لم يكن لمهرجان القيروان للشعر العربي أن يختتم فعاليات الدورة التاسعة دون أن يترك بصمات إبداعية (تونسية-عربية)، مُنطلقةً من طاقات اللغة العربية وجمالياتها، إلى تكويناتٍ شكّلت ينبوعاً دافقاً من الصور والمشهديات والاستعادات الشعرية.
هكذا عاشت مدينة قرطاج في العاصمة التونسية ثلاثة أيام من الإبداع في بيت الحكمة، حيث طوى بيت الشعر في القيروان الصفحة التاسعة من المهرجان، وسط بهجة جماهيرية رافقت الجلسات المنعقدة في مشهد يعكس ذائقة أدبية لافتة للحضور.


وأقيمت فعاليات المهرجان تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ونظمتها دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية في تونس، بمشاركة فاعلة ومميزة من شعراء ونقاد وأدباء تونسيين وعرب من الجزائر وليبيا.
حضر حفل الختام، الذي أقيم في بيت الحكمة في قرطاج، سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والشاعرة جميلة الماجري مديرة بيت الشعر في القيروان، وجمع كبير من محبي الكلمة.
وأعرب عبد الله العويس، في كلمة ختامية، عن شكره وتقديره إلى وزارة الشؤون الثقافية، مؤكداً أن اللقاء الثقافي المتجدّد يدلّ على أهمية العلاقات الأخوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية تونس، مشيراً إلى أن مكانة المهرجان المهمة في الساحة الأدبية التونسية والعربية تُشجّع على المزيد من الأعمال الثقافية المشتركة.
ولفت العويس قائلاً: “إن بيت الشعر في القيروان يعزز المشاريع الثقافية المشتركة ما بين الإمارات وتونس، ويمثّل خطوة بالغة الأهمية للمضي قدماً نحو آفاق ثقافية جديدة تؤكد الشراكة الثقافية الممتدة منذ سنوات بين الشارقة وتونس، ومنها ملتقى الشارقة للسرد، وملتقى الشارقة للتكريم الثقافي، ونعمل على أن تكون هناك مناسبات أخرى”.
وجدّد رئيس دائرة الثقافة شكره على الترحاب والحفاوة التونسية للشارقة، كما نقل تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للمشاركين في المهرجان.

“بدايات الشعر العربي”
في بيت الحكمة في العاصمة التونسية، وبينما كان هدير موج البحر يُسمع في داخل القاعات، أعادت الندوة الأدبية المصاحبة للمهرجان الحضور إلى بدايات الشعر العربي في ندوة طرقت أبواباً قديمة بعنوان “بدايات الشعر العربي”، تحدث فيها د. المنصف الوهايبي، ود. منصف بن عبد الجليل، فيما أدارت د. سماح حمدي الجلسة النقدية.
وعمّقت الندوة أهمية الشعر العربي وثرائه، وقد تجلّى ذلك من خلال حرص الباحِثَيْن على سبر أغواره وفتح مغاليقه لاكتشاف حكاية بداياته.
وفي ورقته، تطرّق الدكتور المنصف بن عبدالجليل إلى مسألة بواكير الشّعر العربي على ضوء نقشين يمنيّين قديمين هما: “أنشودة إلى كهل” المسجّلة تحت رمز عنان 11، و”ترنيمة الشّمس” التي اكتشفها الباحث اليمني يوسف عبد الله .
واستعرضت ورقة عبد الجليل في قسمها الأوّل صيغة النّصّين وتاريخهما المرجّح وهو النصف الأول من القرن الثاني للميلاد، وناقشت في قسمها الثّاني اختلاف المؤرّخين في تأويل النّصّين، بينما اقترحت في الجزء الثالث بعض الاستنتاجات حول اعتبار “الترنيمة” أوّل نصّ شعري عربي.
ووقف الوهايبي، في ورقته، عند نص منقوش لافتاً أنه قد يكون من أقدم ما دوّن العرب من شعر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، مشيراً “على أن الذين حققوا هذا الشعر أو رمموه من مستشرقين وحتى من العرب، وهذا الشعر جاء في نقش في صحراء النقب في جنوب فلسطين”.
وأشار الوهايبي إلى أن الشعر جاء منقوشاً على خمسة أشطر (وليس أسطر أو سطور كما ذكر في بعض الدراسات)، موضحاً” كتب الأول والثاني والثالث والسادس وهو توقيع، بالآرامية، وأما الرابع والخامس فكتبا باللغة العربية النبطية”، ذاكراً من رسالة ناصر الدين الأسد “مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية” إشارات دقيقة إلى النقوش النبطية على قلتها، وإلى الوثائق الجاهلية والإسلامية، خاصة الجانب الخطّي المتصل بصورة الحروف وأشكالها، مبيناً أن الخط العربي الخالي من النقط والاعجام مشتق من الخط النبطي، وأن العرب كتبوا به قبل الإسلام بقرون.

