عودة ترامب تجبر الاتحاد الأوروبي وتركيا على تعزيز تعاونهما الأمني
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
ينظر الأوروبيون بقلق شديد تجاه مستقبل نظامهم الأمني، مع تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يوم 20 يناير (كانون الثاني) الجاري، في ظل تصورات وأفكار ترامب تجاه منظومة الأمن عبر المحيط الأطلسي، وفي القلب منها حلف شمال الأطلسي.
ويرى جاليب دالاي الاستشاري الزائر في برنامج مبادرة تركيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) أن عودة ترامب تجعل قضية مستقبل نظام الأمن الأوروبي أكثر إلحاحاً، كما تزيد الحاجة إلى تحديد مكان ودور تركيا في هذا النظام بوضوح.
The Black Sea, Eastern Mediterranean, and Middle East are not separate arenas in the confrontation between Russia and the West. They are a single strategic space. Turkey is a player in all three, writes @GalipDalay.https://t.co/Ojy5QsS7G2
— Chatham House (@ChathamHouse) January 9, 2025وأضاف أن "هذه العودة للرئيس الأمريكي السابق، بعد خروجه من البيت الأبيض قبل 4 سنوات، قد توفر الزخم المطلوب بشدة للاتحاد الأوروبي وتركيا للانخراط أخيراً في حوارات أكثر جدية بشأن الأمن الأوروبي، والتعاون الأوسع نطاقاً في السياسة الخارجية والأمنية".
وقد شهدت البيئة الأمنية في أوروبا، تحولاً جذرياً في السنوات الأخيرة. فبعد نشوب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، تم التخلي عن الفكرة السائدة حول إقامة نظام أمني يضم روسيا لصالح فكرة تضع موسكو بقوة في معسكر الأعداء. وعلى نحو مماثل، أدت حرب غزة وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا إلى تغيير جذري في الجغرافيا السياسية للجوار الأوروبي، سواء في الشرق أو الجنوب.
ومثل هذه التغييرات، تفرض الحاجة إلى نهج جديد يتعامل مع الأمن الأوروبي بالمعنى الأوسع، ويسد الفجوة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء في الناتو. ومن الضروري إقامة حوار منظم حول الشؤون الخارجية والأمن بين كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا والنرويج. كما ينبغي أن يهدف هذا الحوار في المستقبل، إلى إشراك الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وغير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي مثل أوكرانيا.
وما زالت روسيا تمثل التهديد الأشد إلحاحاً للأمن الأوروبي، ولا يمكن لأوروبا تحمل نظام أمني مناوئ لموسكو ويستبعد تركيا في الوقت نفسه. فالبحر الأسود وشرق البحر المتوسط والشرق الأوسط ليست مناطق منفصلة عن المواجهة الروسية الغربية، وإنما تمثل فضاء واحداً، في الوقت الذي تتمدد فيه تركيا في كل هذه المناطق.
ويرى دالاي أن العلاقات التركية الأوروبية، على المستوى الاستراتيجي، شهدت مؤخراً بعض الخطوات الإيجابية. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وافقت برلين على حزمة كبيرة من صادرات الأسلحة إلى أنقرة، بما في ذلك المواد اللازمة لتحديث الغواصات والفرقاطات التركية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبعد تأجيل طويل، سحبت برلين ،نهائياً، اعتراضها على بيع طائرات يوروفايتر المقاتلة الأوروبية إلى تركيا. وعلى نحو مماثل، أدى خفض التصعيد في شرق البحر الأبيض المتوسط والتحسن الأخير في العلاقات التركية اليونانية، إلى توفير بيئة أكثر ملاءمة للحوار التركي الأوروبي بشأن السياسة الخارجية والأمنية.
وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية نسبياً، تظل هناك قضايا رئيسية قد تعرقل وربما تمنع أي حوار ذي معنى في السياسة الخارجية والأمنية. أولاً، كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي وتركيا مع المنافسة بين القوى العظمى، ولا سيما روسيا والصين. فروسيا تشكل بالنسبة لأوروبا، مصدر قلق أكثر إلحاحاً، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بحرب أوكرانيا.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين أنقرة وموسكو تقارباً وتناقضات واضحة في وقت واحد. وقد اصدمت مواقف الدولتين تجاه 4 صراعات جيوسياسية في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ وأوكرانيا. وفي ليبيا وناغورنو كاراباخ، كان لتركيا اليد العليا، وهو ما تحقق لها مرة أخرى في سوريا بعد سقوط الأسد، الذي كانت روسيا وإيران من الداعمين الرئيسيين له.
وعندما بدأت موسكو غزوها لأوكرانيا، أغلقت تركيا مضائقها أمام السفن الحربية، مما قلل قدرة روسيا على تدوير سفنها الحربية بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. كما كانت تركيا أيضاً من أوائل الدول التي قدمت المعدات العسكرية إلى كييف، بما في ذلك الطائرات بدون طيار المسلحة. وفي وقت لاحق، سلمت فرقاطتين للبحرية الأوكرانية، في حين كانت العديد من الدول الأوروبية، باستثناء دول مثل بولندا، مترددة في البداية في توفير الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، لم تنضم تركيا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، وتبنت المساعي الدبلوماسية لإنهاء الحرب في البداية، رغم أن جهودها كوسيط سلام لم تسفر عن نتائج. لكن في الوقت الذي تتزايد فيه احتمالات نشوب خلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن روسيا وحرب أوكرانيا، فإن الحوار والتعاون بين تركيا وأوروبا والمملكة المتحدة يعد أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للدول الأوروبية.
وتعتبر تركيا لاعباً رئيسياً في كل المناطق التي تهدد فيها روسيا الأمن الأوروبي، سواء في البحر الأسود، أو غرب البلقان، أو شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه أثار سقوط الأسد الشكوك حول مستقبل القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري، إلى جانب القيود التي تفرضها تركيا على حركة المرور في مضيق البسفور. ويعني هذا أن موقف روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط يبدو أكثر خطورة. وبالتالي فإن الوقت قد حان لمزيد من التعاون مع تركيا لتحسين أمن حدود جنوب شرق أوروبا.
وعلى صعيد آخر، لا يوجد تباين جوهري بين السياسات الأوروبية والتركية تجاه الصين. فالانقسام داخل الاتحاد الأوروبي حال دون صياغة سياسة موحدة، للتعامل مع بكين، حيث لا ترى العديد من الدول الأوروبية أن الصين تشكل تهديداً مباشراً لمصالحها. لذلك من المرجح أن يواجه كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا مشاكل مع إدارة ترامب، الذي يعتزم الضغط على حلفائه الأوروبيين والأتراك لسياسات بلاده المناوئة للصين وبخاصة على الصعيد التجاري. وبالتالي فمن غير المحتمل أن يثير ملف الصين خلافات كبيرة بين أنقرة وبروكسل في أي وقت قريب.
ويرى دالاي أن هناك سؤالاً آخر مهماً، يتعلق بما إذا كانت أوروبا وتركيا ستتعاونان أم تتنافسان في الجوار المشترك بينهما. فعلى مدى العقد الماضي كان كل من الجانبين ينظر إلى الآخر باعتباره منافساً أكثر منه شريكاً، وذلك بسبب التوترات في شرق البحر المتوسط بدرجة كبيرة، ولكن مع تحسن العلاقات التركية الأوروبية والحاجة إلى ضمان ضرورة الانتقال السياسي المنظم في سوريا، يحتاج الجانبان إلى استكشاف السبل لتعزيز التعاون في ملفات الجوار المشتركة.
وأخيراً، لا تملك أوروبا سوى الدخول في حوار جاد وبناء من أجل تعزيز التقارب مع تركيا، وطي صفحة الخلافات السابقة نظراً لطبيعة التحديات التي ستفرضها عودة ترامب إلى البيت الأبيض على أوروبا، وبخاصة على الصعيد الأمني والجيوسياسي. كما أن تركيا ستحتاج إلى الدعم الأوروبي إذا ما تصادمت المواقف التركية والأمريكية، تجاه العديد من الملفات بسبب تصورات ترامب لهذه الملفات، ولما يتوقعه من حلفاء واشنطن بشكل عام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب تركيا للاتحاد الأوروبي الحرب الروسية تركيا روسيا الاتحاد الأوروبي عودة ترامب الاتحاد الأوروبی وترکیا البحر الأبیض المتوسط الأمن الأوروبی الأعضاء فی شرق البحر فی سوریا فی الوقت
إقرأ أيضاً:
ترامب يُقلص مهلة روسيا ويهدد بفرض رسوم جمركية ثانوية.. هل تتأثر تركيا؟
أنقرة (زمان التركية) – قلّص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المهلة التي منحها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف إطلاق النار في أوكرانيا إلى “10-12 يومًا”. وكان ترامب قد أعلن قبل أسبوعين أنه سيفرض رسومًا جمركية ثانوية بنسبة 100% على روسيا إذا لم توقع الكرملين اتفاق وقف إطلاق النار خلال 50 يومًا.
وخلال حديثه في اسكتلندا يوم الاثنين، قال الرئيس الأمريكي ترامب إنه “لا يوجد سبب” للانتظار أكثر، نظرًا لعدم إحراز تقدم في قضية وقف إطلاق النار. من جهة أخرى شكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ترامب على مراجعته للمهلة المحددة لروسيا.
وتُعرف الرسوم الجمركية الثانوية بأنها ضرائب تُفرض على الدول الأخرى التي تتعامل تجاريًا مع بلد مستهدف. على سبيل المثال، إذا استمرت دولة ما في شراء الغاز أو النفط من روسيا، فإن منتجاتها التي تُباع إلى الولايات المتحدة ستخضع لرسوم جمركية بنسبة 100%. يسعى ترامب من خلال هذه الخطوة إلى منع الدول الأخرى من الحصول على المواد الخام من روسيا. كما يهدف إلى تقليل إيرادات روسيا من الغاز والنفط، والتي تُعد من أهم مصادر دخلها.
لكن هذا ليس بالأمر السهل إطلاقًا. فبينما قام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بخفض وارداتهما من روسيا تدريجيًا، لا تزال العديد من الدول الآسيوية والأفريقية وأمريكا الجنوبية تواصل شراء المواد الخام من روسيا. إذا نفذ ترامب تهديده، فستواجه هذه الدول خيارًا صعبًا: الاستمرار في شراء الغاز والنفط من روسيا أو التعرض لرسوم جمركية ستجعل بيع منتجاتها إلى الولايات المتحدة شبه مستحيل. ومن بين هذه الدول، تركيا.
ووفقًا لبيانات OEC لعام 2023، وهي منصة تعرض بيانات التجارة الدولية والأنشطة الاقتصادية، تُعد تركيا ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا، بعد الصين والهند، وهما أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم. هذه هي أحدث البيانات المتاحة من OEC. تُصنف تركيا كثالث أكبر دولة تستورد منها روسيا، وثاني أكبر دولة تصدّر إليها روسيا. ووفقًا لبيانات معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، تجاوزت قيمة الوقود الذي استوردته تركيا من روسيا في عام 2024 أكثر من 32 مليار دولار.
هل تتأثر تركيا بالعقوبات على روسيا؟من ناحية أخرى، صدّرت تركيا العام الماضي ما قيمته 14.4 مليار دولار إلى الولايات المتحدة. وكانت القطاعات الأكثر تصديرًا من تركيا إلى الولايات المتحدة في عام 2024 هي الآلات، والأحجار الكريمة، والمركبات ذات المحركات، والسجاد، والأسلحة. قد تجعل رسوم جمركية بنسبة 100% على هذه القطاعات دخول البضائع التركية إلى السوق الأمريكية مستحيلًا. ولكن، يرى الخبراء الذين تحدثت إليهم خدمة بي بي سي التركية أن تركيا قد تُمنح استثناءً.
ويقول سليمان أوزجفيت سانلي، رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك-الأمريكيين (TABA)، إن دونالد ترامب فرض رسومًا جمركية على جميع الدول خلال فترته الرئاسية الثانية، لكنه طبق على تركيا أقل نسبة، حوالي 10%. ويشير سانلي إلى أن المفاوضات مستمرة لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة. ويؤكد سانلي أن مصافي النفط التركية تعتمد على النفط الروسي، وأن تركيا مضطرة لاستيراد حوالي 400 ألف برميل نفط يوميًا من روسيا:
“نظرًا لموقع تركيا كدولة مجاورة لروسيا، فإن لديها علاقة إلزامية. تركيا تدعم أوكرانيا أيضًا وتبذل مبادرات من أجل السلام. في هذا السياق، لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستتخذ إجراءات صارمة ضد تركيا. لطالما تسامح حلفاء تركيا مع حاجتها إلى النفط والغاز الروسي والإيراني في مجال الطاقة.”
ويوضح سانلي أن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% سيمنع وصول المنتجات التركية إلى السوق الأمريكية بشكل مباشر.
ويقول البروفيسور محمود تكجه من كلية الاقتصاد بجامعة مرمرة إن الرسوم الجمركية الثانوية “تحمل مخاطر جدية لدول مستوردة للطاقة مثل تركيا على الورق، لكن كيفية تشكل هذا الخطر فعليًا يعتمد على مدى صرامة وسرعة وتطبيق الولايات المتحدة لهذه السياسة دون تمييز.” ويُذكّر البروفيسور محمود تكجه بأن تركيا قد أُعفيت في الماضي من العقوبات الثانوية المفروضة على إيران وروسيا.
ويضيف تكجه: “لذلك، من المرجح أن تخلق تركيا مجالًا معينًا للمرونة بفضل مناوراتها الدبلوماسية وموقعها الاستراتيجي في هذه العملية.” ويتابع: “كيفية تطبيق العقوبات ستتشكل إلى حد كبير من خلال الأجواء السياسية بين واشنطن وأنقرة. وإذا اعتبرنا أن هذه العلاقات جيدة جدًا في الآونة الأخيرة، فمن المرجح أن يتراجع الخطر.”
كما ترى الدكتورة مهدهان ساغلام، خبيرة سياسات الطاقة من مركز TEPAV لدراسات الطاقة والمناخ، أنه سيُقدم استثناء لتركيا في سيناريو “الرسوم الجمركية بنسبة 100%”، لكنها لا تعتقد أن الأمور ستصل إلى هذه النقطة:
“حتى لو توقفت الدول الأوروبية عن استخدام الغاز الروسي، فإن العديد من شركاء الولايات المتحدة في آسيا، مثل اليابان، لا يزالون يشترون الغاز من روسيا. علاوة على ذلك، فإن سياسات ترامب لا يمكن التنبؤ بها. فقد يعلن بعد مكالمة هاتفية مع بوتين أنه رفع المهلة من 50 يومًا إلى 150 يومًا.”
وتؤكد الدكتورة ساغلام أن سياسات الطاقة للدول تتشكل بقرارات طويلة الأمد، مشيرة إلى أنه لن تُغير أي دولة سياستها الطاقية في 50 يومًا لمجرد رغبة ترامب:
“قانون الطاقة واضح جدًا في هذا الشأن: لا يمكن خرق العقد إلا في حالة القوة القاهرة، وإلا يجب دفع تعويضات كبيرة. وحتى الاتحاد الأوروبي لم يقطع الغاز الروسي فجأة عندما انسحب، بل لجأ إلى عدم تجديد العقود.”
وتذكر الدكتورة ساغلام أن عقد الغاز الذي تستورده تركيا من روسيا عبر خط أنابيب السيل الأزرق سينتهي بنهاية هذا العام، وأن البلدين يواصلان المفاوضات بشأن عقد جديد. ورداً على سؤال: “هل يمكن أن تمارس الولايات المتحدة ضغطًا على تركيا لعدم تجديده؟”، أجابت الدكتورة ساغلام: “عندئذ يمكن لتركيا أن تقول للولايات المتحدة: ‘إذا كنت تستطيع تزويدي بالغاز بنفس السعر والكمية التي أحصل عليها من روسيا، يمكنني شراؤه منك”.
وفقًا للدكتورة ساغلام، ستتبع تركيا سياسة “الانتظار والترقب” في هذا الشأن.
Tags: تركياروسياضرائبغازطبيعيموسكو