غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:

بمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الأحد في الحادية عشرة والربع، كانت شوارع غزة تعجُّ بالحياة مجددًا بعد أشهر طويلة من القصف والحصار الخانق. الطفل أحمد، ذو الأعوام العشرة، كان يقف على أطلال منزل عائلته الذي دُمّر بالكامل، ممسكًا بيد والدته، بينما كانت الابتسامة تُرسم على وجهه البريء لأول مرة منذ شهور.

كانت قصة أحمد وأسرته واحدة من آلاف القصص التي خطّتها الحرب. يقول محمد، والد أحمد: «في ذلك الصباح عندما سمعنا إعلان التهدئة، شعرت بأننا نعيش من جديد. رغم أننا فقدنا كل شيء، إلا أنني رأيت في عيون أطفالي أملاً لا يمكن وصفه».

أحمد عبر نفسه خلال حديثه لـ«عُمان» عبّر عن فرحته قائلاً: «أريد أن ألعب كرة القدم مع أصدقائي في الحي مرة أخرى. لا أريد أن أخاف من الطائرات بعد الآن».

عاشت غزة أكثر من خمسة عشر شهرًا من العدوان الإسرائيلي الذي بدأ بعد عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة في 7 أكتوبر 2023، وانتهى أخيرًا في 19 يناير 2025. هذا العدوان الذي أسفر عن تدمير واسع النطاق في البنية التحتية ومئات الشهداء وآلاف الجرحى، لم ينجح في كسر إرادة المقاومة ولا في زعزعة إيمان الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة.

شعب صمد فانتصرت مقاومته

مع دخول التهدئة حيز التنفيذ، انطلقت في شوارع غزة مظاهر احتفالية شعبية واسعة النطاق خاصة في ساحة السرايا بمدينة غزة، التي سلمت فيها حركة حماس الأسيرات الإسرائيليات الثلاث إلى منظمة الصليب الأحمر الدولية. الشباب والفتيات كانوا يرفعون الأعلام الفلسطينية، ويهتفون بشعارات تؤكد على الانتصار المعنوي للمقاومة.

يقول أحمد أبو سليمان، أحد سكان حي الزيتون لـ«عُمان»: «هذه اللحظة تأكيد على أن المقاومة نجحت في إيصال رسالتها. الاحتلال كان يعتقد أن الحصار والدمار سيكسر عزيمتنا، لكنه فشل فشلًا ذريعًا».

وامتزجت مشاعر الفرح بالأمل في نفوس السكان الذين بدأوا يتطلعون إلى إعادة بناء حياتهم من جديد. الأطفال الذين عاشوا الخوف طوال الأشهر الماضية عادوا يلعبون في الشوارع، بينما كان الكبار يتبادلون التهاني ويخططون لمرحلة ما بعد الحرب. مشهد الاحتفالات كان رسالة واضحة بأن الشعب الفلسطيني قادر على الوقوف مجددًا رغم كل الجراح وأن مقاومته لم تنكسر خلال عمليات الإبادة والتطهير العرقي التي مارسها الاحتلال على مدار 15 شهرًا.

أخلاق المقاومة وبربرية الاحتلال

عملية تبادل الأسرى جاءت بعد مفاوضات شاقة، حيث تم الاتفاق على إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين الذين احتجزتهم المقاومة خلال المعارك. كانت هذه العملية بمثابة انتصار سياسي ومعنوي كبير للمقاومة، حيث أظهرت قدرتها على تحقيق إنجازات ملموسة رغم ظروف الحصار.

شاركت الحشود في تسليم الأسرى الإسرائيليات الثلاث إلى الصليب في مفترق السرايا، حيث امتزجت الدموع بالهتافات. يقول أبو خالد يعقوب، الذي كان حاضرًا في عملية التبادل : «هذه العملية كانت رسالة قوية للعالم، بأن المقاومة ليست فقط قوة عسكرية بل قوة أخلاقية تحترم التزاماتها، على عكس الاحتلال الذي استمر في انتهاكاته حتى اللحظة الأخيرة».

وأشار إلى استهداف قوات الاحتلال «البربرية» مواطنًا فلسطينيًا في شارع 8 بمدينة غزة، ظهر الأحد، بعد سريان وقف إطلاق النار.

الشعب يقف بجانب المقاومة

رغم المعاناة اليومية، كان هناك إجماع شعبي واسع النطاق على دعم المقاومة. يقول سهيل نصار، عامل بناء فقد منزله خلال الحرب لـ«عُمان»: «لقد دمّروا بيتي، لكنهم لم يستطيعوا أن يدمّروا إرادتي. نحن نقف مع المقاومة لأننا نعلم أنها تدافع عنا وعن حقنا في العيش بكرامة».

علا كساب، ربة منزل من حي الشجاعية، أضافت: «الحرب كانت قاسية جدًا، لكننا نعلم أن المقاومة لم تخض هذه الحرب إلا دفاعًا عن كرامتنا وحقنا. لا يمكن أن نلومها على جرائم الاحتلال».

الشهادات القادمة من أحياء غزة المختلفة تؤكد أن الشعب الفلسطيني يرى في المقاومة الدرع الحامي لحقوقه وطموحاته الوطنية. ورغم الخسائر الفادحة، فإن الأمل في مستقبل أفضل يبقى حاضرًا بقوة.

جهود حكومية لحفظ الأمن وتوزيع المساعدات

مع بدء سريان وقف إطلاق النار، أظهرت الحكومة الغزية قدرة عالية على إدارة الأمور الداخلية في القطاع. تم تنظيم فرق أمنية لضمان استلام شاحنات المساعدات وتوزيعها بشكل عادل. هذه الجهود جاءت في ظل تقارير تفيد بأن الاحتلال كان يدعم عصابات مسلحة تعمل على سرقة المساعدات خلال الحرب، بهدف زعزعة استقرار القطاع وإفقار سكانه.

محمد الكيلاني، أحد أعضاء اللجنة المشرفة على توزيع المساعدات، قال لـ«عُمان»: «منذ اللحظة الأولى لدخول التهدئة حيز التنفيذ، بدأنا العمل لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. هذه المرحلة حساسة، وعلينا أن نظهر أننا قادرون على حماية شعبنا وإعادة بناء ما دمّره الاحتلال».

إضافة إلى ذلك، عملت الحكومة على تسهيل عودة النازحين إلى منازلهم المدمرة، حيث تم توفير أماكن مؤقتة للإيواء ومساعدات عاجلة لتخفيف معاناتهم. هذه الجهود أثبتت أن القطاع قادر على التعافي بإرادة سكانه ودعم المجتمع الدولي.

الرد على الادعاءات المغرضة

في أعقاب هذه الأحداث، حاولت بعض اللجان الإلكترونية المناصرة للاحتلال نشر شائعات مفادها أن الشعب الفلسطيني قد فقد ثقته بالمقاومة نتيجة الخسائر الكبيرة. إلا أن المشاهد الحية من شوارع غزة ردّت على هذه الادعاءات بشكل قاطع.

يقول المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون: «من يروج لهذه الشائعات لا يعرف غزة. هذا الشعب يتنفس الصمود والمقاومة. ما شاهدناه من احتفالات وشهادات الناس أكبر دليل على أنهم يؤمنون بقضيتهم ومقاومتهم».ويوضح المدهون أن هذه الشائعات ليست سوى جزء من الحرب النفسية التي يمارسها الاحتلال بهدف إضعاف الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، إلا أن الإرادة الشعبية أثبتت أنها أقوى من أي دعاية مضللة.

الطريق إلى المستقبل: بناء وإصرار

مع انقشاع غبار الحرب، بدأت التحديات الحقيقية بالظهور. إعادة الإعمار، معالجة الجرحى، وتعزيز الوحدة الوطنية هي أولويات المرحلة المقبلة. يقول راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: «التحدي الأكبر الآن هو استثمار حالة الصمود والإرادة الشعبية في بناء مستقبل أفضل. على المقاومة والحكومة والمجتمع المدني العمل جنبًا إلى جنب لتحقيق ذلك».

في النهاية، كانت ليلة دخول التهدئة حيز التنفيذ بمثابة شهادة حية على قدرة الشعب الفلسطيني على تحويل الألم إلى أمل، والدمار إلى بناء، والظلم إلى قصة صمود تُكتب بأحرف من نور. غزة، رغم كل ما مرت به، لا تزال تقف شامخة، مستعدة لمواجهة كل التحديات التي قد تأتي في المستقبل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی حیز التنفیذ شوارع غزة لـ ع مان

إقرأ أيضاً:

اليمنيون يجددون العهد بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى النصر

الثورة نت/ ماهر الخولاني

انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفضاً لجريمة الإبادة الجماعية والتجويع في غزة، خرج الشعب اليمني بمسيرات مليونية غاضبة ومستنفرة تأكيدا على ثبات موقفه المساند للأشقاء في فلسطين، وتأييده لعمليات القوات المسلحة المستمرة ضد الكيان الصهيوني المجرم.

وفي اليوم اليمني المشهود، احتشدت الجماهير المليونية في ميادين وساحات العزة والكرامة والحرية والجهاد في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات، حاملة رايات النصر والثبات مع غزة، معبرة عن غضبها العارم إزاء الإجرام الصهيوني المتصاعد بحق الأشقاء في فلسطين.

خرجت الحشود اليمنية، لتؤكد للعالم الأصم والأعمى، بأن شعب الإيمان والحكمة لن يترك الشعب الفلسطيني وحده مهما تخاذل المتخاذلون، وتواطأ الخونة والمطبعين، وأنه سيمضي قدماً بعزيمة إيمانية لا تنكسر، لمواجهة تصعيد العدو الصهيوني، ونصرة غزة وفلسطين بكل الوسائل والخيارات مهما بلغت التحديات.

“يا غزة لستم وحدكم، ويا فلسطين معكم كل اليمنيين”، بهذه العبارات رفعت الحشود صوتها عاليا لتسمع العالم موقفها المشرف، والمجسد للهوية الإيمانية اليمنية، والارتباط التاريخي والجهادي مع الشعب والقضية الفلسطينية، مجددة الوفاء والعهد والثبات في جبهة الإسناد لغزة وفلسطين حتى النصر.

كما صدحت الحشود الجماهيرية عزة وشموخاً، معبرة عن صدق الانتماء والوفاء المتجدد لقضية الأمة الأولى فلسطين.

الخروج المهيب في العاصمة والمحافظات، أعلن التأييد والمباركة للعمليات البطولية المتصاعدة التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد الأهداف الحيوية للعدو الصهيوني في عمق الأراضي المحتلة، وما تفرضه من حظر بحري وجوي على المطارات والموانئ الإسرائيلية.

وبكل فخر واعتزاز، أعلنت الحشود دعمها الكامل لكل خيارات القوات المسلحة، والوقوف إلى جانبها في “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”، لردع غطرسة العدو الإسرائيلي حتى إيقاف عدوانه على غزة ورفع الحصار عنها.

وجددت الحشود، العهد والولاء لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، والتأكيد على أن الشعب اليمني على أهبة الاستعداد والجهوزية لتنفيذ كل الخيارات الكفيلة بمواجهة تصعيد العدو الصهيوني، وإفشال المؤامرات والمخططات الإجرامية التي تستهدف اليمن ومقدراته، والتصدي لكل الخونة والعملاء.

بهذه المواقف الإيمانية يخوض الشعب اليمني أقدس المعارك وأشرفها دعماً ومساندة للمظلومين في غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية وتجويع من قبل العدو الصهيوني، وجرائم لم يسبق لها مثيل على مر التاريخ.

جسدت الحشود التي تدفقت من كل حدب وصوب نحو ميادين الحرية والإباء، رافعة العلمين اليمني والفلسطيني، قوة حضور ورسوخ فلسطين في وجدان الشعب اليمني، مجددة التأكيد على الاستمرار في النفير العام والتعبئة وتعزيز الجاهزية لمواجهة العدو الصهيوني.

مثلت المسيرات المليونية، لوحة مشرقة لشعب الإيمان والحكمة، الذي وقف بكل قوة إلى جانب المظلومين والمستضعفين في فلسطين والدفاع عن مقدسات وقضايا الأمة، رغم معاناته المستمرة بعد عشر سنوات من العدوان والحصار، إلا أن ذلك لم يمنعه من القيام بواجبه الإيماني والإنساني والأخلاقي تجاه فلسطين، باعتبارها القضية الأولى لكل أحرار الأمة والعالم.

بلا منافس يستمر الشعب اليمني بحضوره المهيب والأكبر، في تصدر الشعوب على مستوى المنطقة والعالم في نصرة ومساندة غزة، والوقوف بصلابة وشجاعة منقطعة النظير في مواجهة العدو الصهيوني.

مقالات مشابهة

  • الهيئة النسائية في حجة تنظم وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني
  • مجلس النواب يثمن مواقف البرلمانين الإسباني والبريطاني تجاه العدوان على الشعب الفلسطيني
  • “لجان المقاومة”في فلسطين : التجويع الصهيوني جريمة حرب مكتملة الأركان
  • اليمنيون يجددون العهد بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى النصر
  • المجلس الوطني الفلسطيني: عدوان المستوطنين على شعبنا يهدف إلى اقتلاع وجودنا
  • مسيرة شعبية من وسط البلد تؤكد على الوحدة الوطنية ودعم صمود الشعب الفلسطيني / صور وفيديو
  • لمناسبة عيد المقاومة والتحرير.. قائد الجيش في أمر اليوم: صمودَكم هو أحدُ أهمِّ أسبابِ استمرارِ لبنانَ
  • تحالف صمود يستنكر تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي
  • عدن.. مياه المجاري تطفح في شوارع مدينة الشعب والأهالي يستغيثون
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تحيي الشعب اليمني وتدعو قادة الأمة العربية والإسلامية للخروج من حالة الصمت المريب