“قراءات”
بعد الندوة، بدأت جلسة شعرية شارك فيها الشعراء: منية عمار، ومعز العكايشي، وسالم المساهلي، وأوس البطهري.
وقرأ أوس من شتات الصمن، يقول:
شوق كفيف لا يزال يرتّل وشتات لحن صامت يتداخل
و قصيدة نحتت بدمع أحمر لا بالحروف أو المعاني تصقل
و سجين روح أطلقته مدامعي يروي الجفون و في انكسار يهطل
وأنشدت منية عمّار، تقول:
جئت والحبّ معي في أضلعي والأماني طعمها عذب زلالْ
رايتي بيضاء لم أضمر أذًى فأنا العزلاء لا أبغي النّزال
كان ظنّي أنّني محظوظة برفاق عن يميني والشّمال
وشهدت الجلسة المسائية مشاركة الشعراء: رحيّم الجماعي، وبلال المسعودي، وأكرم العبيدي، وأسماء الشرقي، ومحمد خذري، وعائشة العلاقي.
وقرأ رحيّم الجماعي من قصيدة كشفت عن سؤال يتوارى في الذات، يقول:
مازلتُ أَبني للسّؤال منازلَا مازلتُ أُهدي للجواب حُطامي
مازلتُ مثلي عاليا ومطابقا كم أنت أدنى يا أناي وسامي
مازلتُ أهلا فوق شوك سهولهم مازلتُ سهلا تحت أهلي ودامي
مازلتُ فِعلاً فاعلن متفاعلن فالأرض وقتي والسّماء مقامي.
وقرأ محمد خذري من قصيدة “زهرة القرآن”، يقول:
لغتي وأنت هويتي وكياني تاج العروبة زهرة القرآن
ضاد يضوع بيانها ريحانا فيفيض أنوارا بكل مكان
يا مهجة الروح التي أهديتها أرج الهوى فيضا من التحنان.
وفي ختام المهرجان، كرّم عبد العويس ومحمد القصير المشاركين في المهرجان بتسليمهم شهادات تقديرية.

