أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري

أوّلا وقبل كلّ شيء ..، أشير إلى النصّ التمهيدي الذي حبّره الكاتب كافتتاح لمتنه السردي، لأنّه طافح بالحقيقة الشعرية التي طالما أخفاها الكتّاب وقالوا لنا كلاما جميلا نعم ..لكنّه خال من جرح المعرفة وألم البحث وسكينة الرضوخ لحقيقة من بين آلاف الحقائق ..، حقيقة لي مدّة لم أطأ عتبة نصّ كهذا .

.والأجمل من كلّ ذلك أنّه لمبدع خليجي وسعودي ..والصدفة في عالم التواصل الافتراضي قادتني إليه ..، إذن مرحبا بالكاتب عبد الله ناجي وبمجموعته ” كائنات الحجرة المظلمة ” ..وقد افتتحها كأرقى افتتاح ..، لكم أيها القراء مقطع منه :
” أقبلت جميع الموجودات، وانتظمت حول الطاولة المستديرة،وماهي إلا لحظات حتى ارتفعت الأصوات حول تلك الطاولة، كلٌ يرسم للحقيقة شكلًا ما، ويصبغها بلونٍ ما، وأثناء ذلك الصخب الكوني تدحرجت الحقيقة من فوق الطاولة، ولم يشعر بها أحد…”


ثمّ جملة أخرى ..لا أريد أن تبقى في الورقة داخل الكتاب ..فهي تعني لي الكثير ..، أعتقد أنّ الكاتب تخلّى عن صفته ليسترجع لبعض الوقت صفة الشاعر ..وأنا أوافقه في كلّ شيء لمّح إليه ..فلا معنى للكتابة إلاّ إذا كان محبّرها صاحب وعي خطير وله دراية بما يقوله:
” وكلما امتلأ المخطوط بالقصائد، محا ذلك الشاعر العجوز بعض أوراق مخطوطه، وكتب عليها قصائد أخرى جديدة..”


” الوحدة ” عنوان عتبة ثانية لدخول النصّ ..، التوغّل في ظلام الحجرة والسقوط في عمق النفس ..الدخول في هوّة سحيقة ..ولم تعد حجرة ماديّة فقد ارتفعت بتمامها أرضا وسقفا وجدرانا ..، وولج الكاتب إلى الظلام السميك ..، ومن هنا نستطيع القول أنّ دخول الكاتب في فكرة النصّ كانت ناجحة وجيّدة ..
” ضممت ركبتيّ إلى جسدي، وأحطت ذراعيّ بهما حتى ألتصقُ بنفسي..
وتكتمل وحدتي النفسية والجسدية..”

في ” النفق ” بدأ مرحلة الهذيان وسؤال النفس عن سبب واحد للبقاء في الظلام..، أما أنا فقارئ شغوف بمواصلة هذه الرحلة داخل هذه النفس البشرية ..وأشهد أنّها ممتعة وشيقة وتتفتّح شيئا فشيئا ..عن عالم غالبا ما فكّرت فيه ..دون أن أعزم على الكتابة عنه ..، المهمّ أنّ كاتبا آخر وهو شقيق في الدم والأصل ..تصدّى لهذا الأمر :
” …على أية حال كنت، فإنني لا بد أن أصل، كل ما هو مطلوب مني الآن هو الاستمرار في التحديق، والاستمرار في الحديث، أو في الهذيان، حتى ينفذ البصر وتتجلى الرؤية…”

