يواجه المسلمون في أوروبا، تحديات كبيرة، إذ يجدون أنفسهم في مفترق الطرق، بين الدعوات المستمرة للاندماج في المجتمعات الغربية، والاتهامات الموجّهة إليهم بالكراهية للغرب.

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للكاتبة المقيمة في بروكسل والمعلقة على الشؤون الأوروبية شذى إسلام، جاء فيه، إنّ: "المسلمين الأوروبيين ملعونون لو لم يندمجوا وملعونين لو اندمجوا في الحياة الغربية".



وأضافت إسلام، في المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "النقاش الجديد في الخطاب المعادي للإسلام، هو أن المسلمين الذين يندمجون في مجتمعاتهم هم كارهون للغرب أيضا". مردفة: "الحديث عن تصاعد العداء ضد المسلمين في مختلف أنحاء أوروبا يعني سماع وقراءة تعميمات متكررة عن المسلمين في أوروبا البالغ عددهم 25 مليون نسمة".

وتابعت: "مرة تلو الأخرى، تأمر الحكومات الأوروبية المسلمين بالاندماج: الدخول، أي الخروج من الظل والانضمام إلى التيار الأوروبي السائد المشمس، وينبغي لنا أن نكون أقل "غربة"، وأكثر أوروبية، وأن نتبنى "القيم الأوروبية" (أي منها لم يتضح بعد، ولكن شرب البيرة وأكل لحم الخنزير يبدو من بينها)، والحصول على التعليم، ثم ــ وبعد ذلك فقط ــ المشاركة بنشاط في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في "مجتمعاتنا المضيفة" التي، وفقا لفيكتور أوربان رئيس وزراء المجر هي مسيحية بحتة".

وأبرزت: "لكن الأمور تسوء، حسب الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية التي نشرت قبل فترة نتائجها القاتمة، مسجلة زيادة عالية في العنصرية المعادية للإسلام في كل أنحاء أوروبا، حيث يعاني نصف مسلمي أوروبا تقريبا من التمييز العنصري القائم على الدين والعنصر ولون البشرة أو أصول المهاجر".

"كذا التوترات المجتمعية التي سجلت خلال الـ 14 شهرا ومنذ اندلاع الحرب في غزة. وبالتأكيد زادت المشاعر العنصرية المعادية للمسلمين؛ وكذا إصرار بعض الحكومات الأوروبية على مساواة أي نقد لإسرائيل بمعاداة السامية".

وتقول إسلام، إنها: اكتشفت وهي تبحث في الهيجان الأخير المعادي للإسلام في هولندا، بعد العنف الذي اندلع بين مشجعي فريق مكابي تل أبيب والسكان المحليين، وعثرت على تحول صارخ وأكثر خبثا في الرواية الحضارية التقليدية الأوروبية المتحمورة حول الذات.


وأوضحت :"النص الضمني يشير إلى اختفاء التمييز بين "المسلمين الأشرار" و"المسلمين الأخيار". فالمسلمون الذين اندمجوا في الحياة العامة وأصبحوا يشكلون جزءا من التيار الرئيسي، باتوا مشكلة مثل الذين يفترض أنهم غير متكيفين وغير اجتماعيين".

واسترسلت: "يقدم النقاش الحاد واللاذع في هولندا صورة عن هذه المشكلة في الخطاب المعادي للإسلام. فقد زعم غيرت فيلدرز، النائب اليميني المعادي للإسلام في مجلس النواب الهولندي، والذي يترأس بشكل غير رسمي التحالف الحكومي الحاكم، مخطئا وبدون دليل أن "المغاربة" هم المسؤولون عن العنف في هولندا".

وذكرت أنه: "هدّد بترحيل وسحب الجنسية من الأشخاص الذين يعتبرون مسؤولين عن التحريض. فيما أكد رئيس الوزراء الهولندي، ديك سخوف، بالقول: "علينا التخلص من معاداة السامية" من خلال "الاندماج الجيل وتربية أفضل للأطفال والتعليم".

وقررت وزيرة الدولة للإعانات، وهي من أصل مغربي، نورا أشهبار، الاستقالة، احتجاجا على ما رأته من تعليقات عنصرية، كان قد أطلقها أعضاء الحكومة.

إثر ذلك، تقدم حزب الحرية والديمقراطية، وهو واحد من أربعة أحزاب في حكومة الائتلاف باقتراح برلماني يطلب من الحكومة "الحفاظ على تفاصيل المعايير والقيم الثقافية والدينية للهولنديين من أصول مهاجرة". وفي وسط الحرب الكلامية، قال المعلق في صحيفة "تيلغراف" إن: "المشكلة الحقيقية مع المسلمين في هولندا، وبالضرورة بكل أنحاء أوروبا، هي أن معاداة السامية و"كراهية الغرب" مغروسة حتى في المسلمين المندمجين جيدا".

وتصدّت المؤرخة المغربية- الهولندية، نادية بوراس، لمزاعم المعلق في صحيفة "تيلغراف" وضحدتها. وقالت في مقابلة إنّ: مثل هذه التصريحات "الخبيثة" كانت تهدف إلى إبقاء المسلمين في حالة دائمة من "الغربة"، على الرغم من أنهم ليسوا كذلك.

وأضافت: "إنها تهدف إلى تأديبهم وإذلالهم، ومن الواضح الآن، معاقبتهم بسحب جنسيتهم إذا لم يفعلوا ما تريد". ونقلت الكاتبة عن عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الاشتراكي الهولندي، محمد شحيم، قوله إن هذه التصريحات هي أيضا وسيلة لتقويض إنجازات المسلمين ودورهم ونفوذهم.


