحظة المهمة في هذا الصدد، هي أن هذا النفوذ بدأ في التراجع والتآكل بشكل متسارع لمصلحة موسكو التي نجحت في توطيد علاقاتها مع دول المنطقة التي باتت الغلبة فيها لأنظمة عسكرية ذات طابع تحرري معادٍ للوجود الغربي بشكل عام، والنفوذ الفرنسي بشكل خاص.
وعملت روسيا على استثمار هذا الشعور المعادي للوجود الفرنسي في المنطقة، وساعدها ذلك الشعور المتعاظم لدى سكان الإقليم بأن باريس تُمثل مشروعًا للعبودية والجشع الاستعماري الذي يهتم بمصالحه، دون مراعاة لمطلوبات التنمية التي تقتضي نوعًا من الشراكة العادلة بين هذه الدول وفرنسا.
ونجحت موسكو في استمالة شريحة مقدرة من قيادات هذه الدول، مستثمرةً العداء الشعبي المتنامي ضد فرنسا. والأمر الآخر الذي دفع روسيا لتوطيد علاقتها بدول القارة، هو تداعيات حربها مع أوكرانيا، والتي دفعتها للبحث عن موارد وشراكات بديلة لتعويض خسائرها الناتجة عن الحرب، وبالتالي يمكن قراءة مشروعها للبحث والتنقيب عن الذهب واليورانيوم في دول، مثل: السودان، أفريقيا الوسطى، ليبيا، موزمبيق، تنزانيا، النيجر والكثير من دول الساحل في هذا السياق التعويضي.
ويظهر جليًا أن روسيا ومن خلال دعمها كثيرًا من الأنظمة العسكرية في دول الساحل نجحت بشكل كبير ليس في محاصرة النفوذ الفرنسي فحسب، بل في إخراج الولايات المتحدة من بعض المناطق الحرجة التي تزخر بالمعادن الإستراتيجية في منطقة الساحل، ويمكن قراءة قرار إخراج قواتها من النيجر، وإنهاء تعاونها العسكري مع تشاد في هذا السياق.
ويمثل فقدان قاعدة أغاديز الأميركية، والتي تبعد عن العاصمة النيجرية نيامي حوالي 920 كيلومترًا خسارة إستراتيجية كبرى، وذلك بالنظر إلى أن بناءها كلف 110 ملايين دولار، ويضاف إلى ذلك خسارة مئات الملايين من الدولارات كانت واشنطن قد استثمرتها في تدريب جيش النيجر منذ بدء عملياتها هناك في عام 2013.
إعلانويُمكن قراءة الفيتو الذي استخدمته موسكو لصالح الخرطوم في نوفمبر/تشرين الثاني داخل مجلس الأمن في سياق مساعي موسكو لكسب مزيد من النقاط في أفريقيا في إطار تنافسها مع غرمائها الغربيين.
تداعيات التنافس الدوليتُعدّ إشكالية بناء الدولة القومية، أو ما يسمى بأزمة التكامل القومي أكبر مُعضلة واجهت الدولة الأفريقية، ويعود ذلك بدرجة أساسية لعاملين رئيسيين:
يرتبط العامل الأول بالاستعمار ومخلفات سياساته التي لم تكن موجهة لخدمة الأفارقة ولا المؤسسات المصطنعة التي باتت تعرف لاحقًا بالدولة. والثاني ذو صلة بتجربة الحكم الوطني التي تلت خروج المستعمر.فالدولة الموروثة في أفريقيا رغم أن قيادتها شكلًا تُعد وطنية، فإنها لم تنجح في تحقيق التنمية المنشودة بمثل ما حدث في قارات أخرى من العالم، كالتجربة التايوانية، أو الكورية الجنوبية، أو حتى النموذج الصيني، رغم التحفظات على بعض جوانبه.
