مُفاجأة المورال في الزُرُق .. بين الأهداف والنتائج
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
في كل الأحوال، فإن العملية المُفاجئة التي شنّتها القوات المشتركة في قاعدة الزُرُق العسكرية -منطقة ها مي- عملية مفصلية في مسار الدفاع عن الدولة والحفاظ على سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها من التقسيم والتفكيك وبقاء وعودة السودانيين لأرضهم، ونتائجها التي انكشفت خلال الأمس واليوم تقول بأن نتائجها قد تكون فاقت الأهداف وتوقعات القيادة العسكرية.
أعتقد أن أهم نتائج عملية مُباغتة مليشيا أبوظبي والسيطرة على قاعدة الزُرُق من الجوانب السياسية والعسكرية هي:
– تهدّم كامل بناء أسطورة المليشيا الإعلامية -التي بنتها بمساعدة سياسييها- خلال العام الماضي بأنها تُسيطر على كامل الإقليم ما عدا مدينة الفاشر التي ظلّت تُحاصرها وتُهاجمها ليل نهار وتُهجّر منها المدنيين، وكل ما تحتاجه هو احتلال الفاشر لتُعلن فصل دارفور وتشكيل حكومة انفصالية، وظلّت فاشر السلطان صامدة بجيشها ومشتركتها ومواطنيها،بل وينفتحون خارجها في كل الاتجاهات.
– تأكد يوم أمس أن الدولة طالما تستطيع أن تصل معقل المليشيا العسكري وأن تسيطر عليه بشجاعة وبسالة مُدهشة، فهي تستطيع الوصول لأي مكان في دارفور، وصار التفكير في حكومة إنفصالية داخل مناطق انتشار المليشيا مسألة انتحارية وذات كُلفة عالية للغاية، فإذا لم يصلك الطيران الحربي، سيصلك أبطال المورال ومن ورائهم أبطال متحرك الصيّاد ومعهم أبطال الغربية.
– تلقى خطاب تقسيم السودان بدواعي عنصرية مقيتة ضربة قوية لصالح نزعات وتمظهرات قومية وحدوية وطنية، والأول خطاب أعتبره وجه آخر لوجه لمليشيا، وكليهما عُملة يتم تحريكها من ذات المركز الاستخباري الذي يُحارب الدولة السودانية. فرح الناس الحدسي التلقائي وتفاعلهم مع انتصارات المشتركة والمورال، وبعضهم كان يسمع عن منطقة “الزُرُق” لأول مرة في حياته، ولكنها الوطنية السودانية الجديدة التي تتشكل في سياق حرب الدفاع عن الدولة والسيادة، وهي وطنية تتجذّر كل يوم في قيم السيادة ووحدة التراب السودان وبقاء الدولة ورفض الاستتباع، هذا الاندفاع والحماس الوطني الصادق يجب تطويره والبناء عليه وتنظيمه.
– نفسياً واجتماعياً، فقد كانت المُفاجأة والمُباغتة إعلان لمن احتلّ الأرض وطهّر أهلها منها وطردهم من بيوتهم وأرض أجدادهم، وأن صاحب الأرضه سيعود ليُطالب بحقّه مهما ظنّ ال مُحتلّ أن الدنيا دانت له، وقد رأينا الهلع والخوف في عيون والد المُجرم حميدتي وهو يتحدث بنبرة مرتجفة مدركة أن ما هو وأخيه جمعة فيه اليوم إنما قام على إبادة آخرين واقتلاعهم من جذورهم وحرمان جيل كامل من حقوقه، وهذه معركة سيخوضها آل دقلو وحدهم من دون بقية مكونات المليشيا.
– عسكرياً، وبجانب جذب أعداد كبيرة من الجنجويد لأزض قتل للطيران الحربي، فقاعدة الزُرُق مخزن ذخيرة ووقود ولوجستيات أخرى ضخم، تتشوّن منه قوات المليشيا التي تحاصر الفاشر ومناطق أخرى، وقامت المشتركة بسحب هذه اللوجستيات وتحييد ما قامت بتحييده منها. نتذكر أن الزُرُق هي القاعدة التي استجلبت منها المليشيا مدرعاتها للخرطوم، واستعرضها المُقيم بأبوظبي/حميدتي في شوارع الخرطوم أول أبريل ٢٠٢٣ ليُهدّد بها الدولة حتى يكتمل الإطاري ويُقنّن وضع المليشيا كجيش موازي للجيش الوطني يتبع لرئيس غير مُنتخب تُعيّنه ذات الشخصيات التي ثبت استتباعها وخدمتها لأجندة أبوظبي الكولونيالية في السودان.