“جنّة الشعراء”
يؤكد شعراء مشاركون في مهرجان القيروان للشعر العربي أن بيوت الشعر العربية أصبحت جنّة الشعراء العرب نظراً إلى نشاطها الثقافي البارز، مشيرين إلى أن بيت الشعر في القيروان أصبح وجهة الشعراء في شمال إفريقيا وليس فقط في تونس.
وعبّر مشاركون عن شكرهم إلى الشارقة بوصفها حاضنة ثقافية للمبدعين العرب، لافتين أنه في الوقت الذي يجد فيه بعض المثقفين صعوبة في إبراز إبداعهم، تأتي الشارقة لكي تأخذ بأيديهم وتدعمهم وتقدّم لهم كل ما يحتاجونه.
في هذا السياق، عبّرت الشاعرة حليمة بو علّاق عن شكرها، قائلة: “نشكر صاحب السمو حاكم الشارقة باعث بيوت الشعر التي أصبحت جنّة الشعراء العرب، كما هو بيت الشعر في القيروان واحة الحالمين، نحط الرحال فيه متى أتعبنا الزمن، فنلقي فيه همومنا، ونستمتع ونبحر عبر أجنحة الحرف”.
وأضافت بو علّاق: “في الحديث عن بيت شعر القيروان لا بد أن نشير إلى أنه اكتشف العديد من الشعراء، وحتى الشعراء المنسيين فقد أعادهم إلى الحضور، وفتح لنا أبواباً لكي نقرأ الشعر ونكتبه، هذا البيت الذي يأخذ بأيادي الشعراء، ويساهم في طباعة الدواوين الشعرية، ويربى الناشئة على ثقافة الشعر والجمال ومعانقة الحرف الجميل، فبيت الشعر أصبح وجهة الشعراء في شمال إفريقيا وليس فقط في تونس، هذا البيت نعمة أنعم الله علينا فجعل الله ذلك حسنات في ميزان كل من كان سبباً جميلاً لبعثها”.
وأشارت إلى أن استمرارية المهرجان وصولاً إلى الدورة التاسعة إنما تترجم نجاح بيت الشعر الذي فتح منافذ كبيرة على الثقافة بشكل عام وليس على الشعر بشكل خاص.
من جانبه، اعتبر الشاعر الجزائري عبد الله ايمرزاغ أن مشاركته الأولى في المهرجان مثّلت جانباً مهمّاً في مسيرته الأدبية، مؤكداً أن بيت الشعر في القيروان أصبح منارة للشعر في إفريقيا، مضيفاً “شخصياً كشاعر جزائري فإن هذا البيت يُمثلني، لأن ما يجمعه من شعراء تونسيين وعرب، يجعلنا نحن الشعراء اليافعين نتلمس الطريق والمضي قدماً، فهو سبيل أمام الشاعر لإيصال كلمته، وانشغاله، وفكره، والوصول إلى أعلى درجات الإنسانية، لأن الشعر بوابة الإنسانية”.
وقال ايمرزاغ: “بيت الشعر حاضنة تجعلنا- كجزائريين- نجد أبواباً نحو التماس اللغة العربية، فنحن كشعب جزائري عربي أمازيغي، نحاول دائما أن نتلمس اللغة العربية من مصدرها، خاصة من الحيز الذي يحيط باللغة العربية في المشرق العربي، وقد كان البيت بمثابة بوابة إفريقيا إلى المشرق من خلال هذا المهرجان”.
وتحدث الشاعر الجزائري عن الشارقة، قائلاً: “دائماً ما استحضر الشارقة بقصة حدثت معي، فقد شارك استاذ لي بمسابقة في العام 2008، ووقتها كنا نتلمس أولى خطواتنا في الشعر، وتحصل على المرتبة الثانية، ومنذ ذلك الحين ونحن ننظر إلى الشارقة بوصفها حُلماً بأن تكون لها لمسة على شعرنا، وقدد حققت هذا الحلم من خلال مشاركتي في المهرجان”.
من جهتها، قالت الشاعرة منية عمّار معبّرة عن سعادتها: “مشاركتي هذه السنة أسعدتني كثيرا، فقد وجدت مستوى راقٍ وعالٍ من خيرة شعراء تونس، وأثمن مجهود الشعر في دعم الشعر وفي النهوض بالأصالة وترسيخ الثقافة العربية”.
ولفتت عمّار أن بيت الشعر مكسب كبير للمشهد الثقافي في تونس، “لأن المهرجان متواصل باحتضانه للمواهب”، مشيرة إلى أن ما يقوم به البيت على المستوى المحلي والعربي يعد دوراً كبيراً وبارزاً يحقق آمالاً كبيرة لأي مبدع عربي.
ورأى الشاعر مهند الحاج علي أن المهرجان يعد تظاهرة بمثابة عرس ثقافي كبير في تونس، مشيداً بالمستوى العالي للتنظيم يليق بقيمة الشعر والحرف، معبّرا عن سعادته بالمشاركة الأولى في المهرجان، مضيفاً “وقد تفاجأت بحضور شاعر مشارك كان من المحكّمين في المسابقات المدرسية التي كنت أشارك بها، وفرح بي أيّما فرح حينما شاهدني كشاعر هنا”.
وأشار الحاج علي إلى أن بيت الشعر أصبح وجهة تجمع الشعراء من تونس وخارجها، وهي أضافة نوعية يقدمها البيت للمشهد الثقافي في تونس، وأعرب عن شكره للشارقة قائلاً “في الوقت الذي يجد فيه بعض المثقفين صعوبة في إبراز إبداعهم تأتي الشارقة لكي تأخذ بأيديهم وتدعمهم وتقدّم لهم كل ما يحتاجونه”.
بدورها، قالت الشاعرة سحر الغريبي: “إن ما يميز مهرجان القيروان للشعر العربي هو انفتاحه الجغرافي على كافة المناطق التونسية، فهناك من جاء من صفاقس، والمنستير، والجنوب التونسي، وتجمّعوا في مكان واحد، وسط حضور راق، وهو مشهد يعكس أهمية ثقافية تونسية وعربية كبيرة”.
وعبّر الشاعر الليبي د. عصام الفرجاني عن سعادته بالمشاركة الأولى في المهرجان، قائلاً: “في الحقيقة عشت أجواء ملهمة في المهرجان، وسط حفاوة بالغة، وقد منحتني هذه المشاركة التعرّف على شعراء كنت أقرأ لهم”.
وثمّن الفرجاني الدور الثقافي الذي تقوم به على المستوى العربي وخاصة بيوت الشعر، معتبراً أن الشارقة عاصمة الثقافة العربية اليوم قياساً لدورها الإنساني النبيل في الدرجة الأولى.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

