- زياد عبد التواب: يكسر احتكار الذكاء الاصطناعي ويشعل المنافسة بين القوى الكبرى

- أشرف مفيد: التطبيق الجديد منخفض التكلفة وكفاءة عالية وسيغير الهيمنة الأمريكية

- الدكتور محمود منصور: بكين نجحت في توفير النموذج المثالي، نسبيًا بشكل مجاني

أحدثت نماذج متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، طرحتها شركة «DeepSeek» الصينية، صدمة كبيرة للشركات الأمريكية والأوروبية وكيانات آسيوية مرتبطة بها، وفق تأكيدات خبراء ومختصين تحدثوا لـ«الأسبوع»، من بينهم خبير صناعة المعلومات، الدكتور محمود منصور، حيث تعتمد هذه النماذج على تقنيات تحاكي الذكاء البشري عبر معالجة بيانات ضخمة.

يوضح، منصور، أنه بـفضل هذه النماذج، أصبح بإمكان الأنظمة التفاعل بذكاء مع البشر، وحل المشكلات الرياضية والرد على الأسئلة المنطقية، إلا أن هذه النماذج، التي تعتمد على طاقة حسابية هائلة، تكلف الشركات مبالغ ضخمة من الأموال لتشغيلها، ما يجعل بعض النماذج مثل، شات جي بي تي، باهظة التكلفة مقارنة بالنموذج الصيني منخفض التكاليف.

الدكتور محمود منصور

وقال إن نماذج الذكاء الاصطناعي تتعامل مع قواعد بيانات كبيرة جدًا فكرية، أدبية، فنية، وعلمية، وتقوم بتحليل المعلومات بناءً على المعطيات الممنوحة لكل نموذج، وجميعها مبنية على ما يُسمى: واجهة الذكاء الاصطناعي، مثل شات جي بي تي، جيمناي، كوبيلت، ثم النموذج الصيني، ديب سيك.

أشار منصور إلى أن نموذج الذكاء الاصطناعي مثل ديب سيك يتعلم ويخزن البيانات، ثم تأتي مرحلة التعلم العميق التي تعتمد على خوارزميات تحاكي الخلايا العصبية للإنسان، والمنافسة بين هذه النماذج تعتمد على قدرتها في محاكاة النموذج العصبي في دماغ الإنسان، لكي تبدأ في التفاعل مع المستهلكين، وتقديم الحلول المنطقية المطلوبة للإجابة عن الأسئلة المنطقية.

ويشير إلى أن جميع النماذج، باستثناء الصيني، ديب سيك، تستهلك طاقة كبيرة، بأموال كثيرة، لتشغيل الأجهزة ومراكز البيانات الضخمة، لذا، فإن الاشتراكات الخاصة بالمستهلكين تكون كبيرة نسبيًا، ولا أقصد هنا النماذج المجانية، بقدراتها المحدودة جدًا، والمعرضة للهلوثة عند تقديم الإجابات، عبر إعطاء معلومات غير منطقية.

ونبّه الدكتور منصور إلى أن الصين نجحت في توفير النموذج المثالي، نسبيًا، بشكل مجاني، مع قدرته على معالجة 14 تريليون بارامتر، وهي قدرة حاسوبية قوية جدًا، بتكلفة بسيطة، وجعلوه مفتوح المصدر، ومتاحًا لكل من يرغب في تطوير النموذج وتحسينه، على عكس النماذج الأمريكية المغلقة والمدفوعة.

يعدد منصور المكاسب التي ستعود على الناس من الذكاء الاصطناعي، حيث يشير إلى أن هناك وظائف من المتوقع أنها ستختفي، في مجالات المحاماة وأنواع الطب، ومن يمكنهم الاستمرار هم من يستطيعون توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة أعمالهم، مثل المبرمجين، الذين سيستفيدون من تحسين وتسريع أعمالهم بطرق غير مسبوقة.