” الاختباء ” فاصل لتذكّر ما كان من هذه الحياة ومن الكاتب زمن طفولته ..، هلعه من البرق ثمّ حرق إصبعه من لهيب الشمعة ..ثمّ حادثة سقوطه من أيدي إخوته وهو في صندوق الكرتون ..وهم فوق سطح البيت ..، خلاصة القول هرب إلى ذاته بعيدا عن الظلمة التي تزداد سُمكا وهيمنة وسلطانا:
” بدأت أختبئ من كل مخاوفي، وفيما بعد أدركت بأن كثيرا من تلك المخاوف لم تكن سوى أوهام، ولكنني بالرغم من تلك المعرفة لم أستطع التخلص منها نهائيًا، وشعرت بأن المعرفة قد لا تخلصنا من مخاوفنا، بقدر ما تقربنا منها وتلمّع صورها المخيفة في أحداقنا ونفوسنا ”
” الخوف ” موضوع هذه الفقرة ..وفيها تساؤلات كثيرة عن أسباب الخوف وهلعنا من التلاشي والفناء ..، يمكنني أن أحدس أنّ الكاتب اختار من هنا فصاعدا أن يتحدّث في مواضيع أخرى ..إضافة إلى الظلمة ..لكي يستطيع السرد ..، فالكلام عن موضوع واحد بصفة تامة متعب ومستهلك ..، ولقد خرج من هذا الفاصل بحقيقة دامغة ..، يقول :
” الموت هو الكامن وراء الخوف، هذا ما تقوله ليّ أحاسيسي ومخاوفي، وهذا ما حملتني إليه أفكاري وهواجسي ..”
نصل الآن إلى ” الخلود ” ، يتطرق إليه عبد الله ناجي من جميع الأفكار التي تستحوذ علينا جميعا، وينطلق إلى فكرة العيش بلا نهاية ..وإلى الأبد ..، ويحقّ له أن يتساءل عن طعم الخلود بذاك الشكل ..، ثمّ ألا نملّ أو نكلّ من القيام بنفس الأفعال إلى الأبد ..؟، خلاصة القول بالنسبة للكاتب ..، يقوله في فقرة نقتطعها لكم :
” إنّنا الخالدون الفانون، هذا أعظم ما صنعه الإنسان، أن يخلد في فنائه، إنها معجزته، بل ما أكثر معجزاته، ستخلده كلماته، فنه، نحته، نقشه، ومعماره، وكلّ ما له معنى تشترك فيه الإنسانية جمعاء، باختلاف لغاتها وألوانها وشعوبها ومذاهبها.
وعلى الرغم من كثرة معجزاته، فإن أعظم معجزة للإنسان- إن كان هو صانعها- هي الحب.”

يلي ذلك محطّات عديدة فنقرأ عن الحب فاصلا يختتمه بأبيات شعرية، ثمّ تتّابع المواضيع فنوغل في الجسد ـ المرأة ـ فالألم واللذة ..إلخ ، إلى أن يصل السرد إلى ” سيرة الروح ” أين شَعر المبدع بأنّه كان يكتب سيرة روحية بينما يسير في ذلك النفق ..والملاحظة أنّه لجأ إلى تطعيم نصوصه بالشعر البديع الصافي ..، وآخر ما نقرأ في هذا الكتاب :

” وفي صدري لك الأنفاسُ
والأشواقُ تحتشدُ
أحبُّ..
لأنني في الحبِ
يا مولاي أتّحدُ “

أبواب وفواصل كثيرة تقسّم كتاب ” كائنات الحجرة المظلمة ” ، حاولت قدر الامكان خلال قراءتي تلخيص ما ورد فيها من معان راقية ..، وأنصح السادة القراء باقتناء هذا الكتاب فقد بذل عبد الله ناجي جهدا كبيرا في صياغته وإخراجه على هذا الشكل البهيّ ..ففيه الكثير والكثير ممّا لم نقله ولم نلمّ به ..، ختاما أشكر أثير على الفرصة التي أتاحتها لي بالبحث والتمحيص عن كتب قيّمة وذات فائدة ..فاطلعتُ على ” كائنات الحجرة المظلمة ” …

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

يُعد يوم الجمعة من أعظم الأيام عند الله تعالى، ويحرص المسلمون على اغتنام فضائله وعباداته، ومن أبرز السنن المؤكدة في هذا اليوم قراءة سورة الكهف. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين». وتأتي هذه السورة المباركة بمثابة حماية للمسلم من الفتن، ووسيلة لتعزيز الإيمان والتقوى، وتذكير بقدرة الله وعظمته في كل جوانب الحياة.