كيف تعيد فعاليات الصيف رسم خريطة السياحة الخليجية؟

مع ارتفاع درجات الحرارة، تتغير ملامح الحياة في دول الخليج، إذ يشهد صيف الخليج 2025 تحوّلا لافتا، إذ تمتلئ أيامه بالمهرجانات والأنشطة التي تعيد رسم خريطة السياحة في المنطقة.

فمن جبال صلالة الخضراء إلى مرتفعات الطائف وشواطئ جدة، وصولًا إلى عوالم الألعاب الترفيهية في البحرين، نأخذكم في جولة عبر أبرز الفعاليات الخليجية لهذا الصيف.

خريف صلالة

تحتفظ منطقة صلالة في سلطنة عمان بخصوصية مناخية لا مثيل لها في شبه الجزيرة العربية، فمنذ أواخر يونيو/حزيران وحتى سبتمبر/أيلول، تتحول محافظة ظفار على سواحل بحر العرب إلى ما يشبه الجنة الاستوائية، فالجبال تكتسي بالخضرة، والرذاذ لا ينقطع، والضباب يضفي على المشهد هالة سحرية.

خريف صلالة يعد أهم مهرجانات المنطقة (الجزيرة)

وبينما تصل الحرارة في بقية المدن الخليجية صيفا إلى ما فوق 40 درجة مئوية وتقترب أحيانا من الخمسين، تعيش صلالة أجواء باردة وممطرة، مما يجعلها مهربا باردا من حرارة صيف الخليج. وهذا التحول الطبيعي الفريد، المعروف محليًا باسم "الخريف" ليس مجرد ظاهرة مناخية، بل هو ظرف مثالي لانطلاق أحد أهم مهرجانات المنطقة وهو خريف صلالة.

مهرجان بطابع جديد

رغم أن مهرجان خريف صلالة فعالية سنوية معروفة على خارطة الفعاليات الخليجية، فإن نسخة 2025، والتي انطلقت في 15 يوليو/تموز وتستمر حتى 31 أغسطس/آب، تأتي بتنظيم أكثر احترافية وتنوعًا ملحوظا في المواقع والأنشطة المصاحبة.

الأسواق التراثية بمهرجان صلالة تعرض فيها منتجات نادرة لا تتوفر طيلة العام (الجزيرة)

فبدلاً من تركيز الفعاليات في نقطة واحدة، تم توزيعها هذا العام على عدة مواقع رئيسية مثل ساحة أتين، و"عودة الماضي" في منطقة السعادة، وحديقة عوقد وواجهة أتين الحديثة، لتخفيف الزحام وتقديم تجارب متنوعة في كل موقع لجمهور واسع.

