بالفيديو.. لبنانيون يعودون إلى بلداتهم الحدودية رغم دمارها
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
جنوب لبنان- لم يكن مشهد الدمار الهائل والأنقاض التي غطت أرجاء البلدة هو الأكثر تأثيرا في نفس رئيس بلدية كفركلا جنوبي لبنان حسن شيت، بل كان هناك مشهد آخر اختزل كل شيء وألقى بظلاله على كل ما رآه من خراب فيها.
يستعيد شيت اللحظة قائلا "عندما وصلتُ إلى تخوم كفركلا عند أول منزل فيها، كانت المفاجأة بانتظاري، ظهرت أمامي سيارة إسعاف وفي داخلها مقاومان لا يزالان على قيد الحياة، كان ذلك كفيلا بأن يطغى على كل ما رأيته من دمار لأنه مشهد العزة والكرامة، ومعرفتي أن اثنين من الشباب الذين واجهوا العدو الصهيوني قد ظلا حيين كان أبلغ من أي شيء آخر".
وكشف أن المقاومين نجوا رغم تعرض موقعهما لقصف مكثف وغارات متتالية حفرت الأرض تحتهما، إلا أنهما صمدا وخرجا سالمين، مشددا على أن هذه اللحظة حملت في طياتها معنى أكبر من الدمار المادي الذي لحق بالبلدة. وتابع "الدمار مؤلم، ودماء الشهداء تُحفر في الذاكرة، لكننا أمام مسؤولية كبرى، هذه أرضنا وسنعيد إعمارها مهما كانت التحديات لأن البقاء فيها هو خيارنا الوحيد".
لم تكن العودة إلى كفركلا بالأمر الهين، فحجم الدمار يفوق قدرات البلدية وحدها. ويوضح شيت أنه لم يبق شيء قائم، لا بنية تحتية، ولا طرقات، ولا بيوت، وأنهم يحاولون بذل أقصى ما يستطيعون "لكن حجم الدمار يستدعي دعما أكبر من الدولة".
ودعا المسؤولين في الدولة إلى إدراج كفركلا ضمن أولويات إعادة الإعمار، مؤكدا "ما تبقى من البلدة هو الأرض، وهي كرامتنا ولن نتركها مهما كانت التحديات".
ووسط الركام الذي غيّر معالم البلدة، وقفت السيدة هبة بجوار أهلها تتساءل بحسرة ووجع "أين نقف؟"، وكأنها تبحث عن موطئ قدم في مكان لم يعد يشبه ما كان. ورغم الدمار الهائل قالت بثبات للجزيرة نت "عدنا مرفوعي الرأس، فالبيوت تُعوّض، لكن الإنسان لا".
إعلانالمشهد ذاته تكرر مع الحاج فضل، الأب لـ5 أبناء، والذي طال انتظاره للحظة العودة. وقف بعينين يملؤهما الشوق والحزن معا قائلا بصوت متهدج للجزيرة نت "انتظرنا طويلا لحظة الرجوع إلى أرضنا، ورغم انكسار قلوبنا على من فقدناهم، إلا أننا باقون. لن ننكسر ولن نهزم".
حين خطا نحو منزله كان المشهد أكثر إيلاما مما تخيل، تفقد المكان بعينين غمرتهما الدموع، فلم يجد سوى أطلال ورماد، تمتم بحزن "البيت الذي كان عامرا بالحياة لم يعد له وجود، الطابقان اللذان احتضنا أجمل ذكرياتي معا بالأرض تماما كما سُويت البلدة بأكملها".
في القرى والبلدات الجنوبية، تدفق الأهالي لتفقد منازلهم وسط تحديات جسيمة، دمار واسع طال الطرقات العامة والفرعية بفعل عمليات التجريف والتخريب، في حين دُمرت معظم المرافق الحيوية بالكامل.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، اصطفت طوابير طويلة من السيارات عند مداخل البلدات بانتظار الإذن من الجيش اللبناني للدخول. وانتشرت وحدات الجيش، منذ ليل الاثنين الماضي، داخل 11 قرية وباشرت بإزالة السواتر الترابية التي أقامها الجيش الإسرائيلي خلال فترة احتلاله للمنطقة.
لكن أمام صعوبة الانتظار، اختارت العديد من العائلات التقدم سيرا على الأقدام لتُفاجأ بمشهد دمار شامل، الحقول الزراعية مجرفة بالكامل، والمنازل تحولت إلى أنقاض، في صورة تعكس حجم المأساة التي حلت بالمنطقة.
على الطريق إلى بلدة الوزاني، كما في كفركلا، وميس الجبل، ومركبا، وحولا، وغيرها من البلدات الحدودية التي شهدت انسحاب قوات الاحتلال بعد انتهاء المهلة المحددة وفق اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، يتكرر مشهد الخراب في كل زاوية.
مشهد كارثي
في الوزاني المطلة غربا على الجولان السوري المحتل وجنوبا على فلسطين المحتلة، يستعيد رئيس بلديتها حسين الأحمد لحظات الوصول الأولى قائلا "وصلنا في تمام السابعة صباحا متقدمين على الجيش اللبناني الذي تبعنا لاحقا لفتح الطرقات وتأمين المنطقة".
إعلانويضيف للجزيرة نت "المشهد كان كارثيا بكل المقاييس، دمار شامل طال كل شيء: البنية التحتية، والمنازل، والأحياء السكنية، لا أثر لمقومات الحياة، والوزاني منكوبة كغيرها من قرى الجنوب".