– لا أتوقّع أن القوات المشتركة ستتمسك بالأرض بعد أن حقّقت أهدافها العملياتية وزيادة، وأعتقد أننا موعودون بتطوير لهذه العمليات الهجومية المُباغتة وانفتاحات في مواقع مختلفة من الإقليم حتى تحريره بالكامل، فالدولة استعادة عنصر المُبادئة والمُبادرة وانتقلت من الدفاع للهجوم، وهذا تطور استراتيجي كبير في دارفور، وقد شهدنا ونشهد مسار انتقال الدولة من الدفاع إلى الهجوم في ولايات الوسط والعاصمة.
– تأكّد كذلك أن إدارة الدولة للمعركة عسكرياً فيها قدر عالي جداً من الكفاءة الاستراتيجية في التخطيط وتوزيع اللوجستيات ومرحلة العمليات وفق الأهداف الكُليّة للقيادة، وذلك وفق الموارد المحدودة جداً المتوفرة للدولة، في مقابل الموارد غير المحدودة التي تُسخّرها أبوظبي سواء عسكرياً أو سياسياً أو إعلامياً أو دبلوماسياً لكسر الدولة السودانية، وبالعدم تقسيمها، وذلك أمر يبعث على الفخر الوطني.
– كشفت المعركة عن نجاح استخباري مُثير للإعجاب في عدم انكشاف الهجوم، فقد تحرّكت القوة المشتركة في صحراء مفتوحة لعشرات وربما مئات الكيلومترات حتى باغتت المليشيا في معقلها، ودون أن يكون هناك خرق استخباري أو أن تلطقتها مسيرات أم جرس الإستراتيجية، وهذا يدل على درجة المِنعة الوطنية والمخابراتية التي وصلنا إليها، وذلك في ذاته مؤشر لتجذُّر التعريف الوطني للحرب باعتبارها ضد غزو خارجي يكون التعاون معه أقوى درجات العمالة والخيانة.
كسرة:
من سخرية الأقدار أن وحدة وتماسك الذراع السياسية للمليشيا “تقدم” صارت معتمدة تماماً على تقطيع الدولة وبالقوة العسكرية لأوصال مليشيا أبوظبي في دارفور، بحيث يتم تصبح فكرة تشكيل حكومة إنفصالية في مناطق انتشار المليشيا عملية انتحار جسدي .. ولكن ربما تكون تعليمات الكفيل صارمة بحيث تتشكل “حكومة منفى”! ربما!
أحمد شموخ
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الز ر ق
إقرأ أيضاً:
بعض الأجيال الحالية بلا أهداف
لكل جيل من الأجيال أهداف مهمة في حياته يرتبط تحقيقها بإطار زمني محدد تبدأ معه من المراحل الدراسية المختلفة وخاصة في مرحلة الثانوية العامة التي أصبحت في المملكة بنظام المسارات التخصصية التي تُحدد هدف التخصص الجامعي الذي يرغبه، ثم التخرج من الجامعة في سن محددة (كمثال 22 عاماً) ثم التوجه إلى سوق العمل أو إكمال الدراسات العليا التي قد تمتد لثلاث أو أربع سنوات بحد أقصى، ثم الزواج في سن الثلاثين والإنجاب، ثم هدف تملك منزل في سن الخامسة والأربعين مثلاً، والبعض منهم تكون له طموحات أخرى كتأسيس عمل تجاري بدلا من الوظيفة خاصة مع تعدد وسائل التكنولوجيا وظهور التطبيقات الجديدة والتجارة الإلكترونية وغيرها من الخدمات العصرية الحديثة.
بلا شك أن الأهداف تجعل لحياة الإنسان معنى كبير وتقوده لحياة سعيدة بإذن الله وطريق واضح ومعروف نهايته ونجاح باهر، لكن المشكلة تكمن في بعض أفراد هذا الجيل الذي ليس له أهداف واضحة أو محددة، وعندما تسأل أحدهم عن أهدافه تجِدَه يقول: لا أعلم، أو لم أُحدِّد أهدافي بعد، أو الكلمة التي تعودوا عليها: سأتركها على الله.