فعوضًا عن قيادة التنمية وإحداث التغيير المطلوب داخل المجتمعات الأفريقية، تشكلت بيئة حاضنة للفساد وإهدار الموارد الوطنية داخل محيط الدولة الأفريقية، والنماذج في هذا الصدد كثيرة، وكانت وثيقة صلة بالمستعمر الذي نجح في خلق وكلاء محليين من النخب لحماية مصالحه.
وتُعدُ تجربة الكونغو كينشاسا في عهد موبوتو نموذجًا لذلك، وظلت هذه النماذج الفاسدة مستمرة إلى يومنا هذا. فأصبحت الدولة والسيطرة على مفاصلها إحدى الأدوات التي استخدمت لإثراء النخب الحاكمة ووكلائهم في الخارج.
وتُعدّ تجربة الدولة في السودان، الصومال، تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان، وغيرها من الدول الأفريقية امتدادًا لهذا الإرث من الفشل، وعليه لا يمكننا استثناء أي من الدول التي لم تذكر ضمن النماذج المشار إليها أعلاه، ليفتح ذلك الباب أمام تساؤل مفصلي، وهو: ما مستقبل الدولة الأفريقية، وما مستقبل التنافس الخارجي عليها في ظل لعبة التوازنات الدولية؟
إعلان مستقبل الدولة الأفريقيةيتوقف مستقبل الدولة الأفريقية ومسار التنافس عليها على جملة من التحديات:
فأولى هذه الصعاب تعتمد على قدرة هذا الكيان المُصطنع الذي اصطلح على تسميته بالدولة على تجاوز قائمة طويلة من التحديات، والتي يقف على رأسها تحدي إدارة التنوع في أبعاده الإثنية، واللغوية، والدينية.فالدولة المنقسمة على نفسها ثقافيًا لا تستطيع إنجاز مشروع وطني يحظى بالقبول بين مختلف مكونات الشعب، وبالتالي فإن الاعتراف بالتنوع وحسن إدارته يعد اللبنة الأولى في اتجاه تحقيق الاستقرار السياسي والسلام المجتمعي. فالاعتراف بالتنوع وحسن إدارته يقتضي تمثيلًا عادلًا في هياكل الدولة من جهة، وتنمية متوازنة ترتكز على مبدأ التقاسم العادل للثروات القومية.
التحدي الثاني في مسار مستقبل الدولة الأفريقية في إطار لعبة التوازنات الدولية، يرتبط بعسكرة الدولة وأمننتها. فعملية عسكرة الدولة وإدارتها كملف أمني له تبعات مضرة من المنظور الإستراتيجي، فالوضع الطبيعي لمستقبل أي دولة، والحديث ينصرف هنا لأفريقيا، أن يتمّ الاهتمام بمختلف قطاعات الدولة المدنية والعسكرية التي تشكل في المحصلة النهائية ما يعرف بقوى الدولة الشاملة.ويُعدّ تطوير عناصر القوة المختلفة مسؤولية كبرى تتجاوز إمكانات المؤسسة العسكرية والأمنية كمؤسسات محترفة تُعنى بالجانب العسكري والأمني، لشمل بقية القطاعات الأخرى ذات الطابع المدني.
وعملية التطوير المشار إليها تقتضي الاهتمام بتطوير البنى السياسية المدنية، والتي تشمل الأحزاب، والكيانات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، والتي يُمثل وجودها ضرورة قصوى؛ لضمان تنمية ولاءات وطنية وقيم عليا تحمي الدولة والمجتمع من الارتداد إلى ما يُعرف بالولاءات تحت القومية المتمثلة في القبيلة والعشيرة.
ويمكن فهم وتفسير ظاهرة تعاظم دور القبيلة في الدولة الأفريقية في سياق العجز عن بناء مؤسسات مدنية ناضجة تستطيع أن تحمي وتستوعب أحلام وتطلعات المجتمع، وبالتالي احتماء الناس بقبائلهم، بل وفي كثير من الأحيان الاستقواء بها للظفر بالمنصب السياسي والحظوة المالية التي يوفرها.
