في سياق النقاشات الفقهية حول أحكام الصلاة، يطرح سؤال شائع حول مدى جواز التنكيس في قراءة القرآن أثناء الصلاة، حيث استفسر أحد المصلين عن قيام إمام المسجد في صلاة العشاء بقراءة سورة بعد الفاتحة في الركعة الثانية تسبق السورة التي قرأها في الركعة الأولى في ترتيب المصحف، ما أدى إلى اعتراض بعض المصلين واعتبار ذلك خطأً قد يصل إلى بطلان الصلاة.

تعريف التنكيس وأنواعه

التنكيس في اللغة مأخوذ من "النكس"، وهو قلب الشيء على رأسه وجعل أعلاه أسفله. وفي الاصطلاح الفقهي، يقصد به تقديم المتأخر من القرآن على المتقدم، وهو ينقسم إلى أربعة أنواع:

تنكيس الحروف: كأن يقرأ الحروف معكوسة، وهو محرم؛ لأنه يخلّ بالنظم القرآني.تنكيس الكلمات: كأن يقرأ "أحد الله هو قل" بدلًا من "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ"، وهذا أيضًا محرم وتبطل به الصلاة عند بعض الفقهاء.تنكيس الآيات: وهو نوعان:قراءة الآيات بترتيب عكسي، وهذا محرم ومبطل للصلاة.قراءة مجموعة آيات متأخرة قبل أخرى متقدمة داخل نفس السورة، وهو مكروه فقط.تنكيس السور: كأن يقرأ الإمام في الركعة الأولى سورة "الناس"، ثم يقرأ في الثانية "الفلق"، وهو مكروه لكنه لا يبطل الصلاة.آراء الفقهاء حول تنكيس السور والآيات

اتفقت المذاهب الفقهية على أن ترتيب الآيات داخل السورة توقيفي، أي يجب الالتزام به كما ورد عن النبي ﷺ، وبالتالي فإن قراءتها معكوسة محرم ومبطل للصلاة. أما ترتيب السور في القراءة فهو محل خلاف:

الجمهور (المالكية، الشافعية، الحنابلة): يرون أن تنكيس السور مكروه فقط ولا يفسد الصلاة، ولكنه مخالف للسنة.الحنفية: يعتبرونه مكروهًا كراهة تحريمية في الفريضة، لكنه لا يبطل الصلاة.الإمام النووي: أكد أن السنة هي قراءة السور وفق ترتيب المصحف، لكن التنكيس لا يؤثر على صحة الصلاة.حكم صلاة الإمام في واقعة السؤال

بناءً على الفتاوى المعتبرة، فإن ما فعله الإمام من تقديم سورة متأخرة على أخرى متقدمة لا يُعدّ محرمًا، لكنه مكروه فقط أو خلاف الأولى. وعليه، فإن الصلاة صحيحة عند جميع المذاهب، ولا يوجد مبرر للقول ببطلانها.

خلاصة الحكم الشرعييحرم: تنكيس الحروف والكلمات وترتيب الآيات داخل السورة.يكره: تنكيس السور، لكنه لا يبطل الصلاة.الصلاة صحيحة إذا قرأ الإمام سورة متأخرة قبل أخرى متقدمة.

وبذلك، فإن الأولى هو الالتزام بترتيب المصحف، ولكن إذا حصل التنكيس في قراءة السور، فلا ينبغي التشدد في الحكم على الإمام أو المصلين ببطلان صلاتهم.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصلاة التنكيس صلاة تنكيس السور التنکیس فی

إقرأ أيضاً:

في ذكرى رحيله.. أول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت

تحل في الثالث عشر من ديسمبر ذكرى وفاة أحد أعلام الفكر الإسلامي والتجديد الديني في العصر الحديث، الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، وأول من حمل لقب الإمام الأكبر، والذي ترك بصمة فكرية عميقة في مسيرة الأزهر، وأسهم إسهامات غير مسبوقة في تطوير الخطاب الديني، وترسيخ منهج الوسطية، والتقريب بين المذاهب الإسلامية.


 

من هو الشيخ محمود شلتوت؟

وُلد الشيخ محمود شلتوت بمحافظة البحيرة عام 1893م، في زمن شهد ميلاد عدد كبير من رواد الإصلاح الديني والفكري، ونشأ في بيئة علمية جعلته يتجه مبكرًا إلى طلب العلم الشرعي، حتى أصبح أحد أبرز علماء الأزهر الشريف في القرن العشرين.

رحل الشيخ شلتوت عن عالمنا عام 1963م عن عمر ناهز السبعين عامًا، بعد رحلة علمية وفكرية حافلة بالعطاء، شغل خلالها مناصب علمية رفيعة، أبرزها مشيخة الأزهر الشريف، وكان نموذجًا للعالم المجدد الذي جمع بين أصالة التراث ووعي العصر.


 

مكانة علمية عالمية ومشاركة دولية مبكرة

لم يقتصر دور الشيخ محمود شلتوت على الساحة المحلية، بل امتد إلى المحافل العلمية الدولية، حيث اختير عضوًا في الوفد الذي شارك في مؤتمر “لاهاي” للقانون الدولي المقارن عام 1937م، وقدم خلاله بحثًا علميًا مهمًا بعنوان: «المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية».

نال البحث استحسان المشاركين في المؤتمر، وأكدوا من خلاله صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور ومواكبة العصر، واعتبارها مصدرًا أصيلًا من مصادر التشريع الحديث، لا تابعًا ولا مقتبسًا من القوانين الوضعية، وهو ما مثّل آنذاك شهادة دولية مهمة في زمن كانت تعاني فيه الأمة الإسلامية من الاستعمار والتشكيك في تراثها التشريعي.


 

رائد التجديد وتنقية الفكر الديني

يُنسب إلى الشيخ محمود شلتوت عدد من الأفكار التنويرية الجريئة، حيث كان من أوائل من نادوا بضرورة إنشاء مكتب علمي متخصص للرد على الشبهات المثارة حول الإسلام، وتنقية كتب التراث من البدع والخلط، وهي الدعوة التي مهدت لاحقًا لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.

كما دعا إلى تجديد الفقه الإسلامي من داخل أصوله، دون قطيعة مع التراث، مؤكدًا أن التجديد لا يعني الهدم، وإنما الفهم العميق للنصوص في ضوء مقاصد الشريعة ومتغيرات الواقع.


 

محمود شلتوت شيخًا للأزهر

في عام 1958م، صدر قرار تعيين الشيخ محمود شلتوت شيخًا للأزهر الشريف، ليصبح أول من حمل رسميًا لقب الإمام الأكبر. وخلال فترة توليه المشيخة، بذل جهودًا كبيرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان مؤمنًا بأن الخلاف المذهبي لا ينبغي أن يكون سببًا للفرقة أو الصراع.

كما أدخل لأول مرة دراسة المذاهب الإسلامية المختلفة في مناهج الأزهر، سعيًا لترسيخ ثقافة التعدد وقبول الآخر، والعمل على وحدة الصف الإسلامي.


 

إصلاح الأزهر وإدخال العلوم الحديثة

شهد عهد الشيخ شلتوت صدور قانون إصلاح الأزهر الشريف عام 1961م، وهو من أهم القوانين المنظمة للأزهر في العصر الحديث، حيث توسعت الدراسة الأزهرية لتشمل العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية، ولم تعد مقتصرة على التعليم الديني فقط.

كما أُنشئت في عهده كليات جديدة، وارتفعت مكانة الأزهر العلمية عالميًا، وتعزز دور شيخ الأزهر كرمز ديني وفكري له ثقله في العالم الإسلامي.


 

مؤلفات تركت أثرًا باقيا

خلّف الإمام الأكبر محمود شلتوت تراثًا علميًا غنيًا، من أبرز مؤلفاته:

فقه القرآن والسنة

مقارنة المذاهب

القرآن والقتال

يسألونك (مجموعة فتاوى)

منهج القرآن في بناء المجتمع

القرآن والمرأة

تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام


وقد تُرجمت العديد من مؤلفاته إلى لغات مختلفة، ما أسهم في نقل صورة الإسلام المعتدل إلى العالم.

 

مقالات مشابهة

  • الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات برواية الإمام قالون عن الإمام نافع.. اليوم
  • ما هي أدعية سيدنا موسى كما وردت في القرآن الكريم؟
  • أفضل سورة تقرأ بعد صلاة الفجر .. اقضِ حاجتك بـ 83 آية
  • الشيخ حسن عبد النبي لمتسابق: مفيش أي أخطاء عليه ولا ملاحظات
  • في ذكرى رحيله.. أول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت
  • الإفتاء: سداد دين الغارم يدخل ضمن مصارف الزكاة
  • فتاوى وأحكام| وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفوائدها.. حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. هل يصح ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر؟
  • سورة الكهف .. اعرف وقت قراءتها يوم الجمعة وفوائدها
  • فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات
  • الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات للختمة المرتلة برواية قالون.. اليوم