بعد عملية "طوفان الأقصى" وفي مطالع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة والتي اتخذت نمط الإبادة الجماعية منذ لحظاتها الأولى؛ تصاعدت التصريحات العلنية الرافضة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة.

عكست تلك التصريحات نقاشات حقيقية تدور في الخفاء حول أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، وسريعًا تكشّف الموقف عن وثيقة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية برئاسة الوزيرة جيلا غامليل تحمل تاريخ 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أي بعد أقلّ من أسبوع من الحرب، أوصت باحتلال قطاع غزّة وتهجير الفلسطينيين منه إلى سيناء.

فضّلت الوثيقة خيار التهجير على بدائل أخرى، وهي إعادة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزّة، أو تأسيس حكم محلي عربي، ورأت في تلك البدائل عيوبًا جوهرية من شأنها أن تؤول إلى تهديدات إستراتيجية، ليكون خيار التهجير، بالرغم مما فيه من مخاطر، هو الأكثر مثالية بالنسبة لـ "إسرائيل" من الناحية الإستراتيجية، بيد أنّ هذا الخيار، بحسب معدّي الوثيقة، بحاجة إلى موقف حازم من المستوى السياسيّ، وموافقة من الولايات المتحدة الأميركية، ومن دول أخرى مناصرة لـ "إسرائيل".

وضعت الوثيقة خطّة عامّة لإعادة احتلال قطاع غزّة، تبدأ بتهجير سكانه من شماليّه إلى جنوبيّه، وفي الأثناء تبدأ حملة تطهير متدرجة لحركة حماس وأنفاقها؛ لأجل نقل السكان في نهاية المطاف من قطاع غزّة إلى شماليّ سيناء.

إعلان

ويمكن بالنظر إلى الأنماط التي اتخذتها الحرب الإسرائيلية على غزّة، استكشاف أنّها بالفعل، كانت تهتدي بهذه الخطّة، والتي وإن عارضتها تصريحات علنية لوزير الخارجية الأميركي في حينه، أنتوني بلينكن، فإنّ مجرد الخروج بهذه التصريحات، هو كشفٌ عن مداولات كانت تدور بنحوٍ جدّي في كواليس إدارة الحرب على غزّة.

تصريحات بلينكن العلنية الرافضة للتهجير، كانت تأتي في غمرة التسريبات التي تتحدث عن ضغطه هو شخصيًّا على عدد من الدول العربية لاستقبال سكان قطاع غزّة بعد تهجيرهم، وهو ما انعكس بدوره في تصريحات عربية تبدي قلقًا حقيقيًّا من ضغوط جدّية على دول عربية لقبول استقبال سكّان قطاع غزّة، كان أبرزها تصريح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مؤتمر صحفي جمعه مع المستشار الألماني أولاف شولتس في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال فيه: "إذا كان هناك فكرة للتهجير، توجد صحراء النقب في إسرائيل، يمكن تهجير الفلسطينيين إليها إلى حين انتهاء إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة، أو الجماعات المسلحة: حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، ثم تعيدهم إذا شاءت، ولكن لا يمكن أن تتحمل مصر تبعات نقل سكان قطاع غزّة إليها في عملية عسكرية فضفاضة قد تستمر سنوات، ممّا من شأنه أن يحوّل سيناء إلى قاعدة للمقاومة، وأن يُنهي السلام بين مصر وإسرائيل".

لا يمكن أن تخرج تصريحات كهذه لولا وجود ضغوط حقيقية كانت تسعى إلى ترجمة حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة إلى إعادة احتلال القطاع وتهجير سكانه إلى مصر، ثمّ ضمّ أراضيه.

بعض هذه الضغوط في تعبيراتها العلنية تقنّعت بأغطية إنسانية تدعو إلى حماية المدنيين الفلسطينيين من القصف الإسرائيلي في مناطق آمنة على الحدود مع مصر.

بعد خمسة عشر شهرًا من الحرب الإسرائيلية على غزّة، وبعد إنجاز التوقيع على المرحلة الأولى من "اتفاق تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقف إطلاق نار دائم بين الطرفين"، تأتي تصريحات الرئيس الأميركي الداخل للتوّ إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، عن مساعيه لإقناع مصر والأردن ودول عربية أخرى لاستقبال سكان قطاع غزّة، وذلك بعد تقارير إعلامية تحدثت عن بحث إدارة ترامب في إمكانية نقل سكان قطاع غزّة إلى إندونيسيا مؤقتًا إلى حين إعادة إعمار القطاع.

إعلان

تصريحات ترامب، التي تتذرع بالوضع الإنساني في غزّة، واضحة المفهوم من حيث إرادة تهجير سكان قطاع غزّة بما يتفق مع الخطّة الإسرائيلية التأسيسية لحرب الإبادة الجماعية، كما كانت بداية الحرب، وبما قد يعزّز الآراء التي تتجاوز تفسير الحرب الإسرائيلية على غزّة بكونها حربًا إسرائيلية/ أميركية، إلى القول بأنّ أهدافها محلّ اتفاق بين الإسرائيليين والأميركيين، بما في ذلك تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة، وبنحو عابر للإدارات، أي هو موقف المؤسسة الأميركية، بأجهزتها الثابتة والراسخة.

لا تكشف تصريحات ترامب الموقف الأميركي الحقيقي إزاء الحرب الإسرائيلية وأهدافها النهائية فحسب، ولكنها أيضًا تكشف فشل الحرب الإسرائيلية في إنجاز هذا الهدف في الوقت المحدّد لها أميركيًّا، فقد ظهر الإحباط الأميركي من طول هذه الحرب سريعًا، كما في تصريحات لأنتوني بلينكن في ديسمبر/ كانون الأول 2023، قال فيها: "لو سلمت حماس سلاحها فإنّ الحرب ستنتهي فورًا".

وإذا كانت الحرب بنمطها الإباديّ قد صارت طويلة في شهرها الثالث، فهذا يعني أنّها لم تصل إلى شهرها الخامس عشر إلا بغطاء أميركي، لإنجاز ما يمكن إنجازه من أهدافها، وأنّ صمود المقاومة، وتكبيد الإسرائيليين خسائر مستمرّة في جنودهم وعتادهم، علاوة على استنزاف جيشهم ومجتمعهم، هو الذي أفشل هدف التهجير، والذي كان من معالمه المتسارعة في الشهور الأخيرة من الحرب تدمير كامل مدن شماليّ قطاع غزّة؛ جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

وقد تجلّت قراءة الموقف الحربي بعد الحرب التي بلغت هذا الطول المديد، في تصريحات أخرى لبينكن في 14 يناير/ كانون الثاني 2025 قال فيها: "هزيمة حماس بالحلول العسكرية فقط غير ممكنة، وما يجري في شماليّ غزة دليل على ذلك" مشيرًا إلى أن حماس جندت عناصر جديدة بقدر ما خسرت.

الخلاصة المكثفة من ذلك، هي أنّ طول الحرب ارتبط بأهداف إسرائيلية خطيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، أهمّها تهجير الفلسطينيين من غزّة، وأنّ صمود المقاومة حال دون تحقيق هذا الهدف بمحض القوّة العسكرية، لينتقل الأمر إلى محاولة إنجاز تلك الأهداف باستثمار نتيجة الحرب المادية، أي الدمار الفادح الواقع بالقطاع، أو كما عبّر ترامب بقوله: "المدينة تحتاج حقًا إلى إعادة البناء.. لا بد أن يحدث شيء ما، لكنّه موقع مُدمّر. لقد جرى تدمير كل شيء تقريبًا، والناس يموتون هناك. لذا أفضّل التعاون مع بعض الدول العربية وبناء مساكن في مكان آخر، ربما هناك يستطيعون العيش بسلام".

إعلان

تفسّر هذه التصريحات أهداف التدمير الإسرائيلي الممنهج لقطاع غزّة. فالأهداف المباشرة، هي:

أولًا: الانتقام لرفع الروح المعنوية الإسرائيلية واستعادة الردع وتيئيس الفلسطينيين من جدوى مقاومتهم.

وثانيًا: تغطية تقدّم القوات البرّية بالقصف السجادي لتصفية المقاومة وحركة حماس.

بيد أنّ الهدف الإستراتيجي هو تهجير السكان مباشرة بفعل القوّة الإسرائيلية، فهو تطهير عرقيّ مدفوع هذه المرّة بالإبادة الجماعية الصريحة، فإن لم تدفع الإبادة السكان للهجرة، وكان التساوق مع الأمر عربيًّا بالغ الصعوبة، يمكن تاليًا دفع الفلسطينيين إلى الهجرة بالدمار والبؤس.

