الجزيرة:
2025-05-27@23:39:35 GMT

الهدف غير المعلن للجيش الإسرائيلي

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

الهدف غير المعلن للجيش الإسرائيلي

يرسخ في أذهان كثير من المثقفين والمحللين السياسيين والخبراء العسكريين العرب أن الجيش الإسرائيلي يدمر المناطق الأثرية في لبنان وغزة؛ بغية الانتقام من أماكن لها تاريخ على يد من لا تاريخ لهم في المنطقة، أو محاولة لمحو الذاكرة الحضارية المحمولة على معالم الأمكنة ووظائفها على يد من عاشوا قرونًا طويلة في الشتات، ولا يعرفون ألفة المكان وأهمية الذاكرة البصرية، ولا تستقر في رؤوسهم القيمة الثقافية لما يدكونه بالطائرات والصواريخ دكًا من العمران القديم الصامد في وجه عوامل التعرية والإزاحة.

في أيام النكبة عام 1948 دمرت "العصابات الصهيونية"، التي كانت تحمل السلاح قبل تكوين الجيش الإسرائيلي، 418 قرية فلسطينية تدميرًا مُروعًا، بعض مبانيها كانت تعود إلى قرون خلت، وارتكبت مذابح جماعية في حق الفلسطينيين العُزَّل، وواصل الجيش هذا السلوك في كل الحروب والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين وغيرهم.

وفي الحرب الحالية دمرت إسرائيل في لبنان تراث بعلبك الذي يمتد عمره إلى ثلاثة آلاف عام، ويعود لحضارات خلَّفها الفينيقيون والبيزنطيون والسلاجقة والأيوبيون والفرنجة والمغول والمماليك والعثمانيون. ودمرت إسرائيل، إلى جانب المواقع الأثرية والأبنية السكنية، كنائس وأديرة للطوائف المارونية والأرثوذكسية.

إعلان

وتم تدمير أحياء كاملة بالضاحية الجنوبية في بيروت يعود تاريخها إلى الفتح العربي، مثل حي الشياح، وحي الليلكي/الغبيري، وحي حارة حريك، ومقبرة باشورة، كما تم تدمير مبانٍ قديمة جدًا في مدينة صور، التي يعَدّ جانبٌ منها أشبهَ بمتحف كبير، علاوة على تراث بمدينة النبطية، يشمل أسواقًا ومنازل أثرية ومساجد وكنائس. وأتى الطيران الإسرائيلي على البلدة القديمة في غزة، التي تضم أكثر من 146 بيتًا قديمًا ومساجد وكنائس ومدارس تاريخية وميناء غزة القديم.

وفي كل هذا لم تعبأ إسرائيل بما نصت عليه اتفاقية لاهاي التي تم إقرارها عام 1954، بغية حماية الممتلكات الثقافية في وقت الصراعات المسلحة لعام 1954، وجاءت ردًا على الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية لمواقع التراث الإنساني على يد قوات الحلفاء والمحور، وتنص على أن "أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية، بغض النظر عن الشعب الذي تنتمي إليه، هو ضرر للتراث الثقافي للبشرية جمعاء، لأن كل شعب يساهم في ثقافة العالم".

وفي ظل سيطرة النزعة الدينية المتشددة على السياسة في إسرائيل، بعد صعود اليمين إلى مستوى غير مسبوق، لم يعد الساسة الجدد وحلفاؤهم من المؤسسة الدينية، يعبؤُون بقوانين الحروب الحديثة، ولا بكل ما يرد عن حقوق الإنسان، وهو ما أوردته مجلة "مومِنت" (Moment) اليهودية الأميركية، على لسان الحاخام "مانيس فريدمان" حول الطريقة المثلى للتعامل مع العرب، حيث قال بكل صراحة: "إنني لا أوْمن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية، هي: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم.. ذلك هو الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة".

إعلان

هنا يرى عصام سخنيني في كتابه "الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني" أن هذا المشروع اكتسب هذه النزعة الاستئصالية من مصدرين:

الأول هو الكولونيالية الأوروبية، إذ وُلدت الصهيونية، في نظره، على فراش الاستعمار الغربي، الذي قام باستئصال سكان محليين أصليين في البلاد المُستعمَرة أو حشرهم في معازل بعيدًا عن المستوطنين الأوروبيين. والثاني هو استعارة وقائع ومواقف ومفردات وتعبيرات دينية وتأويلها بإفراط بما يخدم نزعة الإبادة، وفي ركابها يمحو الذاكرة التاريخية للبلدان العربية المعتدى عليها.