أيضًا، في مجال البحث العلمي، أثبت النموذج الصيني كفاءته الكبيرة في هذا المجال، حيث إنه قادر على البحث عن المصادر العلمية ودقتها، وهي ميزة غير متوفرة في باقي النماذج التي لا تقدم هذه الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر النموذج الصيني إمكانيات للتدقيق اللغوي والبحث على الإنترنت بشكل مجاني، ومن ثم يجب تعلم الذكاء الاصطناعي بشكل عام، ثم التركيز على التفاصيل التي تتعلق بمجال عمل كل شخص.

خيارات ومكاسب

من جانبه، يرى الخبير في الذكاء الاصطناعي، أشرف مفيد، أن التطور الكبير في الذكاء الاصطناعي، كما يظهر في تطبيقات مثل «DeepSeek» الصينية، يعد تحولًا جوهريًا في مسار التكنولوجيا العالمية، يعكس صراعًا تكنولوجيًا بين الصين والولايات المتحدة، حيث قدمت الصين نموذجًا قادرًا على منافسة العملاقة التقنية الأمريكية بتكلفة منخفضة وكفاءة عالية.

الخبير في الذكاء الاصطناعي، أشرف مفيد

أشار، مفيد، إلى أن هذا الصراع سيعيد تشكيل استراتيجيات الاستثمار في هذا القطاع، وسيسهم في تقديم خيارات متعددة للمستهلكين بأسعار منخفضة، مما يعزز تجربة المستخدم ويغير شكل التطبيقات التكنولوجية في الحياة اليومية، وكنت وما زلت على قناعة تامة بأن المنافسة في الذكاء الاصطناعي لا تعترف بالحدود.

وحول تقييمه لما يحدث وتأثيره اقتصاديًا وتكنولوجيًا، قال: أن الابتكار لا يحتاج دائمًا إلى استثمارات ضخمة بقدر ما يحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة حقيقية، وما نشهده اليوم مع تطبيق «DeepSeek» يمثل تحولًا نوعيًا في مسار التكنولوجيا، إذ أثبت أن بإمكان النماذج البديلة أن تنافس بقوة، بل وتهدد عمالقة الصناعة الذين اعتبروا أنفسهم في مأمن من التغيير.

من الناحية الاقتصادية، هذا التطور سيؤثر بشدة على استراتيجيات الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح واضحًا أن القدرة على تقليل التكلفة مع تحقيق نتائج مماثلة، إن لم تكن أفضل، ستجبر الشركات الكبرى على إعادة التفكير في نماذج أعمالها، أما تكنولوجيًا، فإننا أمام مرحلة جديدة من الابتكار، حيث لم يعد التفوق مقصورًا على شركات بعينها، بل أصبح مرهونًا بالقدرة على تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات المتاحة بأقل تكلفة وأعلى كفاءة.

وعن الاستفادة التي ستعود على مستهلكي التكنولوجيا، أوضح مفيد، أن المستهلك هو المستفيد الأول والأخير من هذه المنافسة المحتدمة، حيث تعني زيادة الابتكار مزيدًا من الخيارات، وأسعارًا أقل، وتجربة استخدام أكثر تطورًا. نحن أمام مشهد يعكس بوضوح أن التكنولوجيا لم تعد حكراً على مجموعة محددة من الدول أو الشركات، بل أصبحت ساحة مفتوحة لمن يملك الجرأة والرؤية.

وأوضح، مفيد، أنه مع شدة المنافسة، ستتحسن جودة الخدمات المقدمة للمستهلكين، كما سيؤدي الضغط المستمر إلى إطلاق منتجات أكثر تقدمًا بقدرات غير مسبوقة، مما يعزز تجربة المستخدم ويفتح آفاقًا جديدة أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. وحول استفادة قطاع الإعلام من هذه التطورات، أوضح مفيد، أنه توقف طويلًا أمام هذا السؤال، ويرى أن ما يحدث اليوم ليس مجرد تطور تقني، بل هو إعادة تشكيل لأساليب إنتاج المحتوى الإعلامي.

وقال إن الصحافة، بوصفها مهنة البحث عن الحقيقة، تجد نفسها أمام فرصة تاريخية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، ورصد الاتجاهات، وإنشاء محتوى أكثر دقة وعمقًا. أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة ستمنح الصحفيين القدرة على الوصول إلى المعلومات بسرعة غير مسبوقة، وستساعدهم في تقديم محتوى تفاعلي غني قادر على جذب الجمهور وإبقائه على تواصل دائم مع الأخبار.