إعلان

أما الأسواق التراثية التي يضمها المهرجان فلا تُعد مجرد مساحة للتسوّق، بل نافذة على ذاكرة المكان حيث تُعرض فيها منتجات نادرة لا تتوفر طيلة العام، وتستحضر فيها المأكولات الشعبية والحرف اليدوية روح البيئة في محافظة ظفار وعاصمتها صلالة.

فعاليات ثقافية وسياحية

ما يميز مهرجان خريف صلالة هذا العام هو تعدد وتنوّع الفعاليات المبتكرة هذا العام، لتقدّم أوقاتًا مثالية لعطلة الصيف تمزج بين الثقافة والفن والتسوق والطبيعة، وتناسب كافة أفراد الأسرة.

ويشمل برنامج المهرجان هذا العام أكثر من 180 فعالية موزعة على عدة مواقع، تجمع بين العروض الموسيقية الحية، والرقصات الشعبية والفنون العُمانية، والحفلات الغنائية والأمسيات الشعرية، إلى جانب المعارض التراثية والأسواق الحرفية التي تتيح للزوار فرصة اكتشاف المنتجات المحلية والتقليدية.

مهرجان خريف صلالة تتعدد وتتنوّع فيه الفعاليات المبتكرة هذا العام (الجزيرة)

وتحتل الأنشطة العائلية مكانة بارزة ضمن البرنامج، مع ورش عمل تفاعلية للأطفال، ومنطقة ألعاب كهربائية وهوائية، بالإضافة إلى عروض رياضية ومغامرات بيئية في الهواء الطلق.

أما عشّاق التذوق وتجارب المأكولات فيمكنهم الاستمتاع بتشكيلة واسعة من الأطعمة التقليدية، من خلال أكشاك المأكولات الشعبية المنتشرة في أرجاء المهرجان، التي تعبق برائحة البخور والقهوة العُمانية.

كما يحتفي موقع "عودة الماضي" بجمال الحياة التقليدية في ظفار، حيث يمكن للزوار تجربة الأجواء الريفية القديمة بكل تفاصيلها، من البيوت الطينية إلى الأسواق الشعبية، وسط أصوات الفنون الشعبية وروائح البخور والطعام العُماني.

وجهة صيفية بارزة

في حين تُعدّ العواصم الخليجية الأخرى وجهات ترفيهية مكيّفة للهروب من حرارة الصيف، تقدّم صلالة نموذجًا مختلفًا تمامًا لأجواء استوائية فريدة ووجهة خارجية في أحضان الطبيعة الخضراء، بدرجات حرارة معتدلة لا تتجاوز 25 درجة مئوية، وسط رذاذ مطري وضباب يلف الجبال.

وليست الأجواء وحدها ما يميز مهرجان خريف صلالة، فهذا الطقس النادر في الخليج يمنح الفعاليات الخارجية روحًا مختلفة، ويحوّل الحضور من مجرد جمهور إلى جزء حيّ من المشهد.

صلالة تقدم نموذجًا مختلفًا تمامًا لأجواء استوائية فريدة ووجهة خارجية بأحضان الطبيعة الخضراء (الألمانية)

وهذه الميزة المناخية، إلى جانب ثقل المهرجان السنوي من حيث المحتوى والتنظيم المشترك بين بلدية ظفار ووزارة التراث والسياحة، واستمراره لأكثر من شهر ونصف وفقًا لرؤية متجددة تهدف إلى ترسيخ مكانة المحافظة كوجهة سياحية وثقافية، جعلت من خريف صلالة وجهة صيفية محببة لعشرات الآلاف من الزوار الخليجيين والعرب عامًا بعد عام.