بالطبع لكل مرحلة عمرية ما يُميزها وطريقة خاصة للتعامل معها، خاصة إذا شعر الأبوين أن الطفل أو المراهق لا يعرف ماذا يُريد ولم يفكر أصلا في وضع أهدافاً له في المستقبل، هنا لابد من المبادرة لتعليم الأبناء كيفية وضع الأهداف المستقبلية والسعي لتحقيقها بخطوات متتابعة لأن الطفل لو تدرَّب على وضع أهداف وتذوَّق حلاوة تحقيق النجاح، سوف تكون له عادةً وقاعدةٍ عند النضوج، خاصة إذا كانت هذه الأهداف من اختياره وملائمة لرغباته ستكون فرص النجاح والتحقيق لديه أكبر من غيرها، مع عدم تخلِّي الوالدين عنهم ومساعدتهم بالتوجيه السليم والنصائح المفيدة والمتابعة الدقيقة والدعم القوي بحيث تتناسب أهدافهم مع شخصياتهم وميولهم وفتح باب المناقشة والحوار لمعرفة الصعوبات والمشاكل التي يواجهونها في تحقيق الأهداف ومحاولة إبعادهم عن أصدقاء السوء وأصحاب الطاقات السلبية ومصاحبة الأخيار وذوي الطموح العالي، والأهم من ذلك هو التشجيع المعنوي (والمادي إن أمكن في حدود مُحكمة) عند تحقيق الأهداف مع كل مرحلة عمرية، خاصة في سن المراهقة.
إن من أهم عوامل تدريب الأبناء على تحقيق الأهداف هي وضع أهداف يومية تقودهم لمعرفة قيمة وأهمية الوقت واستغلاله والالتزام به وتوجيه طاقاتهم للجوانب الإيجابية لتحويل الكسل والخمول إلى نشاط وحيوية وتطوير مهاراتهم الاجتماعية وإثراء ثقافاتهم القرائية وإتقانهم لحل المشكلات والتفكير في إيجاد حلول مناسبة لها وتخطي المصاعب، مما يزرع الثقة في نفوسهم ويشعرهم بالمسؤولية والاستقلالية والاعتماد على النفس الذي يساعدهم على الالتزام بتحقيق الأهداف.
مما أصابني بالدهشة والإعجاب أنني قرأت أن اليابان قد خصصت مدينة للأطفال تقوم بتدريبهم عملياً على تجربة 80 وظيفة مختلفة كالطبيب والمهندس والطيار ورجل الأمن والإعلامي وعامل المحطات والكهربائي وغيرها من الوظائف العملية التي تهدف إلى نجاح الطفل الياباني ومساعدته في تحديد أهدافه واختيار مسار مستقبله الوظيفي على أرض الميدان من واقع الممارسة الفعلية لهذه الوظائف.
وأختم بأهمية قرب الأبوين من الأبناء ومعرفتهم بنقاط ضعفهم وقوتهم وإمكاناتهم عند تحديد الأهداف المطلوبة والتركيز على الجهد المبذول منهم والتقدم نحو أهدافهم قبل النظر إلى النتائج النهائية، وعدم مقارنتهم بالآخرين الذي قد يُسبب لهم الإحباط ويفقدهم الثقة في أنفسهم، مع تقديم الدعم الكامل لهم خاصة عند التعثر أو الفشل “لا قدر الله” والتعلم من أخطائهم وحثهم على عدم تكرارها، والابتعاد عن النقد الجارح والقاسي وتحفيزهم لمحاولة التكرار وعدم الاستسلام للفشل من أجل النجاح وضبط التوقعات الواقعية لهم دون السعي للكمال وعدم مطالبتهم بسرعة تحقيق الأهداف، وهذا يعني أن الآباء أيضا لهم أهداف واضحة ومحددة في صناعة أجيال تُجيد وضع الأهداف والتخطيط لها وتحقيقها حسب المراحل العمرية لخدمة الدين والوطن كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام “كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ” (أخرجه البخاري).