وهو ما يُذكّر بتصريحات سابقة لوزير المالية الإسرائيلي، زعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش قال فيها: "إن تشجيع الهجرة الطوعية هو احتمال آخذ في الانفتاح، ومن الممكن خلق وضع يجعل غزّة على النصف من عدد سكانها الحاليين خلال عامين، مع السيطرة الكاملة من دولة إسرائيل".

ما قاله ترامب أخيرًا مطابق لما قاله سموتريتش، فترامب يتحدث عن تهجير نصف سكان قطاع غزّة، ويتذرع بالوضع الذي خلقته الحرب الإسرائيلية لتسويغ ذلك.

الذي ينبغي التأكيد عليه هو أنّ خطط التهجير لسكان قطاع غزّة مطروحة باستمرار داخل المؤسسة الإسرائيلية منذ العام 1967 على لسان موشيه ديان، وفي خطة إيغال ألون.

وهو ما تكرر في العديد من الخطط تاليًا، وذلك بالرغم من الأهمية الإستراتيجية والأيديولوجية للضفة الغربية، فقد ظلّت الرؤية الإسرائيلية قاضية باستمرار بضرورة تهجير سكان قطاع غزّة وضمّه في نهاية الأمر، وذلك بغرض التهويد الشامل لـ "أرض إسرائيل الكاملة" من جهة، ومن جهة أخرى لمعالجة معضلة الفقر في العمق الإستراتيجي الإسرائيلي، وهي معضلة تتكشف اليوم في حلول من قبيل احتلال أراضٍ جديدة في سوريا، والسعي للبقاء في نقاط إستراتيجية داخل لبنان بعد الحرب الأخيرة على لبنان.

إعلان

صمود الفلسطينيين في غزّة، وتَجدُّد المقاومة فيها، منذ احتلال القطاع، هو الذي أفشل تلك الخطط الإسرائيلية. ولم يكن لهذه الحرب، التي حاولت أن تحوّل المحنة الإسرائيلية إلى فرصة، أن تتوقف لو انكسرت المقاومة أو استسلمت، إذ ستصير الطريق سالكة لدفع الفلسطينيين نحو الهجرة.

إذن، وبينما حمل ترامب، نتنياهو على توقيع الاتفاق مع حماس، بعدما تهرّب منه الأخير كثيرًا وطويلًا، فإنّ ذلك لم يكن إلا لأنّ الحرب طالت أكثر مما ينبغي بعد صمود حركة حماس غير المتوقع من جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين.

بيد أنّ ذلك لا يعني نهاية الأمر بخصوص محاولة إنجاز أهداف هذه الحرب، وبما لا يقتصر على قطاع غزّة، فالضفّة الغربية أكثر أهمّية بالنسبة للإسرائيليين، وخطط ضمّها معلنة، وخطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلاميًّا بـ "صفقة القرن" والتي طرحها في ولايته الماضية، تقضي بتثبيت المستوطنات في الضفّة الغربية وضمّها لـ "إسرائيل" مع إخضاع المجال الفلسطيني بالكامل للهيمنة الأمنية الإسرائيلية المطلقة.

وإذا كان صمود المقاومة الفلسطينية حال دون إنفاذ هدف التهجير بالدفع العسكري المباشر، فإنّ الاستثمار في الدمار هو الخطة التالية لدفع الفلسطينيين نحو الهجرة، وبالضغط المباشر على عدد من الدول العربية لاستقبالهم، ممّا يحتّم على هذه الدول المواجهة المباشرة لهذه الخطّة بالدعم الصريح لصمود الفلسطينيين في قطاع غزّة، وبما يتطلب تجاوز الإرادة الإسرائيلية، ابتداء من الدخول المباشر في عمليات الإغاثة وتشييد المساكن المؤقتة، وفي الوقت نفسه البدء بإعادة الإعمار.

يبقى على هذه الدول، إن امتلكت الرؤية الصحيحة والإرادة المستقلة، دعم المقاومة الفلسطينية بوصفها الشرط الأساس لكبح التغوّل الإسرائيلي، لا سيما أنّ النوايا الإسرائيلية لتعويض الفقر في العمق الإستراتيجي متجسدة عمليًّا وتتجاوز الحيّز الجغرافي الفلسطيني، وما لا يمكن تحصيله جغرافيًّا تعمل "إسرائيل" على تحصيله بتكريس هيمنتها على دول المنطقة.

إعلان

ما تَأكّد من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وصمود المقاومة الفلسطينية فيها بالرغم من الظروف المستحيلة، هو أنّ "إسرائيل" تحمي نفسها بالإبادة أولًا، وبالولايات المتحدة ثانيًا، وهو أمر وبقدر ما ينبغي أن يثير مخاوف دول الإقليم كلّها، فإنّه يؤكّد إمكان تشييد توازن إقليميّ في التصدي لـ "إسرائيل" التي تعجز عن إنجاز أهدافها دون الولايات المتحدة الأميركية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تهجیر الفلسطینیین من صمود المقاومة ة الإسرائیلیة د المقاومة تهجیر سکان من الحرب

إقرأ أيضاً:

سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين

 

 

حمد الناصري

 

انتقد جيرمي كوربين الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، الهجمات التي شنتها إسرائيل على المدنيين في غزة واعتبرها مؤسفة جدًا، وقال "لا يبرر القتل العشوائي للفلسطينيين الذين يدفعون الثمن.."، كما انتقد سيادة بلاده بريطانيا وقال "يصعب عليهم الاتساق ـ الفلسطينيين، مع مبدأ تساوي الجميع في حق الحياة بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم".

كما وجه انتقادات لاذعة إلى وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان التي لوحت في أكثر من مرة بجعل حمل العلم الفلسطيني مخالفًا للقانون في حال تم تقدير أن حمله يعتبر استفزازًا أو يضر بالأمن العام، في إشارة إلى المُظاهرات العارمة في بريطانيا والدول الغربية المُناهضة لقتل المدنيين في غزة وتجويعهم.

وفي هذا الصدد، اعتبر كورين أن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، قد قلصت الحقوق الديمقراطية للمواطنين في بريطانيا عبر قانون النظام العام الذي يمنح الشرطة سُلطة غير مسبوقة لقمع الاحتجاجات السلمية، مؤكدا أن ما يحدث من تهديد للمتظاهرين السلميين "امتداد مُرَوع آخر، لهذا الهجوم المناهض للديمقراطية".

إن موقف الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان في وجه العُدوان على غزة لا يقل قوة وبطولة عن موقف كوربين الذي خروج عن حزب العمال، بسبب انتقاده لسياسة بلاده في تقليص حقوق المواطنين السلميين وتهديدهم بمنح الشرطة البريطانية لسلطة غير مسبوقة وهي قمع الاحتجاجات السلمية. وجاء موقف الإعلامي البريطاني بيرس مورغان مُتماهيًا تمامًا مع موقف كورين، وقد صاح مورغان في وجه سفيرة إسرائيل في بريطانيا "إسرائيل تقتل الأطفال كل يوم، وتمنع دخول الصحفيين إلى غزة بحجة الخوف على سلامتهم… نحن لسنا أغبياء.." مِما وضعها في موقف مُحرج. جاء ذلك خلال حوار مُعد ومُسبق بين تسيبي هوتوفلي سفيرة إسرائيل في بريطانيا، وقد عرى نوايا الاحتلال، وقال بكل قوة: "أنتم تقتلون الأطفال في غزة"، مما دفع بالسفيرة إلى الانفعال والتهرُب من الرد الصريح.

إن جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة، هي امتداد لجرائم سابقة منذ 1948 إلى يومنا هذا.. بلا رادع دولي ولا قانون يوقفها ولا محكمة العدل الدولية تقول كلمة حق؛ وهي محكمة مختصة لمثل هذه الجرائم والإبادة الوحشية.. فضلا عن صَمت العالم أمامها وموت الضمير الحُر المدافع عن الحقوق الإنسانية.. فتشديد الحصار على أكثر من 2 مليون فلسطيني وتجويعهم جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، لكن إسرائيل فوق القانون الدولي وقانون الأمم المتحدة وقانون الإبادة والوحشية وقانون الإنسانية.

ولا تزال جرائم إسرائيل مُتسلسلة؛ حيث دمرت حياة النبات والإنسان والحيوان، وتُشدد حصارها بالتواطؤ مع أذنابها الذين أعلنوا موت ضمائرهم الإنسانية، واستهدفت كل القطاعات زرعًا وعِمارة وسكنًا ومخيمًا وشوارع عليها يسيرون، وأدوية وموت مرضى تنهار السُقوف من فوقهم، ذلك هو الفِعْل القبيح والسلوك المُشين. وصَمت العالم جميعه أمام هذه المجازر الوحشية والإبادة الجماعية والموت جوعًا وتشديد الحصار في كل شيء.. جرائم حرب ضد الإنسانية جمعاء.. ساهمت في خنق الرجولة ضد أجساد عربية مُسلمة أطمأنت أن قضيتها أبعد بكثير مما يعقله الآخرون، ورغم أن بيوتهم تهدمت وأولادهم قتلوا، وبأي ذنب قُتلت، إلا أنها تقاوم لأجل البقاء أو الحياة التي هي من حق الجميع.

الصور والتقارير المنشورة عن فاجعة الطبيبة آلاء النجار- التي قتل الإسرائيليون أولادها التسعة ولا يزال زوجها الطبيب حمدي النجار وأحد أولادها في حالة حرجة جدًا-  تعني استخفاف إسرائيل بكل ما له وجود على وجه الأرض، عربي وغربي وشرقي، ضاربة بقوانين الأمم المتحدة عرض الحائط ومُستهترة بالمحكمة الدولية وعاصفة بكل تجمهر مُناهض لها، بل وتزيد من أفعالها المُشينة بلا رادع ولا خوف ولا وازع من ضمير، وكأنها مُطمئنة.. لا حسيب أُمميًا ولا رقيب دوليًا.

ما يحدث في غزة الآن من إبادة ووحشية يدعو إلى تحرك فوري؛ عربي ودولي، فالمشهد أمامنا صارخٌ إلى حد لا تحتمله الضمائر الحية، ولا يُجيز الصمت، هدم منازل وتسويتها بالشوارع وكأنها لم تكن، وتفحم جثامين المدنيين وتجويع ووحشية وإبادة جماعية لهي أساليب قمعية للحقوق الفلسطينية المُطالبة بدولة فلسطينية آمنة.

قرأنا عن كثير من الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية ولنا في الأساليب الوحشية ما يُذكرنا بها كالنازية والفاشية والبربرية، ومجازر أخرى للعرب والعُمانيين في إفريقيا، وتحديدًا مجزرة يناير 1964 في زنجبار، وهناك من يُؤكد عن دور إسرائيل الخفي في المجزرة البشعة للعُمانيين وإنهاء الحُكم العُماني في زنجبار في شرق افريقيا الذي امتد إلى قرابة 300 سنة أي 3 قرون، بعد تاريخ طويل من علاقة العُمانيين بشرق إفريقيا.

إن الخُذلان العربي سوف يذكره التاريخ بمرارة وقسوة، وأن فاجعة تجويع الفلسطينيين وإبادتهم سوف يُسأل عنه كل مُتواطئ.. لقد وصَف كثير من الصحف العالمية والمحلية كتاب "مُتواطئ" للصحفي البريطاني بيتر أوبورن حول ما وصفه في كتابه المُرتقب في أكتوبر من العام هذا 2025 بـ"التواطؤ الصريح" من العالم ومن الحكومة البريطانية، وسكوتها عن كل الجرائم والعُدوان الإسرائيلي على غزة على وجه الخصوص. وأكد أوبورن ما يُسميه بـ"تحالف الصمت والتواطؤ". ويرى أن تبرير المواقف وغض البصر عن الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، هو تواطؤ وتضليل وتشويه للحقائق، واعتبره خطاب كراهية، مؤكدًا أن بريطانيا شريكة في خلق بيئة تسمح بارتكاب جرائم ضد المدنيين في غزة، ومُنحازة دبلوماسيًا لإسرائيل، ومنحتها غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا، مُتجاهلة قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية في الوقت الذي تنقل شاشات التلفزة مشاهد الدمار في غزة.

مقالات مشابهة

  • لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
  • عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء حرب غزة
  • إعلام عبري .. بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت “إسرائيل” 20 جنديا
  • هآرتس: بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت إسرائيل 20 جنديا
  • رهائن الحقول في إسرائيل: لماذا كان التايلانديون في صدارة أسرى حماس في طوفان الأقصى؟
  • سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين
  • كاتب اسرائيلي يدعو للتفاوض مع كتائب القسام .. مفتاح الحل في غزة لا الدوحة
  • عاجل. الاستخبارات الإيرانية تكشف أنها حصلت على آلاف الوثائق الحساسة عن المنشآت الإسرائيلية النووية
  • من المغرب إلى خان يونس… شعوب تنتفض بوجه الحرب الإسرائيلية في غزة
  • أسطرة المقاومة في مواجهة عوالم الموت الإسرائيلية