هل الزوج ملزم بعلاج زوجته شرعاً؟ اعرف آراء الفقهاء
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
هل يجب على الزوج الإنفاق على علاج زوجته؟ تكاليف علاج الزوجة من دواءٍ وأجرة طبيبٍ داخلةٌ ضمن النفقة الواجبة شرعًا على الزوج تجاه زوجته تبعًا لقدرة الزوج المالية يُسْرًا أو عُسْرًا، وتُنَزَّلُ هذه النفقة منزلة الأصل من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ إن لم تكن أَوْلَى من ذلك جميعًا؛ فقد يصبر الإنسان على الجوع والعطش، لكنه لا يصبر في الغالب على المرض، وهذا ما عليه العمل في الديار المصرية قضاءً، وهو الموافق لمقاصد الشرع الشريف، وفيه عرفانٌ لفضل الزوجة التي لا تألو جهدًا في خدمة زوجها والعكوف على تربية الأولاد.
أكد الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن هذا التصرف غير صحيح شرعًا، وأن الزوج ملزم بعلاج زوجته والنفقة عليها.
وقال أمين الفتوى، في تصريح له، إن العلاقة الزوجية تقوم على الرعاية والعناية المتبادلة بين الزوجين، مشيرًا إلى أن الفقهاء أكدوا وجوب نفقة الزوج على زوجته بما في ذلك العلاج، حيث يجب عليه أن يولي اهتمامًا بصحة زوجته ويعالجها بما يملك من وسائل.
وأضاف أن هذا المبدأ يتوافق مع ما جاء في الشريعة الإسلامية وأخذت به القوانين المصرية التي تلزم الزوج بعلاج زوجته، لافتا إلى أن الزوج لا يمكنه التملص من هذه المسؤولية، وليس من المقبول شرعًا أو أخلاقيًا أن يتنصل من واجبه في رعاية زوجته صحياً إذا كانت على ذمته.
وأشار إلى أن هذا الحق يشمل خمس مجالات أساسية وهي: المأكل والمشرب والملبس والمسكن والعلاج، وإذا كان الزوج يمتلك المال وكان قادرًا على الإنفاق على علاج زوجته، لكنه امتنع عن ذلك، فإنه يكون قد خالف الشرع، ويُلام على تصرفه هذا".
وأوضح: "الرجل ملزم بمسؤولياته تجاه زوجته، ويجب عليه أن يراعي حالتها الصحية، وأن يواكب ما يحتاجه من علاج ورعاية، وفقًا لما تقتضيه العدالة والرحمة في الإسلام".
النفقات المتعلقة بالزوجةأكدت الدكتورة إيمان محمد، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن النفقات المتعلقة بالزوجة، بما في ذلك الدواء والعلاج، هي من واجبات الزوج وفقًا للشرع والقانون المصري.
وقالت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، خلال فتوى لها، إن المشرع في القانون المصري أخذ في اعتباره هذه النفقات كجزء من الحقوق التي يجب على الزوج توفيرها لزوجته، مشيرة إلى أن من بينها تكاليف العلاج إذا استدعت الحاجة إلى زيارة الطبيب.
وواصلت: "إذا كانت الزوجة في حاجة إلى العلاج أو الاستشفاء، والذهاب للطبيب أمر ضروري لحالتها الصحية، فإن ذلك يعد من النفقات الواجبة على الزوج، ولكن يجب أن يكون هذا في إطار من التعاون والتفاهم بين الزوجين، حيث يجب أن تلتزم الزوجة بالذهاب للطبيب فقط عندما يكون هناك حاجة فعلية لذلك".
أفاد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بأن نفقة الزوجة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس واجبة على زوجها في حدود استطاعته. لقوله تعالى: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» [الطلاق: 7].
واستشهد «الأزهر» بما روي أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: «أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا يَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».
وأشار مركز الأزهر إلى أن علاج الزوجة من جملة النفقة الواجبة على زوجها، وهذا هو الموافق لروح الشريعة وعدلها، مؤكدًا أنه بناء على ما سبق فعلاج الزوجة واجب على زوجها بقدر عسره ويسره.
الأدلة على وجوب نفقة الزوجة على زوجها
قرر الشرع الشريف وجوب النفقة للزوجة على زوجها في الجملة، وثبت هذا بالكتاب والسنة والإجماع والقياس: فمن الكتاب: قول الله تعالى: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» [الطلاق: 7]. ووجه الدلالة: صيغة الأمر في قوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ﴾؛ فهو فعلٌ مضارعٌ مسبوقٌ بلام الأمر، والأمر للوجوب ما لم يَرِدْ قرينةٌ تصرفه من الوجوب إلى الندب أو الإباحة، وإذْ لم يرد ما يصرفه عن الوجوب فإنه يفيد أن النفقة للزوجة واجبةٌ على زوجها.
ومن السنة: ما رواه حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَيَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا يَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» أخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. ووجه الدلالة: التعبير بكلمة "حق"، والحق موضوعٌ حقيقةً للواجب؛ لغةً واصطلاحًا.
وأما الاجماع: فلقد انعقد إجماع المسلمين على وجوب النفقة للزوجة على زوجها إجمالًا من لدُن سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الناس هذا، ولم يخالف في ذلك أحد؛ كما نقله الإمام أبو الحسن ابن القطان الفاسي في كتابه "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 55، ط. دار الفاروق الحديثة) وغيرُه.
وأما القياس: فإن من القواعد المقررة في الفقه أن "مَن حُبِس لِحَقِّ غيره فنفقته واجبةٌ عليه"؛ وهذا منطبقٌ على الزوجة؛ فإنها محبوسةٌ على زوجها، فَحُقَّ لها النفقةُ جزاء الاحتباس.
هل يجب على الرجل الإنفاق على علاج زوجته المريضة؟
رغم اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة للزوجة على زوجها، إلا أنهم اختلفوا في تعيين صفاتها ومشمولاتها:
۞ فحَصَرَهَا جمهور الفقهاء في الطعام والشراب والكسوة والسكن والخادم على تفصيلٍ بينهم في شروط وجوبها، ولم يجعلوا منها نفقة العلاج من دواءٍ وأجرة الطبيب ونحوها:
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (4/ 211، ط. دار الكتاب الإسلامي): [النفقة إذا أُطْلِقَتْ فإنها تَنصَرِفُ إلى الطعام والكسوة والسُّكنى؛ كما في "الخلاصة"؛ فقولهم: يُعتَبَرُ في النفقة حالُهُما: يشمل الثلاثةَ كما لا يخفى].
وقال العلامة ابن عابدين في "حاشيته على الدر المحتار" (2/ 462، ط. دار الفكر): [والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسُّكنى، ويُعتَبَرُ في نفقته ونفقة عياله الوسطُ من غير تبذيرٍ ولا تَقتِير؛ "بحر": أي الوسط مِن حاله المعهود].
وقال العلامة خليل المالكي في "المختصر" (ص: 136، ط. دار الحديث): [يجب لِمُمَكِّنَةٍ مُطِيقةٍ للوطءِ على البالغ، وليس أحدُهما مُشْرِفًا -أي بعد الدخول-؛ قوتٌ وإدامٌ وكسوةٌ ومسكنٌ بالعادة بقدر وُسْعِهِ وحالِها والبلد والسعر].
وقال العلامة أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (5/ 541، ط. دار الكتب العلمية) نقلًا عن العلامة ابن شاس: [واجبات النفقة ستةٌ: الطعامُ، والإدامُ، والخادمُ، والكسوةُ، وآلةُ التنظيف، والسُّكنى].
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "الوسيط" (2/ 203، ط. دار السلام): [يجب على الزوجِ النفقةُ بالاتفاق؛ وهي خمسة أشياء: الطعامُ، والإدامُ، والكسوةُ، والسُّكنى، وآلةُ التنظيف؛ كالمشطِ والدهنِ، والخادمُ إن كانت مِمَّنْ تُخْدَمُ].
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (5/ 151، ط. دار الكتب العلمية): [والحقوق الواجبة بالزوجية سبعةٌ: الطعامُ، والإدامُ، والكسوةُ، وآلةُ التنظيف، ومتاعُ البيت، والسُّكنى، وخادمٌ إن كانت مِمَّنْ تُخْدَمُ] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 460 ط. دار الكتب العلمية): [(ويلزم ذلك) المذكور؛ وهو الكفاية من الخبز والأُدْم والكسوة وتوابعها (الزوج لزوجته) إجماعًا].
واستدل الجمهور لما ذهبوا إليه من عدم شمول نفقة الزوجة كُلفةَ علاجها بقول الله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ﴾ [الطلاق: 7]، ووجه استدلالهم: أن الله عز وجل أوجب على الزوج النفقةَ المستمرةَ لزوجته، ونفقةُ العلاج من الأمور العارضة؛ فلا تدخل بذلك في النفقة الواجبة، ولأن شراء الأدوية وأجرة الطبيب إنما تُرَادُ لإصلاح الجسم؛ فلا تلزم الزوج؛ باعتبار أن عقد النكاح إنما هو على منفعة بُضْعِ المرأة؛ فلا يلزم الزوجَ إصلاحُ الجسم كما لا يَلزمُ المستأجرَ إصلاحُ ما انهدم من الدار.
قال العلامة العمراني الشافعي في "البيان" (11/ 208، ط. دار المنهاج): [ولا يلزمه أجرةُ الحجامة والفصاد، ولا ثَمَنُ الأدوية، ولا أجرةُ الطبيب إن احتاجت إليه؛ لأن ذلك يُرَادُ لحفظ بَدَنِهَا لِعَارِضٍ؛ فلا يلزمه؛ كما لا يلزم المستأجرَ إصلاحُ ما انهدم من الدار المستأجرة، وفيه احترازٌ من النفقة والكسوة؛ فإن ذلك يُحتاجُ إليه لحفظ البَدَنِ على الدوام].
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (8/ 199، ط. مكتبة القاهرة): [ولا يجب عليه شراءُ الأدوية، ولا أجرةُ الطبيب؛ لأنه يراد لإصلاح الجسم؛ فلا يلزمه؛ كما لا يلزم المستأجرَ بناءُ ما يقع من الدار وحفظُ أصولها؛ وكذلك أجرةُ الحَجَّامِ والفَاصِدِ].
إلا أنهم نصُّوا على شمولها عددًا من الإجراءات الطبية الوقائية للحفاظ على بدن الزوجة وصحتها ووقايتها على وجهٍ مستمرٍّ مما قد يؤذيها أو يضرها أو يسبب لها التعب والإجهاد؛ حيث أوجبوا خدمتها ونفقة من يؤنسها عند الحاجة إلى ذلك، وكذلك توفير أدوات التنظيف والطهارة اللازمة لبدن الزوجة والمسكن.
قال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 463، ط. دار الكتب العلمية): [يجب (عليه) أي الزوج (مؤنة نظافتها من الدهن) لرأسها (والسدر والصابون وثمن ماءِ شربٍ ووضوءٍ وغسلٍ من حيضٍ ونفاسٍ وجنابةٍ ونجاسةٍ وغسلِ ثيابٍ وكذا المشط وأجرة القيمة ونحوه وتبييض الدست وقت الحاجة) إليه؛ لأن ذلك يُرَادُ للتنظيف؛ كتنظيف الدار المؤجرة. (ولا يجب عليه) أي الزوج (الأدوية وأجرة الطبيب والحجام والفاصد)؛ لأن ذلك يُرَادُ لإصلاح الجسم؛ كما لا يلزم المستأجرَ بناءُ ما يقع من الدار (وكذا ثمن الطيب والحناء والخضاب ونحوه) كالإسفيداج؛ لأن ذلك من الزينة فلا يجب عليه؛ كشراء الحلي (إلا أن يريد منها التزين به)؛ لأنه هو المريد لذلك (أو قطع رائحةٍ كريهةٍ منها) أي يلزمه ما يُرَادُ لقطع رائحةٍ كريهةٍ منها؛ كما ذكره في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب"] اهـ.
كما قرر المالكية في المشهور عندهم وجوبَ تحمل الزوج نفقةَ الولادةِ وتوفيرِ العناية والرعاية الطبية اللازمة للزوجة وللمولود في مدة الحمل أيضًا:
قال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/ 184): [وعلى الرجل أن يقوم بجميع مصلحة زوجته عند ولادتها؛ فأجرة القابلة -أي من واجبات الزوج-؛ كانت تحته أو مطلَّقةً، إلا أن تكون أَمَةً مطلَّقةً فيسقط ذلك عنه].
وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 510، ط. دار الفكر): [(قوله: وأجرة قابلة) يعني أن أجرة القابلة وهي التي تولد النساء لازمةٌ للزوج على المشهور ولو كانت مطلقةً بائنًا ولو نزل الولد ميتًا في الطلاق البائن؛ لأن المرأة لا تستغني عن ذلك؛ كالنفقة. وقيل: إن أجرة القابلة عليها. ومحل الخلاف في الزوجة التي ولدها حُرٌّ؛ كالزوجة الحرة والأَمَة التي مِثل أَمَةِ الجَد، وأما الزوجة الأَمَة التي يكون ولدها رقيقًا لسيدها فأجرة القابلة لازمةٌ لسيدها قولًا واحدًا؛ لِمِلْكِهِ للولد ولو كانت في عصمة الزوج (قوله: ويجب لها عند الولادة ما جَرَت به العادة) أي من الفراريج والحلبة بالعسل والمفتقة ونحو ذلك (قوله: يحصل لها ضررٌ عادةً بتركها) أي بأن يحصل لها الشعث عند تركها، ولا يشترط المرض، لا -أي لا يجب- ما يُحتَاجُ له من ذلك ولو اعتادته. والحاصل أن المدار في لزوم ذلك على الضرر؛ أُعْتِيدَ أم لا، فإنْ ضَرَّ تَرْكُهُ بها لَزِمَهُ؛ أُعْتِيدَ أم لا، وإن لم يضرَّ تَرْكُهُ بها فلا يلزمه؛ أُعْتِيدَ أم لا].
وما يُفْهَمُ من إطلاق الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة عدمَ وجوب هذا النوع من النفقة للزوجة في النصوص السابق إيرادها إنما هو عدم لزومها على الزوج تجاهها إذا لم تأت هذه النفقة استجابةً لطلبه أو بما تعود ثمرته عليه أو بحيث تكون زائدةً على ما يقيم حاجته؛ قال العلامة الشبراملسي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (7/ 195، ط. دار الفكر): [(قوله: لحفظ الأصل) ويؤخذ منه أن ما تحتاج إليه المرأة بعد الولادة لِمَا يُزِيلُ ما يُصيبُها مِن الوجع الحاصل في باطنها ونحوه؛ لا يجب عليه؛ لأنه من الدواء، وكذا ما جرت به العادة مِن عمل العصيدة واللبابة ونحوهما مما جرت به عادتهن لمن يجتمع عندها من النساء؛ فلا يجب؛ لأنه ليس من النفقة، بل ولا مما تحتاج إليه المرأة أصلًا، ولا نَظَرَ لِتَأَذِّيها بِتَرْكِهِ، فإن أرادته فَعَلَت مِن عندها نفسها].
وأدخل ثمنَ الدواء وأجرةَ الطبيب مطلقًا بعضُ المالكية وغيرُ واحدٍ من العلماء في النفقة الواجبة للزوجة على زوجها:
قال الشيخ عليش المالكي في كتابه "منح الجليل" (4/ 392، ط. دار الفكر، بيروت): [عن ابن عبد الحكم: عليه أجرُ الطبيب والمداواة].
وقال الإمام الشوكاني في "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (1/ 460، ط. دار ابن حزم): [وأما قوله: (كفايتها كسوةً ونفقةً وإدامًا) فصحيحٌ، مع التقييد بقوله عز وجل: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ﴾ [الطلاق: 7]. وأما إيجاب الدواء فوجهه: أن وجوب النفقة عليه -أي على الزوج لزوجته- هي لحفظ صحتها، والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها].
والقول بوجوب إنفاق الزوج على علاج زوجته هو ما اختارته التشريعات القانونية المعاصرة في الديار المصرية ومعظم البلاد الإسلاميَّة؛ فقد نصَّت المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة 1920م على أنه: [تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلَّمت نفسها إليه ولو حُكْمًا حتى لو كانت موسرةً أو مختلفةً معه في الدين، ولا يَمنعُ مرضُ الزوجةِ مِن استحقاقها للنفقة، وتشملُ النفقةُ الغذاءَ والكسوةَ والسكنَ ومصاريفَ العلاج وغيرَ ذلك بما يقتضي به الشرع].
ومن المقرر شرعًا أن "حكم الحاكم يرفع الخلاف"، وقد تكلم العلماء على هذه القاعدة وفصَّلُوا الكلامَ فيها؛ منهم الإمام القرافي في "الفروق" (2/ 103، ط. عالم الكتب) في الفَرْقِ السابع والسبعين؛ حيث قال رضي الله عنه: [اعْلَمْ أنَّ حُكمَ الحاكم في مسائل الاجتهاد يَرفَعُ الخلافَ، ويَرجعُ المخالفُ عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتَتغيَّرُ فُتْيَاهُ بعد الحُكمِ عمَّا كانت عليه؛ على القول الصحيح من مذاهب العلماء].
وأما ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم شمول النفقةِ الواجبةِ الدواءَ وأجرةَ الطبيب: فإنما قرروه في واقعٍ مختلفٍ عن واقع الناس اليوم، ومِن المعلوم أن تغيُّر الزمان يترتب عليه في الغالب تغيُّرٌ في الأعراف والعادات ومِن ثَمَّ الاحتياجات؛ فلَم تكن الأسقامُ والأمراضُ منتشرةً في القرون الأولى على النحو الذي نراه في زماننا هذا، ولم يكن علاجها يحتاج إلى تكاليف وإنفاقٍ مثل ما هو الواقع الآن، بل كان المرض في أزمانهم عارضًا في الغالب، يتأتَّى علاجه بما هو متوفرٌ من أطعمةٍ ونباتاتٍ وأعشابٍ وعناصر في البيئة المحيطة، وكان من خبرة النساء ومما يميزهن عن الرجال تداول هذه الأشياء وتعلم التداوي والتطبيب بها، حتى إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بلغت في ذلك مبلغًا عظيمًا؛ كما وصفها بذلك عبدُ الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء رضي الله عنهم؛ فقال: "ما رأيت أحدًا أعلم بفقهٍ ولا بطِبٍّ ولا بشِعرٍّ من عائشة رضي الله عنها" -انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" للقرطبي (4/ 1883، ط. دار الجيل)، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (7/ 186، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني (8/ 233، ط. دار الكتب العلمية)، وغيرها-، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرشد إلى الغسل من الحُمَّى؛ فيقول: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؛ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» متفقٌ عليه، وغير ذلك كثيرٌ مما يدل على طبيعة التداوي وآلِيَّتِهِ في تلك الأزمان.
وهذا الفهم لنصوص الجمهور مستنبطٌ من إيجابهم نفقةَ العلاج والتداوي من بعض الأمراض والأحوال على تفصيلٍ بينهم في ذلك كما سبق بيانه، كما يظهر من نصوصهم في هذا الباب أن تحديد النفقة ومشتملاتها يرجع فيه إلى العرف بشروطه، ومراعاة الأعراف وتغير الزمان عند النظر في هذا النوع من النفقة هو ما قرره الشيخ شمس الدين محمد نجيب المطيعي في تكملته على "المجموع شرح المهذب" (18/ 256، ط. دار الفكر)؛ مستحسنًا ضرب المثل لهذا النوع من النفقة في هذا الزمان بالتأمين الصحي المكفول للعامل لا بالدار المستأجرة؛ فيقول رضي الله عنه: [ولنا وقفةٌ عند هذا الأمر الذي ينبغي النظر إليه من خلال ما طرأ على حياة الناس من تغيّر، وليس هذا الفرع بالشيء الثابت الذي لا يتأثر بالعوامل الانسانية السائدة، فإنه إذا كان الزوجان في مجتمعٍ أو بيئةٍ أو دولةٍ تكفل للعامل والشغّال قدرًا من الرعاية الصحية تحت اسم اصابة العمل أو المرض أثناء الخدمة؛ فيتكفل صاحبُ العمل ببعض نفقات العلاج أو كلها؛ فإنه ليس من العروف أن يُضرب المثل هنا بإجارة الدار مع الفارق بين الزوجة والدار، والأقرب إلى التشبيه أن يكون المثل إنسانيًّا؛ فيُضرب المثل بالعامل فإنه أَوْلَى].
ويرجع فيه أيضًا إلى ما هو دائمٌ دون ما هو عارضٌ؛ قال إمام الحرمين الجويني في "نهاية المطلب" (15/ 449، ط. دار المنهاج): [والأمراض عوارض؛ لا ترتّب لها، ولا تعدّ من الأطوار التي يقع عليها أدوار النشوء؛ فلم يَرَ الشرعُ اعتبارَها].
ومراعاةُ المستمر من النفقة دون العارض منها على ما ذهب إليه الجمهور راجعةٌ إلى استيعاب إحداهما الأخرى، ولعل في ذلك تفسيرًا لعدم إيجابهم نفقة العلاج على الزوج تجاه زوجته باعتبار المرض عارضًا يسيرًا تحصل نفقة التداوي منه بما يفضل من النفقة المستمرة؛ إذ كان هذا المعنى واضحًا لديهم؛ حيث أباحوا للزوجة حال مرضها أن تأخذ مِن النفقة المستمرة التي يوفرها الزوجُ ما تتداوى به باعتبار ذلك عارضًا ولا كلفةَ فيه زائدة على حدود النفقة المعتادة؛ قال الإمام النووي في "الروضة" (9/ 50، ط. المكتب الإسلامي): [ويلزم الزوجَ الطعامُ والأُدْمُ في أيام المرض، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه].
وعلى هذا التحقيق يتجه القول بشمول النفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته تكاليفَ علاجها؛ فهذا هو المتفق مع مقاصد التشريع التي أسس عليها جمهورُ الفقهاء كلامَهم، وهو المناسب لواقع الناس اليوم؛ فالغالب في أمراض هذا الزمان أنها: إما عارضةٌ تحتاج من النفقة ما لا تستوعبه النفقة المعتادة، أو مزمنةٌ مستمرةٌ لا تستوعبها النفقة المعتادة أيضًا، وعلاجها حينئذٍ يُنزَّل منزلة الأصل من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ إن لم يكن أَوْلَى من ذلك جميعًا؛ فقد يصبر الانسان على الجوع والعطش، لكنه لا يصبر في الغالب على مثل هذه الأمراض.
هذا، بالإضافة إلى أن كثيرًا مِن النساء المتزوجات في عصرنا هذا قد خرجن إلى العمل، باذِلاتٍ دُخُولَهُنَّ في نفقة البيت والأولاد الواجبة أصالةً على الزوج، وليس من العدل أن تَبذُلَ المرأةُ مالها في النفقة، حتى إذا مرضت لا تجد مَن يُنفق على علاجها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المزيد النفقة للزوجة على زوجها دار الکتب العلمیة على علاج زوجته یجب على الزوج وقال العلامة مرکز الأزهر قال العلامة لا یجب علیه قال الإمام المالکی فی نفقة الزوج تجاه زوجته من النفقة دار الفکر فی الغالب فی النفقة من الدار ن النفقة رضی الله کما لا ی لأن ذلک لا یلزم إذا کان فی ذلک کانت م إلى أن ة التی إلا أن الله ع
إقرأ أيضاً:
قصة صيام يوم عاشوراء.. اعرف أبرز الأدعية في هذا اليوم
عن قصة صيام يوم عاشوراء، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن العالم قد شهد في العاشر من المحرم حدثًا عظيمًا ومعجزةً كبرى لنبي الله موسى عليه السلام؛ إذ نجاه الله وقومه حين شق لهم في البحر طريقًا يبسًا فكان لهم أمنًا ونجاة، ثم أطبقه على فرعون وجنوده فكان عليهم عذابًا وهلاكًا، وأغرقوا جميعًا.
واستشهد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في منشور عن قصة صيام يوم عاشوراء، بقول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 77، 78].
ومن وفاء سيدنا رسول الله لحق أخيه سيدنا موسى عليه السلام أن صام هذا اليوم؛ شكرًا لله تعالى على نجاته ونصر الله له؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «مَا هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فصامه، وأمر بصيامه. [أخرجه البخاري].
أدعية يوم عاشوراءويستحب للمسلمين في يوم عاشوراء أن يرددوا أدعية يوم عاشوراء ومنها:
اللهم يا من أنجيّت موسى يوم عاشوراء وجعلت له البحر طريقًا يبسًا، نجنا يا الله مما نخشى ونخاف وذلل لنا كل صعب وييسر لنا الأحوال والأمور.
اللهم يا مُفرج كل كرب فرج كروبنا، ويا غافر الذنوب اغفر ذنوبنا ويا سامع دعوة موسى يوم عاشوراء، استجب لكل دعواتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم في يوم عاشوراء ، افرحنا بخبر جميل واشف كل مريض وارحم كل ميت واشرح صدورنا واجعل هذا اليوم استجابة لكل خير وابعدنا من كل شر يا رب.
اللهم أتم علينا نعمتك، وأنزل في قلوبنا سكينتك، وانشر علينا فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم في يوم عاشوراء اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني.. اللهم في يوم عاشوراء أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت.. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
اللهم إني أسألك بأني أشهد إنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
اللهم لا تخرجني من يوم عاشوراء إلا وقد أصلحت حالي وقويت إيماني وأسعدت حياتي وحققت ما في بالي يا رب إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تكفر عنا سيئاتنا، وأن تتولى أمرنا، وأن تختم بالباقيات الصالحات أعمالنا اللهم اغفر لي ولوالدي ولمن أحسن إلي، اللهم سهل لنا كل عسير وأرنا في حياتنا ما يسرنا ويرضيك.. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة
اللهم في يوم عاشوراء اغفر لي ولوالدي ولمن أحسن إلي، اللهم سهل لنا كل عسير وأرنا في حياتنا ما يسرنا ويرضيك.