سودانايل:
2025-06-01@18:55:06 GMT

إخْمَادُ الحَرْبِ بالوَثِيقَةِ الدُسْتُورِيَّةِ

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

إخْمَادُ الحَرْبِ بالوَثِيقَةِ الدُسْتُورِيَّةِ
Thwarting the War by the Constitutional Document

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم

هل الفشل في تنفيذ الوثيقة الدستورية يبرر إلغاءها؟:
الدساتير حتى في الدول المتقدمة ليست مكتملة لتكون ثابتة أو غير قابلة للتعديل. بل إن أحد السمات الرئيسية للدساتير في هذه الدول هي قدرتها على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال احتوائها على آليات لتعديلها.

وتهدف هذه الآليات إلى ضمان استمرار الدستور كوثيقة حية تعكس احتياجات المجتمع والقيم المتغيرة. وليس أدلُّ على ذلك من خضوع الدستور الأمريكي للتعديل 27 مرة منذ المصادقة عليه عام 1787، بما في ذلك تعديلات كبيرة مثل إلغاء العبودية ومنح النساء حق التصويت. كما خضع الدستور الألماني للتعديل 60 مرة منذ اعتماده في عام 1947. وحتى التغيير الهائل بإعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية، بما في ذلك إدماج الأراضي الشرقية ضمن الهيكل الدستوري الاتحادي لم يؤدِ لإلغاء الدستور الألماني بل تم الاكتفاء بتعديله عام 1990. وتم تعديل الدستور الهندي منذ اعتماده عام 1950 أكثر من 100 مرة لاحتواء متغيرات متعلقة بتحديات تطبيق العدالة الاجتماعية، والنظام الفيدرالي، واللغة الرسمية.
أما الفشل في تنفيذ الدستور بعدم الالتزام بأحكامه ومبادئه أو العجز عن تطبيقه بشكل كامل بسبب عوامل سياسية، أو اجتماعية، أو إدارية، أو حتى نتيجة لأزمات أو صراعات، فإن الممارسة العالمية الجيِّدة تشير أيضاً لتعديل الدستور وفقاً للإجراءات المنصوص الدستور نفسه، حتى في حالة ثبوت أن بعض أحكام الدستور غير قابلة للتنفيذ أو لا تتماشى مع الواقع السياسي والاجتماعي. وهناك عدة أمثلة لدساتير تم تعديلها بسبب الفشل في تنفيذ بعض بنودها سواء نشأ هذا الفشل عن غموض النصوص، أو تعارض بين البنود، أو عجز مؤسسات الدولة عن تطبيق أحكام الدستور. فعندما واجهت الولايات المتحدة تحديات في تنفيذ بعض بنود الدستور المتعلقة بحقوق الأفراد وتنظيم السلطات أضيفت في عام 1791 بنودٌ لضمان حماية حقوق الأفراد بعد انتقادات بأن الدستور الأصلي لم يكن واضحاً في هذا الشأن. وفي عام 1962 أُجْرِيَ تعديلٌ في الدستور الفرنسي ليصبح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب بدلاً من البرلمان، بهدف تعزيز الشرعية. كما عدَّلت الهند الدستور عام 1976 لتعزيز الاشتراكية والعلمانية وسط أزمات سياسية.
والوثيقة الدستورية لعام 2019 المعدلة عام 2020 التي غرر بها المدنيون والعسكريون الموقعون عليها ليست استثناءً. فإذا افتُرِض جدلاً أن الوثيقة الدستورية بها عيوب، أو تشتمل على بنود غير قابلة للتنفيذ، فقد اشتملت الوثيقة على بند يحدد كيفية تعديلها، بَيْد أنها فرضت قيوداً صارمة على التعديل لحماية أهداف الثورة. حيث تنص المادة (78) من الوثيقة على: "لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي، وبعد التشاور مع مجلسي السيادة والوزراء." وفي غياب المجلس التشريعي، يتعين موافقة مجلسي السيادة والوزراء مجتمعين على أي تعديل.
وعليه فإن تجاهل قوى الحرية والتغيير تعديل الوثيقة الدستورية لعام 2019، واختيار استبدالها بوثيقة جديدة صاغتها نقابة المحامين السودانية المعروفة بـ "الإعلان الدستوري لنقابة المحامين"، يُثير تساؤلات متعددة حول مبررات الخطوة وتداعياتها. فالوثيقة الدستورية لعام 2019 تحتوي على المادة (78) التي تحدد كيفية تعديل الوثيقة. وعليه فإن تجاوز هذه الآلية يعني تجاهل الدستور القائم، وهو ما يمكن اعتباره انتهاكاً للمبادئ الدستورية. فالالتزام بالإجراءات الدستورية يُعد مبدأً أساسياً لحكم القانون، وعدم احترام الوثيقة الدستورية يثير شكوكاً حول شرعية أي بديل دستوري جديد. وذلك فضلاً عن وثيقة نقابة المحامين تعكس رؤية مجموعة معينة من القوى السياسية وتفتقر للشرعية. وذلك فضلاً عن أن الوثيقة الدستورية لعام 2019، رغم ما نسب لها من عيوب وفشل في تنفيذها ، فقد أتت نتيجة تفاوض شامل بين قوى ثورة ديسمبر ممثلة في الحرية والتغيير والعسكريين، ما أعطاها الشرعية الثورية والقبول الأوسع مقارنة بأي مرجعية دستورية أخرى.
لماذا تمثل الوثيقة الدستورية الإطار الدستوري الشرعي الحصري لإبطال الذرائع الدستورية للحرب؟:
نظراً لطغيان العنصر الدستوري في الصراعات السياسية والعسكرية التي قادت لانقلاب أكتوبر 2021 وحرب أبريل 2023 وتسببت في استمرارها، هناك ضرورة للتوافق على إطار دستوري ينطوي على قواسم مشتركة بين المدنيين والعسكريين الذين شاركوا في الثورة الشعبية الكُليَّة ضد نظام الإنقاذ القهري الفاسد، بحيث يؤسس هذا الإطار الدستوري لتوافق حول مشروع وطني يعالج القضايا الأساسية التي أفرزتها الحرب ويحدد معالم عقد اجتماعي جديد وتوافق سياسي موضوعي بين فصائل ثورة ديسمبر المدنية والعسكرية عبر حوار وطني عميق. ويستدعي ذلك اعتماد منهج التدرُّج وتحديد أولويات كل مرحلة، بدءاً بوقف إطلاق النار، ومروراً ببناء التوافق السياسي والعسكري بين قوى الثورة خلال فترة انتقالية محددة الفترة والصلاحيات والمهام المسندة، ووصولاً إلى ترسيخ المدنيَّة الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع دون إقصاء.
لقد شهدت الفترة التي أعقبت انقلاب أكتوبر 2021 حراكاً واسعاً للوصول لمرجعية دستورية تحكم الفترة الانتقالية بعد فشل المدنيين والعسكريين في الالتزام بتنفيذ بنودها. وبرز في هذا الحراك خارطة طريق لوضع إعلان دستوري جديد عرضتها قوى الحرية والتغيير (قحت) على بعثة الأمم المتحدة للسودان في فبراير 2022، وأعقب ذلك الإعلان الدستوري الذي طرحته اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين في سبتمبر 2022، ثم الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه عدد من الكيانات العسكرية والمدنية في ديسمبر 2022. وقد اتسمت كل هذه المحاولات لوضع مرجعية دستورية للفترة الانتقالية بافتقار القائمين عليها للشرعية الثورية أو الشرعية الانتخابية التي تؤهلهم لوضع إطار دستوري ذي مصداقية. وبالنظر للبدائل الأخرى المطروحة لوضع مرجعية دستورية تمهد للتوافق بين المدنيين والعسكريين نجدها تشمل: مؤتمر دستوري شامل، ولجنة دستورية تمثيلية، والوثيقة الدستورية لعام 2019 المعدلة عام 2020. وبتسليط معيار الشرعية على هذه البدائل تتجلى الوثيقة الدستورية كخيار أوحد نظراً لما تتمتع به من الشرعية الثورية المنبثقة عن ثورة ديسمبر 2018 الشعبية.
إذ يتطلب تحقيق السلام المستدام بعد الحرب إطلاق عملية عادلة وشاملة للحوار حول المرجعية الدستورية المستندة على مضامين ثورة ديسمبر مع مراعاة شرعية الكيان الذي يصيغها. ونظراً لعدم توفر الشرعية الدستورية حالياً لدى مجمل الفاعلين المدنيين والعسكريين، يستدعي الأمر النظر في إدخال تعديلات هيكلية على الوثيقة الدستورية (عام 2019 المعدلة عام 2020) بوصفها المرجعية الدستورية الوحيدة ذات الشرعية نظراً لمشاركة قوى ثورة ديسمبر 2018 المدنية والعسكرية في إعدادها في إطار الشرعية الثورية. وتجدر الإشارة إلى أن كافة الفقرات التي استحدثتها وثيقة المحامين (التي استند عليها الاتفاق الإطاري) يمكن استيعابها بتعديل الوثيقة الدستورية، بما في ذلك خروج العسكريين من السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية. وهناك ضرورة لوضع نظام حوكمة وطني شامل يستهدف العلاقة بين استدامة السلام وروح ونص المرجعية الدستورية، وبناء الثقة بين الفاعلين المدنيين والعسكريين لتحقيق السلام، بمعالجة الثغرات الحرجة في الوثيقة الدستورية المتعلقة بفض "الشراكة" المدنية-العسكرية وإحلال "التنسيق" المدني-العسكري محلها لتحقيق التحوُّل المدني الديمقراطي. وهنا تلوح الضرورة لمراعاة الملكية الوطنية لعملية المرجعية الدستورية لتحاشي النتائج العكسية المصاحبة لتعاظم دور الجهات الخارجية بإطلاق حملة إعلامية عامة لتوسيع قاعدة المشاركة، وإجازة الوثيقة الدستورية المعدلة بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.

المنهجيَّة الشرعية لتعديل الوثيقة الدستورية:
أفرزت حرب أبريل واقعاً سياسياً واجتماعياً وعسكرياً قاهراً لم يشهده السودان على مر العصور. وللخروج من هذا المأزق المُرَكَّب الذي أفرزته الحرب، ولتحاشي ما هو أسوأ، ينبغي تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لوضع السودان على مسار سياسي ديمقراطي مستقر يقطع الطريق لانزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية الشاملة والتقسيم، ويستجيب لتطلع السودانيين إلى حاضر واعد ومستقبل مزدهر. ولا شك أن المسار نحو هذا المستقبل تحُفُّه مخاطر وتحديات يتطلب مواجهتها التحلي بصفات الوطنية وشيوع سمات العدالة والتآزر والتسامح بين أبناء الوطن الواحد.
ذلك أن المرحلة الانتقالية مُجَرَّد جسر واهن مصمم هيكلياً لعبور السودان من الصراع للسلام ثم التحول المدني الديمقراطي، دون تحميل هذا الجسر أكثر من طاقته التصميمية بما يؤدي لانهياره. ولعل من أبرز القضايا خلال الفترة الانتقالية القادمة هي الاختصاصات والمهام المسندة للفترة التي تعقب انتهاء الصراع المسلح باعتبارها مجرد "انتقال" نحو التحول الديمقراطي وليس "تأسيس" الدولة السودانية الجديدة. وعليه فإن إغراق الفترة الانتقالية بمهام "تأسيس السودان الجديد" يمثل تمريناً نخبوياً لا يستند إلا على شرعية السلاح، فضلاً عن كونه قصير الأجل تجُبُّه منطقيَّاً السلطة المنتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. حيث إن "التأسيس المستدام" للسودان الجديد لا يتم إلا عبر سلطة منتخبة تعقب إنجاز الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلام عبر فترة انتقالية رصينة ومتماسكة لا تقل مدتها عن خمس سنوات، يقودها مدنيون مستقلون ويحميها جيش واحد موحد، ويتم خلالها تنفيذ العقد الاجتماعي بين السلطة الانتقالية والشعب.
ونظراً لوعورة الفترة التي تعقب الحرب مباشرة في تحقيق الانتقال للمستقبل المشرق يجب التأمُّل في كيفية اجتيازها دون انتكاس. ولعل الاستبصار في الذرائع التي أدت للحرب يرسخ الحاجة لإطار دستوري مستنير يستوعب شواغل الأطراف العسكرية الضالعة في الحرب، وهواجس ضحاياها المدنيين المعانين من ويلاتها. وبالنظرة الذرائعية للبدائل المتاحة تبرز الوثيقة الدستورية كالخيار الوحيد الذي يتمتع بالشرعية الثورية، والقابل لاستيعاب الواقع الملتبس الذي رشح من الحرب، إذ يجب إخضاعها لتعديلات ممنهجة لتهيئ البيئة الصالحة لإشاعة التآزف والتقارب بين العسكريين المتحاربين والمدنيين المتناحرين.
وتحقيقاً لهذه الغاية المأمولة ينبغي تعديل الوثيقة الدستورية لتستوعب استبدال الشراكة العسكرية-المدنية بالتنسيق المدني-العسكري كمنهج بديل لوقف الحرب والتمهيد لخروج العسكريين من السياسة، عوضاً عن إطار الشراكة السابقة التي واجهت تحديات كؤودة أدت للمناداة بفضها من قبل لجان المقاومة والفاعلين المدنيين، وانتهت بانقلاب ديسمبر المشؤوم. وحتى يؤدي التنسيق العسكري-المدني دوره المنوط بها بعد الحرب ينبغي تأطيره في الوثيقة الدستورية المعدَّلة بما يحقق ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك حرية المعتقد والعبادة وحرية التعبير والتجمع والتنظيم، والتأكيد على احترام التنوع الثقافي والديني والعرقي في المجتمع دون النص على ما يثير حفيظة الإسلاميين بتبني مواقف دينية وثقافية مثيرة للجدل، وإدراج مبادئ العدالة وعدم التمييز وحماية حقوق الأقليات، وتعزيز مفهوم المواطنة المتساوية وضمان المشاركة السياسية للجميع، وإنشاء آليات للعدالة الانتقالية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب، وتضمين مبادئ الحوار والتفاهم المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع، وتعزيز دور وسائل الإعلام في نشر قيم التسامح وتيسير الحوار المفتوح وإنشاء مؤسسات وطنية وإطلاق مشروعات لتعزيز التسامح والتعايش السلمي.
واستيعاباً للواقع العسكري الذي فرضته حرب أبريل، ينبغي تعديل الوثيقة الدستورية لتُمكِّن من تقليص النفوذ السياسي للمؤسسة العسكرية تدريجياً، وتعزيز الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، حيث يصبح دور العسكريين محصوراً في صلاحيات رمزية خلال الفترة الانتقالية، باستيعاب ممثلين محدودين من العسكريين في مجلس السيادة، شريطة ألا يكونوا من الذين كانوا أعضاء في مجلس السيادة السابق. ويساعد في تحقيق ذلك الهدف منح مجلس السيادة الانتقالي صلاحيات رمزية كخطوة مهمة نحو تقليص دور العسكريين في السياسة، مما يساهم في تسهيل خروجهم التدريجي من السلطة وحصر دورهم في حماية الأمن القومي. وتشمل هذه المهام الإشرافية الرمزية جعل مجلس السيادة رمزاً لوحدة الدولة وسيادتها، دون التغوُّل على إدارة الشؤون التنفيذية اليومية التي تُناط بالحكومة المدنية. كما تشمل أيضاً اعتماد تعيينات رئيس الوزراء والوزراء وقضاة المحكمة العليا والنائب العام بعد ترشيحهم من الجهات المختصة، دون التدخل المباشر في اختيارهم. وحتى صلاحيات إعلان الحرب وفرض حالة الطوارئ يُقيَّد المجلس بشأنها باشتراط توصيات من مجلس الوزراء والمصادقة من المجلس التشريعي لإعلان الحرب أو حالة الطوارئ، مما يقلل من إمكانية اتخاذ قرارات أحادية ذات طابع عسكري.
وفيما يلي استعراض للتعديل المحدود على الوثيقة الدستورية الذي يستهدف فقط الفقرات ذات الصلة الجوهرية بتجنيب السودان المآلات الجسيمة لحرب أبريل 2023. وتنطوي هذه التعديلات على تجنُّب فتح المجال لإدخال تعديلات شكلية تمس تماسك الوثيقة وتعيد مكابدة المخاض العسير الذي صاحب صياغة أصلها في عام 2019، وتعديلها عام 2020.

الآليات القانونية لتعديل الوثيقة الدستورية:
أدى عدم التزام كلا المدنيين والعسكريين بتنفيذ الوثيقة الدستورية إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض عملية الانتقال المدني الديمقراطي، مما مهد الطريق للأزمات السياسية، وانقلاب أكتوبر ثم حرب أبريل. وقد تجلى عدم الالتزام في تعطيل تشكيل المحكمة الدستورية مما أدى إلى غياب الرقابة على دستورية القوانين وحماية الحقوق والحريات الأساسية، كما كان لعدم تشكيل المجلس التشريعي الأثر في أضعاف الرقابة على السلطة التنفيذية وتعطيل عملية سن القوانين اللازمة للإصلاح. وعليه فإن المضي قدماً نحو التحول المدني الديمقراطي يقتضي اتباع آليات تستمد شرعيتها من الوثيقة الدستورية التي تستند على الشرعية الثورية التي كفلتها ثورة ديسمبر.
إلغاء قرار تجميد الوثيقة الدستورية الصادر في 25 أكتوبر 2021 وإعادة العمل بموجبها:
أدى تجميد الوثيقة الدستورية بواسطة الانقلابيين إلى تعطيل الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن التحول المدني الديمقراطي وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان. وعليه يجب أن يصدر قرار من الاجتماع المشترك لمجلس سيادة ومجلس وزراء الأمر الواقع بإلغاء تجميد الوثيقة الدستورية الصادر في 25 أكتوبر 2021 وإعادة العمل بموجبها.

تشكيل المجلس التنسيقي المدني-العسكري:
نصت الفقرة 24-1-أ من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 على اختصاص المجلس التشريعي الانتقالي بسن القوانين والتشريعات، كما نصت في الفقرة 24-3 على أيلولة سلطات المجلس لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء إلى حين تكوين المجلس التشريعي. وبالفعل فقد أجاز الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنه 2020، في الجلسة رقم (9) بتاريخ 12 أكتوبر 2020 لاستيعاب أطراف العملية السلمية الموقِعة على اتفاق جوبا لسلام السودان.
إن نقطة الانطلاق نحو دستورية آليات تعديل الوثيقة الدستورية بعد الظرف القاهر الذي خلفته الحرب تتمثل في التشكيل القانوني للمجلس التنسيقي المدني العسكري. حيث يوكل للاجتماع المشترك لمجلس سيادة ومجلس وزراء الأمر الواقع إجازة تعديل المادة (80) من الوثيقة الدستورية 2019 لعام المعدلة في عام 2020 على النحو التالي: "ينشأ مجلس يسمى المجلس التنسيقي المدني العسكري يقوم بمهام تأطير علاقة تنسيقية بين المدنيين والعسكريين تحل محل الشراكة التي سادت بينهما قبل انقلاب أكتوبر 2021. وتمثل في هذا المجلس التنسيقي أطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية، وأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، والأطراف المسلحة الأخرى غير الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان. ويختص المجلس بتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وخدمة المصالح العليا للسودان، وضمان نجاح التحول المدني الديمقراطي. ويكون للمجلس التنسيقي المدني العسكري الحق في إصدار اللوائح التي تنظم أعماله".

مدة الفترة الانتقالية:
نظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن عدد سنواتها ينبغي أن يحدد بفترة كافية للإيفاء بعقد اجتماعي بين الدولة والشعب يكسبها الشرعية المطلوبة. وينطوي هذا العقد الاجتماعي على مجابهة الحكومة الانتقالية القادمة لتحديات الانتقال المتراكمة التي تشمل، فيما تشمل، وقف الأعمال العدائية، ومراجعة اتفاقية سلام جوبا، والتسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج، وإدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وعودة اللاجئين والنازحين، وإرساء أسس الدولة الناهضة، وتحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية، وتوفير الوظائف للشباب، والتركيز على حقوق المرأة وترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win). وكل ذلك توطئة للشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة في إطار تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود.
وعليه تُلْغَي المادة (2) الفقرة (1) من "الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020 "ويستعاض عنها بالبند الجديد التالي:
(2) تبدا الفترة الانتقالية من تاريخ التوقيع علي التعديل الثاني للوثيقة الدستورية وتستمر لفترة 60 شهراً.

تشكيل مجلس السيادة الانتقالي:
تُلْغَي المادة (4) البند (2) ويستعاض عنه بالبند الجديد التالي:
(2) يشكل مجلس السيادة من 12 عضواً على النحو التالي:
• ثلاثة مدنيون من الكفاءات الوطنية المستقلة يتناوبون على رئاسة المجلس، بحيث يكون كل واحد منهم رئيساً لمدة عشرين شهراً.
• ثلاثة من الكفاءات الوطنية المستقلة تختارهم أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان.
• إثنان من الكفاءات الوطنية المستقلة تختارهم الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان.
• إثنان عسكريان تختارهم المؤسسة العسكرية على ألا يكونا من الأعضاء السابقين في مجلس السيادة الانتقالي.
• إثنان من الكفاءات الوطنية المستقلة ممثلان لإقليم شرق السودان.
تشكيل مجلس الوزراء الانتقالي:
الإبقاء على المادة (7) البند (1) من "الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020 مع إضافة كلمة "مستقلة" بعد كلمة وطنية. ويستعاض عنه بالبند الجديد الاتي:
"(1) يتكون مجلس الوزراء من رئيس، وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، وأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان على أن يكون من بينهم نسبة 25٪ تختارهم أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، ويعتمد مجلس السيادة جميع الأعضاء ومن بينهم وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما المكون العسكري بمجلس السيادة."
ويجدر التأكيد أن هذه التعديلات المذكورة على الوثيقة الدستورية تلبي جوهرياً تطلعات الفاعل الأساسي في الساحة السياسية قبل وبعد الحرب المتمثل في لجان المقاومة بإنهاء الشراكة التي سادت المدة المنقضية من الفترة الانتقالية وتؤسس لسلطة مدنية من الكفاءات المستقلة تساعد على تفرغ الكيانات السياسية للاستعداد للانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية. بيد أن التعديلات لا تتناقض جوهرياً مع التوجهات المعلنة من بقية أطراف الانتقال المدنية والعسكرية ومكونات العملية السلمية حول مفهومهم لمدنية الدولة.

دور القوات المسلحة خلال الفترة الانتقالية:
إلغاء الفصل الحادي عشر المادة (34) والاستعاضة عنها بما يلي:
المادة (34):
1. الهدف الرئيسي للقوات المسلحة هو الدفاع عن الوطن وحماية حدوده وسيادته، وتتركز مهامها الداخلية في حماية النظام الدستوري والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي، وتلتزم القوات المسلحة بالعقيدة العسكرية الموحدة والولاء للوطن فقط.
2. يدمج في القوات المسلحة الدعم السريع وجميع الحركات المسلحة لتكوين جيش واحد.
3. يحظر انخراط أفراد القوات المسلحة في الأنشطة السياسية أو الحزبية والتأكيد على حيادية القوات المسلحة وعدم انحيازها لأي طرف سياسي.
4. العمل على إنشاء جيش مهني وقومي ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة.
5. حظر مزاولة القوات المسلحة للأعمال الاستثمارية والتجارية، باستثناء ما يتعلق بالتصنيع الحربي.
6. القائد الأعلى للقوات المسلحة هو الرئيس المدني لمجلس السيادة.
7. تخضع القوات المسلحة لآليات مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية.

الضامنون الدوليون والإقليميون:
تحاشياً لما واجهته الوثيقة الدستورية لعام 2019 من تجاوزات من كافة أطراف العملية الانتقالية المدنية والعسكرية ينبغي أن يشهد على تعديل نصها بعد الحرب ضامنون دوليون وإقليميون يشملون الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوربي ودول الترويكا. ومن الضروري تكفُّل هؤلاء الضامنون بالمساعدة على تحقيق السلام المستدام وعودة اندماج السودان السياسي والاقتصادي في المجتمع الدولي، وما يترتب على ذلك من استئناف انسياب العون المادي والفني. وتقتضي المسؤولية الوطنية من كافة أطراف الفترة الانتقالية المدنية والعسكرية العمل الجاد لجعل ما تبقى من الفترة الانتقالية بيئة يسودها التآلف والتسامح والانسجام توطئة للانتقال المدني الديمقراطي المأمول.

إجازة تعديل الوثيقة قانونياً بواسطة المجلس التشريعي في إطار استكمال أجهزة الدولة:
اشتملت المآخذ على الفترة الانتقالية السابقة عدم استكمال عدد من أجهزة ومؤسسات الدولة التي تشمل المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، وإصلاح القطاع الأمني، والمنظومة القضائية، مما أدى إلى إضعاف عملية الانتقال المدني الديمقراطي وساهم في تعميق الأزمات السياسية في السودان. حيث تكتسب عملية استكمال أجهزة الدولة أهمية كبيرة بعد الحرب نظراً لتعزيزها للاستقرار السياسي بتجنيب البلاد التبعات الوخيمة للفراغ الدستوري الذي قد يؤدي إلى أزمات متجددة. ومن ناحية أخرى، فإن استكمال الأجهزة يدعم بشكل مباشر عملية الانتقال المدني الديمقراطي بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية حيث إن وجود مجلس تشريعي يتيح للقوى السياسية المختلفة المشاركة في صنع القرار ويساعد في الرقابة على أداء الحكومة وضمان الشفافية ويسمح بتطوير القوانين اللازمة لمعالجة التحديات ما بعد الحرب. وعلاوة على ذلك فإن استكمال الأجهزة يضمن الفصل بين السلطات إذ أن إنشاء المحكمة الدستورية والمجلس التشريعي يضمن الفصل بين السلطات ويمنع تركز السلطة في جهة واحدة. كما يساعد استكمال أجهزة الدولة في تحقيق العدالة والمساءلة. فوجود محكمة دستورية ومجلس تشريعي يساعد في محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب ويقود لتعزيز سيادة القانون عن طريق استكمال الأجهزة القضائية التي تضمن العدالة للجميع. كما أن المحكمة الدستورية تلعب دوراً حاسماً في حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين. وعليه فإن استكمال أجهزة الدولة يعد خطوة حاسمة في عملية إعادة بناء السودان بعد الحرب، ويساهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحتاجه السودان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه.

melshibly@hotmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التحول المدنی الدیمقراطی المدنیین والعسکریین ل المدنی الدیمقراطی المدنیة والعسکریة الفترة الانتقالیة المحکمة الدستوریة السیادة والوزراء الحریة والتغییر المجلس التشریعی الانتقال المدنی عملیة الانتقال القوات المسلحة مجلس السیادة ثورة دیسمبر من الوثیقة بما فی ذلک حرب أبریل بعد الحرب وعلیه فإن أکتوبر 2021 فی تنفیذ فی تحقیق فی عام التی ت عام 2019 عام 2020

إقرأ أيضاً:

الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان

أحمد مراد، أحمد عاطف (أبوظبي)

أخبار ذات صلة «الفارس الشهم 3» تبدأ حفر آبار مياه في غزة «الاتحاد» تستقبل وفداً من كبار ممثلي وسائل الإعلام الصينية

عصفت الحرب الدائرة في السودان، منذ أبريل 2023، بغالبية القطاعات الحيوية، حيث يُعد القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، في ظل تعرض البنية التحتية الزراعية للتدمير الكامل، جراء تصاعد العمليات العسكرية في المناطق التي تمثل القلب النابض للإنتاج الزراعي، خصوصاً الجزيرة وسنار ودارفور وكردفان، ما فاقم معاناة السكان.
وتسببت الحرب في تداعيات كارثية طالت معظم جوانب القطاع الزراعي السوداني، إذ تُشير بعض التقديرات إلى خروج نحو 60 % من مساحة الأراضي المستخدمة عن دائرة الإنتاج. علماً بأن السودان يمتلك 170 مليون فدان صالحة للزراعة، وكان المستخدم منها قبل الحرب 40 مليوناً فقط.
ويُعد مشروع الجزيرة الذي يمتد على مساحة 2.3 مليون فدان واحداً من أكثر المشاريع الزراعية تضرراً من الحرب، مما تسبب في خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، نظراً لكونه أكبر مشروع في العالم يروى بنظام الري الانسيابي، ويشكل مصدر الدخل الأساسي لأكثر من مليون أسرة سودانية.
وفي دارفور، تبدو الأوضاع أكثر كارثية، وأكثر تعقيداً، حيث يعتمد نحو 85 % من سكان الإقليم على الزراعة، وقد أجبرت العمليات العسكرية غالبيتهم إلى الفرار والنزوح بعيداً عن أراضيهم الزراعية. 
كما تُعد سنار والنيل الأزرق وشمال وغرب كردفان أكثر الولايات المتضررة من الحرب، حيث شهدت انخفاضاً ملحوظاً في المساحات المزروعة، ولم تسجل ولايتا شمال وغرب كردفان أي إنتاج زراعي في موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو»، فإن إنتاج السودان من الحبوب تراجع بنسبة تزيد على 60%، موضحة أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، وبات غالبية المزارعين يجدوا صعوبة في الوصول إلى الأراضي والمواد الأولية.
وتسبب اتساع رقعة الحرب على امتداد نحو 70% من مناطق السودان في تعطيل عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، لا سيما مع فقدان 85% من قدرات شبكات الري.

دعم الإمارات
منذ اندلاع النزاع في السودان، في أبريل 2023، تحرص دولة الإمارات على دعم جميع القطاعات الحيوية في البلاد، ومن بينها القطاع الزراعي، حيث وقعت اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» لتقديم تمويلاً قدره 5 ملايين دولار يوجه لمشروع تخفيف المجاعة ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالحرب.
ويوفر المشروع مساعدات طارئة في مجال المحاصيل والماشية والخدمات البيطرية لنحو 275 ألف أسرة من صغار المزارعين والرعاة الضعفاء، ويستفيد منه نحو مليون و375 ألف شخص.
كما يهدف إلى الحد من الخسائر في الثروة الحيوانية من خلال التطعيم الوقائي ضد الأمراض العابرة للحدود، ويستهدف مليوني رأس من الحيوانات، ويستفيد منه نحو 600 ألف شخص، 25% منهم من الأسر التي تعيلها النساء.

