شهد عام 2024 عددًا من التحولات الجذرية في السياسة العالمية، حيث اجتاحت موجة من التغيرات السياسية الكبرى العديد من الدول عبر القارات شهد فيه الناخبون في أنحاء مختلفة من العالم زلازل انتخابية أطاحت بحكومات كانت تسيطر على السلطة لفترات طويلة.

هذه الانتخابات كانت بمثابة اختبار كبير لنفوذ الحكومات القائمة وأحزابها السياسية، وكان لها تأثير مباشر على المشهد السياسي الداخلي والخارجي وبالأخص عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.



من أبرز العوامل التي أثرت في هذه التحولات كان التحدي الاقتصادي الكبير، والانتقادات للسياسات الخارجية، بالإضافة إلى ملفات الهجرة والأمن. عام 2024 كان عامًا يشير إلى بداية تغيرات قد تكون لها تأثيرات عميقة في السنوات القادمة، حيث تواصل الشعوب في أوروبا وأمريكا البحث عن سياسات أكثر توازنًا واستجابة لاحتياجاتهم المتزايدة.

ووجه عام 2024 رسائل قوية للقادة حول العالم لضرورة تلبية احتياجات المواطن والتفاعل مع الأزمات التي يشهدها العالم، الرضوخ لصوت الشعوب.


أبرز الحكومات التي اهتزت حتى سقطت في عام 2024 بفعل الانتخابات:

سوريا: نهاية حقبة الأسد وبداية جديدة في 2024
أبى عام 2024 أن ينتهي قبل أن يعوض ملايين السوريين عن سنوات الانكسار والتشريد فكان عامًا فارقًا في تاريخ سوريا، وشهد نهاية حقبة بشار الأسد، الذي استنزف العديد من أرواح السوريين ودمر البنية التحتية، بعد ما يقرب من 13 عامًا من الحرب.

في نهاية عام 2024، تمكنت القوات السورية المعارضة من تحقيق انتصارات حاسمة على الأرض، وفقد النظام السوري بقيادة بشار الأسد السيطرة على العديد من المناطق الحيوية في البلاد، سواء في العاصمة دمشق أو المناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرته لعقود طويلة، مما أدي إلى سقوطه.

كانت نهاية عام 2024 بمثابة بداية مرحلة جديدة لسوريا والسوريين، حيث تولت قوى المعارضة المسلحة، مدعومةً بقاعدة شعبية واسعة، زمام الأمور، وشهدت المنطقة تحركات لتشكيل حكومة انتقالية، وحقق العام جزء كبير من أحلام السوريين الذين صبروا لسنوات طويلة وسط الحرب والدمار، حيث بدأت الثورة السورية بمطالب بسيطة للحرية والعدالة، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى نضال مستمر ضد النظام القمعي، لتصل إلى لحظة تاريخية نهاية 2024، حين استطاعت القوى الثورية والمعارضة إسقاط النظام وتحقيق تغيير سياسي في البلاد.

عن احتفالات السوريين هذا اليوم.
لن يدرك حجم فرحة السوريين إلا من عاش المعاناة تحت وطأة نظام بوليسي متوحّش، وأسرة تألّه فيها الأب والابن، بل الأخ وبقية العصابة أيضا.
لم تكن دولة. كانت مزرعة يُمعن مالكها في ازدراء الناس عبر انتخابات تافهة، ومؤسّسة أمنية تُسرف في قمع الناس وإهانتهم. pic.twitter.com/X2lI3gxgWM — ياسر الزعاترة (@YZaatreh) December 13, 2024
الولايات المتحدة: بايدن وتحدي حرب غزة
في الولايات المتحدة، جاء عام 2024 ليُظهر مدى تأثير الأزمات الداخلية والخارجية على فرص إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن، وواجه بايدن العديد من التحديات التي شكلت أعباءً كبيرة على حكومته. أولها كانت الحرب الروسية في أوكرانيا كانت إحدى الأزمات التي استنزفت الموارد الأمريكية، وجعلت الشعب الأمريكي يشكك في حكمة السياسات الخارجية للإدارة الحالية.

لكن القضية التي أثرت بشكل كبير في شعبية بايدن كانت حرب غزة، التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2023، وأدت إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.

تعرضت إدارة بايدن إلى انتقادات داخلية وخارجية جراء دعمها اللامحدود لـ"إسرائيل" في عدوانها على الشعب الفلسطيني في غزة؛، في الداخل، اعتبر العديد من الأمريكيين أن دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" خلال الهجوم على غزة يتناقض مع القيم الأمريكية حول حقوق الإنسان، أما في الخارج، فقد كانت هذه السياسات تضر بالعلاقات الأمريكية مع بعض الحلفاء حيث تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد تدخل الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تفاقم الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا في معدلات التضخم، مما جعل الطبقات المتوسطة والفقيرة تشعر بالضيق، كانت هذه الأزمات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، هي العامل الرئيسي في تراجع شعبية بايدن، مما أدى في النهاية إلى خسارته في الانتخابات 2024.

فوكس نيوز تعلن فوز دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري 2024 بولاية نيوهامشير. pic.twitter.com/8UDxT3ylfr — ????????محمد|MFU (@mfu46) January 24, 2024


المملكة المتحدة: حكومة المحافظين في أزمة
في المملكة المتحدة، كان عام 2024 بمثابة اختبار حقيقي لحكومة ريشي سوناك وحزب المحافظين بعد سنوات من تراجع الشعبية التي أثرت بشكل سلبي على فوزهم في الانتخابات.

وأدت أزمة بريكست، التي سببت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى مزيد من الاستقطاب في البلاد. بينما كانت الحكومة تحاول جاهدًا إعادة تنظيم الوضع الاقتصادي، كانت أزمة تكلفة المعيشة هي المعضلة الكبرى.

شعر المواطنون البريطانيون بالعبء الاقتصادي الناتج عن سياسات التقشف، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والضرائب التي كانت تفرضها حكومة سوناك، وفي الوقت نفسه، كانت هناك قضايا أخرى مثل ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد حالات البطالة في بعض القطاعات، ودعم الاحتلال الإسرائيلي للاستياء الشعبي الذي دفع العديد من الناخبين إلى تغيير خياراتهم السياسية، ليجد حزب العمال بقيادة كير ستارمر الفرصة للظهور كبديل قوي، حيث استقطب دعمًا واسعًا من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

وفي النهاية كانت النتيجة واضحة بفوز حزب العمال في الانتخابات العامة 2024، وهو ما كان بمثابة نكسة شديدة لحكومة المحافظين بعد سنوات من السيطرة على البرلمان البريطاني.

ردة فعل مذيعي سكاي نيوز بعد الفوز الساحق لحزب العمال في الانتخابات البريطانية ???????? : pic.twitter.com/65BX9FRTSZ — ????????محمد|MFU (@mfu46) July 4, 2024
هولندا: اليمين المتطرف يصعد على حساب اليسار
في هولندا، لم يكن هناك صراع بين الأحزاب التقليدية فحسب، بل كانت هناك تحول كبير في خريطة السياسة الهولندية، وكانت انتخابات 2024 بمثابة ضربة للأحزاب اليسارية التي فشلت في معالجة العديد من القضايا التي كانت تشغل الرأي العام الهولندي.

ومن أبرز القضايا التي سادت الأجواء السياسية في هولندا كانت قضية الهجرة، حيث كانت هناك زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين إلى البلاد، مما أثار قلقًا واسعًا لدى الكثير من الهولنديين.

اليسار الهولندي، الذي كان يعبر دائمًا عن مواقف متساهلة تجاه قضايا الهجرة، واجه انتقادات حادة بسبب ما وصفه الناخبون بتبني سياسات "مفتوحة" تسببت في زيادة الضغوط على نظام الرعاية الاجتماعية والاقتصاد الوطني، ومع تصاعد قضايا الأمن الداخلي، تزايد دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي قدمت وعودًا مشددة بخصوص إغلاق الحدود.

كما كان للحرب في غزة دورًا في تعزيز مواقف الأحزاب اليمينية، حيث تم إلقاء اللوم على السياسات الحكومية في هولندا بعد إدانة بعض القوى السياسية في البلاد للمواقف المتراخية في مواجهة العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. صعود الأحزاب اليمينية في هولندا كان نتيجة مباشرة لهذه التحولات السياسية، رغم تأييدها هي الأخرى للاحتلال ولكن كان تصويتا عقابيا من الناخبين على تصرفات الأحزاب اليسارية.

هذه رسالة سابقة نشرها الهولندي "خيرت فيلدرز" رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف الذي فاز في الانتخابات المبكرة في هولندا ليقترب من أن يصبح رئيساً للبلاد.

الرسالة موجهه للأتراك وقال لهم أنتم لستم أوروبيون ولن تصبحوا أوروبيين أبداً ولا نريدكم في بلادنا. pic.twitter.com/l0WZwZCFjQ — إياد الحمود (@Eyaaaad) November 28, 2023
فرنسا: ماكرون بين الاحتجاجات الاقتصادية والتحديات الخارجية
على الرغم من نجاح إيمانويل ماكرون في فرض سياسات اقتصادية في بداية عهده، إلا أن عام 2024 كان عامًا عصيبًا له، حيث واجه عددًا من التحديات الداخلية والخارجية التي أضعفت قبضته على الحكم. في مقدمة هذه التحديات كانت الأزمة الاقتصادية التي عانت منها فرنسا، إذ ارتفعت معدلات البطالة، وكانت ارتفاعات الأسعار تؤثر بشكل كبير على الطبقات العاملة.

حملة ماكرون لزيادة سن التقاعد، التي فرضت عليها الحكومة على الرغم من معارضة واسعة من النقابات والعمال، كانت نقطة تحول. فقد خرجت مظاهرات احتجاجية في الشوارع، وأصبح ماكرون في موقف دفاعي أمام الرأي العام الفرنسي.

من جهة أخرى، كان هناك العديد من الاحتجاجات ضد السياسة الفرنسية في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث اعتبرت العديد من الأطراف أن باريس كانت منحازة بشكل غير مقبول إلى الموقف الإسرائيلي.

نتيجة لهذه الأزمات، فشل ماكرون وحكومته في استقطاب دعم الرأي العام، وتراجعت شعبيته بشكل حاد، مما أدى إلى خسارته في انتخابات البرلمان الفرنسي 2024 ودخل في دوامة تشكيل الحكومة وإسقاطها من قبل البرلمان.

⭕️ أزمة في #فرنسا
البرلمان أسقط الحكومة لأول مرة منذ 62 سنة. ولا أغلبية لأي كتلة بعد انتخابات الصيف المبكرة. وتواجه باريس أزمة مديونية خانقة وتحديات دولية صعبة.#ألمانيا تواجه أزمة حكومية أيضا وتنتظر انتخابات مبكرة، واقتصادها يتراجع.
هذا حال أبرز قوى أوروبا في زمن #بوتين و #ترمب pic.twitter.com/2fD3LTLTqC — حسام شاكر (@Hos_Shaker) December 4, 2024


البرلمان الأوروبي: صعود القوى الشعبوية
في انتخابات البرلمان الأوروبي 2024، كان هناك تحول سياسي ملموس في عدة دول من الاتحاد الأوروبي. كان الصعود الكبير للأحزاب الشعبوية من أبرز معالم هذا العام، حيث استفاد اليمين المتطرف من المواقف الشعبية المعترضة على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة. كانت القضايا المتعلقة بالأمن، الهجرة، والاقتصاد هي الأكثر تأثيرًا في التصويت الأوروبي، حيث تعهدت الأحزاب الشعبوية بإغلاق الحدود وتعزيز السياسات الأمنية داخل الاتحاد.

وفي الوقت نفسه، كان هناك تراجع ملحوظ للأحزاب التقليدية، خاصة تلك التي تتبنى السياسات الأوروبية التي تفتح الأبواب للهجرة وتدعم التكامل الأوروبي على حساب السيادة الوطنية.

مرشحة في انتخابات البرلمان الأوروبي تصوت بالثوب الفلسطيني بأحد اللجان الانتخابية بفرنسا pic.twitter.com/uV70ab2Sgn — الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 9, 2024

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية عام 2024 الانتخابات بشار الأسد بايدن فرنسا فرنسا بشار الأسد بايدن الانتخابات عام 2024 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الانتخابات فی البلاد العدید من فی هولندا pic twitter com کان عام عام 2024

إقرأ أيضاً:

أستاذة قانون: ضربات ترامب على إيران كانت غير قانونية.. لهذه الأسباب

نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية دون الحصول على تفويض من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، ما يسلط الضوء على الثغرات القانونية التي تسمح لرئيس أقوى دولة في العالم باستخدام القوة خارج الأطر الشرعية.

ففي غياب تهديد وشيك على الأراضي الأمريكية، جاءت الضربة خارج نطاق أي تفويض قانوني قائم، سواء داخليا أو دوليا.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لأستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة بيل، أونا هاثاواي، قالت فيه إن الجيش الأمريكي نفذ ضربة في وقت مبكر من صباح الأحد ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية بناء على أوامر الرئيس ترامب. لم يكن يعلم بهذه الضربات مسبقا سوى القليل. لم يطلب ترامب موافقة مسبقة من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، كما يقتضي القانون. وهكذا، كشفت الضربات غير القانونية عن الغياب الخطير لأي قيود قانونية فعالة - سواء محلية أو دولية - على قرار الرئيس الأمريكي باستخدام القوة المميتة في أي مكان في العالم.

أصبح من الغريب تقريبا الإشارة إلى أن الدستور يمنح الكونغرس، وليس الرئيس، سلطة إعلان الحرب. صحيح أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكنه ملزم بطلب إذن الكونغرس قبل بدء الحرب. ولا يغير قرار صلاحيات الحرب لعام 1973 هذا. سُنّ هذا التشريع ردا على حملة القصف السرية التي شنّها الرئيس ريتشارد نيكسون في كمبوديا، ويهدف إلى منع الرئيس من شنّ حروب غير مشروعة من خلال إلزامه قانونا بطلب موافقة الكونغرس قبل إشراك القوات المسلحة الأمريكية "في أعمال عدائية أو في مواقف تشير فيها الظروف بوضوح إلى تورط وشيك في أعمال عدائية". الحالة الوحيدة التي لا يُطلب فيها من الرئيس طلب موافقة الكونغرس المسبقة هي عندما تتعرض الولايات المتحدة لهجوم، ويتعيّن عليه التصرف بسرعة لحماية البلاد.



لم يكن هذا صحيحا عندما تعلق الأمر بإيران. بل على العكس تماما. في خطاب ألقاه بعد الهجمات، أشار  ترامب إلى أن إيران كانت تُوجّه تهديدات ضد الولايات المتحدة منذ "40 عاما". لا شيء في ما قاله هو أو وزير الدفاع بيت هيغسيث لاحقا يشير إلى تهديد مُلحّ لأمريكا منع الرئيس من طلب موافقة الكونغرس قبل إطلاق العنان للقوة القاتلة التي قد تُثير ردا انتقاميا ضد الولايات المتحدة والقوات الأمريكية في المنطقة. (وبالفعل، يبدو أن هذا الرد الانتقامي قد وقع للتو، حيث أطلقت إيران صواريخ على قاعدة أمريكية في قطر). كما لا يمكن دمج هذه الضربات ضمن تفويضات الكونغرس الحالية لاستخدام القوة - إحداها في عام 2001 ضد المسؤولين عن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، والأخرى في عام 2002 ضد العراق في عهد صدام حسين. وهكذا، ادّعى الرئيس لنفسه السلطة التي يمنحها الدستور صراحة للكونغرس.

وكما أن الرئيس ملزم قانونا بطلب إذن من الكونغرس قبل شن حرب، فإنه ملزم أيضا بطلب إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، صممت الولايات المتحدة ودافعت عن نظام عالمي يخضع فيه استخدام أي دولة للسلطة القسرية ضد دولة أخرى لضوابط جماعية. ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الدول الموقعة يجب أن "تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة".

هذا الحظر على اللجوء الأحادي إلى القوة هو المبدأ الأساسي للنظام القانوني لما بعد الحرب. لا يجوز لدولة صادقت على ميثاق الأمم المتحدة أن تلجأ إلى استخدام القوة ضد دولة أخرى إلا إذا صوّت مجلس الأمن على تفويض الحرب - أو عندما تكون الدولة موضوع "هجوم مسلح". نعم، يُعدّ شرط الحصول على دعم مجلس الأمن عقبة، ولكنه عقبة أمام روسيا والصين بقدر ما هو عقبة أمام الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن شرط السعي للحصول على تفويض مجلس الأمن قبل استخدام القوة يمنح الولايات المتحدة سلطة استثنائية: فالولايات المتحدة تشغل أحد المقاعد الخمسة الدائمة في مجلس الأمن، وتمتلك حق النقض (الفيتو) على أي قرار يجيز استخدام القوة. وبينما لا يوجد نظام قانوني مثالي - وهذا النظام ليس استثناء، كما تُظهر الصراعات العالمية اليوم - فقد ساعد ميثاق الأمم المتحدة مع ذلك في إنتاج أكثر العصور سلما وازدهارا شهدها العالم على الإطلاق.



لقد تبنى دونالد ترامب الآن بشكل كامل ما يسمى بمبدأ بوش، وهو موقف في السياسة الخارجية ينص على أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام القوة استباقيا ضد أي تهديد محتمل - سواء لنفسها أو للآخرين. كان هذا هو الأساس القانوني الرئيسي لحرب العراق الكارثية عام 2003، والتي تم رفعها باعتبارها ضرورية لمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل - وهي أسلحة اتضح أنها لم تكن موجودة. وحتى في ذلك الوقت، تعامل الرئيس جورج بوش الإبن على الأقل مع مجلس الأمن وسعى وحصل على تفويض من الكونغرس قبل شن تلك الحرب.

وقد نأى معظم الرؤساء منذ ذلك الحين بأنفسهم عن مبدأ بوش. لكن رؤساء كلا الحزبين اعتمدوا على تفسيرات موسعة لحق الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة لاستخدام القوة في الشرق الأوسط ضد ما وصف بـ"الجماعات الإرهابية". كما اعتمدوا أيضا على تفسيرات موسعة لتفويض الكونغرس لعام 2001 باستخدام القوة العسكرية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. لقد تجاوز  ترامب الآن هذه التفسيرات المُبالغ فيها، مُطلقا حربا تفتقر إلى أي سند قانوني محلي أو دولي معقول.

يبدو أن بعض مؤيدي الرئيس، مثل السيناتور ليندسي غراهام، غير مُبالين بالضربة الخارجة عن القانون، مُستنتجين أن "النظام الإيراني يستحق ذلك". هذه حجة خطيرة، مهما كان رأي المرء في جدوى الضربات. وبينما يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، فإن هذا لا يمنحها - أو الولايات المتحدة - شيكا مفتوحا لمهاجمة إيران كما تشاء، بحسب تعبيرها.

إن غياب أي قيود قانونية فعّالة على الرئيس لا يُمثل مُشكلة لتوازن القوى والأمن القومي للولايات المتحدة فحسب، بل يُمثل الآن مُشكلة للعالم أجمع. إن الصعود الظاهري للاستبداد في الداخل يُعجّل بنوع من الاستبداد الدولي، حيث يُمكن للرئيس الأمريكي إطلاق العنان لأقوى جيش عرفه العالم على الإطلاق بمُجرد نزوة. في هذه الحالة، وبعد فشله في الفوز بـ"الصفقات" السهلة التي وعد بها، أظهر  ترامب الآن أنه سيتخلى عن الدبلوماسية والتفاوض مُفضّلا القوة. قد تُشجع أفعاله الحكام المستبدين حول العالم على فعل الشيء نفسه، مُرسخة مثالا على الفوضى القادرة على إعادة تشكيل النظام القانوني العالمي، وتحويله من نظام يحكمه القانون إلى نظام تحكمه القوة.



يتطلب وقف هذا التحول تحركا - من جانب الدول الأخرى والكونغرس. يجب على الدول أن تتكاتف للتنديد بالإجراء الأمريكي غير القانوني، والدعوة إلى الدبلوماسية، لا القوة، لحل النزاع بين إيران وإسرائيل. على المدى البعيد، يجب على الدول إيجاد سبل للعمل معا لدعم القانون، وربما حتى التكاتف كمجموعة رسمية لتبني عقوبات جماعية ضد الولايات المتحدة إذا ثبت عزمها على انتهاكه مرة أخرى.

أدان العديد من أعضاء الكونغرس قرار  ترامب غير القانوني باستخدام القوة. هذا لا يكفي. لقد حان الوقت منذ زمن لإصلاح طريقة اتخاذ الولايات المتحدة قرارات خوض الحرب. كبداية، يجب على الكونغرس أن يحظر فورا استخدام الأموال الفيدرالية لأي استخدام للقوة يتجاوز السلطة القانونية للرئيس. لفترة طويلة جدا، رضخ مشرّعونا للاستنزاف التدريجي لسلطتهم الدستورية. ويجب عليهم أن يتحركوا الآن لاستعادة تلك السلطة قبل أن تذهب إلى الأبد ويدفع العالم ثمن أخطائنا.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الأمريكي: ضرباتنا التي استهدفت المواقع النووية بإيران كانت مثالية
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • أستاذة قانون: ضربات ترامب على إيران كانت غير قانونية.. لهذه الأسباب
  • تضارب الروايات حول الصواريخ التي أطلقتها إيران على قطر.. كم عددها وهل أصابت قاعدة العديد؟
  • ترامب: الهجمات الإيرانية على قاعدة "العديد" في قطر كانت ضعيفة
  • سمير راغب: جميع الأطراف كانت تعلم بالضربة الإيرانية لقاعدة العديد بقطر
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • الأمم المتحدة.. ثمانون عامًا : السقف الأخير للعالم المفتوح على المجهول
  • واشنطن تحذر من إغلاق هرمز: أزمة اقتصادية كبرى تلوح في الأفق