"لوّن صيفك" في السعودية

في ظل التنافس الخليجي على تنشيط السياحة الداخلية صيفًا، أطلقت الهيئة السعودية للسياحة برنامج "صيف السعودية" تحت شعار "لوّن صيفك" في مايو/أيار الماضي، والذي يستمر حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وتركّز على تسويق وجهات داخلية تتميز بمناخ معتدل وتجارب متنوعة تمزج بين الأجواء الجبلية المنعشة، والسياحة الشاطئية الفاخرة، والفعاليات الثقافية والعروض المميزة.

نجمة ونهر، وجهة بإطلالة خلابة على سد أبها وسط الطبيعة ⛰️????
تجربة تجمع بين الراحة والفخامة، وأشهر العلامات التجارية ????️✨@Discoveraseer#لوّن_صيفك بلحظات ما تتفوّت!https://t.co/XcCVMvFdF6 pic.twitter.com/uhbt77auP7

— روح السعودية (@VisitSaudiAR) July 27, 2025

إعلان سياحة بوجهات متعددة

يتوزع البرنامج هذا العام على 6 وجهات متنوعة تمتد من الشواطئ المعتدلة إلى المرتفعات الباردة، في خطوة تهدف إلى إعادة رسم خريطة الصيف السياحي في المملكة والمنطقة.

ويتوزع البرنامج بين وجهات مثل جدة التي تقدم لزوارها أكثر من 5 شواطئ جديدة صيف 2025، بالإضافة إلى كورنيشها الجديد وفعالياته الثقافية والفنية المتنوعة، بما فيها العروض الحية والمهرجانات الساحلية.

هذا العام 6 وجهات متنوعة تمتد من الشواطئ المعتدلة للمرتفعات الباردة (روح السعودية)

أما ساحل البحر الأحمر، فتسجل السياحة الشاطئية حضورًا لافتًا من خلال المنتجعات والشواطئ الغنية التي باتت من أكثر المناطق جذبًا لهواة الغوص واستكشاف الشعاب المرجانية، كما أضُيفت وجهات جديدة هذا العام في البحر الأحمر مثل جزر شيبارة وأمهات.

الوجهات الجبلية

أما الوجهات الجبلية فتتقدمها عسير والطائف والباحة، حيث تنخفض درجات الحرارة لتصل إلى 24 درجة مئوية، مما يجعلها بديلًا مثاليا لحر الخليج. وتأتي منطقة عسير في مقدمة هذه الوجهات، بجمال جبال السروات الشاهقة ووديانها الخضراء، وغاباتها الكثيفة.

منطقة عسير مشهورة بجمال جبالها الشاهقة وانخفاض درجة حرارتها (هيئة السياحة السعودية)

وتتراوح درجات الحرارة فيها بين 22 و26 درجة مئوية خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب، مما يجعلها ملاذًا طبيعيًا للهاربين من صيف المدن الكبرى. كما تضم عسير متنزهات مثل متنزه عسير الوطني، و"السودة" السياحي، بالإضافة إلى تجارب ثقافية في "قرية المفتاحة" وأسواق شعبية مثل "سوق الثلاثاء".

ومدينة الطائف، التي تُعرف بـ"عروس المصايف" و"مدينة الورود" لما تمتاز به من مناخ معتدل وطبيعة خلابة ومزارع الورود، تجمع بين جمال المرتفعات الجبلية ومزارع الفاكهة والأسواق الشعبية مثل سوق "عكاظ" الشهير، مع قربها من مكة وجدة، مما يمنحها موقعًا إستراتيجيًا، بالإضافة إلى الأجواء المناخية المتميزة في الصيف.

وتطل مرتفعات الباحة المعروفة بطبيعتها الفريدة في المملكة كوجهة صيفية هادئة، بمناطقها ذات الأشجار المورقة، والوديان المتعرجة، حيث تقع المدينة على ارتفاع 2500 متر فوق مستوى سطح البحر، وتتمتع بدرجات حرارة معتدلة، لذا تعتبر مكانا مثاليا للتنزه أو التخييم.

سياحة سعودية تنافس الخارج

ويشهد برنامج "لوّن صيفك" أيضًا تعزيز الربط الجوي بإضافة أكثر من مليون مقعد طيران إلى الوجهات الصيفية في المملكة، بجانب روزنامة فعاليات نشطة في موسم عسير وموسم جدة، مما يمنح الحملة طابعًا حيويًا وجاذبًا للعائلات الخليجية.

وبينما يتزايد الإقبال على السفر للخارج لوجهات باردة في هذا التوقيت من السنة، تحاول السعودية عبر هذا البرنامج أن تُعيد توجيه البوصلة السياحية إلى الداخل، مستفيدة من تفرد بعض مناطقها بمناخ لطيف تنوع طبيعي وثقافي يستحق الاكتشاف.

السعودية تحاول عبر برنامج صيف السعودية أن تُعيد توجيه البوصلة إلى الداخل

ومع تنامي عدد الفعاليات المصاحبة من مهرجانات موسيقية، وعروض تراثية، وألعاب مائية، إلى مغامرات الهايكنغ والتلفريك، وتعدد أنماط الترفيه من جبال عسير إلى شواطئ جدة، تبرز السعودية كلاعب إقليمي جديد في مجال السياحة الصيفية الداخلية، خصوصًا بعد أن أصبحت هذه الفعاليات تجذب بعض العائلات الخليجية التي اعتادت السفر إلى أوروبا أو شرق آسيا خلال الصيف.

مهرجان صيف البحرين للألعاب

مع اشتداد حرارة الصيف في يوليو/تموز وأغسطس/آب، تتحوّل الوجهات الداخلية في البحرين إلى ملاذ مثالي للعائلات، ويبرز "مهرجان صيف البحرين للألعاب" كأهم فعالية صيفية تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها.

حرارة الصيف تحوّل الوجهات الداخلية بالبحرين لملاذ مثالي للعائلات (حساب ‏محمد الحناكي )

بعد النجاح الكبير الذي حققته النسخة الأولى العام الماضي، تعود نسخة 2025 من المهرجان بمحتوى مضاعف ومساحة أوسع، لتؤكد مكانته كأكبر حدث عائلي ترفيهي صيفي في المملكة. ويُقام المهرجان في مركز البحرين العالمي للمعارض، داخل موقع مغلق ومكيّف بالكامل.

إعلان

ويمتد على مدار 5 أسابيع متواصلة، من 1 يوليو/تموز وحتى 5 أغسطس/آب 2025، مما يمنح العائلات مرونة في التخطيط وإعادة الزيارة والاستكشاف بوتيرتهم الخاصة.

مهرجان البحرين للألعاب؟

في نسخة 2025، يتنظر زوار المهرجان مزيدا من المفاجآت، ومحتوى ترفيهيا أضخم، وعروضا حية مبهرة، وألعابا لا تُعدّ، إلى جانب أنشطة ترفيهية وتفاعلية ممتعة. وتتوسع نسخة هذا العام بمحتوى ترفيهي متنوع يضم عروضًا حية مذهلة وأنشطة تفاعلية وألعابًا لا تُعدّ.

فمن اللحظة الأولى لانطلاقه، بدأ المهرجان بإبهار بصري وسمعي، وموكب افتتاحي ضخم يضم شخصيات تنكرية، فرق رقص محلية، عروضا نارية، وظهورًا مفاجئًا لشخصيات كرتونية محبوبة من عالم سبيستون، ليرحب بالصغار والكبار على حد سواء.

المهرجان يحتوي على محتوى ترفيهي أضخم وعروض حية مبهرة (‏محمد الحناكي @lutf1414 على إكس)

ولا تكتمل الجولة من دون المرور بسوق المهرجان الثقافي، الذي يمتلأ بالألعاب الحصرية، والأزياء ذات العلامات التجارية، والتذكارات الخاصة. ويمكنك اصطياد قطع فريدة بأسعار مميزة، خصوصًا في الصباح الباكر.

التسهيلات والخدمات للزوار

لمنع أي ازدحام خلال عطلات نهاية الأسبوع، يُنصح بالحجز المسبق لتفادي الازدحام، خاصة في عطلات نهاية الأسبوع وأوقات الذروة، عبر المنصات الإلكترونية المخصصة .