إعلان سيناريوهات التنافس على أفريقيامن الطرح أعلاه يمكن النظر لمستقبل التنافس على الدولة الأفريقية في إطار لعبة التوازنات الدولية في سياق ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول:أن تنجح الدولة الأفريقية في تجاوز التحديات المشار إليها والمتعلقة بالقدرة على الاعتراف بالتنوع وإدارته بشكل جيد من جهة، والعمل على بناء مؤسسات الدولة وتفادي عسكرتها من جهة أخرى.
وفي حال نجاح التعامل مع هذه التحديات تستطيع الدولة الأفريقية أن تواجه تحدي التنافس الدولي حول المصالح أو ما نسميه بلعبة التوازنات الدولية بشكل فاعل ورشيد، والعمل على تحقيق مصالح المجتمعات الأفريقية، بدلًا من أن تعمل النظم السياسية كوكلاء للخارج، رغم إمكانية أن تستفيد الأطراف الخارجية من موارد الدول الأفريقية، ولكن في إطار مبدأ الكل كاسب.
السيناريو الثاني:أن تفشل الدولة الأفريقية في مسعى الاستجابة لتحدياتها الداخلية، وتدخل معترك التنافس الدولي بظهر مكشوف لمصلحة روسيا، والصين والولايات المتحدة، بعيدًا عن المسار الانعزالي والشعبوي الذي يمكن أن يسلكه الرئيس الأميركي الجديد كصانع للسياسة الخارجية، بمعنى أن تبقى واشنطن منخرطة في عملية التنافس الدولي.
وفي هذه الحالة ربما تحوّلت القارة لساحة لتصفية الحسابات بين القوى الثلاث، وفي حال حدوث هذا السيناريو فإن الكلفة الأمنية ستكون باهظة على الأفارقة.
السيناريو الثالث:أن تفشل الدولة الأفريقية في الاستجابة للتحديَين المطروحين، وتدخل في لعبة توازنات دولية غير متكافئة، تكون المحصلة فيها مزيدًا من الاستنزاف الخارجي لمواردها، واتساع نطاق الاختراق الخارجي المرتكز على استغلال هشاشة الدولة، وتوظيف العملاء الداخليين من النخب الأفريقية؛ لخدمة مصالح أطراف خارجية يأتي على رأسها الصين، وروسيا.
وبروز هاتين القوتين كلاعب رئيسي في هذا السيناريو يعتمد على انكفاء واشنطن على نفسها في ظل الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب وشعاراته الشعبوية القائمة على مبدأ الانعزال والانكفاء الداخلي.
إعلانولعل هذا السيناريو هو الأقرب للحدوث من منظور تحليلي دون استبعاد إمكانية حدوث السيناريوهات الأخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدولة الأفریقیة فی القارة الأفریقیة الدول الأفریقیة التنافس الدولی على أفریقیا مؤتمر برلین أفریقیا فی دول القارة فی أفریقیا فی إطار فی هذا التی ت
إقرأ أيضاً:
من الكاكاو إلى الشوكولاتة: قصة التحول الصناعي في غرب أفريقيا
في أواخر شهر مايو/ أيار (2025)، أطلق الرئيس الغاني "جون دراماني ماهاما" حملة تصنيع وطنية تهدف إلى تسريع النمو الاقتصادي والتنمية في بلاده، داعمة سياسته؛ "الاقتصاد على مدار الساعة"، والتي تسعى إلى خلق فرص عمل وتنشيط الأعمال التجارية المحلية؛ لتعزيز التصنيع وإنتاج الأغذية الزراعية.
وتأتي تحركات الرئيس الغاني في إطار الاتجاهات البارزة في دول مختلفة بغرب أفريقيا في الشهور الأخيرة لإنعاش قطاعاتها الصناعية، بما في ذلك قمة غرب أفريقيا للتصنيع والتجارة لعام 2025، والتي يُقرّر انعقادها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2025 في مدينة لاغوس، في نيجيريا، تحت عنوان: "تسريع الثورة الصناعية المستدامة في غرب أفريقيا من أجل الرخاء الاقتصادي". وهذه القمة يُتوقع منها أن تُشكّل منصةً إقليمية لوضع إستراتيجيات عملية للتقدم الصناعي، وتنويع التجارة في غرب أفريقيا.
العوامل الرئيسية الدافعة للتصنيع في غرب أفريقياتقع غرب أفريقيا في موقع إستراتيجي يجعلها جسرًا بين أوروبا وأفريقيا، ويُتيح لها الوصول إلى الأسواق والموارد الناشئة. كما توفر سواحلها المتميزة بموانئ بحرية رئيسية – مثل موانئ لاغوس في نيجيريا، وأبيدجان في ساحل العاج، و"تيما" في غانا – مراكزَ تصديرٍ حيوية للسلع المصنّعة وواردات المدخلات الصناعية.
إعلانومما يدفع إلى جهود التصنيع في غرب أفريقيا أن دول المنطقة بدأت تُدرك الأهمية الإستراتيجية لمواردها، مثل النفط والغاز، والمعادن: (الذهب، وخام الحديد، والألماس، والمعادن الأرضية النادرة)، بالإضافة إلى الإمكانات الهائلة لمنتجاتها الزراعية، مثل الكاكاو، وزيت النخيل، والمطاط، والقطن.
وهذا الإدراك المتنامي يُعزز مساعي التحول الإستراتيجي نحو القيمة المضافة من خلال البحث عن طرق لمعالجة هذه المواد الخام داخل المنطقة بدلاً من تصديرها خامًا، وبالتالي الاستحواذ على حصة أكبر من قيمتها. وأهمية هذه النقطة الأخيرة كامنة في حقيقة أن النسبة الكبرى من الموارد الخام بغرب أفريقيا تُصدّر إلى الدول الأخرى، مما يؤثر سلبًا في تطور دول المنطقة ونموها الاقتصادي.
وتتجلى بعض جهود التصنيع بالمنطقة في دولتَي غانا وساحل العاج، اللتين تتطلعان إلى معالجة الكاكاو وتحويله إلى شوكولاتة وغيرها من المنتجات النهائية، إلى جانب نيجيريا التي تتحرك في الشهور الأخيرة نحو تحويل الليثيوم الخاص بها إلى مكونات لمركبات الطاقة الجديدة.
وهناك عامل التركيبة السكانية الشابة والمتنامية، والتي قد تُوسّع الطبقة المتوسطة في غرب أفريقيا، مما يُغذي الطلب على السلع الاستهلاكية، ويُخلق زخمًا قويًا للتصنيع المحلي. وقد يُمثّل تنامي التركيبة السكانية الشابة أيضًا ميزةً كبيرةً لرأس المال البشري في الصناعات كثيفة العمالة، مثل الصناعات الخفيفة، والمنسوجات، والتجهيز الزراعي، وهي قطاعاتٌ حيويةٌ للمراحل الأولى من التصنيع في المنطقة.
ويُقوي هذه النقطة ما أظهرته البيانات الحديثة أن منطقتي غرب أفريقيا ووسطها تمثل مجتمعةً شريحةً سكانيةً شابةً للغاية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما أن تقديرات بنك التنمية الأفريقي أنه بإمكان متوسط العمر في أفريقيا (19 عامًا) – إذا أُحسن استخدامه – أن يُضيف 47 مليار دولار إلى ناتجها المحلي الإجمالي.
إعلانوتشمل جهود التصنيع في المنطقة سياسات صناعية متنوعة ومحددة، تشمل مبادرات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من دول مختلفة، وإنشاء مناطق صناعية، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية. إضافة إلى تزايد الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك شبكات النقل (وخاصة الطرق والموانئ والمطارات)، والطاقة (بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والتطوير النووي)، والبنية التحتية الرقمية.
وفي حين أن استخراج الموارد (التعدين والنفط والغاز) لا يزال مهمًا في غرب أفريقيا؛ إلا أن الصناعات الرئيسية الأخرى التي تدفع نمو المنطقة تشمل المعالجة الزراعية، من خلال تحويل المنتجات الزراعية إلى سلع ذات قيمة أعلى، كما هو الحال مع تحويل الكسافا إلى إيثانول والنشا، والكاكاو إلى شوكولاتة.
وهناك جهود متزايدة في الصناعات التحويلية الخفيفة، والمنسوجات، والملابس، والأدوية، والصناعات الناشئة للسيارات. كما تستفيد بعض دول المنطقة من إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية. بينما تُعيد دول أخرى هيكلة إدارات طاقتها التقليدية، كما هو الحال مع مشاريع تطوير قطاعات النفط والغاز الجارية في غانا، والسنغال، لتكون هذه الدول مراكز للطاقة. بالإضافة إلى قطاع التكنولوجيا المزدهر، حيث تعمل مراكز الابتكار والشركات الناشئة على تعزيز قطاعات التجارة الإلكترونية والاتصالات.
مبادرات ومراكز صناعية ناشئةأدّت الصحوة الصناعية والمبادرات الوطنية إلى بروز مناطق وممرات محددة في غرب أفريقيا كمراكز صناعية. ويُحفّز ظهور هذه المراكز سياسة "إيكواس" الصناعية، مثل "السياسة الصناعية المشتركة لغرب أفريقيا 2010-2030″، التي تهدف إلى زيادة معالجة المواد الخام المحلية في المنطقة إلى متوسط 30 في المئة بحلول عام 2030، وتعزيز التجارة البينية داخل دول الكتلة الإقليمية في السلع المصنعة إلى 50 في المئة من تجارة المنطقة.
إعلانوتتصدر نيجيريا دول غرب أفريقيا من حيث نمو هذه المراكز والممرات الصناعية، حيث بذلت البلاد في السنوات الأخيرة مساعي حثيثة نحو تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط الخام. وقد كانت ضمن توجهات إدارة الرئيس الحالي "بولا تينوبو" تبنّي سياسة "نيجيريا أولًا"، والتي تهدف إلى إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي من خلال فرض تعريفات جمركية وحصص وحظر على بعض المنتجات المستوردة، لتكون النتيجة بلوغ قيمة الصادرات غير النفطية 1.7 مليار دولار أميركي في الربع الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 25 في المئة عن الربع الأول من عام 2024، حيث تتصدر هذه الجهود الكاكاو ومشتقاته، واليوريا مع الأسمدة، والكاجو.
ومن المراكز الناشئة في نيجيريا: "كانو" (الواقعة شمال غرب نيجيريا)، والتي تشمل مبادراتها الصناعية "برنامج مناطق التجهيز الزراعي الصناعي الخاصة"، المُصمم لجذب استثمارات القطاع الخاص في قطاع التجهيز الزراعي ذي القيمة المضافة، من خلال توفير البنية التحتية الأساسية والخدمات، ودعم السياسات داخل المناطق المحددة.
وهناك ولاية "آبيا" (الواقعة جنوب شرق نيجيريا) المتميزة بصناعة المنسوجات والصناعات الزراعية، وولاية "أوغون" (الواقعة جنوب غرب نيجيريا) التي تتربع على عرش المراكز الصناعية المتصاعدة في نيجيريا، حيث تضم العديد من شركات التصنيع الصغيرة والكبيرة مع مصانع الصلب. هذا، إلى جانب لاغوس، المركز التقليدي لاقتصاد نيجيريا، والذي دخل مجال الصناعة البترولية مؤخرًا بسبب مصفاة دانغوتي.