أمام أنقاض منزلها، وقفت الحاجة حسنية المحمد بذهول تحاول استيعاب المشهد، وأوضحت: "قالوا إننا نستطيع العودة فجئنا. لكن ما رأيناه كان صادما، البيوت مدمرة، لا شيء كما كان، حتى أبسط مقتنياتي اختفت". وأضافت للجزيرة نت "حتى ذكرياتي وأولادي، وتفاصيل حياتنا وهذا البيت الذي كان ثمرة عمري، أصبحوا مجرد أنقاض".
وعقب انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض البلدات الحدودية، أعلن الدفاع المدني اللبناني، أمس الثلاثاء، انتشال 23 جثة من مناطق متفرقة.
وأوضح -في بيان رسمي- أن الفرق المختصة عثرت على جثامين 14 شخصا في بلدة ميس الجبل، و3 في مركبا، و3 في كفركلا، و3 آخرين في العديسة، وما زالت أعمال البحث مستمرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت ما کان
إقرأ أيضاً:
مقبرة حي جوبر الدمشقي تعجّ بالحياة وسط الدمار في عيد الأضحى
جوبر(سوريا) - يغالب جودت القيس دموعه عند قبر والده في مقبرة جوبر، التي أضحت المكان الوحيد النابض بالحياة في هذا الحي المدمّر عند الأطراف الشرقية لدمشق، مع توافد كثيرين إليها في أول عيد أضحى منذ إطاحة الحكم السابق.
بتأثر بالغ، جثا القيس (57 عاما) في جوار قبر والده الذي "توفي قبل 25 يوماً، وكانت أمنيته أن يُدفن في جوبر، وأكرمنا الله بتحقيق أمنيته".
يضيف لفرانس برس "أشخاص كثيرون حرموا من أن يواروا الثرى في مسقط رأسهم".
وسط الدمار الواسع في مختلف أنحاء الحي، تصدح تكبيرات العيد من مئذنة مسجد جوبر الكبير الذي لم يسلم من الخراب، لكن بقي من بنائه ما يكفي ليتحوّل إلى نقطة التقاء لعشرات المصلين فجر عيد الأضحى، في مشهد لم يعرفه الحيّ من أكثر من عقد.
وحيّ جوبر الذي كان عدد سكانه يناهز 350 ألف نسمة قبل العام 2011، هو من أكثر المناطق السورية التي تعرضت للتدمير خلال النزاع. واستمر القصف والمعارك في الحي حتى 2018، حين أفضى اتفاق بين حكومة الرئيس المخلوع بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية لدمشق، الى إفراغ المنطقة من المقاتلين وعائلاتهم.
ولا تزال المقبرة التي لم تسلم بدورها من تداعيات النزاع، شاهدة على حجم الدمار الهائل الذي أصاب الحي.
بين الحفر التي خلّفتها الصواريخ وأكوام الحجارة التي كانت قبورا، تتوزع عائلات وجيران التقوا بعد غياب، يتبادلون القهوة والتمر.
ومن هؤلاء مقاتلون سابقون وآخرون تعرضوا لإصابات بالغة خلال الحرب، حضروا على كراسٍ متحركة أو عكازات.
ويقول القيس الذي كان تاجر ذهب قبل اندلاع النزاع "المفارقة أن المقبرة هي المكان الوحيد الذي يعجّ بالحياة ويجمع الناس. لا شيء يجمعنا في جوبر حالياً سوى المقبرة. كل شيء مدمّر".
- "عدد السكان... صفر" -
على أطراف المقبرة، ينكب كثيرون في البحث عن مراقد أحبّتهم بعدما أُطيحت معظم الشواهد. وخطّ أولئك الذين عثروا عليها، أسماء بسيطة أو علامات بدائية تميّز القبور في زياراتهم المقبلة.
كان جهاد أبو المجد (53 سنة) من المحظوظين القلائل. ويقول لفرانس برس "وجدت قبر والدتي سالماً وصرت أبكي".
ومنذ إطاحة حكم الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، يصرّ أبو المجد على زيارة قبر والدته بشكل دوري.
ويقول "نحن لا نبارح المقبرة، نشعر بالراحة هنا، فيها (دفن) أجدادنا ومعارفنا، ونفاجأ أحيانا بأشخاص رحلوا ولم نعرف ذلك من قبل".
على مقربة من الجامع الكبير، يفترش حمزة إدريس الأرض لأداء صلاة العيد، بعدما امتلأت المساحة المخصصة داخل المسجد.
يشير إلى الحي والدمار في أنحائه، ويقول "المدينة غير صالحة للحياة حالياً. بحاجة لإعادة بناء مجدداً، ونسبة الضرر فيها مئة في المئة".
في اليوم التالي لسقوط الأسد، عاد إدريس من إدلب (شمال غرب) التي هجّر إليها مع عائلته عام 2018.
لكن إدريس الذي يشغل حاليا عضوية مجلس أمناء جوبر، يؤكد أن العودة بقصد الاقامة لا تزال "مستحيلة".
ويوضح "عدد سكان جوبر قبل الثورة (كان) 350 ألف نسمة، أما اليوم فعدد السكان هو صفر".
فقد إدريس خلال الحرب ثلاثة من أبنائه، وتمكن أخيرا من زيارة قبورهم، ولا يزال حتى اللحظة يتمنى "أن لا يكون ما أراه حلما... الآن فقط أشعر بالعيد".
لكن هذه الفرحة لا تخفي مرارة الخراب في الحي. ويقول إدريس "حتى المقبرة لم تسلم من القصف والتدمير، وهي أيضا شاهد على حجم الدمار في المنطقة".