 

قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ليست مجرد سنة للخشوع الروحي، بل لها آثار عملية في حياة المسلم اليومية، فهي تمنح القلب الطمأنينة، وتذكر الإنسان بأهمية الصبر على الابتلاءات، وتؤكد على قيمة التمسك بالحق واليقين بالله. ويستحب قراءة السورة كاملة، مع تدبر معانيها وفهم الحكم والعبر التي تتضمنها قصصها، مثل قصة أصحاب الكهف، وقصة موسى والخضر، وقصة ذو القرنين، لما فيها من دروس في الثبات على الحق، والاعتماد على الله، وأهمية المعرفة والرحمة.

كما يُستحب الدعاء بعد الانتهاء من القراءة، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودمج هذه العبادات مع أعمال الخير والصدقة، لتعظيم الأجر والثواب في هذا اليوم الفضيل.

 

جدول فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

 

الفضل أو الميزةالوصف التفصيلي
النور بين الجمعتينقراءة السورة يوم الجمعة تضيء للإنسان ما بين الجمعتين
الحماية من الفتنتعطي السورة حماية من الفتن الكبرى والصغرى
الثبات على الحققصص السورة تعلم الإنسان الصبر والاعتماد على الله
تدبر معاني السورةقراءة مع الفهم تزيد من الحكمة واليقين بالله
ذكر الله والصلاة على النبيالإكثار من الذكر والصلاة بعد القراءة لتعظيم الأجر
تعزيز الإيمان والطمأنينةتمنح قراءة السورة شعورًا بالسكينة والطمأنينة النفسية
التذكير بقدرة الله وعظمتهالقصص والأحداث في السورة تذكر المسلم بعظمة الله في الكون والحياة
دعاء بعد القراءةاستحضار النية للدعاء الشخصي والعام بعد الانتهاء من السورة
تحفيز الأعمال الصالحةالجمع بين قراءة السورة والعمل الصالح كالصدقة يزيد الأجر
تذكير بقيمة الصبر والاعتماد على اللهقصص أصحاب الكهف وموسى والخضر وذو القرنين تعلم الصبر والاعتماد على الله

قراءة سورة الكهف يوم الجمعة فرصة لإحياء سنّة عظيمة تقوي الروح، وتمنح المسلم توازنًا بين العبادة والتأمل، وتذكّره بأن الاعتماد على الله والتمسك بالحق هو الطريق للنجاة والطمأنينة في الدنيا والآخرة.

 

مقالات مشابهة

  • وزير السكن يأمر بإتمام الأشغال بمشروع 10507 مسكن “عدل” سيدي عبد الله
  • اكتشاف كائنات جديدة لافتة في موقع تعدين بالمحيط الهادي
  • قصة الفتاة التي بكت وهي تعانق البابا لاوون في بيروت
  • عطال: “لدينا الوقت الكافي للتحضير لكأس العالم 2026”
  • الأهلي يقدم عرضه الأخير لعبد القادر بـ17 مليون جنيه وينتظر الرد
  • «العظمة» هي ما يسعى إليه ترامب في حرب فنزويلا
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تخطف الأضواء في حفل زفافها بوصلة رقص رومانسية مع عريسها على طريقة “سلو” على أنغام أغنية خاصة قدمتها لها زميلتها صباح عبد الله
  • مجموعة “ان ار ار تي سي” تستحوذ على شركة “رايب أورجانيك”
  • قراءة في “هآرتس” العبرية: مقتل أبو شباب يوضح أن القيادة القادمة في غزة لن تولد بإملاء إسرائيلي
  • فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة