لم يكن خطاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون عاديًا، بل هو خارطة طريق إنقاذية. فالمكتوب يُقرأ من عنوانه. ففي هذا الخطاب، الذي لا يشبه أي خطاب قسم آخر، قد وضع الأصبع على كل الجراح. وأعطى صورة متكاملة عمّا سيكون عليه العهد الجديد. لم يترك الرئيس عون تفصيلًا مما يعانيه لبنان منذ أكثر من ثلاثين سنة إلا وأرفقه بتعهدات استثنائية.
فما جاء فيه من أوله إلى آخره يُظهر كم هو ملمّ بكل شاردة وواردة. لم يكتفِ بعرض الكمّ الهائل مما يعانيه لبنان من مشاكل وأزمات، بل كان له في كل محطة أكثر من حل. وللمرة الأولى شعر اللبنانيون بأن التعهدات الرئاسية آيلة إلى التطبيق على أرض الواقع. ولكثرة هذه الأزمات المتشابكة والمتداخلة والمعقدة فإن الحلحلة لن تبصر النور بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى الكثير من الصبر والعناية والمتابعة. وهذا الأمر لن تقتصر مفاعيل تطبيقه على الرئيس الجديد لوحده، بل يحتاج إلى كل تعاون ممكن، بدءًا من شخص رئيس الحكومة، الذي سيكّلف تشكيل الحكومة، ومرورًا بمجلس النواب، وانتهاء بالأحزاب السياسية والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية بكل فروعها.
فالرئيس عون، الذي استطاع أن يحافظ على وحدة الجيش ومنعته وحصانته ومعنوياته وإبقائه أملًا لجميع اللبنانيين على مدى سنوات توليه قيادة المؤسسة العسكرية، ستكون له من دون أدنى شك بصمات أكيدة على مجمل الحياة السياسية انطلاقًا مما رسمه لنفسه من تعهدات سيبدأ بترجمتها تباعًا، ووفق أجندة الأولويات التي تفرضها التطورات المتلاحقة، خصوصًا أن في خطاب القسم أكثر من نقطة جوهرية تصلح لأن تكون أولوية بحدّ ذاتها.
ففي هذا القسم التاريخي أكثر من رسالة وأكثر من عنوان وأكثر من أمل بلبنان جديد. فاللبنانيون بكل تشعباتهم السياسية والحزبية مشتاقون إلى مثل هذا الدفق من العصف المعنوي، وهم الذين عانوا ما لم يعانه شعب آخر على مساحة الكرة الأرضية.
ففي عناوين هذا الخطاب غير المسبوق طيّ لصفحة لم تكن مشرقة وفتح أخرى يؤمل في أن تكون ناصعة البياض على عكس الأوراق، التي لم تعطِ عماد الجمهورية فرصة نقل لبنان إلى مكان آخر، خصوصًا أن ما رافق هذا الانتخاب من إرادة عربية ودولية لمساعدة اللبنانيين للخروج من دوامة أزماتهم، التي كانت تبدو حتى لحظة إعلان الرئيس بري بأنه قد أصبح لهم رئيس جديد.
ففي هذه العناوين العريضة ما يؤشّر إلى "أن مرحلة جديدة من تاريخ لبنان تبدأ اليوم"، ممارسًا "صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات". ولأنه يعرف أن أتى بفعل توافق داخلي دعا إلى "أن نكون جميعاً تحت سقف القانون وتحت سقف القضاء إذا أردنا أن نبني وطناً". وتعهد بأن يعمل "مع الحكومة المقبلة على إقرار مشروع قانون جديد لاستقلالية القضاء" وأن يطعن "بدستورية أي قانون يخالف أحكام الدستور"، وأن " يحترم فصل السلطات". ومما قاله عندما أعلن رفضه أن "لا مافيات ولا بؤر امنية بعد اليوم ولا تهريب او تبييض اموال او تجارة مخدرات او تدخل في القضاء"، قوبل بتصفيق حار.
ومما تعد به أيضًا "ان نعيد هيكلة الادارة العامة ونقوم بالمداورة في وظائف الفئة الاولى وان يتم تعيين الهيئات الناظمة. ولم يكتفِ بتأكيد "حق الدولة في احتكار حمل السلاح"، بل دعا الى "مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية الامن الوطني بما يمكّن الدولة اللبنانية من ازالة الاحتلال الإسرائيلي"، و"الاستثمار في الجيش لضبط الحدود ومحاربة الإرهاب وحفظ وحدة الأراضي اللبنانية".
في خطابه تعهد الرئيس عون "بإعادة اعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي بشفافية"، مشدّدًا على "اقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية وبناء الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال افريقيا".
ومن بين الأمور الكثيرة التي تعهد بها قال: "لدينا فرصة تاريخية لبدء حوار جدّي وندّي مع الدولة السورية بهدف معالجة كافة المسائل العالقة بيننا"، مؤكدًا "التمسك بالحفاظ على الاقتصاد الحر وعدم التهاون في حماية اموال المودعين".
وبالمختصر المفيد فإن ما ورد في كل كلمة من هذا الخطاب المسؤول هو تعبير ضمني عمّا يتوق إليه جميع اللبنانيين إلى أي حزب أو تيار سياسي انتموا. ويكفي أنه قوبل بتصفيق حار من قِبل جميع النواب، باستثناء الذين عزلوا أنفسهم في زوايا النسيان.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
قيادي بمستقبل وطن: كلمة الرئيس تعكس التضحيات التي تقدمها مصر من أجل القضية الفلسطينية
قال المهندس تامر الحبال، القيادي بحزب مستقبل وطن ، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم حول الوضع في قطاع غزة جاءت حاسمة وواضحة، ووضعت النقاط فوق الحروف في مواجهة كل من يشكك أو يحاول المزايدة على الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، مشددًا على أن ما قاله الرئيس يعكس بصدق حجم الألم والتحدي والتضحية التي تقوم بها الدولة المصرية من أجل شعب شقيق يتعرض لحرب إبادة حقيقية منذ أكتوبر الماضي.
وأضاف الحبال في تصريحات صحفية له اليوم، أن حديث الرئيس كشف للمصريين والعالم حجم الضغوط التي تتحملها الدولة المصرية، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني أو الأمني، من أجل استمرار تدفق المساعدات إلى غزة رغم محاولات التشويه والتشكيك التي تصدر من أطراف معروفة الأهداف والنوايا، مؤكدًا أن الرئيس تحدث من منطلق القائد المسؤول لا الباحث عن شعبية أو مكاسب آنية، وقدم خطاب دولة لا شعارات تيارات.
وأوضح أن إشارات الرئيس لرفض مصر الكامل لأي محاولات لتصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين عبر سيناء، كانت بمثابة الرد النهائي على كل من حاول ترويج أكاذيب أو توريط القاهرة في صفقات مشبوهة. مشيرًا إلى أن مصر تصر على أن تكون الأرض الفلسطينية لأهلها، و بقاء الفلسطيني فوق ترابه لا تهجيره.
ولفت الحبال إلى أن الرئيس قدّم كشف حساب واضح أمام المصريين عن الجهود التي تقوم بها الدولة بكل مؤسساتها، بدءًا من القوات المسلحة ومرورًا بالهلال الأحمر المصري وصولًا إلى مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل ليل نهار من أجل إيصال الغذاء والدواء للمحاصرين في القطاع، رغم المخاطر والتهديدات المستمرة على الأرض.
وأشار إلى أن ما قاله الرئيس اليوم بشأن إدخال أكثر من ٥٠٪ من حجم المساعدات التي تصل إلى غزة عبر مصر، وأن القاهرة هي المعبر الإنساني الحقيقي، هو بمثابة صفعة في وجه الحملات الممولة التي تحاول تزييف وعي الشعوب العربية وشيطنة الدور المصري في ملف غزة.
وشدد الحبال على أن كلمة الرئيس كانت ضرورية في هذا التوقيت، خاصة بعد حملات تشويه منظمة تمس الثوابت المصرية، وتشكك في نواياها رغم ما قدمته وتقدمه منذ عقود، لافتًا إلى أن من يدقق في مضمون الكلمة سيجد أنها نابعة من وجع حقيقي وحب عميق لفلسطين وشعبها، ولكنها أيضًا نابعة من حرص لا يقل على أمن مصر واستقرارها.
وأكد القيادي بحزب مستقبل وطن أن ما تقوم به مصر حاليًا يتطلب من الجميع الدعم والمساندة، لا التثبيط أو الاتهام، موضحًا أن من لا يرى الدور المصري في غزة فهو إما جاحد أو جاهل.