هذا المسلك تم تغليفه بالكثير من الحكايات والأساطير والرموز الدينية والمرجعيات التاريخية التي تبرر ما يفعله الجيش الإسرائيلي في زماننا، لا سيما أن بعض الساسة والعسكريين على حد سواء، يرون أن من واجبهم تكرار أحداث التاريخ القديم في تدمير المدن، ومحو الذاكرة البصرية تمامًا، للأمم التي يتم التغلب عليها، كإحدى أدوات إخضاعها عنوة.

حتى إن الساسة العلمانيين في إسرائيل يأتون بالماضي إلى الحاضر، فيستعيدون وقائع تاريخية ليس مقطوعًا بحدوثها فعلًا، لتبرر مسلكهم في التدمير، حيث وجدنا أول رئيس وزراء في إسرائيل ديفيد بن غوريون، يقول: "لا بد من وجود استمرارية من يوشع بن نون إلى جيش الدفاع الإسرائيلي". 

وعاد بنيامين نتنياهو ليكرر الأمر في أول كلمة له عقب عملية "طوفان الأقصى"، حين استعاد حكاية النبي صموائيل مع العماليق، الذين قتلهم مع دوابهم وكل ما ينبض بالحياة في بلادهم، مدعيًا أن الفلسطينيين هم عماليق هذا العصر، وقال: "كما هو مكتوب في التوراة، سألاحق أعدائي، وأقضي عليهم".

وتسرب الإيمان بهذا المسلك إلى قطاع من الشعب الإسرائيلي نفسه، إذ أظهرت دراسة استقصائية شملت نحو ألف طالب وطالبة من المدارس الثانوية في إسرائيل لمعرفة مدى اعتقادهم في صحة وقداسة الأفعال التدميرية القديمة، أن نحو 80% من الطلاب يعتقدون في صحتها، فيما يرى 38% منهم أن الجيش الإسرائيلي ملزم بتكرار الإبادة نفسها في القرى والبلدات العربية التي يغزوها.

إعلان

وفي هذا أبلغ رد على بعض التفسيرات الإسرائيلية الملتوية التي تزعم أن النزعة العدوانية الإسرائيلية راجعة إلى أنها تقع وسط بحر العداء العربي، متغافلة عن التكوين النفسي والتاريخي والأيديولوجي الذي يحكم جانبًا من "العقيدة القتالية" للجيش الإسرائيلي، ويرى في الانتقام التزامًا وواجبًا لا خيار غيره، وبذا لا مناص من تبرير استعمال القوة المفرطة ضد من تصنفهم إسرائيل أعداء لها.

لقد استخدم خطاب الإبادة الإسرائيلي كل هذه الحمولات التاريخية، من نصوص وخطابات وممارسات، وفي إصرار واضح، لشرعنة ممارساته في فلسطين ولبنان، وسوريا، وهي مسألة يدركها بعض اليهود المعتدلين أو الرافضين للنزعة العدوانية الإٍسرائيلية التي تستعير الماضوية وتتلاعب بموروثاتها، وتطبقها على واقع مغاير، وضد من لا جريرة لهم في أي أذى لحق باليهود في الأزمنة الغابرة.

لكن صوت هؤلاء يبقى خافتًا في وجه أولئك الذين يؤمنون بأن تدمير الأماكن التاريخية يحقق لإسرائيل أحد أهدافها، وهو التخلص من موروث حضاري عربي يقع المعمار أو العمران القديم في قلبه، بحيث يتم تمييع التاريخ أو اجتثاث جذوره، بما يساوي بين الإسرائيليين وبين العرب من حولهم، بعد نزع التاريخ المادي عنهم، على قدر استطاعة الجيش الإسرائيلي.

إن التمسك بالمعالم الأثرية بوصفها جانبًا مهمًا من التاريخ المادي، والتصدي لكل من يسعى إلى الاستيلاء على المكان وخلع سكانه منه، والاعتزاز بإرث حضاري عربي، بشقيه؛ الإسلامي والمسيحي، طالما صنع رافدًا قويًا في بناء النفسية والذهنية المقاومة، التي تدرك أن مهمتها لا تقتصر على حماية البشر من السكان، إنما أيضًا حراسة التاريخ، الذي تشكل المعالم الأثرية جزءًا أصيلًا منه، ولذا يرى الجيش الإسرائيلي أن إحدى مهامه القتالية هي تدمير هذه النفسية والذهنية أو على الأقل زعزعتها.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجیش الإسرائیلی فی إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي يدفع بجميع ألويته النظامية إلى غزة

دفع الجيش الإسرائيلي، خلال الساعات الـ 24 الماضية، بجميع ألويته النظامية من المشاة والمدرعات إلى قطاع غزة، في تحشيد عسكري هو الأوسع منذ بدء الحرب، وذلك في إطار ما وصفته تل أبيب بتوسيع المناورات البرية، بينما يتواصل نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين تحت وطأة القصف والدمار.

الجيش الإسرائيلي أدخل جميع ألويته النظامية إلى قطاع غزة في إطار توسيع عملياته البرية ضمن خطة "عربات جدعون" (رويترز)

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، عن مصادر عسكرية لم تسمها، أن الجيش استكمل إدخال 9 ألوية نظامية إلى القطاع، تشمل وحدات مشاة ومدرعات، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي في سياق تنفيذ المرحلة التالية من عملية "عربات جدعون"، التي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر في الرابع من مايو/أيار الجاري.

العملية البرية تركز على شمال القطاع وخان يونس مع تقدم بطيء وتغطية جوية لتقليل خسائر الجنود (رويترز)

وكانت إسرائيل قد بدأت تنفيذ هذه العملية فعليا في 18 من الشهر الجاري، بشن هجمات برية من عدة محاور، في وقت تشير فيه تقديرات عسكرية إلى أن العمليات ستستمر لأشهر، وتتضمن "إجلاء شاملا" لسكان المناطق التي تصفها إسرائيل بمناطق القتال، وعلى رأسها شمال غزة وخان يونس جنوبا.

الحكومة الإسرائيلية صادقت على خطة "عربات جدعون" في 4 مايو/أيار وبدأت تنفيذها بهجمات برية من عدة محاور في القطاع (رويترز)

وخلال الأسبوع الأخير، أعلن الجيش الإسرائيلي عن دخول الفرقتين العسكريتين 98 و162 إلى قطاع غزة، لتنضما إلى فرق 252 و143 و36 المنتشرة مسبقا في القطاع.

إعلان

وقالت هيئة البث إن هذه الخطوة تمثل بداية "المرحلة المكثفة" من عملية "عربات جدعون"، التي تشمل إدخال آلاف الجنود الإضافيين إلى مسرح العمليات.

إسرائيل تواجه اتهامات دولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وسط دعم أميركي غير مشروط واستمرار الحرب للشهر العشرين (رويترز)

ورغم التصعيد البري، أكدت المصادر العسكرية أن التحرك يتم بوتيرة بطيئة، في ضوء تعليمات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، الذي وجّه بالتركيز على "الأمن وتقليل الخسائر في صفوف الجنود على حساب السرعة"، وهو ما يترجم ميدانيا بتغطية جوية مكثفة للتقدم البري.

الحرب الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلفت أكثر من 176 ألف شهيد وجريح، أغلبهم من النساء والأطفال (رويترز)

وبالتزامن مع هذه العمليات، تشهد مناطق واسعة من قطاع غزة موجة نزوح كبيرة، إذ أعلنت منظمة الهجرة الدولية، الجمعة، أن أكثر من 172 ألف فلسطيني فرّوا من منازلهم خلال أسبوع واحد فقط، جراء القصف العنيف والتصعيد المتواصل.

موجة النزوح الأخيرة أسفرت عن تهجير أكثر من 172 ألف فلسطيني خلال أسبوع واحد جراء القصف الإسرائيلي (رويترز)

ولكن النازحين، بحسب شهادات سكان محليين، لا ينجون من الهجمات الإسرائيلية حتى في المناطق التي يقصدونها، حيث استُهدفت تجمعات نازحين وقوافل فرار، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بينهم.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواصل إسرائيل حربا وصفت بأنها "الأعنف" في تاريخ عدوانها على غزة، خلّفت حتى الآن أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب ما يزيد على 11 ألف مفقود تحت الأنقاض، في ظل حصار خانق ونزوح جماعي لمئات الآلاف.

وتواجه إسرائيل اتهامات واسعة من منظمات دولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتهجير قسري، في حرب مستمرة للشهر الـ20، وتحظى بدعم أميركي غير مشروط.

مقالات مشابهة

  • المطبخ العالمي: الجيش الإسرائيلي لم يوفر طرقا آمنة لإيصال الإمدادات لنا
  • النتيجة تدمير إسرائيل.. ساعر يحذر من نتيجة فرض حظر أسلحة على الاحتلال
  • الجيش اللبناني يفكك جهاز تجسس ويزيل ساترَين ترابيّين للجيش الإسرائيلي جنوبي البلاد
  • الخارجية الفلسطينية تؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تأجيج الأوضاع في الضفة
  • عاجل | الجيش الإسرائيلي: اعترضنا قبل قليل صاروخا آخر أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخًا أُطلق من اليمن
  • الجيش الإسرائيلي يُعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن
  • الجيش الإسرائيلي يدفع بجميع ألويته النظامية إلى غزة
  • الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل ويعمل على اعتراضه
  • عاجل | الجيش الإسرائيلي: رصدنا إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل