لجريدة عمان:
2025-06-17@10:01:08 GMT

أحمد شوقي يلتقي جورج أورويل

تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT

يحيا الشعر مرة بعد أخرى كلما ظن الناس أنه خبا ومات، بل إنه ينهض من تحت الأنقاض كما تنتفض العنقاء، فـيعرّي نظريات موت الشعر والأدب وتهمة ابتعاده عن حياة وواقع الناس. يمثل الشعر الجدار الذي نتكئ عليه بعد يوم مرهق، السند الذي نستند إليه عند حلول مصيبة، والثلج الذي يهب بنسائمه على صدورنا كلما ابتغينا أملا نهرب به من واقع الحياة القاسي إلى المزيد والمزيد من الحياة، كما يدفع مدرب السباحة تلميذه الذي يخشى الغرق إلى عمق الحوض ووسط البركة.

كان الشعر فـي يوم من الأيام الشيء الذي نتحدث به، ونتمثل به فـي السراء والضراء، بل وفـي السخرية والتهكم أيضا؛ لكنه يختبئ أحيانا فـي شقوق الذاكرة، ثم يعود إلى الحياة من بعيد، يعود إلى الضوء من بعد غيابة النسيان.

يبدو التشاؤم الخيار الأسهل دائما، فمن الأسهل أن نتلفع بغطاء دافئ فـي الصباحات الشتوية بدلا من القيام والعمل. من الأسهل أن نستسلم للموت البطيء أو اليأس من المقاومة وتحمل المشقة. لكن متطلبات الحياة وواقعها، والمشاهد التي نشاهدها وتتجسد فـي أشخاص ليسوا أكثر بشرية منا ليفعلوا ما بدا أنه خيالي وأسطوري، إنما هم أكثر إيمانا وعملا بذلك الإيمان فـي أنفسهم وواقعهم من الآخرين الذين يستسلمون للدعة السامة مقابل المشقة التي تمنح الحرية والانعتاق. بدا أننا نسينا القصيدة الخالدة لأحمد شوقي فـي نكبة دمشق، التي قالها حين قصف الفرنسيون دمشق تلك المدينة المليئة بالناس والتاريخ والحضارة، ورغم أنه كان قصفا مدمرا؛ إلا أن الناس بذلوا فـي سبيل حريتهم وبقاء وطنهم الغالي والنفـيس، وهل هنالك أغلى من الروح والدم؟.

كتب شوقي قصيدته «نكبة دمشق» والشهيرة والمعروفة بمطلعها البديع البهي

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

لكن هذه القصيدة التي بدا أن غبار الأيام تراكم عليها وطواها، عادت إلى الحياة بقوة وعنفوان، وذلك لأن زعيم حركة المقاومة الإسلامية يحيى السنوار ظهرت له مؤخرا مقاطع مصورة ضمن برنامج «ما خفـي أعظم» وهو فـي ميدان المقاومة والقتال فـيما بدا وكأنه لقطة من فـيلم سينمائي بطولي، لا أنه حقيقة وواقع!، وهو يردد بيتا من القصيدة

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ

بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

جعلني هذا المقطع أتأمل المشهد وأتساءل بصدق، كيف يمكن لبيت من الشعر أن يجعل المرء يبتسم وسط المعركة والدمار المحيط به؟ كيف لبيت من الشعر أن يكون وقودا للإرادة فـي مواجهة الظلم والقهر والبطش والجنون!، كيف له أن يفعل ذلك؟. إن أيسر إجابة وأقربها كما أرى، أن الشعر الذي ينبع من الواقع بمساوئه قبل محاسنه، وآلامه قبل أفراحه؛ يتجسد فـي حياة الناس واقعًا ملموسًا. فهو ليس فذلكة لغوية تودع الكتب والمخازن، بل هي كلمات تعيش فـي قلوب المؤمنين بها، تحركهم وتبث فـيهم الأمل والحياة.

من مصادفات الأقدار أن الكتب والبشر تتقاطع مساراتهم فـي شيء من العجائبية التي يصعب تفسيرها؛ فرسالة الغفران للمعري، يقابلها جحيم دانتي. وبيت لشاعر عربي قديم، يطابق نظرية علمية اكتشفت حديثا، وهكذا تمضي الحياة. ومن المفارقات، أن يقرأ الإنسان كتابا عن أمة أو شعب عاش فـي حقبة ما، فـي بقعة ما من الوجود، ويجد نظيرا لها فـي بقعة وحقبة مختلفة عنها. ومن ذاك، رواية جورج أورويل 1984 التي أحدثت هزة عنيفة فـي أوروبا والعالم فـي القرن المنصرم، والتشابهات والإسقاطات التي بدت كما لو أنها مكتوبة فـي سبيل توصيف أسباب ونتائج ووقائع حرب الإبادة الصهيونية على غزة. «.. بعد ذلك سددت المروحية قنبلة زنتها عشرين كغم إلى الزورق مع وهج مروع فـيتحطم القارب تمامًا إلى شظايا خشبية صغيرة. ثم عرضت لقطة مدهشة ليد طفل وهي ترتفع إلى الأعلى بخط مستقيم فـي الهواء وطائرة المروحية مع كاميرا فـي مقدمتها تقتفـي أثرها. كان هناك الكثير من التصفـيق يصدر عن مقاعد الحفلة، لكن امرأة فـي الجزء المخصص للشغيلة من القاعة قفزت فجأة باهتياج وهي تصرخ «ما كان عليهم أن يعرضوا ذلك أمام الأطفال...)) حتى طردها البوليس». إنه مشهد اعتاد الناس مشاهدته فـي حرب الإبادة التي ستدخل أسبوعها الثالث من الهدنة، فقد كان الصحفـيون والمتظاهرون الهدف المفضل للشرطة فـي بلدان الديمقراطية الأوروبية والأمريكية، وهي مشاهد تكررت حتى فـي مداخلات الصحفـيين بعد كلمة المتحدث باسم البيت الأبيض أو كلمات بلينكن الكثيرة.

يتساءل أورويل فـي روايته «..كيف سيكون بإمكانك الاحتكام إلى المستقبل عندما لن يكون بالإمكان لأي أثر منك حتى ولو كان كلمة مبهمة خربشت على قطعة ورق، أن يبقى ماديا؟» ثم يتحدث عن المعلومات التي لا وجود مادي لها -أي التي لا توجد فـي الأوراق والكتب- وهو ما يتطابق تطابقا مذهلا مع القضية الفلسطينية والرواية الصهيونية التي تروج نفسها، حيث يقول: «..إنها فـي وعيه الخاص فقط، الوعي الذي ينبغي على أية حال أن يُلغى فـي الحال، فإذا ما تقبل الآخرون جميعا الأكذوبة التي فرضها الحزب -وإذا ما كانت كل السجلات تذكر نفس الحكاية- عندئذ ستدخل هذه الكذبة التاريخ لتصبح حقيقة واقعة»؛ لأنه وببساطة «..كيف تستطيع أن تثبت حتى أكثر الحقائق وضوحا عندما لا تكون هناك أية سجلات خارج ذاكرتك الخاصة؟». إن ما يفعله شوقي وأورويل وكل من له أثر فـي سرد الوقائع والأحداث وتوصيفها، هو اتحاد الجانب الخيِّر من البشرية فـي سبيل حفظ الماضي والحاضر؛ لأن «إعادة بناء الماضي» واحدة من أساليب الشر لتطويع وتطبيع ما لا يمكن قبوله بحال ولا يمس للحقيقة بصلة. ومن عجائب رواية أورويل، تلك الفقرة التي يتحدث فـيها عن وزارة السلام، وهي ما سيجد القارئ تجسيدا لها فـيما مضى من أحداث على غزة ولبنان واليمن وسوريا من قِبل الكيان الصهيوني «..قام بتصميم قنبلة يدوية تبنتها وزارة السلام وتسببت فـي مقتل واحد وثلاثين أسيرا أوراسيا فـي انفجار واحد». يلتقي أورويل بشوقي إذن، يلتقيان فـي الذاكرة والمآسي المتجددة التي يتعلم العالم أنها ستنتهي بالأيادي المضرجة، يلتقيان رغم القصف والبطش والقهر والإبادة. ولننظر بعين اليوم إلى قصيدة شوقي، ولنتأمل؛ أكانت قصيدته قديمة طواها الزمن؟ أم أنها واقع يتجدد اليوم؟

وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا

قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ

بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا

وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا

وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها

فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ

وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ

بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ

وَلِلأَوطانِ فـي دَمِ كُلِّ حُرٍّ

يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ

فَفـي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ

وَفـي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ

بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

علاء الدين الدغيشي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الشامبو الجاف.. حل سريع أم خطر صامت على صحة شعرك؟

خلال السنوات الأخيرة، حاز الشامبو الجاف شعبية واسعة بوصفه حلا سريعا للحفاظ على نظافة الشعر وانتعاشه من دون الحاجة إلى غسله بالماء. فعند استخدامه لأول مرة، يبدو وكأن الشعر نال انتعاشا فوريا وازداد حجمه ولمعانه، خاصة لدى أصحاب الشعر الدهني.

لكن رغم فوائده الظاهرة، تتزايد التساؤلات عن تأثيره طويل المدى على فروة الرأس وصحة الشعر. فهل هو حل عملي وآمن، أم خطر خفي يتسلل بصمت إلى صحة شعرك؟

كيف يعمل الشامبو الجاف؟

يأتي الشامبو الجاف عادة على هيئة رذاذ أو مسحوق يُرش مباشرة على جذور الشعر، ليقوم بامتصاص الزيوت والدهون التي تفرزها فروة الرأس. لا يحتاج إلى ماء، مما يجعله خيارا عمليا وسريعا لمن لا يملكون الوقت الكافي لغسل الشعر، أو للراغبين في إطالة الفترات بين الغسلات التقليدية. كما يُستخدم للحفاظ على تسريحات الشعر المعالجة كيميائيا مثل الكيراتين أو البروتين.

توضح الدكتورة شاري مارشباين، الأستاذة المساعدة في طب الأمراض الجلدية بجامعة نيويورك، لموقع "توداي دوت كوم"، أن "الشامبو الجاف ليس وسيلة لتنظيف الشعر أو فروة الرأس، بل هو وسيلة لامتصاص الأوساخ والزيوت وبقايا منتجات العناية القديمة المتراكمة على فروة الرأس والشعر من الأيام السابقة".

إعلان

غالبا ما يتكون الشامبو الجاف من مواد مثل النشا لامتصاص الدهون، والكحول لتجفيف الفروة بسرعة، إلى جانب مكونات معطّرة وأحيانا أصباغ لتحسين رائحة الشعر ومظهره.

لا يمكن اعتبار الشامبو الجاف بديلا حقيقيا لغسل الشعر بالماء والشامبو فهو لا يزيل الشوائب ولا ينظف الفروة (شترستوك) هل الشامبو الجاف آمن؟

رغم الفوائد المؤقتة التي يوفرها، فإن خبراء الجلد يحذرون من استخدامه بإفراط، لما قد يسببه من مشكلات صحية تؤثر على فروة الرأس وصحة الشعر. وتقول الدكتورة ندى البولوك، الأستاذة المساعدة في الأمراض الجلدية السريرية بجامعة ساوث كاليفورنيا، إن "الشامبو الجاف يجب ألا يكون جزءا من الروتين اليومي، فالإفراط في استخدامه قد يؤدي إلى أضرار واضحة في صحة الشعر والفروة".

من أبرز هذه الأضرار:

تراكم المنتج وانسداد بصيلات الشعر: الاستخدام المتكرر للشامبو الجاف دون غسيل بالماء يؤدي إلى تراكم مكوناته، مما يسبب انسداد بصيلات الشعر، ويعوق نموه الطبيعي، وقد يزيد من احتمال تساقطه. كما قد يؤدي هذا التراكم إلى تهيج الجلد، وحكة مستمرة، وفي حالات معينة إلى التهابات بكتيرية أو فطرية تُعرف بالتهاب بصيلات الشعر، والتي تظهر على هيئة بثور أو احمرار ملحوظ. خلل في توازن ميكروبيوم فروة الرأس: الميكروبيوم هو مجموعة الكائنات الدقيقة المفيدة التي تعيش على فروة الرأس، وتحافظ على صحتها. استخدام الشامبو الجاف بكثرة يُخلّ بهذا التوازن، مما يزيد خطر الإصابة بمشكلات جلدية مثل التهاب الجلد الدهني، خاصة لدى من يعانون الصدفية أو الإكزيما. وتوصي الدكتورة شاري ليبنر، أستاذة الأمراض الجلدية في مركز وايل كورنيل الطبي، بتجنب الشامبو الجاف في حالات الأمراض الجلدية لتفادي تفاقم التهيّج. جفاف الشعر وزيادة التقصف: عديد من أنواع الشامبو الجاف تحتوي على الكحول ومواد عضوية متطايرة تسبب جفاف الفروة والشعر، مما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للتكسر، خاصة في الأطراف. كما يُفقد الشعر مرونته ولمعانه الطبيعي، ويصبح أكثر عرضة للتشابك عند التصفيف، وهو ما يزيد من فرص تلفه. إعلان هل الشامبو الجاف يغني عن غسل الشعر؟

رغم فعاليته المؤقتة، فلا يمكن اعتبار الشامبو الجاف بديلا حقيقيا لغسل الشعر بالماء والشامبو. فهو لا يزيل الشوائب ولا ينظف الفروة، بل يعمل على امتصاص الزيوت مؤقتا، مما يؤدي إلى تراكمات ضارة على المدى الطويل.

ينصح الخبراء بالاكتفاء باستخدامه مرة أو مرتين أسبوعيا، وعدم تركه على الشعر لفترات طويلة. فغسل الشعر بالماء والشامبو التقليدي يبقى ضروريا، خاصة لمن يعانون القشرة أو الالتهابات الجلدية، أو أولئك الذين يستخدمون منتجات تصفيف بشكل منتظم.

رغم الفوائد الظاهرة للشامبو الجاف تتزايد التساؤلات عن تأثيره طويل المدى على فروة الرأس وصحة الشعر (شترستوك) كيف تستخدمين الشامبو الجاف بطريقة آمنة؟

للاستخدام الآمن، يوصي المختصون بما يلي:

الاعتدال: لا تستخدميه أكثر من مرتين أسبوعيا. طريقة الاستخدام: رشّي المنتج من مسافة 15 سم على الجذور فقط، وتجنّبي تغطية فروة الرأس كاملة. تدليك وتمشيط: بعد الرش، قومي بتدليك الفروة بلطف وتمشيط الشعر لتوزيع المنتج وإزالة الفائض. الاختيار الذكي: اختاري الأنواع الخالية من الكحول والعطور الصناعية، خاصة إذا كانت فروة رأسك حساسة. الالتزام بالغسل الدوري: اغسلي شعرك بالشامبو التقليدي بانتظام لتفادي التراكمات. كيف تختارين الشامبو الجاف المناسب؟ للشعر الدهني: اختاري منتجا غنيا بالنشا وخاليا من الزيوت. للشعر الجاف: اختاري نوعا يحتوي على مكونات مرطبة وخاليا من الكحول. تجنبي المنتجات مجهولة المصدر: ابحثي عن علامات تجارية موثوقة، واقرئي تقييمات المستخدمين والمكونات. الحساسية: إذا كانت فروة رأسك حساسة، تجنبي المنتجات التي تحتوي على البارابين أو العطور الصناعية.

وأخيرا، تذكّري أن الشامبو الجاف حل مؤقت لتحسين مظهر الشعر، وليس بديلا دائما للنظافة الفعلية. الاعتدال في استخدامه، ودمجه ضمن روتين صحي للعناية بالشعر هو السبيل للحفاظ على مظهر جميل وفروة رأس صحية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الشعر الشعبي
  • على كلمات «الطلقة الروسية».. منة فضالي تخطف الأنظار بفستان بنفسجي
  • من غير تحاليل... طرق للتحقق من نقص فيتامين د في المنزل
  • المستشارة أمل عمار تستقبل وفدا من الجامعة الأمريكية وجامعة جورج واشنطن بأمريكا
  • لهذا السبب.. رانيا فريد شوقي تتصدر التريند
  • «فاكرني عاقلة».. رانيا فريد شوقي تتصدر الترند بصورتها مع أحمد بدير
  • العميد ركن جورج نادر: إسرائـ..يل حسمت الجولة الأولى وإيران فقدت قدرتها العسكرية
  • خبير عسكري لبناني: الضربة الإسرائـ.يلية على إيران لم تكن مفاجئة.. توقيتها أربك طهران
  • فيلم "سيكو سيكو" يدخل ضمن قائمة الأفلام التي تجاوزت الـ 100 مليون جنية
  • الشامبو الجاف.. حل سريع أم خطر صامت على صحة شعرك؟