وأبرزت أن مختصا مؤثرا في مجال الاتصالات في الإتحاد الأوروبي ببروكسل، قد أخبرها بأن: "المسلمين يناضلون من أجل الاعتراف بهم، وبغض النظر عن مدى إتقان شخص ما للغة أو حصوله على الدرجات العلمية  أو تبنيه قواعد اللباس الصحيحة، فإن بعض الساسة الانتهازيين سوف يعثرون على شيء ما ويقولون إنه ليس إلا "شاذا عرقيا" غير متوافق مع القيم الأوروبية".

وتعلق إسلام بأن: "هذا محبط بما فيه الكفاية، ولكن المناقشة حول المسلمين الأوروبيين باتت تعبر عن نبرات قاتمة ولم تعد مقتصرة على الساسة اليمينيين المتطرفين".

وأضافت: "الاتهامات الموجهة للمسلمين بأنهم يعيشون غربة دائمة هي نسخة جديدة مما قيل ذات يوم عن يهود أوروبا". ويتفق معاها عالم السياسة النمساوي، فريد حافظ، بالقول: "الآن، أصبح المسلمون متهمين بعدم التكيف، وأصبحوا "الآخر" في أوروبا".

من جهتها، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان، شذى الريحاوي، التي تعيش في ألمانيا: "بات الأمر أشبه بأننا يهود أوروبا الجدد"، مردفة: "مع بداية العام الجديد أقول لنفسي إن هذا العام سوف يمر أيضا وسيعتاد الأوروبيون على العيش في ظل التنوع، وسيجد اليمين المتطرف هوايات أخرى، وسوف يتوقف الساسة الأوروبيون عن أحاديثهم السامة التي تثير الانقسام بلا مبالاة".

وأضافت: "كثيرا ما أفقد الأمل، فالرد العنيف يزداد سوءا دائما بعد وقوع حادث إرهابي مثل الهجوم الأخير في ماغديبرغ، والذي يستغله أولئك الذين عزموا على وضع كل الناس من أصول إسلامية، أيا كانت خياراتهم الإيديولوجية، تحت الشك".


"مع ذلك، أعتقد أنه في يوم جيد سوف تتغير المواقف مع زيادة عدد المسلمين الذين يتحدثون بصراحة، ويشقون طريقهم إلى أعلى السلم الاجتماعي" تابعت المتحدثة نفسها. مؤكدة: "نعرف حقوقنا الأساسية ونعرف القانون ونحن ناجحون".

وختمت بالقول: "عندما يحدث ذلك، قد يتم الاعتراف أخيرا بالمسلمين الأوروبيين كأفراد ومواطنين بكل تنوعهم المعقد بدلا من اختزالهم في رسوم كاريكاتيرية تبسيطية وقوالب نمطية شرقية. وربما لن نعود حينها ملعونين إذا اندمجنا أو ملعونين إن لم نندمج".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية المسلمون أوروبا الاندماج اليمين المتطرف أوروبا المسلمون الاندماج اليمين المتطرف سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسلمین فی فی هولندا

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يلتقي المفوضة الأوروبية على هامش الاجتماع الإفريقي الأوروبي

التقى الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة مع السيدة دوبرافكا سويتشا مفوضة الاتحاد الأوروبي للمتوسط يوم الأربعاء، وذلك على هامش الاجتماع الوزاري الإفريقى الأوروبى المنعقد في بروكسل.

رحب الوزير عبد العاطى بالتنسيق القائم مع المفوضية الأوروبية فى كافة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، معربًا عن حرص مصر مواصلة التعاون مع المفوضة الأوروبية لتنفيذ المحاور الستة للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى، ولا سيما الشق الاقتصادي من الشراكة الاستراتيجية والتطلع لصرف الشريحة الثانية من الحزمة المالية الأوروبية وتنفيذ مخرجات المؤتمر المصرى الأوروبي للاستثمار الذى عقد فى نهاية يونيو ٢٠٢٤، معربًا عن التطلع لمواصلة التعاون المشترك لتشجيع الاستثمارات الأوروبية في مصر على ضوء الأولوية التي توليها الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية.

تطرق وزير الخارجية إلى ملف الهجرة، حيث شدد على أهمية ربط الهجرة بالتنمية ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية وتعزيز الشراكة في مجال الهجرة النظامية، خاصة مع الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الحكومة المصرية ارتباطًا باستضافة ما يزيد عن ٩،٥ أجنبى. وذكر أن تعاون الاتحاد الأوروبى مع دول جنوب المتوسط يتعين أن يسهم في تحقيق المنفعة المشتركة للجانبين والتركيز على زيادة الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتنموي.

مقالات مشابهة

  • بعد جدل حول هدية ب400 مليون دولار.. البنتاغون يقبل الطائرة التي أهدتها قطر لترامب
  • لماذا انقلبت أوروبا ضد كيان العدو الإسرائيلي؟
  • البنتاغون يقبل رسميا الطائرة التي أهدتها قطر للرئيس ترامب
  • وزير الخارجية يلتقي المفوضة الأوروبية على هامش الاجتماع الإفريقي الأوروبي
  • لماذا يحتفي مؤسس ويكليكس بأطفال غزة الذين قتلتهم طائرات الاحتلال؟
  • رئيسة المفوضية الأوروبية: أوروبا مستعدة للعمل مع سوريا على مسار التعافي
  • عضو الملكي للشؤون الأوروبية: استطلاعات الرأي تظهر تراجعا كبيرا في تأييد «بريكست»
  • النقد الدولي: تصاعد التوترات التجارية قد يقلص الطلب الخارجي على السلع الأوروبية
  • حصة الدوريات والأندية التي ضمنت مشاركتها في أبطال أوروبا
  • لماذا تواصل النيابة المصرية حبس مسيحيين بتهم الانتماء للإخوان المسلمين؟