التوغل الصهيوني في الجنوب السوري يسعى لتحقيق الحلم التوراتي
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
عبدالسلام التويتي
لقد دأب الكيان الصهيوني -منذ ظهوره إلى الوجود قبل أكثر من 7 عقود- على التهام التراب الفلسطيني والتوسع المستدام -بمساندةٍ غربية- على حساب دول الجوار العربية، في مسعى منه إلى تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» الذي صار -بالنظر إلى توغله في جنوب سوريا بعد سقوط الأسد- في حكم المؤكد.
ممر «داوود» بداية الحلم المنشود
إذا كان البعض ما يزال يبرر لـ«الكيان الصهيوني» ما يرتكبه من جرائم وحشية ومستفزة -منذ 15 شهرًا- في حق أطفال «قطاع غزة»، ويوجه اللوم للمقاومة الفلسطينية لاجتراحها ملحمة «طوفان الأقصى»، على اعتبار أنها أعطت «نتنياهو» المبررات اللازمة لارتكاب جرائمه وإعادة احتلال «القطاع» بصورة دائمة، فإنَّ ممارسة حكومة «نتنياهو» الاستيطانية في «الضفة الغربية» تبرهن بجلاء على خطأ تلك التبريرات الغبية، فكل المؤشرات التي سبقت «الطوفان» كانت دالة على أنَّ الهجوم على «قطاع غزة» كان قادمًا لا محالة، فضلًا عن أنَّ «نتنياهو» لا يحتاج -لارتكاب ما يرتكبه في حق الشعب الفلسطيني والمحيط العربي من منكرات- أية مبررات، بقدر استناده إلى آيات توارتية مفتريات تعطي قومه حق السيطرة على ما بين نهري «النيل والفرات»، وليس أدلّ على ذلك من اتخاذه حادثة سقوط نظام «الأسد» في سوريا التي لم تُطلق منها -منذ اندلاع «طوفان الأقصى»- طلقة واحدة فرصة سانحة لقصف كل ما تمتلك الجمهورية العربية السورية من منشآت عسكرية وذخائر وأسلحة، وليس هذا فحسب، بل سارع إلى توجيه قواته باختراق الحدود واحتلال مئات الأميال من الأراضي السورية بكل ما تمثله تلك الاعتداءات السافرة والإجراءات الاحتلالية من انتهاكٍ صارخٍ للقوانين الدولية.
ولا يمثل احتلال ل«جبل الشيخ» وريف «القنيطرة» السوريين سوى خطوة أولى لتعبيد «ممر داوود»، فقد قررت حكومة «نتنياهو» بمساندةٍ ترامبية ومباركة غربية -وفق ما أورد «دندراوى الهوارى» في سياق مقاله المعنون [6 مشاهد كاشفة لتنفيذ مشروع «ممر داوود» في سوريا لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»!] الذي نشره موقع «اليوم السابع» منتصف ديسمبر الجاري- (تنفيذ مشروع «ممر داوود» من النهر «الفرات» إلى البحر «الأبيض المتوسط» مرورًا بدرعا والسويداء، والرقة، ودير الزور، والبو كمال، والتنف، وحتى الجولان.. وسيربط إسرائيل بالفرات، ويطوق الحدود العراقية، وسيشكل منفذا بريا لإسرائيل يفض عزلتها وحصارها، بجانب أهميته كطريق تجارى، يزيد من الحركة التجارية، وتقام فيه مشروعات للطاقة، بجانب المشروعات السياحية، ويعزز من قوة إسرائيل العسكرية، ويوسع من دورها الإقليمي، ويشكل ضغطًا كبيرًا على العراق ثم تركيا).
وبالرغم من الأهمية الاستراتيجية للممر، فإنه مجرد خطوة مرحلية على طريق تحقيق النبوءة التوراتية المؤكِّدة على حق الكيان المسمى «إسرائيل» في امتلاك كافة الأراضي الواقعة بين نهري الفرات والنيل.
خطوات تترى نحو تحقيق «إسرائيل الكبرى»
مع أنَّ مصطلح «إسرائيل الكبرى» قديم قدم فكرة تأسيس دولة «آل صهيون» وفق رؤية توراتية، فقد أرجئت مهمة تنفيذها حتى تتهيأ الظروف الإقليمية والدولية المواتية، وهي الآن متهيئة أكثر من أيِّ وقتٍ آخر، ومن مظاهر تهيؤها مجاهرة بعض الحكام العرب بتصهينهم ومساندتهم دولة «الكيان» في ما تخوضه من حرب وتبوئ المعتوة «ترامب» الذي يرى ضرورة توسع مساحة «إسرائيل» أخطر منصبٍ في عالم الغرب، ولعل آخر حكومات «نتنياهو» المتطرفة هي الأجرأ في اتخاذ خطوات ملموسة باتجاه تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»، وتمثلت أولى تلك الخطوات في توسيع رقعة حربها لتشمل -إلى جانب «قطاع غزة»- الضفة الغربية ولبنان وأخيرًا سوريا، التي تنبأ الكاتب «ديمتري نيفيدوف» بحقيقة استهدافها بشكلٍ مباشر قبل 3 أشهر.
وقد أشارت إلى الشروع في تنفيذ هذا المشروع الكاتبة الأردنية «إحسان الفقيه» في سياق مقالها التساؤلي المعنون [هل بقي مِن شك في مشروع «إسرائيل الكبرى»؟] الذي نشرته جريدة «القدس العربي» في الـ10 من نوفمبر الفائت بقولها: (الأحداث منذ السابع من أكتوبر، تؤكد أن التوسع خارج حدود فلسطين وإقامة دولة إسرائيل الكبرى هو من صميم العقيدة الصهيونية التي تتبناها الحكومة اليمينية المتطرفة.
وهناك حزمة من الدلائل تعزز القول إنَّ هناك توجهات إسرائيلية للتوسع خارج حدود فلسطين ضمن مشروع إسرائيل الكبرى).. وكل ما يحدث من توسعات صهيونية مستندٌ إلى نصوص دينية، وهذا ما أكدته الكاتبة قائلةً: (فـ«دانييلا فايس» واحدة من أهم القيادات المتطرفة ذات العلاقة الوثيقة بمخططات استيطان الضفة، وتكوين ميليشيات من متطرفي المستوطنين، تنادي علانية بمشروع إسرائيل الكبرى، فتقول: «حدود دولة اليهود هي الحدود التي وعد الرب بها إبراهيم: من الفرات إلى النيل»، وتعني بذلك ما ورد في سفر التكوين: «لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات». كما أكدت فايس على أنَّ هذه الحدود تشمل أراضي من دول أخرى، وأنَّ كتابهم المقدس هو الوثيقة الوحيدة التي يعتدون بها).. وممَّا هو مأخوذٌ بالحسبان أن تشمل دولة «إسرائيل الكبرى» -في ضوء الخرائط التي يعرضها مسؤولو الكيان- أجزاء من مصر والعراق والسعودية وسوريا بالإضافة إلى فلسطين والأردن ولبنان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: إسرائیل الکبرى
إقرأ أيضاً:
الوهمان.. "إسرائيل الكبرى" و"حل الدولتين"
عبدالنبي الشعلة **
هل نحنُ أمام حرب أوهام أم أمام وجه آخر من وجوه الحروب النفسية؟ فحتى الإسرائيليين أنفسهم، بما في ذلك أكثر التيارات تطرفًا، يدركون استحالة تحقيق مقولة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"، لأنَّها في جوهرها ليست إلا خُرافة توراتية أُعيد استدعاؤها واستخدامها كغطاء ديني مُؤقّت لخدمة أهداف سياسية واستيطانية بحتة.
وإذا كان الإسرائيليون قد وظّفوا هذا الشعار كسلاح في معارك الحرب النفسية بهدف إنهاك العرب وقتل إرادتهم وشلّ عزيمتهم، فإنهم- للأسف- نجحوا في ذلك أيّما نجاح. فقد تحوّل هذا الوهم إلى فكرة راسخة تتردّد في الخطاب العربي وكأنَّها حقيقة قدرية، فأصبح الخوف منها أشبه بظلّ ثقيل يسكن الوعي الجمعي، حتى صار العرب ضحايا لوهم صنعه غيرهم، لكنهم هم الذين احتضنوه وسمحوا له بأن يستقر في عقولهم ووجدانهم. وما ترتّب على ذلك من شلل نفسي وسقوط معنوي كان أحد العوامل التي مهّدت لهزائم كبرى، أبرزها الهزيمة القاسية في حرب 1967.
وهنا مكمن الخطر؛ أن يتحوَّل الوهم إلى بوصلة، والخرافة إلى حقيقة، والتهويل إلى قدر. وقد نبّه كبار الفلاسفة والحكماء إلى أنَّ الإنسان قد يصنع سجنه بنفسه حين يستسلم لفكرة لا أصل لها. قال أفلاطون: "الناس سجناء أوهامهم"، وقال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال: "ما نصدّقه هو ما يصنع حقيقتنا". أما جورج برنارد شو فذهب أبعد حين قال: "العقل يخلق الحقيقة، حتى لو كانت وهمًا". وهكذا، كثيرًا ما تهزم الشعوب نفسها قبل أن يُهزم جيشها.
إنَّ خرافة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل" لم يقتنع بها مؤسسو إسرائيل الكبار أنفسهم. فحاييم وَايزمان وديفيد بن غوريون قبِلا قرار الأمم المُتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين، الذي منح اليهود 57% فقط من الأرض، ولم يُطالبا بالنيل أو الفرات.