وفيما أكد، مفيد، أنه في عالم أصبح فيه السرعة والدقة عنصرين حاسمين، فإن تبني هذه الأدوات لن يكون رفاهية، بل ضرورة لضمان استمرار الصحافة في لعب دورها المحوري في تشكيل الوعي العام، فقد أشار إلى تأثير الصراع التكنولوجي في المشهد الدولي، وأن الصين لم تعد مجرد منافس في مجال التكنولوجيا، بل أصبحت قوة قادرة على إحداث تغيير جذري في المعادلة الدولية.

وبين أنه لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على الشركات الأمريكية الكبرى، بل دخلت الصين بقوة وأثبتت أنها قادرة على تقديم بدائل ذات كفاءة عالية وتكلفة أقل. هذا سيؤدي إلى تصعيد المنافسة بين القوى الكبرى، وسيدفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى إعادة النظر في استراتيجياتهما لضمان استمرار تفوقهما التكنولوجي.

وقال، مفيد: في تقديري، نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع التكنولوجي، حيث لم يعد الأمر مجرد سباق على تطوير أفضل النماذج، بل أصبح معركة على النفوذ والسيطرة في عالم يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي في كل جوانب الحياة. قد نكون على أعتاب تحول جذري في ميزان القوى، حيث ستفرض الصين نفسها لاعبًا أساسيًا، ولن يكون بالإمكان تجاهل تأثيرها في مستقبل التكنولوجيا العالمية.

المسكوت عنه

يشير خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، المهندس زياد عبد التواب، عضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن تطورات "DeepSeek" في مجال الذكاء الاصطناعي فتحت المجال أمام الشركات الصغيرة والدول ذات الموارد المحدودة لدخول هذا المجال بثقل، نتيجة تكلفته المنخفضة وإمكاناته الكبيرة.

المهندس زياد عبد التواب

وقال عبد التواب: أصبح بإمكان هذه الشركات المنافسة في صناعة الذكاء الاصطناعي دون الحواجز التي كانت تضعها الشركات الكبرى في السابق. هذا التحول يمثل ثورة تقنية ستكون لها آثار كبيرة على اقتصاديات العالم، خصوصًا في الصراع التكنولوجي بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، ما يعزز التنافس على النفوذ في المستقبل.

ونبه إلى أن هذه التطورات في عالم الذكاء الاصطناعي غير مسبوقة تقنيًا، فتكلفة التطبيق الجديد لا تزيد عن 5% من التكلفة التي تصرح بها الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذه التطبيقات. كما أن الشركة القائمة بإصدار هذا التطبيق هي شركة ناشئة جديدة صغيرة تم إنشاؤها في عام 2023. تأثير هذا في المستقبل سيكون كبيرًا ببساطة لأن هذا يفتح المجال أمام الدول والشركات الصغيرة الدخول في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بقوة وكثافة.

وأشار إلى أن الإنجاز الصيني بدد العوائق أو الحواجز التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إبرازها للعالم بأن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى مراكز بيانات كبيرة ويستهلك كمية كبيرة جدًا من الطاقة، ولكن هذا الإصدار الجديد بهذه التكلفة المنخفضة وبهذه الإمكانيات البسيطة في إطار التجهيزات الفنية يفتح الباب على مصراعيه أمام الجميع لدخول بقوة في عالم الذكاء الاصطناعي.

وعن دلالة هذه الخطوة، قال عبد التواب: من المعروف أن أكبر لاعبين في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم هما الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الأول والصين في المركز الثاني. وهذا الإصدار وإصداره في هذا التوقيت بالذات له دلالة اقتصادية وسياسية كبيرة. فالصراع يقترب من المواجهة الكبيرة في ظل الحرب الغربية على تطبيق "تيك توك" الصيني وما أحدثه في العالم كله من حالة هلع ورعب من التطبيق بزعم أنه يقوم بالاستيلاء على البيانات الشخصية الموجودة على الهواتف المحمولة.

المفاجأة، بحسب عبد التواب، كانت أنه بعد ذلك بعد أشهر ظهرت دعاوى لقيام إحدى شركات التكنولوجيا الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية بشراء هذا التطبيق. إذاً فالأمر ليس تكنولوجيا بحتًا ولكنه جزء من الصراع السياسي والصراع الاقتصادي بين الدولتين الكبيرتين.

وعن مستقبل الصراع، قال عبد التواب: أتصور أنه مشابه للتأثير دخول الصين في مجال تصنيع الأجهزة التقنية الخاصة بشبكات المعلومات والهواتف المحمولة. فقبل ظهورها في الأسواق كانت الغلبة للغرب وكان يستطيع أن يضع الأسعار التي يريدها ويقوم بالسيطرة على هذه الشبكات عبر العالم كله. ولكن بعد ظهور شركة هواوي انقلبت الآية، فخفضت الولايات المتحدة الأمريكية من أسعار تلك المنتجات لتستمر في المنافسة مع شركة هواوي وغيرها من الشركات الصينية المتقدمة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وقال: ربما إطلاق هذا التطبيق وبعده أيضًا بيومين جاءتنا الأخبار عن إطلاق شركة علي بابا الصينية لتطبيق آخر للذكاء الاصطناعي. إذاً فالأمر في المستقبل القريب سوف يتغير كثيرًا. لن تكون السيطرة لدولة واحدة، ولكن هذا التنوع والاختلاف في الدقة وفي التكلفة المطلوبة وتجهيزات الفنية المطلوبة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي سيعيد ضبط كافة الصراع وتوازنها مرة أخرى. وربما يسمح بدخول لاعبين جدد إلى الساحة ويشجعهم على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير أنظمة فنية خاصة بهم.

اقرأ أيضاًوكيل النواب يحذر من التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي «فيديو»

أبو الغيط يفتتح دائرة الحوار العربية حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي:

معرض الكتاب يناقش «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام» لـ رباب عبد الرحمن

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي احتكار الذكاء الاصطناعي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الصراع الاقتصادي الصراع السياسي الولایات المتحدة الأمریکیة فی مجال الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی فی الذکاء الاصطناعی النموذج الصینی هذه النماذج غیر مسبوقة عبد التواب فی عالم إلى أن

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟

في ظل تسارع وتيرة التكنولوجيا وتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل مختلف جوانب الحياة، يبرز تساؤل جوهري: هل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التفكير البشري؟ وهل باتت الأجيال الناشئة تعتمد عليه اعتمادًا يُهدد قدراتها الذهنية؟

فمع تزايد استخدام أدوات مثل "GPT" للحصول على المعلومات وحلول المشكلات، لم يعد الجهد الذهني مطلبًا ضروريًّا لدى كثير من المستخدمين، صغارًا وكبارًا. وأصبح الوصول السهل والفوري للمعرفة سببًا في تراجع عمليات التحليل والتفكير النقدي، خصوصًا بين المراهقين والشباب.

الاستطلاع الذي أجريناه رصد تباينًا في وجهات النظر حيال هذه الظاهرة، لكنه كشف بوضوح عن اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي لتلبية مختلف الاحتياجات المعرفية واليومية، وهو ما يثير مخاوف التربويين والأسر من تحول هذه التقنيات من أدوات مساعدة إلى بدائل تُغني عن الجهد العقلي.

ويرى مختصون أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يكون داعمًا قويًّا لتعزيز التفكير والتحليل، لا بديل عنهما. ومن هنا تبرز أهمية توعية النشء بكيفية استخدام هذه الأدوات بشكل متوازن، وتشجيعهم على التفكير المستقل، بما يعزز مهاراتهم الذهنية بدل أن يُضعفها.

الاستطلاع طرح تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟ وما دور الأسرة في ضبط هذا الاستخدام، خاصة لدى الأبناء الذين باتوا يطلبون الإجابات الجاهزة لكل كبيرة وصغيرة؟

أسئلة مفتوحة على نقاش واسع، في وقت لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي ترفًا، بل واقعًا يفرض إعادة النظر في أساليب التعليم والتفكير.