تراجع حاد
شددت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نسرين الصباحي، على أن تداعيات الحرب في السودان لم تقتصر على المشهدين السياسي والإنساني فحسب، بل امتدت لتضرب بشدة القطاع الزراعي الذي يُعد أحد أهم ركائز الاقتصاد السوداني، إذ يعتمد عليه ملايين السكان في حياتهم اليومية.
وأوضحت الصباحي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن تدهور القطاع الزراعي في السودان جاء نتيجة مباشرة لعدة عوامل تراكمية أفرزها النزاع المسلح، أبرزها موجات النزوح الجماعي التي ضربت المجتمعات الريفية، والتي تُعد الحاضنة الأساسية للنشاط الزراعي في البلاد.
وأشارت إلى أن النساء والفتيات اللاتي يُمثلن عماد القوة العاملة الزراعية في كثير من مناطق السودان، هن الأكثر تضرراً من النزاع، ليس فقط بفعل العنف والنزوح، بل أيضاً نتيجة تحملهن لأعباء جديدة، أبرزها محاولة تأمين الغذاء في بيئات صارت غير صالحة للإنتاج الزراعي بفعل الدمار وانعدام الأمن.
وقالت الباحثة في الشؤن الأفريقية، إن التقارير الأممية تُظهر أرقاماً مرعبة، إذ بلغ عدد النساء والفتيات النازحات داخل السودان نحو 5.8 مليون، ضمن أكثر من 12 مليون نازح داخل السودان وخارجه، وكثير من هؤلاء كانوا في الأصل من سكان المناطق الزراعية، مما يعني فقداناً جماعياً للأيدي العاملة، وانهياراً للقدرة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والرعي، لا سيما في مناطق مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وأضافت أن المرأة السودانية في الأرياف أصبحت مضطرة للعب أدوار متعددة، في ظل غياب الرجال بسبب الحرب أو النزوح أو القتل، من الزراعة والرعي إلى رعاية الأطفال وتأمين الغذاء والمأوى، وهو ما يجعل النساء يتحملن العبء الأكبر في مجتمع منهك أصلاً اقتصادياً واجتماعياً.
ونوهت الصباحي بأن استمرار النزاع وتصاعد المعارك، خصوصاً في مناطق الإنتاج الزراعي الأساسية، يُهددان بإدخال السودان في مرحلة انعدام أمن غذائي غير مسبوق، مشددة على أهمية تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل، وإعادة التفكير في سبل تأهيل المجتمعات الزراعية المتضررة، مع التركيز على خدمات الدعم النفسي والصحي للنساء اللواتي تحولن من ضحايا مباشرة للحرب إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الجوع والانهيار الاقتصادي.

ضربة قاصمة
قالت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نورهان شرارة، إن القطاع الزراعي السوداني كان يمثل ما بين 30 و%35 من الناتج المحلي الإجمالي، ويُعد مصدر رزق لنحو %60 من القوى العاملة. ومنذ اندلاع الحرب، تلقى القطاع ضربة قاصمة، حيث تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن السودان فقد معظم موارده الطبيعية والبشرية، مع نزوح نحو 12 مليون شخص داخل وخارج البلاد، كثير منهم من المزارعين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للمواسم الزراعية.
وأضافت شرارة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن البيانات تشير إلى أن البنية التحتية الزراعية تعرضت لانهيار شبه كامل، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة لا تقل عن %60، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من بذور وأسمدة، بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في مناطق الزراعة الأساسية مثل الجزيرة والنيل الأزرق وكردفان.
وأكدت أن السودان يقف على حافة المجاعة، وفقاً لتصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، حيث يعاني نحو 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ورغم وصول بعض المساعدات الإغاثية، فإن المستقبل يبدو قاتماً، مشيرة إلى أن معالجة الانهيار الكارثي للقطاع الزراعي لن تكون سريعة أو سهلة، بل ستتطلب سنوات من العمل، وتمويلاً دولياً ضخماً، وأهم من كل ذلك استقراراً سياسياً حقيقياً يؤسس لإعادة بناء ما دمرته الحرب في الريف السوداني.

مقالات مشابهة

  • ⛔ لاحظ التعابير التي استخدمها فيصل محمد صالح في هذا اللقاء
  • إدريس كامل يؤدي اليمين الدستورية رئيسا لوزراء السودان
  • البرهان: المعركة مستمرة ولن تتوقف ويتحدث عن خارطة طريق الحكومة الجديدة ومطلوبات الفترة الإنتقالية
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • كامل إدريس يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للوزراء في السودان
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • للحرب وجوه كثيرة
  • الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان