ثالوث النار.. العلم يكشف أسرار الحرائق وحيل الإطفاء
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
تتجه الأنظار اليوم نحو ولاية كاليفورنيا الواقعة غربي الولايات المتحدة، حيث لا تزال المنطقة تتعرض لحرائق مروعة تهدد الحياة الريفية والمدنية على حد سواء.
ويزداد الوضع تعقيدا مع التقرير -الذي نشره معهد الموارد العالمية العام الماضي- والذي أشار إلى أن حرائق الغابات تزداد بنسبة 5.4% سنويا، وفقا لدراسة شاملة بين عامي 2001 و2023 على مستوى العالم.
وتُعتبر الحرائق ظاهرة معقدة تحكمها قوانين الفيزياء والكيمياء، ويعتمد اشتعالها وانتشارها على توفر 3 عناصر رئيسية تُعرف بثالوث النار (الأكسجين، الحرارة، الوقود). ويعتبر تعطيل أحد هذه العناصر الوسيلة الأكثر فعالية للسيطرة على الحريق وإخماده بالكامل. وبفضل فهم هذا الثالوث، يمكن لرجال الإطفاء والمؤسسات المعنية اتخاذ الأساليب الأكثر كفاءة للتعامل مع الحرائق.
النار تحتاج إلى الأكسجين، لأنه يتحد مع الوقود المحترق لإنتاج الحرارة وثاني أكسيد الكربون، ولأن غلاف الأرض يحتوي على 21% من الأكسجين، فإن هناك وفرة لاشتعال حريق في أي مكان بكوكبنا شريطة أن يتوفر العنصران الآخران.
وعندما يُزال الأكسجين من النار، فإنها تبدأ بالخفوت إلى أن تخمد بشكل كامل، والطرق المثلى لفعل هذا هي قطع مصدر إمداد الأكسجين: إما عن طريق استخدام بطانيات الحرائق التي تشكل حاجزا لوصول الأكسجين، أو باستخدام مطفأة الحريق.
وتختلف مطفئات الحريق بالمواد التي تحتويها باختلاف نوع الحريق الذي تتعامل معه، فكل نوع منها مُصمم لمواجهة حرائق معينة، وهو الأمر الذي سنتطرق إليه لاحقا بهذا التقرير.
إعلانولكن عادة ما تُستخدم مطفأة الحريق التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز غير قابل للاشتعال وأثقل من الهواء، وعندما يُرَش على الحريق فإنه يعمل على تقليل الأكسجين وطرده من محيط الحريق. كما أن إغلاق نوافذ الأبنية لدى إخلائها من السكان يساعد على كبح الحريق لأنه يمنع تسرب المزيد من الأكسجين من الخارج إلى الداخل مع هبوب الهواء.
العنصر الثاني: الحرارةتعد الحرارة عاملا محفزا لبدء عملية الاحتراق، فعندما ترتفع درجة حرارة مادة قابلة للاشتعال إلى حد معين يُعرف بـ"نقطة الاشتعال" تبدأ في إطلاق أبخرة تتفاعل مع الأكسجين، مما يؤدي إلى نشوب سلسلة من الحرائق. وللحرارة دور حاسم ليس فقط في اندلاع الحرائق بل أيضا في استمرارها وانتشارها، إذ تساهم في إزالة الرطوبة من مصادر الوقود وتدفئة المناطق المحيطة، مما يمهد الطريق لامتداد ألسنة اللهب.
ولا يمكن للحريق أن يبدأ أو يستمر دون وجود حرارة كافية، ويمكن إزالة الحرارة عن طريق استخدام مواد تقلل من كمية الحرارة المتاحة، مثل الماء الذي يمتص الحرارة ويتحول من الحالة السائلة إلى البخار. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تقليل الحرارة في اللهب باستخدام كميات كافية وأنواع مناسبة من المسحوق أو الغاز.
ومن المهم ملاحظة أنه يمنع بتاتا استخدام الماء لإخماد الحرائق الكهربائية، إذ أن ذلك يزيد من خطر التعرض لصدمة كهربائية، كما أن الماء يجب عدم استخدامه في حرائق النفط لأن اختلاطه مع الزيت يؤدي إلى تفاقم الوضع.
العنصر الثالث: الوقوديحتاج أي حريق لمصدر وقود لكي يبقى على قيد الحياة، وهناك أشياء تساعد على الاشتعال، مثل الورق والخشب والمنسوجات والبلاستيك والموائع المختلفة القابلة للاشتعال، وجميع هذه المواد قادرة على أن تكون وقودا لأي حريق كان.
وبقطع مصدر الوقود، ستلتهم النار نفسها إلى أن تخمد تماما، ويعد التخلص من الأشجار المحيطة في حرائق الغابات أحد الأساليب الفعالة لإيقاف امتداد ألسنة اللهيب، غير أن قطْع مصدر الوقود لا يضمن دائما توقف النيران حتى تنتهي من استهلاك الوقود الموجود تماما، ففي أحيان كثيرة تبقى الحرائق مشتعلة لكن تحت سيطرة كاملة إلى أن ينفد الوقود. والجدير بالذكر أن رجال الإطفاء يستخدمون مواد وثيابا وعدّة مصنعة خصيصا من مواد مقاومة للاشتعال.
إعلان أنواع الحرائقصحيح أن الحرائق تشترك في هذا الثالوث، إلا أن أنماطها تختلف باختلاف الوقود الذي يحدد أفضل الطرق والآليات لصد الحريق وإخماده. وفي بعض الأحيان، قد يتضاعف الخطر عند استخدام الطريقة الخاطئة. وعليه، فإن الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق قد أعدت 5 تصنيفات لأنواع الحرائق لتسهيل التعامل معها على حدة:
حرائق الفئة "إيه" (A) – إخمادها بالماء: تحدث حرائق الفئة الأولى نتيجة اشتعال مواد شائعة مثل الخشب والورق والأقمشة والبلاستيك، ويكون إخمادها باستخدام الماء أو فوسفات الأمونيوم الأحادي. ويُشاع حدوث هذه الحرائق في حاويات القمامة، لذا ينبغي التعامل معها بحذر حيث قد تحتوي على مواد خطرة قد تنفجر. حرائق الفئة "بي" (B) – وإخمادها يكون بإزالة الأكسجين: تحدث هذه الحرائق نتيجة لاشتعال السوائل أو الغازات القابلة للاشتعال مثل الزيت والكحول، ويكون إخمادها عن طريق خنق اللهب باستخدام مواد مثل فوسفات الأمونيوم أو ثاني أكسيد الكربون، كما يجب تجنب استخدام الماء لأن ذلك يزيد من انتشار الحريق. حرائق الفئة "سي" (C) – ويكون إخمادها بقطع الكهرباء: تنتج هذه الحرائق عن مكونات كهربائية مثل المحولات والأجهزة، وتُعد الطريقة المثالية للتعامل معها هو قطع التيار الكهربائي أولا، ثم استخدام مواد غير موصلة كهربائيا مثل ثاني أكسيد الكربون. حرائق الفئة "دي" (D) – إخمادها يكون باستخدام المواد الجافة: تحدث هذه الحرائق بسبب المعادن القابلة للاشتعال مثل المغنسيوم والتيتانيوم، ويكون إخمادها باستخدام مسحوق جاف مثل الغرافيت أو كلوريد الصوديوم، إذ أن استخدام الماء يزيد من سوء الحريق. حرائق الفئة "كيه" (K) – ويكون إخمادها باستخدام طفايات الحريق الكيميائية: تحدث هذه الحرائق في المطبخ بسبب اشتعال الزيوت أو الدهون، ويكون استخدام طفايات الحريق الكيميائية التي تحتوي على مواد تمتص الحرارة وتمنع الأكسجين من الوصول إلى النار، كما ينبغي عدم استخدام الماء في هذه الفئة من الحرائق. إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکسید الکربون استخدام الماء هذه الحرائق إلى أن
إقرأ أيضاً:
رسالة الموساد إلى تركيا عبر حرائق الغابات
تشهد تركيا هذه الأيام حرائق غابات اندلعت في أنحاء البلاد، وتبذل فرق الإطفاء ومنظمات المجتمع المدني والمتطوعين جهودا جبارة لإخمادها، إلا أنها تواجه صعوبة بالغة في السيطرة عليها، في ظل ارتفاع درجات الحرارة والرياح التي تؤدي إلى اتساع رقعة الحرائق. كما يناقش الرأي العام التركي أسباب الحرائق الكبيرة، ويتساءل: هل هي كارثة طبيعية وإحدى نتائج تغير المناخ أو اندلعت بفعل فاعل يستهدف تركيا؟
قوات الأمن التركية ألقت القبض على 149 شخصا منذ الأول من حزيران/ يونيو الماضي، بشبهة التسبب في اندلاع حرائق الغابات، وتم اعتقال 38 منهم، كما أطلق سراح 61 آخرين بشروط. وذكر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، الاثنين، أن 96 في المائة من حرائق الغابات تعود أسباب اندلاعها إلى عوامل بشرية، مثل رمي السجائر المشتعلة، وعدم إخماد النيران التي يتم إشعالها للشوي وتركها مشتعلة بعد التنزه في الغابات، وحرق بقايا المحاصيل الزراعية، كما لفت إلى أن احتمال التعمد غير مستبعد.
فرضية التعمد في اندلاع حرائق الغابات أكثر من محافظة بشكل متزامن، تعززت بعد إلقاء قوات الأمن القبض على شخص في محافظة بورصا؛ أشعل النار في الغابة مستخدما كمية من البنزين رصدت كاميرات المراقبة شراءها من محطة كان يعمل فيها. واعترف الرجل الذي يبلغ من العمر 30 عاما بأنه أشعل النار في الغابة متعمدا، لأنه أراد أن تتم معاقبته بالسجن مدى الحياة بعد أن ساءت علاقاته مع عائلته جراء طرده من الجيش التركي بتهمة الانتماء إلى الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن. كما شاهد مواطنون أشخاصا آخرين في أماكن مختلفة يحاولون إشعال النار في الغابات. وفي ذات الوقت، نشر حساب في منصة إكس تابع للموساد الإسرائيلي صورة لحرائق الغابات في محافظة بورصا التركية؛ اعتبرها كثير من المحللين رسالة تحذير إلى تركيا.
المحكمة التركية قررت سجن المتهم بإشعال النار في الغابة في محافظة بورصا ليبقى مسجونا خلال محاكمته، رغم أنه قال إنه نادم على ما فعله، كما ادَّعى بأن جواله سقط عند إشعال النار واحترق. إلا أن الاعتقاد السائد هو أنه يكذب لإخفاء صلة التنظيم بالجريمة، ويتظاهر بأنه يعاني من مشاكل عائلية واضطرابات نفسية، وأنه أحرق جواله متعمدا كيلا يتم فحصه. ومن المؤكد أن التنظيم الإرهابي الذي يستخدم أساليب أجهزة الاستخبارات، حين يكلّف أحد عناصره بارتكاب جريمة يلقِّنه ما سيقوله في حال اكتُشف أمره أو أُلقي القبض عليه متلبسا بالجريمة.
علاقة الكيان الموازي مع إسرائيل ليست جديدة. وكان زعيم الجماعة فتح الله غولن، ذكر أنه بكى لأيام من أجل أطفال إسرائيل حين استهدف صدام حسين إسرائيل بصواريخ. كما كتب أحد أقطابه، المدعو كريم بالجي، تعليقا على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، ليبرر الجريمة: "إن كنت قد أعلنت حربا ضد إسرائيل فهذا يعني أنك مستعد للقتل دون النظر إلى سنك وصحتك". ويشارك لاعب السلة المنتمي إلى الجماعة، أنس كانتر، في الفعاليات التي ينظمها اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، للتعبير عن تضامنه مع إسرائيل. وإضافة إلى ذلك، يجمع الطرفين هدف واحد، وهو إسقاط الحكومة التركية المنتخبة التي يقودها أردوغان، بأي وسيلة.
تركيا قامت بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في صيف 2016، بتطهير جيشها وأجهزة أمنها واستخباراتها من خلايا تنظيم الكيان الموازي الإرهابي، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، إلا أن قادة التنظيم وعناصره، حتى هؤلاء المسجونين الذين قصفوا مقر القوات الخاصة للشرطة في أنقرة ليلة محاولة الانقلاب ليقتلوا عشرات من خيرة رجال الأمن، ما زالوا يحلمون باسترجاع نفوذهم في أجهزة الدولة، ومستعدون لفعل كل ما بوسعهم من أجل ذلك، حتى لو كان على حساب أمن البلاد واستقرارها ومصالحها. كما أنهم انضموا بعد تلك المحاولة الفاشلة إلى أحزاب وجماعات مختلفة لإخفاء انتمائهم الحقيقي، واستغلال تلك الأحزاب والجماعات في دعم أهداف التنظيم الإرهابي والتحريض ضد الحكومة. وكان الضابط السابق الذي اعترف بإشعال النار في الغابة بمحافظة بورصا، ينشط في صفوف الحزب الجيد الذي أسسته ميرال أكشنير، وكتب في حسابه بمنصة إكس أنه رئيس شبيبة الحزب الجيد في بورصا.
اعتقال المتهم بإشعال النار في الغابة بمحافظة بورصا واعترافه بجريمته النكراء، إضافة إلى احتفاء الموساد الإسرائيلي بحرائق الغابات في تركيا، أعاد إلى الأذهان دور العملاء المحليين في ضرب الجيش الإسرائيلي لأهداف حيوية داخل إيران خلال الحرب الأخيرة، ومدى أهمية تحصين الجبهة الداخلية. ومن المؤكد أن الموساد الإسرائيلي، عبر نشر صورة لحرائق الغابات في بورصا، يذكِّر أنقرة بأنه قادر على إشعال تركيا من خلال استخدام الخونة وأساليب غير تقليدية، في ظل تصاعد التنافس والتوتر بين البلدين، وفي الوقت الذي تستعرض فيه تركيا أسلحتها الجديدة في إسطنبول بمعرض "آيدف 2025" الدولي للصناعات الدفاعية.
وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يوماقلي، صرح أمس الثلاثاء، بأن 55 حريقا في الغابات في أنحاء البلاد تمت السيطرة عليها، مشيرا إلى استمرار الجهود لإخماد حريق غابات في بورصا. وقد يكون هذا الحريق هو الوحيد الذي تم إشعاله متعمدا، وأن الحرائق الأخرى اندلعت لأسباب مختلفة، بدءا من رمي السجائر المشتعلة والاستخدام العشوائي للمفرقعات إلى ترك القوارير المكسرة في الغابات لتتحول إلى عدسات مكبرة تجمع أشعة الشمس وتوجهها إلى نقطة معينة وتشعل الأعشاب الجافة، إلا أن تلك الحالة الوحيدة التي شهدتها محافظة بورصا تكفي وحدها لدق ناقوس الخطر بشأن سهولة إشعال النيران في "الوطن الأخضر" من قبل العملاء والإرهابيين، في غياب عقوبات رادعة، كما ستؤكد أن تنظيم الكيان الموازي ما زال يشكِّل خطرا كبيرا يهدد البلاد وأن مراقبة عناصره ضرورية لحماية الأمن القومي التركي.