بقيادة فيزيائي مصري.. علماء هارفارد يصنعون معالجات كمومية فائقة النحافة
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
نجح فريق بحثي من جامعة هارفارد في تحقيق "تشابك كمومي" لفوتونات الضوء باستخدام مادة شفافة نانوية أرقّ بكثير من شعرة الإنسان، ولا يتجاوز سُمكها جزءًا من ألف من المليمتر.
نشر الفريق دراسته حديثا في دورية "ساينس"، ويرأس مؤلفيها الباحث المصري كيرلس موسي عجايبي يوسف، طالب الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية بجامعة هارفارد، الذي يقول في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "بهذه التقنية، يمكن استبدال رفوف من العدسات والمرايا ومقسّمات الشعاع والعديد من اللوحات الموجيّة وأجهزة الاستقطاب التقليديّة بشريحة واحدة متناهية الصغر، ممّا يُمهِّد لتكبير الأنظمة الكمومية الضوئية بسهولة وأمان".
ويضيف: "لقد قمنا بضغط مختبر بصريات كمومي كامل في طبقة فائقة النحافة، هذه الخطوة تضعنا على عتبة حواسيب وشبكات كمومية قابلة للتصنيع والتوسّع".
في الحواسيب التقليدية يحمل كل بِت، وهو أصغر وحدة قياس للمعلومات الممكن نقلها، قيمة واحدة إما 0 أو 1، لذلك يُعرف بالنظام الثنائي. يتحول كل شيء في حاسوبك إلى هذين القيمتين كي يتمكن من التعامل معها، فكل صورة أو فيديو أو نص كتابي، وكل برنامج معقد أو تطبيق أو موقع تواصل اجتماعي عبارة عن مجموعة من الأصفار والآحاد.
تحدث العمليات الحسابية عبر بوابات منطقية متتابعة تعتمد على هاتين القيمتين، بحيث تدخل بأشكال مختلفة إلى هذه البوابات وتخرج بقيمة محددة تعتمد حصرا وتتغير بحسب المُدخلات.
كما تختلف أنواع البوابات المنطقية بحسب العمليات المراد القيام بها، فعملية جمع رقمين تختلف في البوابات المنطقية المستخدمة عن عملية الضرب أو القسمة، كل منها يحتاج خريطة من البوابات المنطقية المتتالية تختلف بحسب نوع العملية. تلك البوابات هي اللبنات الأساسية التي تُبنى عليها جميع الأنظمة الرقمية كالحواسيب والهواتف الذكية وكل الأجهزة التي نستخدمها يوميا.
إعلانلا يحمل البت إلا قيمة واحدة، إما صفرا أو واحدا، أمّا في الحوسبة الكموميّة فيُستبدَل البِت بالبت الكمومي، أو ما يعرف اختصارا بالـ"كيوبت"، وبسبب خصائصه وتحديدا خاصية التراكب الكمومي، يمكن أن يكون في حالتَي الـ0 والـ1 معا.
ليس هذا فحسب، يضيف يوسف: "يمكن لكيوبِتات متعدّدة أن ترتبط عبر التشابك الكمومي بحيث يصبح قياس أحدها كافيا لتحديد حالة الآخرين فورا. هذه الظواهر تُمكّن الحواسيب الكمومية من تنفيذ حسابات هائلة السرعة، مثل محاكاة الجزيئات المعقّدة أو كسر الشفرات الطويلة، وهي مهامّ تتطلّب من الحواسيب الكلاسيكية سنوات أو قد تكون مستحيلة عمليّا".
التشابك الكمي باختصار هو ظاهرة في ميكانيكا الكم، فيها جسيمان (مثل فوتونين أو إلكترونين) يصبحان مرتبطين بطريقة تجعل حالة أحدهما مرتبطة مباشرة بحالة الآخر، حتى لو كانا على مسافات شاسعة.
والفكرة الأساسية تقوم على أن تقيس الجسيم الأول فتعرف فورا حالة الجسيم الثاني، هذا يحدث لحظيا، وكأن بينهما "اتصال فوري" يتجاوز حدود المسافة والوقت، حتى لو كان بين الجسيمين ملايين السنين الضوئية. هذه اللحظية هي ما دفع ألبرت أينشتاين لوصف الظاهرة بأنها "تأثير شبحي عن بُعد".
تحتاج الحواسيب الكمومية إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض للحفاظ على تماسك الكيوبت، لكن عندما يُشفَّر الكيوبِت في فوتون ضوئي (أي أن نستعمل خواص الفوتون مثل اتجاه الاستقطاب أو الطور لتمثيل المعلومات الكمية) نحصل على حاسوب كمومي فوتوني قادر على العمل في درجة حرارة الغرفة مع حصانة طبيعية ضد الضوضاء الحرارية.
ورغم مميزات الحاسوب الكمومي الفوتوني عن الحاسوب الكمومي التقليدي، فإن هناك مشكلة، يقول يوسف: "اصطدم توسيع الأنظمة الفوتونيّة بعائقٍ مادّي واضح، كل فوتون إضافي كان يحتاج شبكة جديدة من العدسات والمرايا ومقسِّمات شعاع تمتد أمتارا على طاولة المختبر، مع ضبطٍ ميكانيكي شديد ودفع ثمن فاقد ضوئي متراكم".
ولحل تلك المشكلة استخدم الفريق البحثي "الأسطح الفائقة ثنائية الأبعاد" (كوانتم ميتاسرفسيز) وهي طبقة شفافة نانوية البنية، أقل سماكة من شعرة الإنسان، تمتلئ بنقوش مجهرية أصغر من الطول الموجي للضوء نفسه.
تقوم هذه النقوش بدور مهندس محترف يمتلك الأدوات والعدسات اللازمة ليعيد تشكيل خصائص الفوتونات الضوئية العابرة، مثل الاستقطاب والطور والاتجاه.
ويضيف يوسف: "هي طبقة تُعيد هندسة الضوء من الداخل، فتوفر وظائف بصرية كمومية معقدة مثل التداخل والتشابك داخل شريحة لا تُرى بالعين المجرَّدة، ومن دون أي أجزاء متحركة"، وبعيدا عن الكثير من التعقيد، فهذه القدرة على التحكم في حالة الفوتون تشبه تماما قدرة البوابات المنطقية على معالجة العمليات الحسابية المختلفة المكونة من الـ"0 و1".
وبعد نجاح الأسطح الفائقة ثنائية الأبعاد في تقليص الأنظمة البصرية التقليدية، تساءل يوسف ما إذا كان بالإمكان تطبيق هذا التقليص ليشمل مجال الحوسبة الكمومية، ويقول: "عبقرية تلك الأسطح الفائقة تكمن في قدرتها على ضغط كل البوابات الكمومية في طبقة ثابتة واحدة، لتنتهي بذلك مشكلة الحجم وضبط العناصر الدقيقة".
إعلانلإثبات كفاءة هذه الطبقة في تنفيذ عمليات كمومية حقيقية، استخدم الفريق ظاهرة معروفة في البصريات الكمومية تُسمى تأثير "هونغ-أو-ماندل". تخيّل بابا له مخرجان، وفوتونين متطابقين يقتربان من الباب في اللحظة نفسها، كل منهما من جهة مختلفة.
في العالم الكلاسيكي الذي نعرفه (عالم فيزياء الأشياء الكبيرة مثل الطائرات والسيارات وأجسامنا الحية)، نتوقع أن يخرج فوتون واحد من كل مخرج. لكن في العالم الكمّي، تحدث مفاجأة، فإذا كان الفوتونان متطابقين تماما، فإنهما يتشابكان ويفضّلان الخروج معا كرفيقين من المَخرج نفسه!
ويُعد انخفاض احتمال خروجه هذين الفوتونين من مَخرجين مختلفين وارتفاع احتمال خروجهما من المَخرج نفسه دليلا مباشرا على التداخل الكمومي وتشابك الفوتونات.
ويوضح يوسف: "أجرينا أول تجربة بفوتونين كموميين متزامنين، ورصدنا تداخلا كموميا داخل طبقة واحدة فقط، بلا أي بصريات إضافية، وكانت النتائج متوافقة تماما مع حساباتنا النظرية".
ثم تابع: "الهبوط الحاد في احتمالات الكشف عن الفوتونات في مسارات مختلفة أكد لنا أن الشريحة قادرة على تنفيذ التداخل والتشابك داخل هذا السُمك متناهي الصغر، والذي لا يتجاوز 0.0008 ملم".
شبكة كمّومية!ولجعل الظاهرة قابلة للاستخدام على مستويات أعلى، اعتمد الفريق نهجا مبتكرا باستخدام نظرية تُعرف باسم نظرية "الرسوم البيانية". هذا النهج سمح بتصميم شريحة كمومية متعددة المخارج تحقق تشابكات كمومية متنوعة، ليس فقط من النوع "هونغ-أو-ماندل" بل أيضا المضاد له، أي خروج الفوتونين المتطابقين من مخارج مختلفة، مما يتيح تحكما مرنا في توزيع الفوتونات على المخارج.
نتائج هذه الدراسة لا تقتصر على المعالجة الكمومية فقط، بل تفتح آفاقا واسعة أمام تطبيقات مستقبلية، مثل إنشاء شبكات كمومية موزعة لتبادل مفاتيح التشفير الآمن، وتصنيع معالِجات ضوئية كمومية في أقمار صناعية صغيرة، وتطوير مجسّات كمومية فائقة الحساسية يمكن تثبيتها في بيئات قاسية لقياس الحقول الكهرومغناطيسية أو الكيميائية.
ويقول يوسف بتطلّع: "نأمل أن تُمكّننا هذه التقنية من تصغير أنظمة الحوسبة الكمومية إلى شريحة يمكن تركيبها في ساعة يد، مما سيحدث نقلة نوعية في تكنولوجيا الكمّ".
رغم النجاح الكبير الذي حققته هذه الدراسة، يرى يوسف أن الطريق لا يزال طويلا نحو التطبيقات التجارية، ويقول: "التحدي الحقيقي الآن هو تقليل الفاقد البصري وتحسين أداء الشريحة في بيئات غير مثالية. لكننا واثقون أن بنية السطوح الفائقة ثنائية الأبعاد تفتح الباب أمام مستوى جديد من التكامل الكمومي لا يمكن تحقيقه بالأنظمة التقليدية".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تحول دراماتيكي في غزة: هل تبدأ مرحلة جديدة بقيادة مصر؟
أعلنت مصر دعمها لأي ترتيبات دولية تتيح للسلطة الوطنية الفلسطينية بسط سيادتها على أراضي الدولة الفلسطينية، وذلك في إطار جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة.
وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن بلاده لا تمانع نشر قوات دولية لتعزيز دور السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
وأوضح عبد العاطي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية كوت ديفوار، أن الهدف من هذه الجهود هو منع الاحتلال الإسرائيلي من اتخاذ خطوات غير مسؤولة توسّع من نطاق عمليات الاحتلال العسكري في القطاع، لافتًا إلى أن القاهرة تجري اتصالات موسعة مع شركاء وأطراف دولية لتحذير الحكومة الإسرائيلية من مغبّة المضي في تنفيذ مثل هذه القرارات، ودفعها إلى استئناف الحوار والتفاوض السياسي.
وأشار عبد العاطي إلى أن التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، ويضمن توصيل المساعدات، وإطلاق سراح الرهائن، وفتح أفق سياسي لإقامة الدولة الفلسطينية، ممكن "في حال توافرت الإرادة السياسية اللازمة".
من جهته، أفاد مصدر فلسطيني لوكالة معا بأن اتفاقًا لوقف إطلاق النار بات قريبًا، وينص على وقف اقتحام مدينة غزة، انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي منها، ودخول قوات عربية – بقيادة مصر – كجزء من ترتيبات أمنية جديدة للقطاع.
وأكّد الخبير في القانون الدولي، الدكتور محمد محمود مهران، أن نشر قوات مصرية في غزة يجب أن يتم وفق تفويض دولي واضح، بما يشمل مجلس الأمن، وأن يكون متوافقًا مع مبادئ السيادة الفلسطينية والقانون الدولي الإنساني. واعتبر أن هذا التطور قد يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، ويضع حدًا لأطول وأعنف الحروب في تاريخ النزاع العربي–الإسرائيلي.
كما نقل التقرير عن مصادر أكدت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيعلن قريبًا عن اتفاق شامل لإنهاء الحرب في غزة، يتضمن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي ودخول جيوش عربية بقيادة مصر.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن