كريستوفر هيدجز، صحفي أمريكي ذائع الصيت، عمل مراسلا لجريدة نيويورك تايمز في منطقة البلقان والشرق الأوسط، ومقدما لبرامج حوارية في محطات تلفزيونية مرموقة، وله مؤلفات ذائعة الانتشار، أشهرها "عواقب امبريالية أمريكا وحلف الأطلسي"، و"الفاشيون الأمريكان: اليمين المسيحي والحرب على أمريكا"، و"وفاة الطبقة الليبرالية"، وأهَّله عمله الصحفي للفوز بجائزة بوليتزر المرموقة التي تعتبر "أوسكار" الصحافة.
ميسم مقالات هيدجز وكتبه، هو النعي على بلاده (الولايات المتحدة) العبث بمقدرات الشعوب الأخرى، بينما هي في حال تآكل داخلي متسارع، فهي في تقديره، تعاني من كل العلل التي عانت منها الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، وتحمل في جوفها بذور فنائها، وأن ذلك يتمثل في استشراء الفساد المؤسسي، والفشل العسكري، والتداعي الاقتصادي، وفي مقال له في قبل أيام قليلة، يقول إنه وبحلول دونالد ترامب في البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة، آلت السلطة فعليا الى "المليارديرات، والفاشيين المسيحيين، والمحتالين، والمختلين عقلياً، والمعتوهين، والنرجسيين، والمنحرفين الذين استولوا على الكونجرس والبيت الأبيض والمحاكم، وشرعوا في تفكيك أجهزة الدولة".
وصحيح أن معظم الصحفيين المرموقين في الولايات المتحدة- ما عدا مجموعة شبكة فوكس- ظلوا يفتحون النار على ترامب، منذ ان بدأ حملته الانتخابية، بل ان اشهر مقدمي البرامج التلفزيونية، التي تمزج الجدِّية بالسخرية، لم يعد لهم شاغل سوى شطحات ترامب، ولكن هيدجز يظل الأجهر صوتا في التحذير من عواقب وجود ترامب، وجوقة اليمنيين في سدة الحكم، ويقول إن هؤلاء من فرط جهلهم بحقائق الوضع المحلي والدولي، لا يدركون أنهم يعجلون بغروب شمس أمريكا كدولة عظمى، لأنهم سادرون في غِيِّهم عبثا بالدستور، وبالاقتصاد والعلاقات الخارجية، حيث أصدر كبيرهم (ترامب)، زهاء مائتي امر تنفيذي، كلها مكرسة لتفكيك أجهزة الدولة، إلى جانب التنصل من أي معاهدة للحفاظ على البيئة، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية.
(لعل جريمتها في نظر ترامب وصحبه أنها نبهت العالم الى مخاطر جائحة الكورونا، بينما كان ترامب واليمين المسيحي يقولون إن الأمر "فبركة")، ويعجب هيدجر كيف لترامب وجماعته ان يفرضوا عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بينما يستقبلون بالأحضان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ينبغي ان يُساءل عن جرائم حربه على غزة. وعن إعلان ترامب تهجير أهل غزة وتحويل القطاع الى منتجع سياحي، يقول هيدجز "لو فعلها فستتساقط الأنظمة التي تدعمها الولايات المتحدة في المنطقة".
يرى هيدجز أنه ورغم أن ترامب بعيد عن التدين الحقيقي، إلا أنه بارع في استغلال المهوسين المسيحيين ذوي النزعات الفاشية، الكارهين للديمقراطية التعددية، وحكم القانون والعلمانية، وأن هؤلاء هم بطانته في أروقة الحكم، ويعملون حاليا على الإعلاء من شان التعليم الديني، ولهذه الغاية قام ترامب بإلغاء إدارات التعليم في كل الولايات، حتى لا تكون هناك معارضة مؤسسية لجعل الدين المسيحي، قوام مناهج العلوم الاجتماعية والنظرية.
يجدر بالذكر أن إدارة ترامب الحالية تضم بعض غلاة النازيين الأمريكان، الذين لا يؤمنون كما "شيخ طريقتهم" هتلر بتفوق الجنس الآري، بل بتفوق من يوصفون بالبيض، ومن ثم جاءت القرارات الممعنة في الاستعلاء العرقي بوصف المهاجرين من أمريكا اللاتينية بكل ما هو شنيع، ويفوت عليهم أنهم ـ البيض ـ مهاجرون دخلاء على الأرض التي يعيشون عليها ويريدون تطهيرها من الأجناس "الدنيا"، بمن فيهم أصحاب الأرض الأصليون الذين أسموهم بالهنود الحمر.
يقول د. كمال عبد الملك إن الإمبراطورية الرومانية تقف رمزا للهيمنة القديمة، بينما تمثل الولايات المتحدة قوة عالمية حديثة، وأن وجه الشبه بينهما يتجلى في السيطرة الإقليمية الواسعة، والقوة العسكرية، والتأثير الثقافي البارز. ففي أوج قوتها كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد عبر مناطق شاسعة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، بينما يتمطى تأثير الولايات المتحدة عبر جميع القارات، من خلال وسائل اقتصادية وعسكرية وثقافية.
الولايات المتحدة قطعا أقل شأنا من الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تحكم نحو ثلث ما يسمى بالعالم القديم حكما مباشرا، بينما تعتمد الإمبراطورية الأمريكية على وكلاء في مختلف القارات، لأن ظروف العصر لم تعد تسمح بخضوع دول للاستعمار من قبل دول أخرى، ولكنها باتت تعاني من نفس العلل التي أدت إلى انهيار إمبراطورية الرومانولكن وكما أن الإمبراطورية الرومانية العملاقة، تقزّمت ثم اندثرت بعد أيلولة الأمور فيها لملتاثين عقليا من أمثال نيرون وكاليغولا، فإن ترامب وفريقه يقومون دون وعي منهم بخلخلة أوصال الإمبراطورية الامريكية، فهم يحسبون أنهم لا يحتاجون إلى حلفاء، ومن ثم يعمدون إلى الإساءة إلى حلفائهم الأوربيين، ويبيعون قضية أوكرانيا التي تتعرض لغزو روسي، اسفر عن احتلال أراضيها، بينما يغازلون الدب الروسي (بوتين)، ويسَوِّقون لوجهة نظره لتسوية النزاع من أوكرانيا، بالقول بأن من حق روسيا الاحتفاظ بما تحتله من أراض أوكرانية، وأن على أوكرانيا أن تنسى أمر الانضمام إلى حلف الأطلسي.
والولايات المتحدة قطعا أقل شأنا من الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تحكم نحو ثلث ما يسمى بالعالم القديم حكما مباشرا، بينما تعتمد الإمبراطورية الأمريكية على وكلاء في مختلف القارات، لأن ظروف العصر لم تعد تسمح بخضوع دول للاستعمار من قبل دول أخرى، ولكنها باتت تعاني من نفس العلل التي أدت إلى انهيار إمبراطورية الرومان: الصراعات الداخلية، والتحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والفساد والصراعات السياسية، والفوارق الشاسعة بين طبقة غنية صغيرة حاكمة والغالبية المسحوقة.
حكم كاليغولا الإمبراطورية الرومانية ما بين عام 37 و41، وكان متقلب المزاج عنجهيا ودمويا، بينما حكمها نيرون ما بين عامي 54 و68، وهو الذي يقول التاريخ المدون إنه قام بحرق روما، أما مارك أنطونيو الذي سطع نجمه بعد أن قاد حملة ناجحة للانتقام من قتلة صديقه يوليوس قيصر، الذي كان يعتزم تنصيب نفسه ملكا على روما، فقد انشغل بحب كليوباترا، وانتهى به الأمر منتحرا في الإسكندرية، وفي ترامب شيء من هؤلاء الثلاثة، الذين كانوا سُبّة على الإمبراطورية الرومانية، وإذا أراد الله بدولة سوءا سلط عليها سفهاءها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه دونالد ترامب امريكا رأي سياسات دونالد ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإمبراطوریة الرومانیة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
أعلنت الولايات المتحدة إنهاء الوضع القانوني المؤقت للمواطنين الإثيوبيين المقيمين على أراضيها، في خطوة جديدة ضمن حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب لتشديد القيود على الهجرة القانونية وغير القانونية.
وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم، في إشعار نشر في السجل الفيدرالي الجمعة، إن إثيوبيا «لم تعد تستوفي الشروط اللازمة» للاستفادة من برنامج الحماية المؤقتة، وذلك بعد مراجعة الأوضاع في البلاد والتشاور مع الجهات الحكومية المعنية.
ويمنح وضع الحماية المؤقتة للأشخاص القادمين من دول تشهد كوارث طبيعية أو نزاعات مسلحة أو ظروفًا استثنائية، ويتيح لهم الحصول على تصاريح عمل وحماية مؤقتة من الترحيل.
إلغاء برنامج بايدنوكان البرنامج قد أنشئ عام 1991، وشهد توسعًا كبيرًا خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي مددت الحماية لنحو 600 ألف فنزويلي وأكثر من 521 ألف هايتي. إلا أن وزيرة الأمن الداخلي ألغت هذه التمديدات في فبراير الماضي، معتبرة أنها «لم تعد مبررة».
وخلال الأشهر الأخيرة، رفعت إدارة ترامب الحماية المؤقتة عن مواطنين من عدة دول، من بينها هايتي وميانمار وجنوب السودان وسوريا وفنزويلا، كما أعلن الرئيس في نوفمبر الماضي إنهاء الحماية الممنوحة للصوماليين في ولاية مينيسوتا.
ويجعل ترامب من تشديد الرقابة على الهجرة محورًا رئيسيًا في ولايته الرئاسية الثانية، حيث ينظر إلى إلغاء برامج الحماية المؤقتة على أنه دعم لخطته الرامية إلى ترحيل ملايين المهاجرين. وقد قوبلت هذه القرارات بطعون قانونية أمام المحاكم.
وفي هذا السياق، سمحت المحكمة العليا الأمريكية في أكتوبر الماضي للإدارة بالمضي قدمًا في إلغاء وضع الحماية المؤقتة لمئات الآلاف من الفنزويليين، بعد تعليق حكم قضائي سابق كان قد اعتبر أن وزيرة الأمن الداخلي لا تملك صلاحية إنهاء البرنامج أثناء نظر الدعاوى القضائية.
كما أعلنت وزارة الأمن الداخلي، في إشعار منفصل، أنها لم تعد تعالج القضايا القديمة ضمن برنامج لمّ شمل العائلات الكوبية والهايتية، وهو برنامج يسهّل على المواطنين الأمريكيين والمقيمين الدائمين إحضار أفراد عائلاتهم إلى الولايات المتحدة.