جناح الأزهر يرد على المشككين في تدوين السيرة النبوية بإصدار جديد
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
يقدم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزواره كتاب "أوائل المؤلِّفين في السيرة النبوية"، بقلم الأستاذ الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف (1936- 2018م) أستاذ التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، عضو هيئة كبار العلماء، من سلسلة إصدارات الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالأزهر (2025م).
يأتي هذا الكتاب في إطار الرد على حملات التشكيك في قضية تدوين السيرة النبوية، والطَّعن على مؤلِّفيها؛ حيث يترجم المؤلف للطبقات الثلاث الأولى من المؤلفين الذين كتبوا في سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومغازيه، والطبقة في اصطلاح المحدثين: جماعة تقاربوا في السن، واجتمعوا في لقاء الشيوخ.
وقد ترجم لأربعة مؤلِّفين في الطبقة الأولى، هم: أبانُ بن عثمان (ت105هـ)، وعروة بن الزبير (ت 94هـ)، وشُرحبيل بن سعدٍ (ت123هـ)، ووَهبُ بن مُنبِّهٍ (ت110هـ).
وتناول في الطبقة الثانية ثلاثة مؤلِّفين، هم: محمد بن مُسلم بن شهابٍ الزهري (ت124هـ)، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزمٍ الأنصاري (ت135هـ)، وعاصم بن عمر بن قتادة (ت120هـ).
أما الطبقة الثالثة فقد ترجم فيها لخمسة مؤلِّفين، هم: موسى بن عقبة (ت141هـ)، مَعمرُ بن راشدٍ (ت152هـ)، محمد بن إسحاق (ت152هـ)، الواقدي (ت207هـ)، محمد بن سعدٍ (ت230هـ).
وقد فصَّلَ القول في محمد بن إسحاق (ت152هـ)، فتحدَّث عنه وحدَه في أكثر من ثلاثين صفحةً؛ نظرًا لمكانته في هذا الفن، وقال في بداية ترجمته: «إذا نحن وصلنا إلى ابن إسحاق فقد وصلنا إلى إمام الأئمَّة، وأكبر علماء السير والمغازي على الإطلاق وفي كل العصور، ومَن كان عليه اعتماد كل من كتب في السيرة النبوية ومغازي الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ممَّن جاءوا بعده»، ثم تحدث تفصيلًا عن نشأتِه في المدينة المنورة، ورحلته إلى مصر والعراق، وعلاقته بمالك بن أنسٍ وهشام بن عروة، وأفاض في الحديث عن كتابه في السيرة وسبب تأليفه، وأن سيرة ابن هشام هي تلخيصٌ لسيرة ابن إسحاق.
أما عن منهج الدكتور عبد الشافي في التراجم فهو يذكر اسم المترجَم له كاملًا، وسنة مولدِه ومكانه، وسنة وفاته، والبيئة التي نشأ فيها، وشيوخه، وتلامذته، وما وصل إلينا من مؤلَّفاتِه وما لم يصل، ورأي العلماء فيه، مع التركيز في كل هذا على العوامل التي أدَّت إلى سبقه في مجال السير والمغازي.
الهدف من الكتابوقد أفصح المؤلِّف رحمه الله عن هدفه من هذا الكتاب في خاتمته؛ حيث قال: «وبعد: فهؤلاء هم أشهر روَّاد علم السيرة النبوية ومغازي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، نقدمهم للمسلمين؛ ليعرفوا فضلهم في تسجيل أحداث أشرف سيرةٍ، وأعطر حياةٍ عرفتها البشريَّة، وهي سيرة خير الخلق أجمعين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين».
ويلفت المؤلف إلى أنه ليس هناك شخصيَّة تاريخيَّة لَقِيَت من اهتمام الدارسين والباحثين قديمًا وحديثًا، كما لَقِيَت شخصية الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وليس هناك أمة اعتنت بتاريخ وحياة نبيها -بكل تفاصيله ودقائقه- كما اعتنت الأمة الإسلامية، وذلك لسببين رئيسين؛ الأول: أن هذه الحياة حياة مثالية في جميع جوانبها ومستوياتها، ودراستها متعة روحية وذهنية؛ لأن الإنسان يبحث دائمًا عن المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لعلَّ الله يهديه إلى أقوم طريق وأفضل سلوك، وليس هناك حياة وسيرة يمكن أن يتعلم منها الناس أعظم من حياة وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدق الله تعالى إذ جعلنا؛ بل يأمرنا بالاقتداء به، فيقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ}. الثاني: أنَّ الجانب الأعظم من حياة وسيرة الرسول ترجع للأمة؛ ومن ثَمَّ كانت عنايتها بأحاديثه وأفعاله ومغازيه وأيامه، وتكاد تكون كل كلمة تلفظ بها الرسول وكل حركة وكل فعل مرصودةً من المسلمين، ويحفظونها عن ظهر قلب، ومدونة في صدورهم قبل أن تدون في الكتب عند بدء حركة التدوين مع نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني.
ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاصٍّ في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جناح الأزهر السيرة النبوية سيرة الرسول الأزهر قاعة التراث السیرة النبویة جناح الأزهر الله علیه بن إسحاق محمد بن
إقرأ أيضاً:
خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.
نعم الله لا تعد ولا تحصىقال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.
وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.
نعمة الوقت والزمنوأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.
دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبا
هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.
دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبا
هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.
ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.
وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.