لجريدة عمان:
2025-10-12@22:49:41 GMT

من أجل ثقافة نوعيّة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

فـي نهاية كل عام، يراجع الجميع أوراقه، واعتادت الصفحات الثقافـية، أن تفتح صفحاتها لنشر استطلاعات تستفهم الشعراء، والأدباء والنقّاد، والمثقّفـين عن أبرز الأحداث الثقافـية الشخصية والعامة، وفـي خضمّ ذلك، وجدت فـي بريدي رسالة من أحد المشتغلين على مثل هذه الاستطلاعات يسأل فـيها عن تقييمي الشخصي للمنجز الثقافـي على المستوى العربي العام خلال 2024م، وبالطبع أبديتُ تحفّظي على صيغة السؤال، فالظواهر الثقافـية لا تتشكّل خلال عام واحد، ومن الصعب قراءة ملامحها من خلال منجز تحقّق فـي عام واحد، فلو قمنا بمثل هذه القراءة، إن أردنا الموضوعيّة والدقّة، فسنحتاج أعواما، خصوصا أن التغيّرات والتحوّلات الجذريّة فـي مجتمعاتنا العربية بطيئة، ونموّها محدود، وما يطرأ على المجتمعات البشرية ينعكس على الثقافة، وبسبب هذا التشكّل البطيء، لا تكاد تلك التغيّرات أن تكون محسوسة.

ووفقا لهذا المنظور، لو ألقينا نظرة على الوضع الثقافـي العربي خلال عام 2024م لوجدنا أن هذه النظرة لا تختلف عن العام الذي سبقه، والعام السابق يشبه الأسبق، وحين ننظر للأمام، فلا أريد أن أكون متشائما، فأقول: ربما سيستمرّ الوضع الثقافـي لدينا فـي السير على هذه الوتيرة سنوات وسنوات، رغم أننا لا ننكر أن رفوف المكتبات العربية قد رُفدت بعناوين جديدة، فـي الشعر والرواية، والترجمة، والكتابة المسرحية، والنقد والدراسات، وظهرت أسماء جديدة، وازدادت دور النشر، واتّسعت مشاركاتها، وفتحت معارض الكتب ككلّ عام أبوابها لعشّاق المعرفة، أمّا المهرجانات، فهي على قفا من يشيل! وكذلك الندوات والمحاضرات والملتقيات!

ولكن السؤال الذي يبرز أمامنا هو: كلّ هذا الحضور الكمّي للثقافة العربية، هل أفرز ثقافة نوعيّة، بمعنى ثقافة فاعلة لها دور فـي بناء المجتمع، والدفع به نحو الأمام؟

هل أعادت هذه الأنشطة للمثقف العربي هيبته بعد أن فقدها بسبب ظهور أولويات جديدة فـي حياة الإنسان العربي، غيّرت المسارات، فلم يعد الشعر (ديوان العرب) على سبيل المثال، ولم يعد الشاعر الناطق باسم قبيلته، ولم تعد الذبائح تنحر عند ولادة الشاعر، كما كان الحال فـي أيام العرب!

مشكلة الثقافة العربية أنها تعاني من أمراض مزمنة، فهي ثقافة تحكمها مقاييس بالية، والمحسوبية، والتعصّب، ومبدأ (الأصدقاء) أولى بالمعروف، وتقف خدمة المصالح الشخصية فـي المقدّمة، وقد ظلّت الوجوه التي تدير مؤسساتها تهيمن على المشهد، وحتى لو زُحزحت عن أماكنها، فالشباب الذين يُفسح لهم، يسيرون على النهج نفسه، ظنّا منهم بأنّ هذا هو النهج السليم، ومّنْ شبّ على شيء شاب عليه، أمّا المجلّات والمهرجانات، فلم تخرج عن هذا السياق، ونتج عن ذلك اختفاء وانزواء الكثير من المواهب الحقيقية نتيجة الإهمال والإحباط، وبروز ظواهر لا تمتّ بصلة للثقافة الرصينة التي اعتدنا عليها، وحين نقرأ نميل لقراءة الكتب التي تعزّز قناعاتنا، فنضع العقل النقدي جانبا، وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي فـي تكريس أسماء تكتب نصوصا لا تخلو من ركاكة فـي التعبير، والأسلوب، مليئة بالأخطاء الإملائية، والنحويّة، وهذه الأسماء لها قرّاء ومتابعون بالآلاف، وحسابات مليونيّة، وإن حدث أن جمعت خواطرها فـي كتاب ستتلّقفه الأيدي، وسيكون ، فـي استبيانات الرأي، من الكتب الأكثر مبيعا فـي المعارض، ومحظوظ مَنْ يحظى بنسخة موقّعة من المؤلّف!!

