لا شيء يمكن أن يبرر هذا السقوط المريع في مستنقع العنف، ولا شيء يمنح أحدًا الحق في العبث بأرواح الأبرياء، سواء كان ذلك باسم السلطة أو الشرعية أو حتى الدفاع عن الوطن. السودان، الذي كان يومًا موطنًا للتعايش والتسامح، أصبح اليوم ساحةً مفتوحةً لحرب لا ترحم، تحرق الأخضر واليابس، وتغرق البلاد في مستنقع الفوضى والموت.



أعلنها بوضوح أنا بريء من هذه الدماء، ولا أحمل سلاحًا غير قلمي، فهو أبلغ ما أملك للدفاع عن الحقيقة وفضح الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء. إن من يناصر هذه الوحشية أو يجد لها مبررًا، فهو فاجر مسرف، مجرد من الإنسانية، ولا يليق بأن يكون جزءًا من هذا الوطن العظيم، الذي لن يبنى إلا على أسس العدل والكرامة والاحترام المتبادل.

السودان بين مطرقة العنف وسندان المصالح الخارجية
مع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، دخل السودان نفقًا مظلمًا من الوحشية التي لم تشهدها البلاد حتى في أسوأ مراحل تاريخها. الجيش السوداني، الذي يفترض أن يكون درعًا يحمي الوطن، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع قوات الدعم السريع، ليصبح المدنيون وقودًا لهذه المعركة القاتلة. الأسلحة التي تنهال على رؤوس الأبرياء ليست فقط محلية الصنع، بل هي نتاج دعم خارجي واضح، يأتي من دول مثل إيران وتركيا، اللتين ضختا صواريخ متطورة وطائرات مسيرة وأسلحة فتّاكة، دون أن تعير أي اهتمام لما تخلفه هذه الأدوات القاتلة من مآسٍ ودمار.

لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل الأمر مجرد حرب بين طرفين، أم أن السودان بات مسرحًا لصراع دولي بالوكالة؟

وحشية لا حدود لها: الأسلحة المحرّمة والمرتزقة
مع تصاعد المواجهات، لجأ الجيش السوداني إلى استخدام أسلحة محرّمة دوليًا، بينها الذخائر العنقودية والأسلحة الكيميائية، في محاولة لتعويض خسائره العسكرية. هذه التصرفات ليست مجرد انتهاك للقوانين الدولية، بل هي خيانة صريحة لأبسط المبادئ الأخلاقية. استخدام هذه الأسلحة لا يعني سوى شيء واحد: أن الهدف لم يعد فقط حسم المعركة، بل تدمير العدو بأي وسيلة، حتى ولو كان الثمن هو إبادة الأبرياء.

ولم يقتصر الأمر على الأسلحة، بل شهدت ساحات القتال دخول المرتزقة إلى المشهد لتعويض الانشقاقات والخسائر البشرية المتزايدة في صفوف الجيش. هؤلاء المقاتلون الذين جُلبوا من دول أخرى، يقاتلون لأجل المال، وليس من أجل السودان، مما يحوّل الحرب إلى سوق مفتوح للقتل والاستغلال، حيث تختلط المصالح السياسية مع الجشع الدموي.

الصمت الدولي: تواطؤ أم عجز؟
أمام كل هذه الفظائع، يقف المجتمع الدولي في موقع المتفرج. الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون صوت الضمير العالمي، لا تزال عاجزة عن اتخاذ أي خطوات جادة لوقف المجازر. القوى الكبرى تتحدث عن "القلق العميق"، لكنها لا تتجاوز الإدانات الكلامية، في الوقت الذي تستمر فيه الأسلحة بالتدفق، والدعم العسكري بالتصاعد، والضحايا بالتزايد.

الأخطر من ذلك هو تجاهل ملف المحاسبة الدولية. رغم أن قادة الجيش السوداني يواجهون اتهامات بجرائم حرب، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تستطع حتى الآن التحرك بفعالية، بينما تواصل السلطات السودانية رفضها التعاون مع أي جهود للتحقيق في هذه الجرائم، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويؤكد أن العدالة ليست سوى وهم بالنسبة لضحايا هذه الحرب.

البراءة من الدماء موقف أخلاقي لا يحتمل المساومة
باسم الإنسانية، وباسم كل القيم التي تحفظ للإنسان كرامته، أعلن براءتي من هذه الحرب، ومن كل ما أفرزته من وحشية، ومن كل الأطراف التي أسهمت في تحويل السودان إلى ساحة قتل مفتوحة. أنا لا أملك سوى قلمي، وهو السلاح الوحيد الذي أؤمن به في مواجهة الظلم والكذب والتضليل.

إن من يبرر هذه الجرائم، أو يصمت عنها، هو شريك في سفك الدماء، وهو فاجر مسرف، منزوع الرحمة، لا يمكن أن يكون ابنًا لهذا الوطن العظيم. السودان لم يكن يومًا أرضًا للمذابح، ولن يكون كذلك. إننا نرفض أن نُختطف باسم الصراع، ونرفض أن يُزج بنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، سوى أننا ندفع ثمن طموحات الطغاة وأوهام المتحاربين.

السودان يستحق السلام، لا المقابر الجماعية. السودان يستحق مستقبلاً لا تلطخه الدماء، بل تبنيه العدالة والحرية والكرامة.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ماء العينين: تصريحات وهبي بخصوص تجريم الإثراء غير المشروع تتضمن معطيات "مخالفة للحقيقة"

قالت أمينة ماء العينين، القيادية بحزب العدالة والتنمية، إنها تفاجأت من تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، ذات الصلة بمحاولة تجريم الإثراء غير المشروع، مشيرة إلى أنها « تتضمن معطيات مخالفة للحقيقة بمقتضى النص والواقع ».

وأوضحت ماء العينين في منشور على صفحتها بـ « فايسبوك » أن الوزير حاول تبرير « معارضته الشديدة » لهذه المقتضيات بالدفع بكون المواد القانونية المعنية تستهدف المواطنين جميعا وتضعهم موضع شبهة في علاقتهم بحقهم الدستوري في التملك، وحقهم في التمتع بقرينة البراءة، مشددة على أن ذلك « مخالف تماما للحقيقة ».

ووفق المتحدثة، فإن مقتضيات الفصل 8-256 من الفرع 4 مكرر من القانون 16.10، الذي أحاله رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله ابن كيران على مكتب مجلس النواب، تنص على معاقبة كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000درهم، إذا ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح، عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة.

وأضافت القيادية في حزب « المصباح » أن الوزير « يعلم أن الإطار القانوني الساري المفعول حاليا ينظم عملية التصريح بالممتلكات أمام المجلس الأعلى للحسابات في بداية تقلد المهام وبعد انقضائها، غير أنه لا ينص على الجزاء في حالة ثبوت زيادة هذه الممتلكات زيادات غير مبررة »، معتبرة أن ذلك يفرغ مقتضى التصريح الإجباري من قيمته ويكاد يجعله شكليا.

وأكدت ماء العينين على أن النص كما تم عرضه أكد على ثبوت الزيادة الكبيرة وغير المبررة، مضيفة أنه من المعلوم أن الثبوت يتم بناء على تحريات تتولاها الجهات المختصة بناء على مؤشرات، وأن قرينة البراءة تظل مكفولة بتنصيص مشروع القانون على الحق في إثبات المصدر المشروع للزيادة المذكورة، وذلك في ردها على  « تصوير الوزير للمدافعين عن القانون كفاعلين عبثيين يتلاعبون بحقوق الناس ويوجهون إليهم التهم بشكل عبثي لمجرد الزيادة في ثرواتهم وممتلكاتهم »، وفق قولها.

وأردفت أن المنطق الذي يدفع به الوزير قائم على مقولة: ”لا توجه لي اتهاما ولا تخاطبني حتى تكتمل عناصر إدانتي لديك”، معتبرة أنه يعد « تقويضا لفلسفة التشريع الجنائي القائمة على توجيه الاتهام ومنح الفرصة للمشتبه فيه وللمتهم للدفاع عن نفسه، حيث يظل متمتعا بقرينة البراءة إلى حين صدور مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به ».

وشددت المتحدثة على أن من حق الجميع معارضة مقتضيات قانونية لا يتفق معها، مستدركة أن « المعارضة يجب أن تتأسس على دفوعات لا تخالف الحقيقة ولا تحور النص المقترح، ولا تحاول شيطنة النوايا الكامنة خلفه وتصويرها في صورة المتلاعب بحقوق الناس والمتجرئ على حرياتهم ».

كلمات دلالية الإثراء غير المشروع العدالة والتنمية عبد الطيف وهبي ماء العينين

مقالات مشابهة

  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • الجماز: الرئيس الجديد للهلال لن يكون له الصلاحيات التي كان يتمتع بها من سبقه
  • عناوين الصحف السودانية اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025
  • حريق جزئي بمركز كونترول “الشهادة السودانية”.. و”التربية” توضح
  • ماء العينين: تصريحات وهبي بخصوص تجريم الإثراء غير المشروع تتضمن معطيات "مخالفة للحقيقة"
  • عناوين الصحف السودانية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025
  • نداء عاجل لقادة السودان قبل فوات الأوان
  • رئيس الجالية السودانية بمصر: نشكر أرض الكنانة على استضافتنا وتسهيل إجراءات عودتنا
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)