ويقدم المهرجان لزواره خدمات متنوعة حيث، توفر مناطق مريحة للجلوس والاستراحة، ومقاعد مخصصة للعائلات، بالإضافة إلى صالة كبار الزوار التي تقدم وجبات خفيفة فاخرة، ومقاعد مريحة، ومحطات مجانية لشحن الهواتف.

ويمكن زيارة "شارع الطعام" في الطابق الأول لتجربة وجبات متنوعة تناسب كل الأذواق، بما فيها الأطباق البحرينية الخفيفة التي تستحق التجربة.

المهرجان يوفر خرائط وتطبيقات تفاعلية بمكتب الاستعلامات ويمكن اصطحاب الأطفال (ماي هوليديز)

كما يمكن للعائلات التي تصطحب أطفالًا صغارًا، ويمكن استئجار عربات أطفال من المدخل الرئيسي، مما يسهل التنقل داخل أروقة المهرجان. كما تتوفر حافلات نقل مجانية من الفنادق الشهيرة ومحطات الحافلات الرئيسية، لتسهيل الوصول دون عناء البحث عن مواقف السيارات التي قد تكون مزدحمة في بعض الأوقات.

ولمساعدة الزوار على استكشاف كل زاوية، تُوفر خرائط المهرجان وتطبيقات تفاعلية في مكتب الاستعلامات. ولا تنسَ الحصول على واحدة منها عند وصولك لاكتشاف المناطق المخفية والمفاجآت المنتشرة في الأرجاء.

الأثر والمكانة الإقليمية

نجح مهرجان البحرين للألعاب في ترسيخ موقعه كواحد من أبرز الفعاليات العائلية الصيفية في الخليج، ومع التوسّع المستمر في محتواه ومساحته، أصبح المهرجان جزءًا من إستراتيجية الترويج لمملكة البحرين كوجهة سياحية صيفية تجذب الزوار من دول الخليج، خصوصًا للباحثين عن فعاليات داخلية في مواجهة حرارة الصيف.

وهكذا، لم يعد الصيف مرادفًا للهروب من الخليج، بل أصبح فرصة لاكتشافه من جديد. ومع تزايد المهرجانات والفعاليات المصممة بعناية، تتحول مدن الخليج إلى مسارح نابضة بالحياة، ووجهات سياحية تستقطب أهل الخليج قبل سواهم.

ومع تصاعد دور هذه الفعاليات كأدوات إستراتيجية لتنشيط السياحة الإقليمية، يتكرّس استثمار جديد في الترفيه الخليجي يراهن على المناخ والثقافة، والطبيعة، حيث تبذل الهيئات السياحية في دول الخليج جّل طاقتها لتحويل الصيف إلى موسم سياحي داخلي بطابع محلي لا يقل تنوعًا أو إبهارًا عن الوجهات الخارجية، وتوفر لأهل الخليج وزواره ومقيمه بدائل مبتكرة وخيارات ترفيهية متجددة تناسب الذائقة السياحية الخليجية.

مقالات مشابهة

  • العربية للطيران تزيد عدد رحلاتها المباشرة إلى بانكوك
  • غدًا.. «أصحاب الأرض» على مسرح ميامي ضمن المهرجان القومي لـ المسرح
  • كيف تعيد فعاليات الصيف رسم خريطة السياحة الخليجية؟
  • ملتقى مالي للشعر العربي الرابع يحتفي بمبدعي لغة الضاد
  • اليوم.. تكريم ميمي جمال ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح
  • وكيل إمارة منطقة الجوف يفتتح مهرجان "خيرات الجوف" الرابع
  • طلبة دولة قطر يناقشون الهوية الثقافية في البرلمان العربي للطفل بالشارقة
  • أمسية خليجية تسدل الستار على فعاليات مهرجان ظفار الشعري الثاني
  • «أنا كارمن» يُشارك في فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان المونودراما المسرحي
  • اليوم.. انطلاق مهرجان خيرات الجوف الرابع بسكاكا