وهناك ممر "أبيدجان-لاغوس"؛ وهو مشروع طريق سريع عابر للحدود الوطنية، تبلغ تكلفته 15.6 مليار دولار أميركي، ومن المقرر أن تواصل الكتلة الإقليمية بناءَه في عام 2026، على أن يُستكمل في عام 2030. ويربط الممر سبع مدن بغرب أفريقيا، وهي: أبيدجان، وتاكورادي، وأكرا، ولومي، وكوتونو، وبورتو نوفو، ولاغوس، كما يمر عبر خمس دول، هي: ساحل العاج، وغانا، وتوغو، وبنين، ونيجيريا.
إعلانويُتوقع أن يُوفر ممر "أبيدجان-لاغوس" حوالي 70 ألف وظيفة مباشرة، كما يُقدّر عدد سكان المناطق الحضرية الذين سيصلهم الممر بحوالي 173 مليون نسمة بحلول عام 2050، مما يُحفّز النمو الاقتصادي والتصنيع التحويلي على طول مساره، ويدعم التجمعات الاقتصادية الرئيسية الناشئة في مدن المسار، ويُحسّن الروابط بين المراكز الحضرية والمدن الثانوية والمناطق الريفية وممرات النقل الأخرى في غرب أفريقيا، وخاصة المطارات والطرق والسكك الحديدية والموانئ.
ومن دول غرب أفريقيا التي تبذل جهودًا كبيرة لإنعاش قطاعها الصناعي: ساحل العاج، وغانا، والسنغال. فساحل العاج تواصل تقدمها في مجال معالجة الكاكاو ذات القيمة المضافة للأسواق الأفريقية الأوسع. كما تتصاعد شهرة غانا والسنغال، من بين دول أخرى، كمركزين رئيسيين للطاقة في المنطقة؛ نتيجة الاستثمارات في النفط والغاز، والطاقة المتجددة.
ففي غانا، وقّعت الحكومة في يونيو/ حزيران 2024 اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار مع ائتلاف صيني-غاني لمشروع مركز بترولي، يضم ثلاث مصافٍ وخمسة مصانع بتروكيماوية، وذلك لإضافة القيمة في قطاع الطاقة الغاني. وفي السنغال، وافقت مجموعة بنك التنمية الأفريقي على قرض بقيمة 75 مليون دولار لدعم برنامج تعبئة الموارد ودعم التنمية الصناعية.
ويُضاف إلى ما سبق أنّ مبادرة "تجمع غرب أفريقيا للطاقة" بين عامي 2012 و2024 (بدعم مجموعة البنك الدولي )، مكّنت من إنشاء وتشغيل أكثر من 4 آلاف كيلومتر من خطوط النقل الطاقوي، والتي تربط دولًا مثل: ساحل العاج، وغينيا، وليبيريا، وسيراليون، وبنين، وبوركينا فاسو، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال. كما أبرمت الشركة الاستثمارية "أفريقيا 50" شراكة مع "البورصة الإقليمية لغرب أفريقيا" لتقديم سندات مشاريع للبنية التحتية وأدوات مالية أخرى، بهدف تعبئة رأس مال طويل الأجل من مستثمرين إقليميين، لتطوير البنية التحتية في منطقة "الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا"، والتي تضم: بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو.
إعلانجدير بالذكر أن دول تحالف الساحل تبذل جهودًا متزايدة نحو التصنيع رغم ما تواجهه من تحديات سياسية وأمنية. فبوركينا فاسو – على سبيل المثال- تُركز على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسيادة الغذائية من خلال مبادرات التصنيع الزراعي، وإضافة قيمة للموارد المحلية، مثل زيادة إنتاج الحبوب، وإنشاء مصانع خاصة بالطماطم، وإنتاج القطن. كما أن دولة مالي أنشأت 12 قطبًا زراعيًا لسلاسل القيمة الزراعية، مما يضمن الاكتفاء الذاتي الغذائي، ويُعزز مكانة البلاد كمُصدّر صافٍ. وفي النيجر، يوجد تحرك في قطاع النفط، مع مساعٍ لمشاركة القطاع الخاص في الطاقة الشمسية، وتحديث الزراعة.
