لهذه الحكاية بداية ونهاية، ولكل منهما قصة تستحق أن تروى. ولمن يهوى رؤية الأمور من ثقب الإبرة، ويظن أنها محض حكاية شخصية، لا أقل ولا أكثر، إما يمتنع عن القراءة، أو هو حر. لماذا؟ لأن للحكاية أبطالاً، وهم من قال عنهم الصوفى الكبير «ابن عربى»: القِلُ دان له، والكُثردان له، فليس يعجزه قل ولا كثر.
قبل ثلاثة أيام مرت الذكرى السابعة لرحيل الكاتب والمؤرخ والمناضل «صلاح عيسى».
وعكف صلاح عيسى على العمل فى تلك الوثائق لاستكمال الناقص منها وفهرستها وتجليدها ووضع هوامش توضيحية لما هو غامض من نصوصها، فى سياق مشروع بحثى، كان قد بدأ العمل من أجل إنجازه، وهو دراسة ونشر مجلدات للحركة الشيوعية المصرية منذ نشأتها فى الربع الأول من القرن العشرين حتى بداية الألفية الجديدة. هذا فضلاً عن وثائق مماثلة لقضايا جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الجهادية المنبثقة عنها فى نفس الفترة. تضمنت تلك الوثائق محاضر التحقيقات والتحرى والأحكام القضائية الصادرة بحق المتهمين بها، والمنشورات والبيانات المتعلقة بفصيلين من فصائل الحركة السياسية هما التيار الإسلامى والتيار اليسارى اللذان شكلا محورالصراع السياسى فى تاريخ مصر المعاصر. لكن الحياة لم تكن سخية معه بما يكفى، ورحل قبل إنجاز مشروعه. وكما يبدو، فتلك ثروة معرفية للباحثين والدارسين، والمحامين والقضاة وللسلطات التنفيذية.
تسلمت منى مكتبة الإسكندرية تلك الوثائق، التى كنت قد رفضت كل المغريات لإيداعها فى جهات غير مصرية، ووعدنى مستلموها برقمنة تلك الوثائق لإتاحاتها على أسطوانات مدمجة ووضعها فى ركن باسم صلاح عيسى للتعريف بما تنطوى عليه. بعد عام من ترك المسئولين عن تلك الوثاق مواقعهم الإدارية فى مكتبة الإسكندرية لأسباب غير واضحة لى حتى الآن، بجانب هبوب جائحة كورونا، بدأت أتلقى إشارات سلبية حول مصير تلك الوثائق. وبعد طول عناء فى التحرى لما آل إليه ذلك الوعد، قيل لى «وش كده» كلغة شباب اليوم، إن المكتبة لا تقيم أركاناً لصحفيين، بل لرؤساء وزعماء فقط، وهو قول جاء مرفقاً ببعض تطمينات بأن الوثائق فى الحفظ والصون، وأن المشكلة تكمن فى أن رقمنتها تحتاج إلى وقت. ولأننى من نماذج البشر الذين يصنفون لدى البعض بـ«الهبل» ولدى غيرهم بـ«سلامة الطوية» لم أجد مبرراً لكيلا أثق بمن وعدنى بأن المشروع فى حيز التنفيذ، أو أشكك فى عدم تنفيذ وعده.
لكن أربع سنوات مرت دون أن ينجز أى شىء. وقبل نحو عام التقيت صدفة بالدكتور «أحمد زايد» الذى كان قد تولى رئاسة مكتبة الإسكندرية قبل عام آخر من هذا اللقاء. وحين شرحت له محنتى مع المكتبة، قال لى إنه يسمع بذلك الموضوع للمرة الأولى، ما زاد من توجسى. وقطع لى وعداً فى برنامج الإعلامى «خيرى رمضان» بحل تلك المشكلة.
وكشأن كل الكبار، والعلماء الأجلاء، نفذ الدكتور أحمد زايد ما تعهد به، وأوفى بوعده. ويوم الثلاثاء الماضى دشنت مكتبة الإسكندرية احتفالية رائعة للإعلان عن رقمنة وثائق «صلاح عيسى» على موقع ذاكرة مصر المعاصرة الذى يضم نخبة عالية التأهيل والكفاءة من خبراء شباب فى وسائل الرقمنة، برئاسة الدكتور «سامح فوزى». لم يكن ممكناً الوصل إلى تلك اللحظة لولا توجيهات ورعاية الدكتور زايد، الذى قادته ثقافته الرفيعة وولعه بالتاريخ بجانب العلوم الاجتماعية، إلى إدراك قيمة تلك الوثائق ومدى أهميتها لخدمة مصالح عامة،وثقته فى قيمة صاحبها كمفكر ومؤرخ وصاحب رسالة ومدرسة. شكراً دكتور زايد ودامت لنا كل جهودك المتنوعة لخدمة مصالح الشعب والوطن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة أمينة النقاش دار الكتب مكتبة الإسكندرية مکتبة الإسکندریة تلک الوثائق صلاح عیسى
إقرأ أيضاً:
أحمد صلاح حسني: الاستمرارية سر النجاح.. وعلينا دعم حسام حسن في تجربته الوطنية
أكد أحمد صلاح حسني، لاعب الأهلي والمنتخب الوطني السابق، أن الاستمرارية هي سر النجاح في كرة القدم، مشددًا على ضرورة تقديم الدعم الكامل للجهاز الفني بقيادة الكابتن حسام حسن خلال المرحلة المقبلة، وعدم التقليل من قيمة التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، المقررة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك.
وقال حسني في تصريحات إعلامية، إن المنتخب الوطني حقق إنجازًا مهمًا تحت قيادة حسام حسن، وأن هذا التأهل لا يجب وصفه بالسهل، كما يردد البعض، موضحًا أن مشوار التصفيات لم يكن خاليًا من الصعوبات، خاصة في ظل الظروف التي مر بها المنتخب خلال الفترة الماضية، سواء على صعيد ضغط المباريات أو قلة فترات الإعداد.
وأضاف أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى هدوء وثقة ودعم حقيقي للمدرب الوطني، مشيرًا إلى أن الهجوم على حسام حسن في بداية تجربته يُعيد للأذهان ما حدث مع الكابتن حسن شحاتة في بدايته مع المنتخب، حين واجه انتقادات واسعة قبل أن يتحول إلى أحد أعظم المدربين في تاريخ الكرة المصرية.
وتابع حسني قائلاً: "الجماهير ووسائل الإعلام يجب أن تتعامل مع الجهاز الفني الحالي بنفس المنطق الذي منح النجاح لحسن شحاتة، فالثقة والدعم هما المفتاح الحقيقي للبطولات."
وأوضح أن استمرار حسام حسن على رأس القيادة الفنية سيمنحه الوقت الكافي لتطبيق فكره الكروي بالشكل الأمثل، خاصة مع التحضير المبكر للمونديال وإقامة معسكرات مفتوحة تسمح بالاحتكاك الدائم مع اللاعبين. وأشار إلى أن المنتخب خلال التصفيات لم يخض معسكرات كافية، حيث كانت التجمعات لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أيام فقط قبل كل مباراة، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا لأي جهاز فني.
واعتبر حسني أن التأهل إلى كأس العالم يعد خطوة مهمة نحو استعادة هيبة الكرة المصرية على المستوى الدولي، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن المشوار الحقيقي يبدأ من الآن، من خلال التحضير الجاد للمشاركة المشرفة في المونديال، وتثبيت التشكيل الأساسي، وصناعة شخصية قوية للمنتخب قادرة على المنافسة أمام كبار العالم.
وتطرق حسني إلى تجربة حسن شحاتة، مؤكدًا أنها المثال الأفضل على أهمية الصبر على المدرب الوطني، قائلاً: "شحاتة واجه في بدايته حملات انتقاد مشابهة، لكن الاتحاد المصري تمسك به ومنحه الثقة، فكانت النتيجة كتابة التاريخ من جديد، والتتويج بثلاث بطولات متتالية لكأس الأمم الإفريقية في أعوام 2006 و2008 و2010."
وشدد على أن المصريين يجب أن يفخروا بما تحقق مؤخرًا، خاصة أن المنتخب لم يتأهل لنسخة 2022، وشارك آخر مرة في مونديال روسيا 2018 تحت قيادة الأرجنتيني هيكتور كوبر، قبل أن يعود التأهل هذه المرة بسواعد وطنية خالصة بقيادة حسام حسن.
وكان المنتخب الوطني قد حسم تأهله رسميًا مساء الأربعاء الماضي، بعد فوزه المستحق على جيبوتي بثلاثية نظيفة في اللقاء الذي جمع الفريقين بمدينة الدار البيضاء المغربية، ضمن منافسات الجولة التاسعة من التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى كأس العالم.
وختم أحمد صلاح حسني تصريحاته مؤكدًا أن الوقت الآن هو للدعم لا للانتقاد، داعيًا الجماهير والإعلام إلى الاصطفاف خلف المنتخب، قائلاً: "حسام حسن يستحق الفرصة الكاملة، لأن مشروعه مبني على الإصرار، وحبه لمصر هو أكبر دافع لتحقيق المزيد من النجاحات."