علي بن مسعود المعشني

[email protected]

عُرف عن روسيا في العهد السوفييتي بأن مفهومها للأمن القومي لا يتعدى جغرافية الاتحاد السوفييتي وجغرافية حلف وارسو، لهذا بُنيت العقدية السياسية والعقيدة العسكرية للكتلة الشرقية في عقود الحرب الباردة على هذا المفهوم.

وتسببت هذه السياسات في انكفاء الكتلة الشرقية على نفسها، والسماح في المقابل للخصم الغربي بالعربدة في جغرافيات العالم وكما يشاء؛ بل والتجاسر على مصالح المعسكر الشرقي وحلفائه في وضح النهار دون خوف من ردود بعينها.

انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وانفرط عقد مكوناته، فاستحوذ الغرب على نصيب الأسد منه وأصبح على مرمى حجر من الوريث الأكبر والمتمثل في جمهورية روسيا الاتحادية. وفي عهد الرئيس فلاديمير بوتين رمم تصدعات الدولة الوليدة من رحم أزمات الجسد المُنهار، وحرص على بناء الدولة الروسية على أنقاض الحقبة السوفييتية، ونقيض سياساتها؛ حيث بعث روسيا البوتينية بهوياتها وعقائدها الجديدة، والمتمثلة في الاقتصاد الحر والسوق المفتوح، وتجربة التعدد الحزبي، والبرلمان المُنتخب، أي أن روسا البوتينية نسخة طبق الأصل من نموذج الدولة في الغرب، وفوق هذا جعل مفهوم الأمن القومي لروسيا البوتينية وعقيدتها السياسية والعسكرية تشمل كل جغرافية حول العالم تحمل مصالح روسية.

لم يطمئن الغرب لهذا التحول، وبقي يُمارس سياسات الحرب الباردة ضد روسيا، ويعبر عن أطماعه في السيطرة عليها وتحجيمها تمهيدًا لتقسيمها بفعل دعم وتشجيع قلاقل بداخلها تحت أي مسمى.

كشف الغرب عن نواياه الحقيقية تجاه روسيا عام 2014، حين شجع أوكرانيا على التخلي عن تعهدها للروس وفق اتفاقية وارسو عام 1991 بشأن خروجها من دائرة الاتحاد السوفييتي واستقلالها عنه؛ حيث كانت من أهم شروط تلك الاتفاقية -والتي كانت برعاية فرنسا وألمانيا- عدم ممارسة أوكرانيا لأي أعمال عدائية ضد روسيا وعدم السماح بها انطلاقًا من أراضيها، وعدم انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.

حين قاد الغرب مؤامرة تمرد أوكرانيا على روسيا، كان رد فعل روسيا السيطرة على شبه جزيرة القرم، لمنع أوكرانيا من المطالبة بالانضمام إلى حلف الناتو والذي ينص ميثاقه على عدم قبول عضوية دولة لها أراضٍ مُحتلة.

ثم تطورت الأمور وصولًا إلى الحرب بين البلدين؛ حيث قرر الغرب استنزاف روسيا عبر أوكرانيا، ووظفوا جُل جهودهم لدعم المجهود الحربي الأوكراني؛ حيث سخَّرُوا لها كل ما يمكن تقديمه لحليف استراتيجي شريك لهم.

في المقابل، خاض الروس هذه الحرب وفق استراتيجية الفصل بين عدائية النظام الأوكراني، وكسب الشعب والجغرافيا، وفق حسابات التاريخ والوشائج والقواسم المشتركة بين روسيا وأوكرانيا.

ما يرشح اليوم بشأن اتفاق أمريكي روسي على تسوية عدد من الملفات العالقة بينهما، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، مقايضة مع الروس في عدد من الملفات الإقليمية، يعود بنا إلى المربع الأول للعهد والسياسات السوفييتية؛ حيث ستنكفئ روسيا على جغرافيتها مُجددًا، وسيعبث الغرب في جغرافيات تحالفات ونفوذ روسيا البوتينية وأهمها سوريا وإيران واليمن ولبنان وليبيا.

لا شك أن الملف الأوكراني كان كالجُرح المؤلم المفتوح لروسيا، ولكنه كان كذلك بالنسبة للغرب بعمومه وأمريكا على وجه الخصوص، وفي المقابل حفَّزَ الملف الأوكراني روسيا على فتح ملفات إقليمية ودولية في جغرافيات مختلفة تصب في نهايتها في دعم الموقف الروسي في أوكرانيا، وتهدد مصالح الغرب في تلك الجغرافيات وعلى رأسها وأهمها القارة الأفريقية.

تخلِّي روسيا اليوم عن عدد من القضايا والملفات مقابل إطلاق يدها في أوكرانيا مجددًا، سيجعل الغرب في وضع مثالي لتحقيق استراتيجيته المُبطَّنة تجاه روسيا، وسيُضعف دور وحيوية روسيا، ويُفقدها ثقة الحلفاء حاليًا ومُستقبلًا، وسترجح كفة المعسكر الغربي وجدارته في إدارة العالم.

قبل اللقاء: الجغرافيا والتاريخ وتحالف الضرورة، من ركائز العلاقات بين الدول.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وول ستريت جورنال: الجمهوريون يطلبون أموال أوروبا لدفع فاتورة تسليح أوكرانيا

قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن اثنين من كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي تقدما بخطة، اليوم الأربعاء، تخول الولايات المتحدة تحصيل أموال من الحلفاء الأوروبيين مقابل أسلحة ومعدات عسكرية تتبرع بها واشنطن لأوكرانيا.

وتأتي هذه الخطة في إطار دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جمع مليارات الدولارات من الحلفاء لتمويل المجهود الحربي الأوكراني ضد روسيا.

وأوضحت الصحيفة -في خبرها الحصري- أن التشريع الذي تقدم به العضوان الجمهوريان بمجلس الشيوخ روجر ويكر وجيم ريش وسُمي "قانون السلام"؛ يعد أكثر المقترحات تفصيلا للإجراءات التي قد يتخذها ترامب لتنفيذ خطته لتسليح كييف عبر تمويل أوروبي بعدما تعثرت محاولاته لإنهاء الحرب في أوكرانيا سريعا.

ويترأس السيناتور ويكر لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، أما السيناتور ريش فيترأس لجنة العلاقات الخارجية، وهو ما يعطي هذا التشريع قوة دافعة في الكونغرس، وفقا للصحيفة.

وقد أعلن الرئيس الأميركي قبل أسابيع قليلة أن بلاده ستقدم أسلحة إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي سيدفع ثمنها بالكامل ويزود بها أوكرانيا، مبينا أن هذا الاتفاق تم التوصل إليه خلال قمة الحلف في لاهاي في يونيو/حزيران الماضي.

وكان ترامب قد تعهد في حملته الانتخابية قبل فوزه بولايته الرئاسية الثانية بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في غضون يوم واحد، لكنه لم يتمكن من الوفاء بهذا الوعد.

والآن تشير التحليلات إلى أن خيارات ترامب الحالية تتراوح بين إمداد أوكرانيا بالأسلحة عبر الناتو أو فرض مزيد من العقوبات على روسيا أو الانسحاب كليا من الملف الأوكراني أو الانخراط في مزيد من الدبلوماسية مع روسيا.

وقال ترامب، أمس الثلاثاء، إنه يمهل روسيا 10 أيام فقط لتحقيق تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا وإلا فسيفرض عليها عقوبات جديدة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حصيلة القصف الروسي على كييف إلى 26 قتيلاً .. أوكرانيا تطالب بعزل روسيا
  • واشنطن: ترامب يريد اتفاق سلام في أوكرانيا قبل 8 أغسطس
  • أميركا تُحدد سقفا زمنيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • مساعد بوتين: الغرب يطارد السفن الروسية.. ويعسكر بحر البلطيق
  • روسيا تعلن سيطرتها على تشاسيف يار في دونيتسك.. والجيش الأوكراني ينفي
  • روسيا تهاجم أوكرانيا بأكثر من 300 طائرة مسيرة و8 صواريخ
  • وول ستريت جورنال: الجمهوريون يطلبون أموال أوروبا لدفع فاتورة تسليح أوكرانيا
  • العد التنازلي يبدأ.. ترامب يحدد 10 أيام لإنهاء الحرب في أوكرانيا أو فرض رسوم جمركية
  • ترامب يمهل روسيا 10 أيام لوقف الحرب في أوكرانيا
  • ترامب: روسيا ستواجه عقوبات أميركية جديدة إذا لم تنه حرب أوكرانيا في 10 أيام