أرى أن الثقافة العربية تحتاج إلى الكثير من الجهود لكي تخرج من هذه القوقعة، ويمكن ذلك لو استفاد القائمون عليها من أصحاب الخبرات المركونة جانبا، وإنزال الناس منازلهم، والخروج من دوائر الثقافة الاستهلاكية، ولا بدّ من الدعم المؤسساتي، وتعريف رجال الأعمال، وأصحاب المشاريع بدور الثقافة فـي التقدّم، وحماية المجتمعات من براثن الجهل، والتخلّف، فمن دون ذلك الدعم، يكون من الصعب تحريك عجلة العمل الثقافـي، ومن الضروري تكثيف الجهود على الأجيال الجديدة، وحثّها منذ المراحل الدراسية الأولى على القراءة، ومشاهدة العروض المسرحيّة، والسينمائيّة، وزيارة المعارض التشكيلية، وهذه الواجهات الثقافـية، تقوم بدور كبير فـي رفع سقف الوعي، ومن الضروري إدخال هذه البرامج ضمن البرامج اليومية للأسرة العربيّة، فهذه الأنشطة تمدّ الأجيال الجديدة بزاد معرفـي، سيبقى يغذّيها عندما تكبر، وكما قيل «التعلّم فـي الصغر كالنقش على الحجر»، وحين نقوم بكل ذلك يمكننا أن نشهد نقلة ثقافـية تحدث فارقا تجعلنا حين نراجع أجنداتنا الثقافـية نتكلّم بكلّ ثقة عن إنجازات ملموسة على أرض الواقع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ثقافة أسوان يناقش ديوان ارتباك

عقد فرع ثقافة أسوان، ندوة لمناقشة ديوان "ارتباك" للشاعر محمود عطت الفائز في مسابقة النشر الاقليمي، وذلك ضمن فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، وبرامج وزارة الثقافة.

شارك في المناقشة الاديب عبده الشنهورى، والاديب أحمد فخرى، وأدارها الاديب محمد الليثى، وأقيمت المناقشة بمسرح فوزى فوزى، بحضور عدد من الادباء، والأصدقاء المحتفى به.

وأشار عبده الشنهورى من خلال دراسة نقدية بعنوان "ثنائية الحلم والواقع وأسئلة الارتباك"، إلى أن الديوان يحتوي على ٢٧ قصيدة من شعر،العامية أكثرها على نسق التفعيل، العنوان يصف حالة، ومن ناحية الشكل يحتوى على نصوص حاوية لأكثر من بحر شعرى، وقد تباينت النصوص بين التفعيلة العامية ونظام التربيع.

كما تباينت اللغة بين البساطة الشديدة لغة الزجل وبين القصيدة ذات التراكيب والدلالات المتعددة، وتباينت الموسيقى بين الهادئة والصاخبة، والموضوعات بين الذاتية الصرفة والذاتية الجمعية، وركزت الذات الشاعرة فى الديوان على الثنائية الحلم والواقع، وتكرار الأسئلة فى نصوص الديوان بشكل دلالى يتجاوز الإستفهام الحرفى.

وأضاف الشنهورى أن الشاعر يهدى ديوانه لمن صدقو فى الحب حتى ولو كانو قليلين، ويدعو إلى التمسك بالأمل فالحياة فيها ما يستحق، وأن للشعراء الحق فى تناول شتى المواضيع حتى لو تناولها غيرهم، ولكن أن تكون زاوية التناول غير متكررة. 

ديوان شعرىإصابة 15 شخصا في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بطريق العلاقى جنوب شرق أسوانمحافظ أسوان:تخطى المستهدف لإزالة التعديات بالمرحلة الثالثة للموجه الـ27بمركز إدفو بإزالة118حالة تعدى

وقال أحمد فخرى من خلال دراسته بعنوان "الارتباك بوصفه بنية دلالية": يمثل ديوان "ارتباك" تجربة شعرية ناضجة في جوهرها، صادقة في لغتها، وإن كانت ما تزال في طور التشكّل من حيث الوعي الفني والبنائى، فالشاعر يقدّم من خلال هذا العمل صوتًا شعريًا مخلصًا لنفسه ولتجربته الإنسانية، يكتب بالعامية المصرية لا بوصفها لغة محلية، بل كأداة للتعبيرعن الوجدان الجمعي، وعن هموم الإنسان البسيط الذي يتأرجح بين الإيمان والخذلان، بين الحلم واليأس، بين الحب والفقد.

وأشار إلى أنه من الناحية المضمونية، تتّسع تجربة الديوان لتشمل أربعة محاور أساسية الديني، والروحي، العاطفي، الوطني، واليومي تتشابك جميعها في رؤية واحدة هي البحث عن الصدق في عالمٍ مرتبك، تتحرك الذات الشاعرة داخل النصوص في رحلةٍ وجودية تبحث عن التوازن بين النقاء والواقع، فتجد في الإيمان خلاصًا مؤقتًا، وفي الحب خذلانًا، وفي الوطن أملًا مؤجلًا، وفي الذكريات ملاذًا طاهرًا.

ومن الناحية الفنية والأسلوبية، فيتّسم الديوان بلغةٍ عامية قريبة من القلب، وإيقاعٍ داخلي يعتمد على التكرار والتوازي، وصورٍ شعرية بسيطة نابعة من الحسّ اليومي والديني.

غير أن هذه البساطة، على قوتها الوجدانية، تؤدي أحيانًا إلى غلبة المباشرة وتكرار بعض المفردات، مما يحدّ من عمق بعض النصوص، ويكشف عن تفاوت في مستوى البناء الفني، ورغم ذلك فإن الديوان يظلّ متماسكًا على مستوى الهوية الشعورية، إذ يحافظ على وحدة الإحساس وصدق التجربة من أول قصيدة إلى آخرها.

ومن منظور نقدي شامل، يمكن القول إن "ارتباك" هو ديوان الصدق والبحث عن الاتزان، إنه نصّ مكتوب من داخل التجربة الإنسانية، لا من خارجها، ديوانٌ يعترف بالضعف البشري ولا يخجل منه، ويرى في الارتباك نفسه شكلًا من أشكال الإيمان لأن من يرتبك هو من لا يزال يحسّ، ومن يحسّ لا يزال حيًّا، بهذا المعنى، يشكّل "ارتباك" إضافةً مميزة إلى الشعر العامي المصري، ليس لأنه يتكلّف الحداثة أو يغرق في الرموز، بل لأنه يعود إلى جوهر الشعر الحقيقي: الصدق والبساطة والوجدان.

واختتم حديثه بأن من المتوقع أن تمهّد هذه التجربة لما هو أعمق وأكثر نضجًا في أعمال الكاتب القادمة، خاصة إذا واصل استثماره في هذا التوازن النادر بين البساطة الشعبية والوعي الفني، وبين الإيمان بالحياة والإحساس الدائم بارتباكه. 

أقيمت الندوة ضمن برامج إقليم جنوب الصعيد بإدارة محمود عبد الوهاب، والإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان. ونفذت بالتعاون بين فرع ثقافة أسوان برئاسة يوسف محمود، والإدارة العامة للثقافة العامة برئاسة الشاعر عبده الزراع.

طباعة شارك أسوان محافظة اسوان اخبار محافظة اسوان

مقالات مشابهة

  • هكذا تشكّلت في اليمن ثقافة الانتصار
  • جناح المملكة في إكسبو 2025 أوساكا يستضيف حفلًا نوعيًا في مجال الاستدامة
  • العربية للتنمية الإدارية تنظم غدا بتونس الملتقى العربي السابع للحوكمة
  • انطلاق فعاليات النسخة الثالثة من نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي بالجامعة العربية
  • الجمعة.. انطلاق مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس بمعبد أبو سمبل
  • الشباب والرياضة تستقبل وفود الدول العربية المشاركة في نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي
  • عودة قوية لقصر ثقافة حلوان.. منصة فنية ومجتمعية لخدمة المواطنين
  • اللبان: عودة قصر ثقافة حلوان يعزز الانتماء الوطني.. فيديو
  • قصور الثقافة بالقصير والشلاتين وحلايب تقدم فعاليات متنوعة
  • ثقافة أسوان يناقش ديوان ارتباك