معلم ذكي

تصف ثراء أسعد محمد علاقتها بالذكاء الاصطناعي بقولها: "هو معلمي الذكي ورفيقي في اتخاذ القرارات". وتضيف أنها تعتمد عليه بكثافة سواء في دراستها أو في شؤون حياتها اليومية والمهنية، حيث تراه أداة مساعدة متاحة دائمًا حتى في ساعات الليل المتأخرة.

وتوضح أنها تبدأ عادة بالتفكير الذاتي، ثم تقارن استنتاجاتها بما يقدمه الذكاء الاصطناعي، لتصل في النهاية إلى قرار "أكثر اتزانًا ومنطقية".

وترى ثراء أن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة على التفكير المستقل بشكل يشبه الإنسان، خاصة في قدرته على فهم السياق وتحليل المعلومات بشكل منطقي. وتشير إلى أن أحد أبرز تفوقاته هو الموضوعية، إذ يساعد المستخدمين في رؤية الأمور من زوايا متعددة قد لا ينتبه لها الإنسان الذي يتأثر غالبًا بعواطفه أو تجاربه الشخصية.

تطوير التفكير

من جانبها، تؤكد مريم بنت أحمد الكيومية أن الذكاء الاصطناعي كان له أثر إيجابي مباشر في تحسين مستواها الدراسي، حيث تستخدمه لفهم الدروس وحل التمارين في الوقت الذي يناسبها، مما خفف من اعتمادها على المعلمين والدروس الخصوصية.

تقول: "طريقة شرحه سلسة ودقيقة، وكان له دور في رفع درجاتي الدراسية".

وعند اتخاذ القرارات، تعتمد مريم أيضًا على الجمع بين التفكير الذاتي أولًا، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للمقارنة والتمحيص، وتؤمن أنه لا يقلل من قدراتها، بل على العكس يعينها على ملاحظة أمور كانت تغفل عنها سابقًا. وتضيف: "ساعدني في تطوير طريقة تفكيري، لا في طمسها".

وترى أن الفرق الأساسي يكمن في اتساع أفق التحليل لدى الذكاء الاصطناعي مقارنة بالرؤية المحدودة التي قد تصاحب التفكير البشري، خاصة في حالات التشويش أو ضيق الأفق أو غياب البيانات الكافية.

بين المساندة والاستغناء

من خلال هذه الآراء، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في نظر العديد من الشباب أداة تعزز الفهم وتنظم التفكير، لكنه في الوقت ذاته يحمل احتمالية أن يتحول -إن أُفرط في استخدامه- إلى بديل يهدد المهارات العقلية المستقلة.

وإذا كان بعض المستخدمين يتعاملون معه بوعي واتزان، فإن التحدي الأكبر يظل في بناء ثقافة تضمن الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات، بما يحافظ على القدرات الذهنية، ويُبقي على التفكير النقدي والتحليلي كعنصر أصيل في حياة الجيل الجديد.

وتتعدد دوافع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لدى المستخدمين، بين من يراه وسيلة لتوفير الوقت والجهد، ومن يخشى أن يتحوّل مع الزمن إلى أداة تُضعف القدرات الذهنية وتُعوّق التفكير المستقل.

السرعة والمنطق

ترى تقى بنت قاسم الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا مهمًّا في مساعدتها على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول، وتُرجع ذلك إلى ما توفره التقنية من سرعة في توليد الأفكار، واقتراحات منطقية وجديدة، الأمر الذي يمثّل اختصارًا فعّالًا للوقت.

لكنها رغم اعتمادها عليه، تؤكد أنه لا يمتلك قدرة حقيقية على "التفكير المستقل"؛ لأن نتائجه تقوم على بيانات مصدرها البشر أنفسهم.

وترى الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على التفكير الذاتي في معالجة القضايا العلمية المعقدة والبيانات الرقمية، حيث يبتعد عن التأثيرات العاطفية التي تضعف أحيانًا قرارات الإنسان. وتشير إلى نقاط ضعف في التفكير البشري مثل التعب، والانحياز العاطفي، والقصور في التعامل مع البيانات الكبيرة، وهي ثغرات يسدها الذكاء الاصطناعي بدقة وموضوعية.

"الإعاقة الذهنية"

أما عائشة بنت عبدالله البلوشية فتعبّر عن تخوّفها من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها لا تلجأ إليه إلا في حالات محددة، خصوصًا إذا كانت المسألة علمية أو تحتاج إلى تحليل بعيد عن التأثيرات العاطفية.

لكنها في المقابل، تُبدي تحفظًا واضحًا تجاه استخدامه المكثف، وتوضح: "أحاول تجنب استخدامه حتى لا أقع في فخ الإعاقة الذهنية، فالذكاء الاصطناعي من صنع البشر، ومحتواه معتمد في الأساس على ما يُغذيه به المستخدمون، وله دورة حياة تنتهي بإعادة البرمجة والتحديث".

وتحذّر البلوشية من أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع المهارات الفكرية لدى الإنسان، مشيرة إلى أن الطبيعة البشرية تميل دائمًا إلى البحث عن الحلول السهلة، والذكاء الاصطناعي وفّر تلك السهولة إلى حد الاستحواذ على العقول، مما أدى في رأيها إلى "خمول ذهني" وعدم استغلال القدرات العقلية الذاتية بالشكل الأمثل.

يرى زهير بن عوض العجمي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة قوية في دعم اتخاذ القرار وتحليل البيانات، خاصة في مجالات مثل التخطيط والتنبؤ وتحسين الكفاءة.

لكنه يُصر على أن هذه التقنية تبقى وسيلة مساعدة وليست بديلاً عن التفكير البشري. ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ولا ضميرًا أخلاقيًّا. إنه لا يتخذ قرارات مبنية على قيم إنسانية، بل على أنماط مستخلصة من بيانات سابقة".

ويؤكد أن قوة الذكاء الاصطناعي تظهر بوضوح في إزالة التحيّزات العاطفية من بعض القرارات مثل التوظيف أو تقييم المخاطر. لكن في المقابل، يتميز التفكير البشري بالقدرة على التأمل القيمي والإبداع والمرونة. ويختم بالتحذير من مغبة الاعتماد الزائد، الذي قد يؤدي إلى تآكل مهارات التفكير النقدي لدى الجيل الجديد.

التفكير الذاتي

أما رزان بن طارق الهنائية، فتتخذ موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي، إذ تقول إنها لا تعتمد عليه كثيرًا، وتفضل استخدام قدراتها الذهنية، رغم إدراكها أن نتائج الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر منطقية أحيانًا.

وتضيف: "تفكيري الذاتي هو ما يصقل عقلي ويؤهلني لمواجهة تحديات الحياة... لا أريد أن أضيع تلك الفرصة باعتمادي على تقنية جاهزة".

وترى رزان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم كمرجع مساعد، لتوضيح الإيجابيات والسلبيات فقط، وليس لاتخاذ قرارات نهائية. وتقرّ بأن له قدرة فائقة في معالجة المعلومات "الحقائقية"، خاصة في حالات التعب أو ضيق الأفق، لكنها تحذّر من خطورة الاعتماد الكلي عليه.

الحسم للعقل البشري

من جانبه، يصف نبيل بن محمد اللواتي اعتماده على الذكاء الاصطناعي بـ"المتزن"، مؤكدًا أنه أداة فعالة في تحليل البيانات التقنية والإدارية، لكنه يحرص على أن يكون القرار النهائي إنسانيًّا يأخذ في الاعتبار الجوانب العاطفية والثقافية والدينية.

ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يفكر بمعناه الكامل، بل يعمل بخوارزميات رياضية مبنية على بيانات. قد يُظهر إبداعًا في الظاهر، لكنه يفتقر للنية والوعي والمشاعر".

ويُعدد اللواتي حالات يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على التفكير الذاتي مثل، تحليل البيانات الضخمة، والتشخيص الطبي المعتمد على الصور، والتنبؤ بالمخاطر المالية، وكتابة النصوص التلقائية، والمقارنات التفصيلية.

لكنه يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعاني من ضعف في فهم القيم وعدم القدرة على ربط المعلومات ذات الأبعاد الأخلاقية والوجدانية، وهو ما يُشكل جوهر الفكر البشري.

بين الدعم والتحديات

وفي سياق الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي على عمليات التفكير واتخاذ القرار، لا يمكن تجاهل البعد النفسي والاجتماعي لهذا التطور التقني المتسارع. سهير العامرية، أخصائية نفسية بوزارة التربية والتعليم ومدربة دولية، تؤكد أن الذكاء الاصطناعي بات يسهم بشكل فعّال في تحسين جودة الحياة على مستويات عدّة، لكنه يحمل في طياته أيضًا تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر في الأفراد والمجتمعات إذا لم يُستخدم بوعي.

مساهمات إيجابية

توضح العامرية أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات ذكية تسهّل الحياة اليومية، من بينها تحسين الوصول إلى المعلومات والدعم الشخصي السريع، وتعزيز الاستقلالية في المهام اليومية خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة، ورفع كفاءة العمل والتعلم والرعاية الصحية من خلال تقنيات تساعد في إدارة الوقت وإنجاز المهام بشكل أفضل.

وفي الجانب الصحي، تبرز أدوار متعددة للذكاء الاصطناعي منها الصحة النفسية: كأدوات لمراقبة القلق والاكتئاب عبر تحليل سلوك المستخدم على الهواتف ووسائل التواصل، ودعم نفسي مباشر: مثل روبوتات المحادثة (كـ Woebot) التي تقدم إرشادات سلوكية يومية بأسلوب علمي، والصحة الجسدية: من خلال التشخيص المبكر عبر قراءة الصور الطبية، وتتبع الحالة الصحية باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات النوم والتغذية، إضافة إلى خدمات طبية مخصصة تعتمد على تحليل بيانات المستخدم.

تحديات مقلقة

إلى جانب الفوائد، تحذر العامرية من آثار سلبية محتملة للاستخدام المكثف وغير الواعي للذكاء الاصطناعي، أبرزها العزلة الاجتماعية: نتيجة الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية وضعف التفاعل البشري، والقلق التقني، خاصة في ما يتعلق بالخوف من فقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي أو عدم فهم كيفية عملها، والإرهاق الذهني بسبب التعامل المستمر مع توصيات أو نتائج غير متوقعة، والاعتمادية النفسية، حيث قد يفقد الفرد القدرة على اتخاذ قراراته بشكل مستقل دون الرجوع إلى الخوارزميات.

الاستخدام السلبي

وللوقاية من الآثار النفسية والمعلومات المضللة، توصي العامرية بعدة خطوات منها تعزيز الوعي الرقمي عبر الالتحاق بدورات وورش لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي، والتحقق من المعلومات وعدم الاعتماد التلقائي على النتائج أو التوصيات، وضبط الخصوصية الرقمية من خلال مراجعة إعدادات التطبيقات الذكية وتحديد البيانات التي تتم مشاركتها، واستخدام أدوات الأمان مثل برامج منع الإعلانات وVPN، والإبلاغ عند وجود اختراقات أو استخدام غير آمن للتطبيقات والخدمات الذكية.

ما بين الاستخدام المسؤول والدخول في دوامة الاعتمادية النفسية، تبقى العلاقة مع الذكاء الاصطناعي خاضعة لمعادلة دقيقة من الوعي، والتعليم، والرقابة الذاتية.

ففي النهاية، ما يُقرر إن كان الذكاء الاصطناعي أداة تمكين أم عائقًا ذهنيًّا، هو طريقتنا في استخدامه ومدى قدرتنا على حماية تفكيرنا وصحتنا النفسية من آثاره الجانبية.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • خبراء يكشفون خطر الذكاء الاصطناعي على الدماغ
  • بي بي سي تختار مديرة تنفيذية من ميتا لإدارة الذكاء الاصطناعي
  • استقرار العقود الآجلة للأسهم الأمريكية وسط ترقب الأسواق أحداثاً اقتصادية هامة
  • وضع الذكاء الاصطناعي يصل إلى الشاشة الرئيسية في هواتف أندرويد
  • عائدات AT&T تتضاعف نتيجة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