اغتنام فرصة التحولات التجارية العالميةتُوفر التحولات التجارية العالمية، التي تتسم بالحمائية واضطرابات سلاسل التوريد والنزاعات الجمركية المستمرة بين الاقتصادات الكبرى، فرصةً فريدةً لغرب أفريقيا. ومن جوانب الاستفادة من هذه التحولات تنويع المنطقة لسلسلة توريدها لكي تُصبح خيارًا أكثر جاذبية لدى المصنّعين والمشترين العالميين الذين يُعيدون النظر في إستراتيجياتهم التوريدية. كما أن موارد المنطقة الهائلة، وتزايد قواها العاملة، وتحسين بيئات أعمالها، قد تُقدّم غرب أفريقيا كفرصة جذابة للشركات التي تحاول إنشاء قواعد تصنيع جديدة.
وهناك فرصةٌ أخرى لغرب أفريقيا، تتمثل في التجارة البينية الأفريقية وتحقيق التكامل الاقتصادي من خلال مبادرة "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية"، وذلك لأن من أهداف المبادرة تعزيز الروابط التجارية بين الدول الأفريقية، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتمكين أعضائها من إنشاء سلاسل قيمة إقليمية متينة، وجذب الاستثمار من خلال إنشاء سوق موحدة في جميع أنحاء القارة.
وقد أكّد "والي إيدون"، وزير المالية النيجيري، على أن "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" قادرة على إعادة وضع نيجيريا في المسار الصحيح كوجهةٍ تنافسيةٍ للتجارة والاستثمار، مما يُعزّز تنويع سلسلة التوريد والقيمة المضافة المحلية. كما تتوقع حكومة غانا أن يزيد استغلال اتفاقية "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" في صادراتها الإقليمية، وتُقدّر ساحل العاج أن تُعزّز المبادرة معالجة الكاكاو ذات القيمة المضافة داخل الأسواق الأفريقية الأوسع.
إعلانإن الحاجة العالمية للمواد الخام، وخاصةً المعادن الإستراتيجية والمهمة للثورة الخضراء (مثل الليثيوم والكوبالت)، تُوفّر ميزةً إستراتيجية لغرب أفريقيا، وذلك بانتقال المنطقة من مجرد أماكن لاستخراج هذه الموارد إلى منطقة لمعالجتها. بالإضافة إلى تنامي الرغبة العالمية في الحصول على المنتجات المصنوعة في أفريقيا، واتساع الطبقة الوسطى الأفريقية، مما يُسهم في بناء سوق محلية قوية للسلع المصنعة، ويُقلل من الاعتماد على الأسواق الأجنبية المتقلبة، ويُشجع في الوقت نفسه التصنيع المحلي.
ويُضاف إلى ما سبق أن الدعوات تزداد لحكومات غرب أفريقيا لاستكشاف اتفاقيات تجارية مع مناطق ودول أخرى من العالم، وتعزيز علاقاتها مع آسيا والقوى الناشئة الأخرى، بهدف التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد التقليدي على الغرب، وتعويض الخسائر المحتملة من الرسوم والتوترات الجمركية الجديدة، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق المتنوعة.
ومن المجالات الناشئة التي يمكن لدول غرب أفريقيا الاستفادة منها: "التصنيع الأخضر"، الذي تتركز المحادثات والمقترحات السياسية المرتبطة به في إنتاج الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتخزين الطاقة)، ونماذج الاقتصاد الدائري، وتوظيف أساليب مالية، مثل السندات الخضراء لدعم التصنيع المستدام. إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه كأداة أساسية للإستراتيجية الصناعية لأفريقيا، وذلك لقدرته على تحسين عمليات التصنيع والتجارة، وإزالة العوائق الصناعية القديمة، مما جعل مفكرين ومثقفين أفارقة يدعون إلى تحويل بعض مؤسسات التعليم العالي إلى "جامعات الابتكار" لإعداد الشباب الأفريقي لمستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
تحديات أمام اغتنام الفرصةرغم الفرص المتعددة التي توفرها التحولات التجارية العالمية لغرب أفريقيا، فإن هناك تحديات قد تُعيق قدرة المنطقة على الاستفادة الكاملة منها. وعلى رأسها عجز عدد من دول المنطقة في البنية التحتية، مثل شبكات النقل غير الكافية، وإمدادات الطاقة غير الموثوقة، والاختناقات اللوجيستية، وغيرها من الأمور التي ترفع تكاليف الإنتاج وتُحدّ من القدرة التنافسية. ويدعم هذه النقطة حقيقة أن انقطاع التيار الكهربائي المستمر في عدد من دول غرب أفريقيا يؤثر بشدة على التصنيع والإنتاج.
إعلانوهناك ندرة في العمالة الماهرة والقدرات التكنولوجية في بعض دول المنطقة، مما قد يخنق نمو الصناعات المبتكرة والمتقدمة. كما أن هناك صعوبات في وصول العديد من الشركات والحكومات في المنطقة إلى تمويل كافٍ وغير مكلف لمبادراتها الصناعية، إلى جانب أن فجوة الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة واسعة وكبيرة.
ومن التحديات أيضًا استمرار عدم الاستقرار السياسي والصراعات الإقليمية في بعض أجزاء غرب أفريقيا، كما هو الحال مع أزمة الإرهاب والتمرد المسلح في وسط الساحل وبحيرة تشاد وبنين وتوغو، وانسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من "إيكواس". إذ يمكن أن تُثبّط هذه التطورات التجارة البينية والاستثمار، وتُعطل تدفقات التجارة، خاصة في المناطق الحدودية المتضررة أو القريبة منها، مما يُقوّض جهود التكامل الإقليمي.
ويُضاف إلى ما سبق أن عددًا من دول غرب أفريقيا تعاني من البيروقراطية والفساد، اللذين يُشكلان عائقًا كبيرًا في بيئة الأعمال، مما يجعلها غير مواتية، وذلك لأن اللوائح والقوانين المعقدة، واستشراء الفساد، وانعدام الشفافية، كلها تردع المستثمرين المحليين والدوليين القادرين على دفع عجلة الصناعة في المنطقة.
بل رغم مبادرات التصنيع ومساعي التنويع الاقتصادي سابقة الذكر، فإن العديد من اقتصادات غرب أفريقيا لا تزال تعتمد على تصدير المواد الخام غير المصنعة، مما يجعلها عُرضة لتغيرات أسعار السلع العالمية ويُحدّ من قدرتها على تحقيق قيمة أعلى. كما أنه رغم استمرارية جهود تطوير سياسات تصنيع قوية على المستويين؛ الوطني والإقليمي، فإن تنفيذها الفعّال والمتسق قد يُمثّل تحديًا آخر.
خاتمةإن غرب أفريقيا في مساعيها نحو التصنيع بحاجة إلى بحث آليات إضافة القيمة من خلال تحويل مواردها الخام، وتعزيز التكامل الإقليمي، وبناء مناخ أعمال مُمكّن من خلال تنفيذ سياساتها الوطنية والإقليمية والاستثمار في البنية التحتية الحيوية. كما تحتاج المنطقة إلى إصلاح التعليم والتدريب المهني لتعزيز نقل المهارات وبناء القدرات، بالإضافة إلى تنويع أسواق التصدير والشراكات من خلال ضمان تحقيق المنفعة المتبادلة ودعم أجندتها الصناعية.
إعلانوأخيرًا، تتطلب جهود التصنيع توفير فرص مستمرة للحصول على التمويل، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تعزيز المؤسسات المالية المحلية، وتشجيع الإقراض للقطاع الصناعي، وخاصةً الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى استكشاف التمويل المختلط، وتوفير سُبُل تمويل بديلة للشركات، مع تقوية الشراكات بين القطاعين؛ العام والخاص.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline