كيف تؤثر سيطرة الجيش على مقره الرئيس في خارطة الحرب السودانية؟
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
الخرطوم- في خطوة بالغة الأهمية في مسار العمليات العسكرية، حقق الجيش السوداني، الجمعة، تقدما مهما بكسر الحصار المفروض منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، على سلاح الإشارة بالخرطوم بحري والقيادة العامة للجيش وسط الخرطوم.
ويرى خبراء عسكريون أن التقدم المحرز من قبل الجيش، من شأنه فتح الطريق أمام مزيد من السيطرة على نقاط حاكمة وإحداث تحول كبير، في ظل تراجع مضطرد للدعم السريع بكافة محاور العمليات في الخرطوم وولاية الجزيرة.
وطبقا لشهود عيان، تحدثوا للجزيرة نت من الخرطوم بحري حيث احتدمت المعارك، فإن عناصر الدعم السريع شرعت، خلال الأيام التي سبقت انتشار الجيش، في عمليات انسحاب ملحوظة من عدة ارتكازات على شوارع رئيسة، واعتمدت على نشر قناصة محترفين في المباني العالية، علاوة على القصف الصاروخي للحد من تقدم الجيش.
ويقول خبير عسكري، للجزيرة نت، إن ما لا يقل عن 30 وحدة للجيش كانت تعمل وتتقدم في المحاور الساخنة على مسارح العمليات المختلفة. وأشار إلى وصول وحدة من قاعدة وادي سيدنا في أم درمان الى الخرطوم بحري، وتقدم وحدة ثانية من مدينة شندي في ولاية نهر النيل باتجاه مصفاة الجيلي، بالتوازي مع تحرك ثالث لكتيبة قادمة من منطقة الحلفايا باتجاه المصفاة.
بينما توجه الجيش القادم من أم درمان إلى سلاح الإشارة بعد تجاوز مواقع إستراتيجية للدعم السريع وفتح الطريق مباشرة إلى القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، حسب المصدر ذاته.
وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، نبيل عبد الله، في بيان الجمعة أن "الجيش أكمل المرحلة الثانية من عملياته، بالتقاء قوات محور الخرطوم بحري مع تلك المرابطة في القيادة العامة".
إعلانوفتح فكّ الحصار عن القيادة الباب أمام إمكانية إدخال المؤن العسكرية والغذائية لمئات الجنود والضباط المحاصرين داخلها لقرابة العامين. وكانوا قد اعتمدوا طوال الفترة الماضية على عمليات الإسقاط الجوي التي كانت تتم بالطيران الحربي للسلاح والمعينات الغذائية وغيرها، وفقا لجندي تحدث للجزيرة نت من داخل القيادة.
ويمثل فك الحصار عن القيادة العامة من وجهة نظر الخبير في الشؤون العسكرية أسامة عيدروس "تحولا إستراتيجيا كبيرا في ميدان المعركة".
ويقول، للجزيرة نت، إنه يمكن الآن بسهولة "تطهير الخرطوم من جيوب التمرد المعزولة عن بعضها"، ووصل خطوط الإمداد للجيش ونقل العمليات بالكامل غربا.
وبعدها، يضيف الخبير ذاته، يمكن للمتحركات الأخرى أن تفك الحصار عن الأبيض في ولاية شمال كردفان، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية جديدة يتم من خلالها شن معركة تحرير مدن الضعين في ولاية شرق دارفور، وزالنجي والجنينة ونيالا في ولايات وسط وغرب وجنوب دارفور، على التوالي، بالإضافة إلى فك الحصار عن الفاشر شمال دارفور.
وهذه التطورات تعني فعليا أن نهاية التمرد بدأت في العد التنازلي، حتى إنه بات مهيأ للهزيمة وانكشفت كل تحركاته، من وجهة نظر عيدروس.
ويشير، المتحدث ذاته، في هذا الخصوص، إلى ما قال إنها "عمليات جريئة" قامت بها القوات المشتركة في صحراء شمال دارفور، وتدمير قاعدة الزرق، وإغلاق خط الإمداد في المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وليبيا. بما يؤكد، حسب المصدر ذاته، أن الدعم السريع ليس لديها جديد تفاجئ به الجيش الذي استعاد كل قواته وأصبح جاهزا للتقدم وتحرير بقية السودان.
ضربة قاصمة
ويقول فتح العليم الشوبلي قائد العمل الخاص بولاية سنار، للجزيرة نت، إن التحام جيوش أم درمان وبحري، وفك الحصار عن القيادة العامة يمثل أهمية فائقة بالنظر لرمزية القيادة. وإنه بفك الحصار عنها تكون "أوهام المليشيا بإسقاطها والسيطرة عليها قد تبخرت" وفق تعبيره.
إعلانويفتح هذا التطور، كما يقول الشوبلي، الطريق أمام قوات بحري وسلاح الإشارة والقيادة نفسها للتقدم نحو جنوب غرب الخرطوم للالتحام مع قوات سلاح المدرعات، وجنوب شرق الخرطوم "لتطهير ما تبقى من جيوب تسيطر عليها المليشيا بمناطق بري والرياض والمنشية وغيرها".
ويمثل فك الحصار وفقا للقائد العسكري، عن القيادة أيضا "ضربة قاصمة للمرتزقة" لأنها ستكون مركز السيطرة وحلقة الوصل بين كل القوات بمنطقة الخرطوم. ويتابع الشوبلي: يفتح فك الحصار كذلك نافذة للقوات المسلحة لتحرير المناطق الواقعة غرب القيادة والالتقاء بالقوات في منطقة المقرن والتوغل أكثر جنوب شرق الخرطوم للسيطرة على كبري المنشية من الناحية الغربية، لقطع الطريق أمام أي إمداد قادم للدعم السريع من جهة شرق النيل وتأمين جنوب شرق الخرطوم بالاشتراك مع قوات سلاح المدرعات.
ويؤكد الشوبلي أن معركة فك الحصار عن القيادة العامة ستكون حاسمة للصراع العسكري بالخرطوم باعتبار أن تقدم القوات في المعركة وتحرير ما تبقى من مناطق داخل الخرطوم سيعملان على حسم كافة الموازين بالمناطق الأخرى خاصة الفتيحاب في أم درمان والكلاكلة وجبل أولياء جنوب الخرطوم. كما سيعيد رسم الخارطة العسكرية التي من شأنها تقليص نفوذ الدعم السريع في كامل ولاية الخرطوم.
أما الخبير العسكري معتصم عبد القادر، فيرى أن فك الحصار عن القيادة العامة وسلاح الإشارة يأتي ضمن سلسلة تحركات القوات المسلحة منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2024، وعبورها الجسور من أم درمان إلى الخرطوم وبحري، وهزيمة الدعم السريع في ولايات سنار والجزيرة وجنوب ولاية نهر النيل، بما يعني، وفقه، أن الخطة الهجومية تسير وفقا لما كان مخططا، وأنه تبقى القليل في ولاية الخرطوم وشمال الجزيرة.
إعلانويوضح في حديثه للجزيرة نت، أن قوات الدعم السريع كانت قبل الحرب منتشرة في كافة المواقع الإستراتيجية وحول ولاية الخرطوم وغالب الولايات، وهذا أتاح لها الاستيلاء على مواقع عسكرية ومحاصرة أخرى.
ويشير إلى أن الجيش تعامل، في بداية الحرب، بخطة دفاعية تركزت في المحافظة على المواقع الرمزية والحاكمة من أجل القيادة والسيطرة، مثل القيادة العامة وسلاح المدرعات وسلاح المهندسين والإشارة وسلاح الأسلحة وغيرها، واتخذ منها نقاطا للانطلاق في المراحل اللاحقة من الحرب.
ويضيف معتصم عبد القادر، أن الجيش استخدم الطيران في أعمال منتقاة، مثل الهجوم على مقر قيادة وسيطرة الدعم السريع، وسط الخرطوم، وتدميره، وهذا أفقد التمرد القدرة على الاتصال في الأشهر الأولى للحرب.
وعكفت القوات المسلحة بعدها، يتابع الخبير العسكري، على وضع الخطط الإستراتيجية والتفريعات التكتيكية للقضاء على التمرد، ومن بعد ذلك إعداد وتدريب وتجهيز القوة البشرية والمادية، وفقا لتسلسل زمني مرن يتماشى مع مخرجات الواقع الميداني.
ويتضح من سير المعارك والتهاوي السريع للتمرد كما يقول الخبير العسكري فقدانه للقيادة والسيطرة وغياب الخطط الحربية الملائمة، مما يعجل بانحساره وعودة الدولة والمواطن لممارسة حياته الطبيعية.
وردا على حالة القلق التي يمكن أن تفرزها حرب المسيرات التي تشنها الدعم السريع على المرافق الحيوية في الولايات الآمنة، قال الخبير إنه بعد فك حصار القيادة وسلاح الإشارة والدخول للمصفاة، تراجعت وتيرة إطلاق المسيرات على المرافق المدنية لتقهقر المليشيا وهروبها من مناطق الإطلاق لمناطق أكثر أمنا.
ويضيف: "كلما توسعت دائرة انتشار القوات المسلحة تم القضاء على المسيرات… كذلك فإن تكثيف المضادات والتشويش يساهم في الحد منها".
موقف الدعم السريع
التزمت قيادة الدعم السريع الصمت حيال هذه التطورات خاصة بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة والإعلان عن فك حصارها، وذلك بعد أن شكك متحدثها الرسمي، في الأنباء التي تواترت صباح الجمعة، عن التحام قوات سلاح الإشارة بتلك القادمة من أم درمان. وقال، في بيان، إن الصور ومقاطع الفيديو المتداولة في هذا الخصوص "مفبركة".
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة الى الاشاوس في جميع الجبهات
تحية طيبة مباركة
اليوم هو الخامس والعشرون من يناير ٢٠٢٥م والحرب وصلت لما يقارب العامين، خلال هذه الفترة حقق أشاوس قواتنا الابطال انتصارات عظيمة مقدمين أرواحهم رخيصة فداءً للقضية التي أمنوا بها ولا زالوا يقاتلون من أجلها… pic.twitter.com/P58Klk5BAt
— عمر جبريل - Omer Gibril (@OmerGibril) January 25, 2025
إعلانوعلى منصة إكس كتب عمر جبريل، وهو أحد قادة الدعم السريع الناشطين إعلاميا، ما يشبه الاعتراف بالهزيمة قائلا "إن الحرب نصر وهزيمة يوم ليك ويوم عليك ومن يفرح بالنصر عليه أن يتقبل الهزيمة ويراجع أسبابها ويشحذ الهمة لتحقيق نصر جديد".
واعتبر "ما يحدث الآن في الميدان هو من عند الله ومن عند أنفسنا كما هو أيضا جزء من الحرب ومن سيناريوهاتها المعهودة منذ قديم الزمان".
وتحدث عن ضرورة الانتباه لمن قال إنهم أعداء موجودون داخل صفوف الدعم السريع الذين قال إنهم يبثون الإحباط ويخذلون الجنود في الميدان ويشككون في القيادة، مردفا: "هؤلاء يجب أن نحاربهم أولا قبل مقاتلة العدو".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القوات المسلحة سلاح الإشارة الدعم السریع الخرطوم بحری للجزیرة نت أم درمان فی ولایة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الفاشر تحتضر ..!
تعيش مدينة الفاشر تحت حصار خانق تفرضه ميليشيا الدعم السريع منذ أكثر من عام، في ظل انهيار تام في الخدمات، وظلال مجاعة باتت تُخيّم على سكانها الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف. ورغم هذه الكارثة الإنسانية، لم يتخذ مجلس الأمن الدولي خطوات عملية ترتقي إلى حجم المأساة.
في يونيو 2024، تبنّى المجلس قراره رقم 2736، الذي طالب بوقف الحصار فورًا، وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها، وضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. إلا أن هذا القرار بقي حبراً على ورق، بلا أدوات تنفيذية، بينما تتدهور الأوضاع المعيشية في المدينة بوتيرة متسارعة.
وقد أكد الخبير الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، أمس أن أولويات عمله تتركز في أربعة ملفات أساسية: حماية المدنيين، تسهيل وصول المساعدات، المساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، إضافة إلى ضمان حرية عمل المنظمات الإنسانية والحقوقية. وفي لقاء محدود مع الصحفيين،عبّر عن قلقه من استمرار التدهور، مشيرًا إلى غياب أي تطورات ملموسة على الأرض.
في المقابل، صدرت تصريحات متباينة من الحكومة. ففي مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان في يوليو 2025، أعلنت الحكومة السودانية أن رؤيتها الإنسانية تقوم على مبدأ تقديم الدعم للجميع دون تمييز ديني أو عرقي أو جهوي. كما أكدت فتح المعابر والمسارات والمطارات، بما في ذلك المنافذ الخارجة عن سيطرتها – مثل معبر أدري الحدودي مع تشاد – لاستقبال المساعدات، وتم تمديد فتحه لثلاثة أشهر إضافية. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان رسمي بقبول هدنة إنسانية في الفاشر، استجابة لمقترح من الأمم المتحدة لتأمين وصول المساعدات إلى السكان المحاصرين.
من جانبه، أوضح الفريق الركن الصادق إسماعيل، مستشار مجلس السيادة للشؤون الإنسانية، أن ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان من أكثر المناطق تضررًا واحتياجًا، داعيًا المنظمات إلى تكثيف جهودها بعد فتح المسارات. كما أعلنت الحكومة تشكيل لجنة طوارئ وطنية لدعم مفوضية العون الإنساني.
أما المفوضة سلوى آدم بنية فكشفت عن كارثية موجات النزوح الأخيرة، مشيرة إلى فرار نحو 1.3 مليون شخص من مناطق القتال، بينهم أكثر من نصف مليون من مخيم زمزم إلى الفاشر، وعشرات الآلاف من أبو شوك وطويلة إلى داخل الأراضي التشادية.
ورغم هذه الخطوات الرسمية، تبقى الاستجابة على الأرض دون المستوى المطلوب. فلم يُسجّل أي تحرك عسكري فعّال لفك الحصار أو تأمين خطوط الإمداد نحو الفاشر. والجيش السوداني، رغم امتلاكه القدرات البشرية واللوجستية، لم يطلق حتى الآن أي عملية باتجاه المدينة.. علماً بأن آلاف المقاتلين من القوات المشتركة “حركات سلام جوبا” متواجدون في الخرطوم ، بحسب تقرير لقناة “العربية”. ويرى مراقبون أن الحصار كان من الممكن فكّه سريعًا، لو تحركت هذه القوات المجهّزة لجبهة القتال كما حدث في معارك سابقة أثبتت فيها قدرتها على تفكيك تمركزات الميليشيات.
وما يعمّق المأساة أن الفاشر أصبحت على حافة مجاعة حقيقية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة بتاريخ 8 يوليو 2025، فإن 38% من الأطفال دون سن الخامسة في المدينة يعانون من سوء تغذية حاد، بينما يعاني 11% منهم من حالات حرجة تهدد حياتهم. وقد وصف والي شمال دارفور، الحافظ بخيت، الأوضاع بأنها “لا تُطاق”، موضحًا أن السكان يعتمدون على “الأمباز” – بقايا الفول السوداني المخصص عادةً لعلف الحيوانات – كغذاء رئيسي، في ظل غياب تام للسلع الأساسية، حيث تجاوز سعر ربع جوال الدخن نصف مليون جنيه سوداني.
وفي تطور لافت، أعلن مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، استعداده للانفتاح على تحالف “صمود”، بل وحتى مع ميليشيا الدعم السريع إذا أبدت التزامًا إيجابيًا، قائلاً: “الجميع سودانيون ويجب أن نتحرك معًا نحو السلام”. وهو خطاب يعكس مرونة تكتيكية وربما سعيًا لبناء تفاهمات جديدة لتخفيف التوتر على الأرض، رغم الانتهاكات الجسيمة التي ما تزال ترتكبها الميليشيا في الفاشر، حسب تقارير محلية ودولية موثقة.
لذلك على المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، أن يتحمل مسؤوليته في تحويل قراراته إلى أدوات تنفيذية فعالة، تتضمن الضغط الجاد على ميليشيا الدعم السريع، وتفعيل آليات الإسقاط الجوي العاجل للمساعدات، وفرض وقف إطلاق النار الإنساني الذي وافقت عليه الحكومة السودانية.
كما أن على الحكومة السودانية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، بتحريك قواتها نحو الفاشر، وتأمين الطرق والمطار، وفرض واقع ميداني جديد يُنهي الحصار.
فما يحدث في الفاشر ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على حماية مواطنيها، واختبار لمدى جدية المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب المدنيين في مناطق النزاع.
بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة لقد تجاوزت المأساة حدود الاحتمال، وبات الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ. وإذا لم تُتخذ خطوات حقيقية خلال الأيام القادمة، فقد تسقط الفاشر ليس فقط تحت الحصار، بل في ذاكرة العالم كنقطة سوداء على جبين الإنسانية.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 30 يوليو 2025م [email protected]