وفي حرب عام 1956 وصلت القوات الإسرائيلية إلى ضفاف قناة السويس، أي على بُعد أقل من 150 كيلومتر من نهر النيل، لكنها انسحبت بالكامل بعد ذلك إلى حدود 1948. والشيء نفسه تكرر في حرب 1967 حين بقيت إسرائيل على الضفة الشرقية للقناة لست سنوات قبل أن تعود إلى حدودها المعترف بها بعد هزيمتها في حرب أكتوبر 1973 وبموجب اتفاقية السلام مع مصر، وهي حدود لم تشمل يومًا نهر النيل. كما اعترفت إسرائيل والتزمت دوليًا بحدودها مع الأردن في معاهدة وادي عربة عام 1995، وهو اعتراف قاطع يُسقط أي زعم إقليمي توسعي تجاه الشرق.
والأهم من ذلك أنَّ إسرائيل، بكل قوتها العسكرية والتكنولوجية ودعم الولايات المتحدة، عجزت عن السيطرة على قطاع غزة المحاصر الصغير ذي الـ2.5 مليون نسمة طوال أكثر من عامين من القتال المُستمر منذ 7 أكتوبر 2023. فكيف يمكن لدولة يقطنها 7.2 مليون يهودي فقط، ويشاركهم داخلها 2.1 مليون عربي فلسطيني، أن تسيطر على أراضٍ تمتد بين وادي النيل والفرات يسكنها أكثر من 150 مليون شخص؟
إن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تدرك هذه الحقائق جيدًا، وهو ما يفسر الخلاف الواسع داخل إسرائيل حول هذه الخرافة، واعتبارها مجرد شعار يلوّح به المتطرفون بعد هزات نفسية كبرى مثل أحداث 7 أكتوبر 2023. والمفارقة أن العرب، بخضوعهم النفسي لهذا الوهم واستعدادهم لتصديقه، أسهموا في تغذيته وإعطائه حجمًا أكبر مما يحتمل، حتى أصبح مادة تعبئة وتجييش داخل التيار الإسرائيلي الأكثر تشددًا وتطرفًا.
أما الوهم الآخر فهو "حل الدولتين"، بالصيغة التي يفهمها العرب والفلسطينيون: دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة تكون القدس الشرقية عاصمتها. لقد أصبح هذا الحل، الذي كان ممكنًا في تسعينات القرن الماضي، شبه مستحيل اليوم لأسباب أربعة واضحة:
أولًا: إسرائيل ترفض الفكرة بشكل قاطع، وقد تمكنت حكومة نتنياهو المتطرفة من تحويل المجتمع الإسرائيلي ضدها حتى صارت نسبة الرافضين لها من الإسرائيليين تتجاوز 80% بعد 7 أكتوبر 2023.
ثانيًا: الأحداث الدامية في غزة منذ أكتوبر 2023 وانهيار مؤسساتها وانقسامها الداخلي جعل مستقبل القطاع مجهولًا، بينما تقضم إسرائيل الضفة الغربية يوميًا. فقد تجاوز عدد المستوطنين فيها الآن 800 ألف، وانتزاعهم بات مستحيلًا سياسيًا وعمليًا.
ثالثًا: الجانب الفلسطيني نفسه يعاني فراغًا قياديًا خطيرًا. فحماس- أو ما تبقى منها- مرفوضة دوليًا وغير مُؤهلة للدخول في أي مفاوضات بسبب رفضها المبدئي لبقاء إسرائيل. أما السلطة الفلسطينية فقد فقدت الشرعية والفاعلية والثقة حتى لدى جزء كبير من شعبها.
رابعًا: لا توجد إرادة دولية لفرض حل عادل. الولايات المتحدة وحدها تملك القدرة على الضغط، لكنها لن تفعل، وخاصة في ظل إدارة دونالد ترامب التي لا تمتلك تصورًا سياسيًا ولا خطة فعلية؛ بل تُظهر ميلًا واضحًا لقبول الضم إذا فرضته إسرائيل أمرًا واقعًا.
وفي العالم العربي، لم يبق فيما يبدو إلّا السعودية التي تمتلك القدرة السياسية الفعلية على التأثير في القرار الأمريكي، لكنها لن تتحرك منفردة دون استراتيجية عربية موحَّدة.
إن التمسك بالأوهام- "إسرائيل الكبرى" من جهة و"حل الدولتين" من جهة أخرى- لم يعد خيارًا؛ فالفلسطينيون والعرب يحتاجون اليوم إلى إعادة تقييم جذرية لمقاربتهم للصراع، وإلى تبني خيارات واقعية قابلة للتطبيق، بعيدًا عن العواطف والشعارات والآمال التي تجاوزها الزمن، مع التخلي عن أدوات وسياسات ثبت عدم جدواها وفشلها عبر عقود.
لقد أدركنا جميعًا وتوصَّلنا إلى قناعة، قد يصعب على البعض مِنَّا الإقرار بها، بأن الطريق إلى حل هذه القضية والحصول على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لن يكون من خلال ساحات القتال؛ بل يكمن في حلّ سياسي عادل لا يمُر عبر الشعارات؛ بل عبر الدبلوماسية، والتفاوض، وتوحيد الموقف العربي، وإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي، وخلق قوة ضغط حقيقية تستطيع أن تفرض مقاربة جديدة أكثر واقعية وأقرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
** كاتب بحريني
رابط مختصر