أحوال الناشر العربي.. بين حتمية الإبداع ودروب الضياع
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
مئات من القرون مرت كان فيها الكتاب وعاء المعرفة الأمين، والملك المتوج بلا منازع لكل صنوف المعرفة، ولم يكن أحد يتخيل أبدًا، أن يفاجئ العصر الرقمي الكتاب الورقي ويصدمه بكل هذه الضربات المؤلمة، ويكاد يطيح بعرشه الذي استقر عليه منذ مئات السنين، ويغلق آلاف المكتبات في كل ربوع عالمنا العربي.
وطريق المكتبات عبر التاريخ، مرصوف بكثير من الأزمات، بداية من عصر الإغريق والرومان، مرورا بمكتبة الإسكندرية القديمة، ومكتبات بيت الحكمة في العصر العباسي، ثم مكتبة دار الحكمة أو دار العلم التي أسسها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 1004 م/395هـ، وتذكر المصادر أنها حوت 1,600,000 مجلد ضمّت 6500 مخطوطة في الرياضيات و18,000 مخطوطة، وكان الدخول إليها مجانًا وكذلك الاستنساخ والترجمة.
وخلال العصر الإسلامي، توالى إنشاء المكتبات في القاهرة، وكانت المساجد أشبه بالمكتبات، مثل الجامع الأزهر التي تألفت نواة مكتبته الأولى من مجموعات الكتب المحفوظة بأروقة الجوامع والمساجد، وكان عدد الكتب التي بدأت بها المكتبة يقدر بنحو 7703 كتب، منها 6617 كتابا بطريق الإهداء و1086 كتابا بطريق الشراء، وبقيت هذه المكتبة حتى إنشاء مكتبة الأزهر الحديثة في بداية القرن العشرين بتوجيه من الشيخ محمد عبده عام 1314هـ/ 1897م، وكان الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر حينئذ.
إعلان عصر المطابعومع اختراع المطبعة في العصور الوسطى أصبح النسخ أمرا سهلا، فتناسلت الكتب وتكاثرت، ولكن بقي المصريون في سباتهم العميق، بعيدين عن اقتناء المطبعة، حتى فوجئوا ذات صباح، ونابليون بونابرت قد اقتحم عليهم بلادهم وبيوتهم ومعه مطبعة تطبع الكتب والصحف والمجلات، وبقرار من نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية، أنشئ المجمع العلمي بالقاهرة في 20 أغسطس/آب 1798م، فكان أكبر مكتبة في عصره.
ورحل الفرنسيون، وجاء محمد علي باشا، وفي سبيل تأسيس مشروعه الإمبراطوري، عمل على إدخال الطباعة إلى مصر منذ سنة 1825م لتكوين جيش نظامي حديث، وكانت مطبعة بولاق، أول مطبعة عرفتها مصر سنة 1821م بعد خروج الفرنسيين (بحسب جورجي زيدان، ويرى البعض أن مطبعة بولاق أنشئت سنة 1822م).
وفي سنة 1846م تم إحصاء عدد النسخ التي طبعتها مطبعة بولاق على نفقة الميري فبلغت 302843 نسخة، أما الكتب التي طبعت على نفقة الملتزمين فقد بلغت 102231 نسخة، وبعد هذا التاريخ بفترة قصيرة أعلنت الوقائع أنه عما قريب يبلغ مجموع الكتب المطبوعة خمسمئة ألف نسخة، بحسب ما ذكره الدكتور خليل صابات في كتاب "الكتاب المطبوع في الشرق العربي".
وتعد مكتبة دير سانت كاترين بسيناء من أقدم مكتبات مصر، إذ يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن السادس الميلادي، وتضم مجموعة مهمة وفريدة من الوثائق والمستندات الدينية والتاريخية، وكانت بها نسخ من الكتاب المقدس، لكنها سرقت ونقلت إلى روسيا القيصرية ثم بِيعت للمتحف البريطاني في لندن.
وكانت أولى المكتبات الرسمية في مصر هي دار المحفوظات العمومية، التي تعد من أقدم دور المحفوظات في العالم إذ يرجع تاريخ إنشائها بالقلعة إلى 1829م على يد محمد علي باشا تحت اسم "الدفتر خانة"، أما دار الكتب فتعود فكرة إنشائها إلى علي باشا مبارك، حينما اقترح على الخديوي إسماعيل إنشاء دار الكتب على نمط المكتبة الوطنية في باريس، خاصة أن الكتب والمخطوطات وغيرها من مصادر المعرفة في ذلك الوقت، كانت مُشتتة في عدة أماكن بين المساجد والمدارس والأضرحة.
إعلان 140 عاما من النشرفي القرن التاسع عشر، شهدت مصر نهضة ثقافية وعلمية تمثّلت في تأسيس عدد كبير من المكتبات التي أدت دورًا محوريًّا في نشر المعرفة وتعزيز الحركة الأدبية والعلمية، وكانت مكتبة الخانجي إحدى أقدم وأشهر المكتبات في مصر، التي ما زالت تعمل حتى الآن، بالرغم من مرور 140 عاما على إنشائها. تأسست المكتبة عام 1885م على يد محمد أمين الخانجي، الذي قدم من بلدة الباب التابعة لمدينة حلب في سوريا إلى القاهرة.
حمادة الخانجي المدير الحالي للمكتبة، الذي يعد من الجيل الرابع لعائلة الخانجي، يقول في لقاء خاص للجزيرة نت، إن المكتبة أنشئت في البداية في منطقة الحلوجي بجوار مسجد الحسين، ثم انتقلت إلى شارع عبد العزيز سنة 1926، وكان من أهم نشاطاتها جمع المخطوطات النادرة والنفيسة، وكان محمد أمين الخانجي يجوب المنطقة من فلسطين إلى الشام وبغداد واليمن، ويأتي بالمخطوطات ليطبعها أو يبيعها.
وتوسعت المكتبة، وأصبح لها مطبعتها، وقامت بطبع وتحقيق المئات من كتب التراث، إلى جانب الكتب الفكرية والأدبية الحديثة التي كانت تلبي احتياجات القارئ العربي آنذاك في مصر وأفريقيا.
وكان الخانجي الكبير أمينًا لمكتبة أحمد زكي باشا الملقب بأبي العروبة منذ تأسيسها، وقد أسس مكتبات الأعيان والمفكرين بالقاهرة، وقال عنه العلامة محمود شاكر "الخانجي حفظ للأمة علمها…"، وقد طبع 378 عنوانا، معظمها من العناوين التراثية المتعددة الأجزاء، ومنها كتاب البداية والنهاية في 14 جزءًا، ومعجم البلدان في عشرة أجزاء.
وفي سؤال عما إذا كان قلقا من تغوّل الكتاب الرقمي في مواجهة الكتاب الورقي؟ قال حمادة الخانجي: أقول إن الكتاب الورقي قد يتأثر وقد يمرض ولكنه لن يموت، بل أتوقع أن ينهض الكتاب الورقي بشكل أفضل مستقبلا في ظل التقنيات الرقمية، لأن الكتاب هو وعاء الثقافة الحقيقي، ولن يُستغنَى عنه مهما استُحدث من تكنولوجيات.
مكتبة الأنجلو المصرية من أقدم وأشهر دور النشر والمكتبات في مصر والعالم العربي، وقد قارب عمرها مئة عام، وما زالت تعمل رغم كل الصعوبات. تأسست مكتبة الأنجلو المصرية عام 1928 على يد جرجس أبادير، واشتهر عن المكتبة أنها اعتادت عقد صالون ثقافي، كان يحضره نجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد، وكان العقاد من عادته أن يجلس في المكتبة يوميًّا من العاشرة صباحا حتى وسط الظهيرة يقلب مجلداتها، ويدير المكتبة حاليا الحفيد فادي صبحي جريس، وهو عضو لجنة الملكية الفكرية في اتحاد الكتاب العرب.
مكتبات أغلقتفي المقابل توجد مئات من المكتبات لم تستطع الاستمرار وسط تحديات كبيرة واجهتها؛ فآثرَت أن تضع نهايتها بيدها وأغلقت أبوابها، وأصبحت من الماضي، ومن أهم هذه المكتبات:
مطبعة ومكتبة البابي الحلبي، التي تأسست في منتصف القرن التاسع عشر على يد أحمد البابي الحلبي، وهو ناشر سوري الأصل، جاء من بلدة الباب التابعة لمدينة حلب.
وتعد مكتبة الحلبي من أكبر دور النشر في الشرق الأوسط وبلغ عدد النسخ المطبوعة بها في العام الواحد حوالي سبعة ملايين ونصف مليون نسخة، واشتهرت بطباعة المصحف الشريف وكتب التراث بلغات متعددة للمسلمين في إندونيسيا والملايو وسنغافورة وزنجبار وغانا وغينيا وساحل العاج، وفي فترة ما بين 1900 و1949 نشرت دار الحلبي وحققت أكثر من 440 كتابا تراثيا متعدد الأجزاء.
المكتبة السلفية في مصر لصاحبها محب الدين الخطيب، الذي ولد في حي القيمرية بدمشق عام 1886م في أسرة علم، وجاء إلى القاهرة شابا وساهم في إعادة نشر كتب السلف وبالذات كتب ابن تيمية وابن القيم بعد تغييب طويل لها من قبل خصومهما، وأعادت المكتبة طباعة مؤلفات لبعض كبار العلماء، وفي النهاية عجزت عن الاستمرار فأغلقت أبوابها.
إعلانوأما مكتبة صبيح التي أسسها الكاتب والصحفي المعروف محمد صبيح في أوائل القرن العشرين، فاشتهرت ببيع الكتب والمخطوطات في منطقة الأزهر، وظلت المكتبة تقدم خدماتها وتساهم في دعم الحركة العلمية والثقافية حتى عجزت عن الاستمرار فأغلقت أبوابها قبل سنوات قليلة، وأصبحت جزءا من تاريخ ثقافي مشرق.
مطبعة السعادة لصاحبها علي إسماعيل كانت منذ زمن خلف مديرية أمن القاهرة بباب الخلق، ثم بِيع مقرها وانتهت المطبعة.
مكتبات المخطوطات النادرةوعرفت مصر مكتبات الشخصيات العامة التي كانت بمثابة منارات لطلاب العلم يقصدونها للاطلاع على نوادر المخطوطات، ومنها: مكتبة رفاعة الطهطاوي، ومكتبة علي مبارك، ومكتبة أحمد فارس الشدياق، ومكتبة الشيخ محمد عبده، ومكتبة يعقوب صروف، وهذه المكتبات الخاصة لم تكن مجرد مستودعات للكتب، بل كانت مراكز للنقاش والتبادل الفكري، وأسهمت بشكل كبير في تشكيل الوعي الثقافي والعلمي في مصر خلال القرن التاسع عشر.
الناشر المحترفوفي محاولة للأخذ بأيدي المكتبات العربية وانتشالها من مصير غائم وهي تناطح المجهول من أجل البقاء، أصدر اتحاد الناشرين العرب دراسة حديثة بعنوان "الناشر المحترف" يشير فيها لأول مرة إلى ضرورة الأخذ بالأسلوب العلمي في التعامل مع الكتاب، وأنه من المهم أن تكون هناك معاهد علمية ومدارس تدريب مهني متخصصة في مجال النشر.
في بداية الدراسة يعترف محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب بأن حركة النشر العربية في تراجع، وأن صناعة النشر في الوطن العربي تمر بمرحلة حرجة اليوم، وأن من أسباب هذا التراجع انكماش دور الكتاب التعليمي التقليدي، والتطورات المتسارعة في التحول إلى فضاء النشر الرقمي، وأن النشر العربي اليوم على المحك، ولا خيار لنا إلا الاستجابة لهذه المتغيرات، أو الخروج من حلبة السباق.
ويطرح تساؤلاته حول ماهية النشر، ومن هو الناشر المحترف؟ وكيف يعمل؟ وهل هناك معايير واضحة للنشر؟ وما هي فضاءات النشر الجديدة؟
إعلانويضيف رئيس اتحاد الناشرين العرب أن "الأزمة الحقيقية تنبع من بنية صناعة النشر العربية التي باتت في حاجة لمراجعة شاملة، وأن الأزمة هي نتاج افتقادنا لسياسات الكتاب في الوطن العربي، فليس لها أسس جرى الاستقرار عليها".
ويضيف محمد رشاد: "إن واحدة من معضلات النشر حاليا هي اندماج المرئي والمسموع والمكتوب في فضاء الكتاب، مما جعل من إنتاج المحتوى عملية معقدة، تتطلب كوادر جيدة التدريب، مما دفعنا في الاتحاد إلى تساؤلات حول التدريب المهني وصناعة النشر، هذا بالإضافة إلى حقوق الناشر أثناء وبعد عملية النشر، ورأينا أن العديد من دور النشر حال إغلاقها تفقد حقوق نشر مئات العناوين دون طرح أو نقل هذه الحقوق".
معاهد وكليات للنشروعن واقع دراسة الناشر المحترف تحدث الدكتور خالد عزب خبير التراث والنشر إلى الجزيرة نت فقال: "هناك فجوة كبيرة لدى الناشرين العرب تحتاج لمعالجة، والدراسة تؤسس لصناعة النشر في العصر الرقمي، حيث إن الانتقال إلى الكتب التفاعلية والرقمية يلقي بظلاله على صناعة النشر، وهو ما يجعلها صناعة مغايرة لتلك التي عرفناها منذ القرن 19م، فمؤهلات دور النشر وقدرات العاملين بها صارت تتطلب العديد من المهارات التي لم تعد هي المهارات التي يجري اكتسابها بالوراثة أو الاحتكاك، لذا بات التعليم والتدريب المستمر لتطوير الخبرات أمرين لا مفر منهما، من هنا بدأت العديد من الدول في إنشاء معاهد وكليات وبرامج للنشر، وهو ما تفتقده المنطقة العربية بشدة".
يجب أن يتحول النشر من مهنة متوارثة أو مكتسبة إلى مهنة احترافية قائمة على الدراسة وبناء الخبرات والتدريب المستمر لتذهب صناعة النشر إلى بناء نماذج يمكن الاسترشاد بها ويمكن نقدها وبناء نماذج مغايرة، وإذا لم نستجب نحن العرب لهذا فإن صناعة النشر العربية ستصبح في مهب الريح، وإذا لم نكن جاهزين للمستقبل فسنصبح جزءًا من الماضي.
إعلانويشير المؤلف إلى أن هناك فهما خاطئا شائعا حول دور النشر، فهو في مخيلة الكثيرين في الوطن العربي مجرد عملية تسليم النص المكتوب للطباعة، في حين أن النشر في حقيقة الأمر صناعة معقدة ومركبة تبدأ من اختيار النص المؤلف وتحريره وإعداده للنشر ثم الطباعة والتوزيع.
ويتناول البحث حركة النشر في العالم من خلال رؤية تحليلية ترصد صناعة النشر في العالم العربي مقارنة بالعالم عموما، وماهية صناعة النشر بمفهومها الحديث، فيوضح أنها صناعة واقتصاد دوَّار يدرّ المليارات على من يحسنون صنعه والتعامل معه، من خلال العلاقة القوية بين المؤلف والناشر والقارئ، وكيف يتعامل الناشر مع المؤلف، وكيف يستقبل القارئ الكتاب من خلال مواصفات يضعها البحث لضمان النجاح.
عقبة المحتوى الرقميويؤكد أن العديد من دور النشر العربية لم تدرك أهمية بناء محتوى رقمي وإتاحته للتسويق إقليميا ودوليا، وهو ما يمثل عوائد ضخمة لصناعة النشر. ويمكن في هذا السياق الاستفادة من تجربة شركة "Edu kite Learning" في الهند، التي أنشأت وطورت بنوكًا ضخمة من الأصول لمواد ذات موضوعات متعددة، ونجحت في تسويقها دوليًّا، وفي آسيا وأفريقيا، وطورت بذلك محتوى رقميًّا وكتبًا تفاعلية تعليمية؛ مما مكنها من منافسة الشركات الأوروبية والأمريكية على الصعيد الدولي بشراسة غير مسبوقة.
ويقع على عاتق دور النشر جهد كبير لإعداد الكتاب منذ تسلُّمها مادته، مع ضرورة توفير كل العناصر اللازمة من صور ذات جودة عالية وتصميم الغلاف، والالتزام بمعايير التصميم الداخلي لصفحات الكتاب ورقيًّا كان أو رقميًّا، وضرورة أن يكون محتوى الكتاب دقيقًا ومتناسقًا.
ويتعرض البحث لموضوع تحرير الكتب، تلك المهمة التي يصفها بأنها معقدة؛ إذ تتداخل فيها أطراف مختلفة تبدأ من مدير النشر أو معاونيه لتحديد طبيعة نشر الكتاب وخطة النشر، ثم يبين كيفية تحرير العقد بين الناشر والمؤلف لضمان الحقوق.
عناوين جذابة وأغلفة ساحرة
ويحكم نجاح الكتاب "عنوانه/ غلافه/ كلمة ظهر الغلاف"؛ ولهذا يؤكد البحث ضرورة أن يكون عنوان الكتاب ممتعا وجذابا وساحرا، وهي عملية مؤلمة وصعبة، فالقارئ يركز على هذه الأشياء الثلاثة، ويطلق حكمه السريع على اقتناء الكتاب ورقيًّا أو رقميًّا، هذا إضافة إلى سعر الكتاب.
وأما غلاف الكتاب فيخصص له المؤلف فصلا كاملا يبين فيه شروط الغلاف وأنواعه وكيف يتم تصميمه ليتواءم مع الكتاب، ويورد عددا من المواقع المتخصصة في تصميم الأغلفة مجانا.
وينتقل المؤلف إلى القضايا التجارية، فيذكر أن كثيرا من دور النشر لا يهتم بالعلامة التجارية، التي هي أساس بناء اسم الدار وجزء من رأسمالها إذا جرى البناء فيها بصورة منهجية، فضلًا عن دور العلامة التجارية في تسويق كتب الدار.
ويتعرض لقضية صناعة النشر والمؤلف وتقنية "Chat gpt" وقدرته على إنشاء نص متماسك وسلس لا يمكن تمييزه تقريبا عن النص المكتوب بواسطة الإنسان؛ مما يقلل الحاجة إلى بشر لإنشاء محتوى، ومع كل ذلك فإن القدرات الفريدة للإنسان لا تضاهيها الآلة.
ويشير إلى أن صفحة الكتاب التقليدي لم تطوَ بعد، وإن زاحمها الكتاب التفاعلي بقوة، ويقول: تقدم الكتب الرقمية مستويات جديدة من التفاعل بين الكتاب والقارئ، من خلال الشاشات التي يجرى التفاعل معها باللمس والارتباطات التشعبية وميزات التعليقات التوضيحية النصية.
ويقفز من الكتاب التقليدي إلى النشر الرقمي، مع رسم خريطة لفرص النشر الرقمي، وتحديد الجمهور المستهدف واهتمامه، والتعرف على القيود العملية والتقنية والتكنولوجية والمالية المتعلقة بتطوير الكتاب الرقمي، ودراسة قيود وقدرات الجمهور على الأداء والتعاطي مع الكتاب الرقمي.
وأفرد للكتاب الصوتي فصلا مستقلا تحدث فيه عن الإقبال المتزايد على الكتاب الصوتي حتى ارتفعت مبيعاته في عام 2018م بنسبة 28.8% مقارنة بالعام السابق، كما حققت "Audible Uk" نموا في الأرباح بزيادة قدرها 45% في العام السابق 2017م.
وتمثل كتب الأطفال نسبة كبيرة من الأرباح، فمن بين 14 مليون كتاب صوتي نُشرت كان ما يقرب من 18% للأطفال، والتجارب العربية الناجحة. وعدّد المشكلات التي يواجهها كتاب الطفل المصور في المنطقة العربية، وأبرزها أنها باهظة الثمن، وتتطلب إخراجًا وطباعة بجودة عالية، ولا تزال منصات الكتب التفاعلية للأطفال عربيا محدودة العدد، كما أن جودة الكتب المصورة المستوردة تمثل منافسًا قويا أمام الكتاب العربي المصور للأطفال.
إعلانوفي ظل أزمة النشر العربي، لم يعد الكتاب التعليمي ملكا للناشر العربي، بل استأثر به الناشر الأجنبي، وهو ما يضاعف أزمة النشر العربي بشكل عام. وتبيّن الدراسة حالة النشر العربي مقارنة بالنشر التعليمي الأجنبي ضاربة أمثلة بالكتب في سنغافورة من حيث الطباعة والتسويق وأنماط دور النشر.
وتقف المواقع والمنتديات العربية لقراء الكتب على منحى جديد في عالم النشر، من الممكن أن يكون بمثابة انطلاق للنشر الرقمي، وتمثّل الدراسة لذلك بمنتدى "goodreads" أكبر منتدى في العالم والوطن العربي لقراء الكتب وعشاقها.
والكتاب كما هو في حاجة إلى سوق جيد، فهو أيضا في حاجة إلى أسلوب دعائي مناسب وقوي لصعوبة تسويقه؛ ولهذا فإن مدير الدعاية جزء مهم من فريق العمل في دار النشر، فهو المسؤول عن بناء حملة الدعاية للكتاب والإعلان عنه، والتأكد من جذب القراء المحتملين، وهذا لن يتأتى إلا عبر العمل مع فريق التسويق لتنظيم أحداث ولقاءات تدور حول الكتاب ومؤلفه، ليصل في النهاية إلى دَور المكتبات في وضع خطة قوية ومدروسة للنهوض بالكتاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اجتماعي اتحاد الناشرین العرب النشر العربیة الکتاب الورقی النشر العربی المکتبات فی صناعة النشر مع الکتاب العدید من فی العالم دور النشر النشر فی من خلال فی مصر على ید وهو ما
إقرأ أيضاً:
إبادة لا تستوفي شرط التضامن العربي
مؤلم وشاق العثور على موقف وسلوك عربي رسمي، باستطاعته لجم فاشية صهيونية تتصاعد في غزة وبقية مدن فلسطين المحتلة، طوال عشرين شهرا من العدوان والجرائم والعربدة الإسرائيلية. لم يطرأ تغيير يقلب المشهد، تُنسف مربعات سكنية ويتكرر تدمير القطاع الصحي وحرق المستشفيات وتقصف خيام النازحين ويُستهدف آلاف المتجهين للبحث عن مساعدات، والسياسة العربية ثابتة في طلبها من "الغير" (المجتمع الدولي) بضرورة التحرك، تعفي نفسها من هذه الأولوية وضرورة التحرك، وفق قناعة تكبيل القدرة الذاتية بعدم الانتماء لمجتمع دولي، وتأثيرها ناجع فقط في حدود سيطرتها على مجتمعات عربية.
ومن السهولة تحري مواقف غربية ودولية، تستجيب لنداء ومطالب شعوبها الغاضبة من سياسات إسرائيل ومن جرائم الحرب وضد الإنسانية، فحشود المظاهرات من روما ولندن ومدريد ولاهاي وباريس وغيرها من مدن حول العالم، المطالبة بوقف العدوان وتحقيق العدالة لفلسطين وقطع العلاقة مع الاحتلال والغاضبة من مشاهد جرائم الإبادة في غزة، تعني أن تغييرا ما طرأ في رفض السردية الصهيونية، وصعوبة بهضم وتبرير فاشية الاحتلال على شعبٍ يكافح للتحرر منه، ويرفض محاولة نزع الصفة الإنسانية والوطنية عنه.
بالتزامن مع هذا الرفض، تعيد سلسلة بشرية ضخمة محاصرة البرلمان البريطاني وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل وبوقف تصدير السلاح لها، وسفينة أسطول الحرية "مادلين" التي تقل نشطاء دوليين، تبحر من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية، جنوبي إيطاليا في محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، رغم التهديد الذي تعرض له المركب ومن فيه من جيش الاحتلال الذي سيطر عليه ومنع وصوله، إلا أن الخطوة والسلوك والشجاعة والإخلاص لمبدأ الوقوف إلى جانب الضحية لم يكن سلوكا عربيا.
فقد سبق كل ذلك سلسلة من مواقف وتحركات ومظاهرات غضب من إسرائيل، لم تتوقف عند حرم الجامعات حول العالم، فالتعاطف مع غزة وشعب فلسطين بوصلة إيمان بعدالة قضية وكرامة وحق شعب بحريته من الاحتلال، ورفض لسياسات الفصل العنصري التي ندد بها مؤخرا وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان.
لم يعد غريبا على المطلعين والمهتمين ببعض المواقف الدولية من جرائم الإبادة الجماعية في غزة، أن يلاحظوا تطورا كبيرا في بعض المواقف من جهة وصف سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة بالفصل العنصري، أو التنديد بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، ونعت هذه السياسة بالمخزية. لم يتوقف الأمر هنا، بل كانت هناك إجراءات من بعض العواصم والمدن الغربية، بقطع العلاقة مع إسرائيل ناهيك عن الضغط الذي تقوم به شعوب حول العالم، لدفع حكوماتها للضغط على الاحتلال لوقف جرائم إسرائيل ومحاكمة قادتها عن جرائم الحرب والتطهير العرقي. لكن الغريب استمرار الصمت والعجز العربي المخزي والمهين في كل شيء، وإذا تعمق الإنسان العربي فيما يتفوه به نتنياهو وبن غفير وسموتريتش منذ عشرين شهرا، باستعارة عبارات وشعارات تلمودية صهيونية تدعو للقضاء على العرب وتنفيذ الإبادة الجماعية، ورسم خطط الاستيطان والتهويد وضم الأرض وتهجير سكانها وتدمير شمال الضفة وخطط هدم الأحياء العربية في القدس، فلا يجد في المقابل العربي أي رد سوى استمرار العلاقة والتطبيع مع هذه المؤسسة الصهيونية وعقليتها الفاشية.
في كل ذلك، يغيب الفاعل العربي، حتى في خطوة ورمزية السفينة "مادلين" لمحاولة كسر الحصار، فهي لم تنطلق من موانئ عربية قريبة من غزة، والنشطاء على متنها "دوليون"، بغض النظر عن أصول بعضهم، والمساعدات أيضا. لا يذكر الشارع العربي ولا يحفظ كل الكلام العربي الذي قيل عن فلسطين عموما، ولا يأبه بكل القرارات التي اتخذت في القمم والاجتماعات التي لم ينفذ منها شيء بخصوص غزة وإنقاذها من الإبادة، فالعربي يدرك مصير آلاف شاحنات المساعدات المكدسة على حدود غزة، وقد أصابها التلف وانتهت صلاحيتها مع مسرحية إسقاط مساعدة عربية بالمظلات قبل أكثر من عام.
تغيب أيضا حالة الغضب في الشارع العربي، فالأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والنخب وغيرها؛ فاعليتها تتطابق تماما مع سلوك أنظمتها المطبعة أو الخانعة للأوامر الأمريكية، لا بل إن العديد من الأصوات والمواقف العربية الرسمية تؤكد على "فائدة" استسلام الشعب الفلسطيني والتخلي عن المقاومة باعتبارها سبب بلاء الفلسطينيين لا المشروع الصهيوني، والخضوع له كخلاص منتظر لإسرائيل والنظام العربي.
التعويل على مواقف دولية لوقف الإبادة -رغم أهميتها- لا يكفي، ما لم يكن مقترنا بإسناد عربي وفلسطيني رسمي، فتسليط الضوء على مواقف غربية من إسرائيل، وحفظ شوارع عربية ما يقوله رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز والموقف الذي اتخذه بلده من الاحتلال، كذلك مواقف أيرلندا وبوليفيا ونيكاراغوا وكولومبيا وتشيلي ومملكة بليز، التي سارعت كلها لقطع العلاقة مع الاحتلال ووصفت سلوكه بالإجرامي، مع تقدير موقف جنوب أفريقيا في محكمتي العدل والجنائية الدولية، وما تعرب عنه نخب سياسية وفنية وثقافية ورياضية وأكاديمية حول العالم؛ من رفض لسياسات إسرائيل الاستعمارية، وانهيار سردية الخوف من كذبة معاداة السامية.. كل ذلك لم يدفع باتجاه بلورة مواقف عربية وبخطوات تسجل في تاريخ المذبحة الفلسطينية من باب الإنصاف للضحايا وللقضية وللمشتركات العربية، على الأقل منها إنسانيا وأخلاقيا لتنسجم وتكمل مواقف دولية.
وعلى ما يبدو، أن شرط التضامن العربي مع غزة والموقف من جرائم إسرائيل لم يستوف بعد، وإجرام المحتل ووضوح فاشيته نابع من موت الصلابة العربية والفلسطينية وسقوط شروط بديهية، وجلال موت البشر جوعا وقصفا وتحطيم كل حياتهم لم يبدل قاموس البلادة العربي بمواجهة جرائم الإبادة الجماعية وتحديات التطهير العرقي في غزة وبقية فلسطين. فمن يشهد مأساة غزة لأكثر من 600 يوم، وما أفرزته من نتائج أفصحت بوضوح عن مكنونات صهيونية فاشية، يمكنه القول إن إسرائيل حققت قسطا من أهدافها بالعدوان والجرائم، وأسقطت شرط التآزر العربي الرسمي والشعبي الفعلي لإسناد غزة ورفع الحصار عنها والضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية ومنع مشروع التهجير. وليس القصد من إثبات ما قدمناه الإيحاء بأن عوامل الفعل والقوة والتأثير على إسرائيل هي غربية وأمريكية فقط، بل القول بأنها صارت كذلك بفعل تخل عربي وفلسطيني رسمي عن ثقل ووزن قدراتهما وتأثيرهما، ورهن كل ما لديهما لصالح أمريكا وأمن المحتل بشروط يتم استيفاؤها من النظام العربي، وتتعلق بمفاهيم وفوائد متبادلة مع المحتل على حساب القضية الفلسطينية.
x.com/nizar_sahli