كيف يحاول البرهان أحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم؟
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
كيف يحاول البرهان أحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم؟
تاج السر عثمان بابو
1يواصل البرهان المزيد من التعقيد للمشهد السياسي والعسكري بمحاولة إحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم من خلال إدخال تعديلات غير دستورية على الوثيقة الدستورية “المعيبة” التي تم خرقها وشبعت موتا، وقضى عليها بانقلابه في 25 أكتوبر الذي قاد الحرب الراهنة.
فقد تم في تسريبات التعديلات حذف أي إشارة إلى المكون المدني أو قوات الدعم السريع، وتم تعزيز صلاحيات المؤسسة العسكرية والموالين لها، مما ينسف مطلب ثورة ديسمبر في الحكم المدني الديمقراطي، فضلا عن رفض المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي اللذان دعيا إلى انتقال ديمقراطي مدني في السودان كشرط لإعادة السودان لحضنه.
جاء ذلك في الوجهة التي قدمها البرهان لتشكيل حكومة في ظل استمرار الحرب.
كما تأتي هذه التعديلات أيضا في ظروف تطرح فيها قوات الدعم السريع قيام حكومة موازية أخرى غير شرعية كما حكومة الأمر الواقع غير الشرعية في بورتسودان، تهدد وحدة الوطن في محادثات العاصمة الكينية نيروبي قبل التوقيع على ميثاق سياسي من شأنه أن يمهد الطريق أمام تشكيل “حكومة السلام والوحدة”، مما يؤدي للمزيد من تصعيد الصراع والحرب، وتعطيل جهود وقف الحرب والحل التفاوضي السلمي.
2مضت حوالي ست سنوات على توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019 بين اللجنة الأمنية وقوى “الهبوط الناعم” في (قحت) التي كرّست هيمنة المكون العسكري في الشراكة، كما هو الحال في اتفاق تقاسم السلطة الذي أعطى العسكر:
– 21 شهرا الأولى.
– تعيين وزيري الداخلية والدفاع.
– الإبقاء على الدعم السريع والقوات المسلحة والشرطة في يد المجلس السيادي.
– الإبقاء على الدعم السريع وغض الطرف عن مليشيات النظام البائد (كتائب الظل، الدفاع الشعبي، الوحدات الجهادية الطلابية. الخ).
– تعيين المجلس السيادي لمفوضيات مهمة مثل: الانتخابات- الدستور- المؤتمر الدستوري.
– الإبقاء على المراسيم الدستورية من 11 أبريل 2019 إلى بداية سريان الاتفاق.
3الاتفاق لم يأت نتاجا لتطور باطني سوداني، بل تمّ تجاوز ميثاق قوى الحرية والتغيير، وتدخل خارجي إقليمي وعالمي بات معلوما تفاصيله للجميع بهدف فرض “الهبوط الناعم” الذي يعيد سياسات النظام السابق الاقتصادية والقمعية وتحالفاته العسكرية التي تفرط في سيادة البلاد ونهب ثرواتها الزراعية والمعدنية والحيوانية وأراضيها الخصبة ومياهها الجوفية، والاستمرار في الاتفاقات الجزئية التي تعمق الصراعات القبلية والإثنية وتهدد وحدة البلاد، وضمان الحفاظ على مصالح تلك القوى (قواعد عسكرية، موانئ، الخ).
كما أبقى الاتفاق على المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية المدنية والعسكرية ومصادر التراكم الرأسمالي الطفيلي (العائد من حرب اليمن، نهب وتهريب الذهب، وعدم ضم شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والمحاصيل النقدية، والماشية والاتصالات. الخ للدولة).
كان الهدف من الاتفاق كما هو جار الآن إجهاض الثورة وأهدافها وقيام شراكة بين العسكر والمدنيين يكون المهيمن فيها المكون العسكري، بدلا من قيام الدولة المدنية الديمقراطية، إضافة لقطع الطريق أمام قيام نظام ديمقراطي يكون منارة في المنطقة.
4ومنذ التوقيع على الوثيقة الدستورية كان الحصاد هشيما، كما أكدت تجربة العامين الماضيين صحة التوقعات بإجهاض الثورة والسير في “الهبوط الناعم” تحت هيمنة المكون العسكري كما في حالة:
– عدم الرضا والخرق المستمر للوثيقة الدستورية، وعدم تنفيذ جداولها الزمنية مثل مضي أكثر من ثلاثة أشهر على لجنة التقصي في مجزرة فض الاعتصام ولم يحدث شئ.
– عدم تكوين المجلس التشريعي.
– تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بدلا من تحسينها ودعم الدولة للتعليم والصحة، وتمكين الشباب والمرأة. الخ، كما جاء في الوثيقة.
-البطء في تفكيك النظام البائد واسترداد الأموال المنهوبة.
– عدم إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإصدار قوانين ديمقراطية للنقابات والاتحادات. الخ.
– لا عودة لجميع المفصولين العسكريين والمدنيين.
– لم يتم تكوين المحكمة الدستورية وإصلاح النظام العدلي والقانوني.
– خرق المكون العسكري للوثيقة الدستورية بهمينته على ملف السلام والسياسة الخارجية من مجلس الوزراء، والالتفاف علي “الوثيقة الدستورية”، وإفراغها من مضمونها، وتوقيع اتفاق جوبا الذي كان انقلابا “على الوثيقة الدستورية”، تعلو بنوده عليها، والتطبيع مع إسرائيل بلقاء البرهان- نتنياهو، والسماح بالقواعد العسكرية لأمريكا على البحر الأحمر. الخ.
– مصادرة حق الحياة الذي كفلته الوثيقة الدستورية، بالقمع وإطلاق النار على المواكب والتجمعات السلمية مما أدى إلى استشهاد البعض وجرحى، والاعتداء على الصحفيين والنساء من بعض المتفلتين من القوات النظامية، وقيام بيوت أشباح للدعم السريع، والتهاون مع مواكب الفلول، واستمرار الصراعات القبلية والإثنية في دارفور والشرق وجنوب وغرب كردفان. الخ.
– وصل الانحراف عن الوثيقة وأهداف الثورة بالدعوات للمصالحة مع الإسلاميين.
– الدعوات للانتخابات المبكرة بدون تحقيق أهداف الفترة الانتقالية واستحقاقاتها التي تؤدي لانتخابات حرة نزيهة بعد المؤتمر الدستوري ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يتوافق عليه الجميع.
كل ذلك، يؤكد ما ظللنا نشير إليه منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية (المعيبة) أنها أصبحت حبرا على ورق، ومعبرا لإجهاض الثورة، وامتدادا لسياسات النظام البائد في خرق العهود والمواثيق.
5استمر خرق الوثيقة الدستورية حتى تم القضاء عليها بانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد الحرب اللعينة الجارية حاليا، فضلا عن انه لا يحق للبرهان تعديل الوثيقة الدستورية.
عليه يصبح، لا بديل غير مواصلة التحالف القاعدي الجماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، والدفاع عن وحدة الوطن ووقف مهازل البرهان في تعديلات الوثيقة الدستورية لفرض حكم عسكري ديكتاتوري، ونقض العهود والمواثيق كما في عدم تسليم السلطة للمدنيين بنهاية فترة العسكر، مما يودي للمزيد من التصعيد للحرب بتكوين الحكومة الموازية، ومقاومة إعادة إنتاج الأزمة والحرب مرة بالشراكة مع العسكر والدعم السريع، والعودة لأوضاع ما قبل الحرب، وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.
الوسومالبرهان الدعم السريع السودان الشرطة النظام البائد الوثيقة الدستورية تاج السر عثمان بابو تفكيك التمكين جهاز الأمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الدعم السريع السودان الشرطة النظام البائد الوثيقة الدستورية تفكيك التمكين جهاز الأمن على الوثیقة الدستوریة النظام البائد الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
خطاب كامل جاء بغير جديد
خطاب كامل جاء بغير جديد
صلاح شعيب
بعد الاستماع إلى الخطاب الأول لرئيس وزراء بورتسودان وضح أنه حريص على إرضاء البرهان الذي عينه أكثر من الشعب السوداني الذي استهدفه. وهذا أمر مفهوم بالنظر إلى أن كاملاً فرضته طبيعة المرحلة التي يعاني فيها البرهان. إذ أنه يحتاج إلى الإمساك بكل خيوط اللعبة حتى يحقق حلمه في الاستمرار في السلطة بأي ثمن. ولذلك فإنه كان بحاجة قصوى إلى رئيس وزراء يخفف عنه الضغوط المحلية، والخارجية. ويبدو أن الدكتور يفهم تماماً بالضرورة أن مساحة تحركه محكومة بالاستناد على أدبيات الحرب.
ولذلك استلف في مستهل خطابه مفهوم حرب الكرامة، وبذلك وضع نفسه من البداية جندياً تحت راية البرهان، وقاعدته. وعندئذ فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك تغيير في خطاب حكومة بورتسودان حول شؤون الحرب، وغيرها من شؤون الحياة في البلاد كلها.
بقية الخطاب كان مجرد عبارات إنشائية كُتبت بحذر، وليس فيها جديد. ولكن الجديد الوحيد هو أن رئيس الوزراء ذيل خطابه بفقرات جاءت بالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، على ذات وقع أسلوبه في القراءة بالعربية. وعلى كل حال يبدو أنه حاول على الأقل التأكيد بأنه مؤهل لكونه يجيد القراءة، والتحدث، بهذه اللغات، وبالتالي قد يستطيع أن يتواصل مع المجتمع الدولي بلغاته التي يعرفها. ونعتقد أن كاملاً ما كان بحاجة كبيرة إلى هذا البدعة، وهو يخاطب شعبه. إذ كان متاحا له أن يعد خطابات خاصة للمجتمع الدولي بحيث أن تترجم ليقرأه بتلك اللغات التي يجيدها. على أن المحك في كل هذا أن الحظ التعيس لكامل وضعه في أول اختبار لمواجهة تهمة استخدام الجيش للأسلحة الكيميائية كأصعب تحدي يواجهه بجانب البرهان.
الذين صدعونا بأن كاملاً يمتلك علاقات دولية ومن ثم يستطيع أن يحدث اختراقا في علاقة بورتسودان بالغرب تحديدا حاولوا اللعب بعقل القاعدة المؤيدة لبورتسودان. فالدكتور لم يكن عاملا ضمن المؤسسات الأممية ذات الصلة بالسياسة. فالملكية الفكرية جهة تخصصية تتعلق بالحقوق، وليس لها علاقة مباشرة بالسياسات التنموية كما هو حال المنظمات الأممية الأخرى.
وحتى إذا افترضنا أن لدى كامل علاقات دولية ممتازة مع بعض الحكومات فإن تعقيد المشكل السوداني لا يسعفه في توظيف تلك العلاقات لتحقيق ذلك الاختراق السياسي الدولي الذي عجز البرهان في الإتيان به منذ انقلابه على الشرعية الثورية.
على الصعيد الداخلي يواجه كامل تحدي الخروج بحكومة تجد الرضا من مكونات قاعدة بورتسودان الحريصة على إنصاف متوجب في اقتسام الكيكة. ومتى كانت محاصصته عادلة فإن الأصوات المهمشة فيها سوف تصعب دوره. ومن ناحية أخرى فإن قدرة حكومته في التعامل المتناغم مع الحرب في ظل تعدد الخلفيات العسكرية، والأيديولوجية، والسياسية، لداعميها سيكون من أكبر التحديات لو أن كاملاً سعى لتغيير نمط التعامل معها الذي حاوله البرهان، ومع ذلك لم ينجو من الابتزاز حتى يوم الناس هذا.
المهم هو أن الناس لا يحفلون عموماً بالخطابات السياسية فقط، وإنما يحتاجون أيضا إلى فعل على مستوى الأرض. ولذلك فالأيام دول حتى نكتشف قدرة حكومة بورتسودان في تحشيد الموارد الكافية للحرب أم لإثبات استقلاليتها عن البرهان، وجماعته، للدعوة إلى إيقافها.
صحيح أن الوقت ما يزال مبكراً للحكم على خطابات كامل إدريس دعك عن الحكم على سياسته لإنقاذ بورتسودان من أزمتها المتشابكة الخيوط. ولكن فقرات خطابه الأول لا تبشر بأنه سيكون رئيس وزراء حقيقي حتى يمتلك الكاريزما الشخصية للضغط على البرهان، وأطرافه الحربية، والسياسية، لاتخاذ سياسة تحقق المصلحة للسودان، والتي تكمن في المبتدأ والمنتهى في الوصول إلى تسوية تفاوضية توقف الدمار الذي أزهق الأرواح، ولحق بالبنيات التحتية، وقسم الشعب السوداني شذرا مذرا.
الوسومالبرهان السودان المجتمع الدولي بورتسودان رئيس الوزراء صلاح شعيب كامل إدريس