الانتخابات الألمانية.. ملفات ساخنة على طاولة البوندستاج
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
يسرى عادل (أبوظبي)
أخبار ذات صلةاختتمت الأحزاب الألمانية، أمس، حملاتها الانتخابية بإقامة العديد من الفعاليات في مختلف أنحاء البلاد، وذلك قبل بدء عمليات الاقتراع اليوم لانتخاب أعضاء البرلمان الاتحادي (بوندستاج).
الانتخابات التشريعية الألمانية تشكل نقطة فارقة في تاريخ البلاد، حيث يتنافس عدد من الأحزاب الكبرى على تشكيل الحكومة المقبلة وسط تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية. يتباين مرشحو الأحزاب في مواقفهم بشأن الملفات الساخنة مثل الاقتصاد، التغير المناخي، الهجرة، الرعاية الصحية، والسياسة الخارجية، مما يعكس تنوعًا في الرؤى والخيارات المطروحة أمام الناخبين.
وتظل قضايا الهجرة والاقتصاد وأزمة التغير المناخي من أبرز المحاور التي ستؤثر على توجهات الناخبين، مع اختلاف جوهري في المواقف بين الأحزاب. كما أن السياسة الخارجية ستكون حاسمة في تحديد دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وفي الساحة الدولية، حيث يعكس كل حزب توجهاً خاصاً في هذه الملفات.
توقعات واستطلاعات
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه من المؤكد فوز «التحالف المسيحي» في الانتخابات، إلا أن تشكيل حكومة ائتلافية قد يكون تحدياً كبيراً، حيث أظهرت استطلاعات أن «التحالف المسيحي» لن يحقق سوى أغلبية ضئيلة من الناحية الحسابية، ما يعني أنه سيضطر إلى تشكيل ائتلاف مع حزبين آخرين، وهو ما يعني أيضاً قدرة أقل على تفعيل أجندة حكومية متماسكة على غرار الائتلاف الحاكم الذي هيمن عليه «يسار الوسط»، لكنه انهار قبل أشهر قليلة وكان يضم الحزب «الاشتراكي الديمقراطي» وحزب «الخضر» والحزب «الديمقراطي الحر».
أولاف شولتس المستشار الحالي المنتمي للحزب «الاشتراكي الديمقراطي» وافق على المشاركة، وكذلك زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي أليس فايدل، ومرشح حزب «الخضر» ووزير الاقتصاد روبرت هابيك، بينما اعتذر ميرتس بسبب تضارب المواعيد.
من الاقتراع المباشر إلى التمثيل النسبي
تُجرى الانتخابات التشريعية في ألمانيا كل أربع سنوات لاختيار أعضاء البرلمان الاتحادي (البوندستاج)، وسيكون البرلمان الجديد أقل حجماً بشكل كبير بفضل إصلاح يقضي بتحديد عدد أعضاء البرلمان بـ 630 عضواً، أي أقل من العدد الحالي بأكثر من 100 عضو.
ألمانيا تطبق نظاماً انتخابياً مختلطاً يجمع بين نظام التمثيل النسبي والنظام الأكثرية، وهو ما يمنح النظام توازناً بين تمثيل الأحزاب الكبرى والصغيرة في البرلمان.
يتألف النظام من نوعين من الأصوات:
الاقتراع الأول (الانتخاب المباشر): في هذا الاقتراع، يتم انتخاب 299 نائباً من خلال تصويت مباشر في الدوائر الانتخابية المحلية، بحيث يكون لكل ناخب حق التصويت لشخص واحد في دائرته. المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته يفوز بمقعده مباشرة.
الاقتراع الثاني (التمثيل النسبي): يُسمح للناخبين أيضاً بالتصويت لحزب سياسي على المستوى الوطني، مما يحدد عدد المقاعد التي يحصل عليها كل حزب في البوندستاج وفقًا لنسبة الأصوات التي يحصل عليها في الانتخابات. ولكن، لتحقيق التمثيل النسبي، يجب أن يحصل الحزب على ما لا يقل عن 5% من الأصوات على مستوى البلاد أو أن يفوز بثلاثة مقاعد مباشرة على الأقل.
الهدف من هذا النظام المختلط هو الجمع بين التمثيل المحلي للمناطق والتمثيل النسبي للأحزاب على المستوى الوطني، مما يضمن أن يكون البرلمان متنوعاً ويعكس بشكل أفضل التوجهات السياسية للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. بعد الانتخابات، يتعين على الأحزاب التفاوض لتشكيل الحكومة الائتلافية، حيث لا يُتوقع عادة أن يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية مطلقة بمفرده.
ويستطيع نحو 59 مليون ناخب مؤهل الإدلاء بأصواتهم، ويتعين على البرلمان الألماني الجديد الانعقاد في موعد لا يتجاوز 30 يوماً بعد الانتخابات أي في 25 مارس المقبل. ومع ذلك، لا يتوقع اتخاذ القرار بشأن الحكومة المستقبلية إلا بعد أسابيع أو أشهر من الانتخابات.
ملفات ساخنة على طاولة البوندستاج
الانتخابات تشمل قضايا اقتصادية وبيئية واجتماعية وأمنية تلعب دوراً حاسماً في تشكيل مواقف الناخبين في ألمانيا. الأحزاب المختلفة قدمت حلولًا متنوعة لهذه القضايا، مما يجعل الانتخابات الحالية ذات طابع تنافسي ومهم جداً لمستقبل البلاد.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي أبرز الملفات على طاولة الانتخابات؟ وماذا عن أجندة الأولويات لدى الأطياف الحزبية في ألمانيا؟
* الاقتصاد وأزمة التضخم:
في وقت يواجه فيه الاقتصاد الألماني العديد من التحديات بسبب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة، يظهر التباين الواضح في مواقف المرشحين. فريدريش ميرتس، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU)، يعتقد أن تقليص الضرائب وتخفيف الأعباء على الشركات هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وهو يرى أن أي زيادة في الضرائب ستكون بمثابة عقبة أمام النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الركود الحالي الذي يعاني منه الاقتصاد. بدلاً من ذلك، يفضل ميرتس تقليل التشريعات الحكومية لتشجيع الشركات على الاستثمار والنمو، مما يعزز الاقتصاد الألماني بشكل عام.
في المقابل، أولاف شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) والمستشار الحالي، يركز على سياسات اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وهو يرى أن الحكومة يجب أن تكون شريكاً في دعم الفئات الضعيفة مثل الفقراء والعمال. من وجهة نظر شولتز، لا بد من استثمار الأموال في قطاعي الصحة والتعليم، والقيام بتعزيز البنية التحتية لتوفير فرص العمل وتحفيز الاقتصاد الداخلي، مع الحفاظ على الخدمات الاجتماعية.
أما كريستيان ليندنر، مرشح الحزب الليبرالي (FDP)، فهو يتبنى مواقف أكثر حرصاً على تقليل الإنفاق الحكومي وتقليص المديونية العامة. يعتقد ليندنر أن التقشف الحكومي، إلى جانب خفض الضرائب، هو الحل الأمثل لتحقيق التوازن في الميزانية وتحفيز النمو الاقتصادي. يرفض أي سياسات اقتصادية قد تؤدي إلى زيادة النفقات العامة ويؤمن بقوة السوق الحرة في تحفيز النمو.
أما بخصوص حزب «البديل من أجل ألمانيا، فهو يعارض بشدة السياسات الاقتصادية الحالية التي يراها متساهلة بشكل مفرط، ويطالب بتخفيض الضرائب، ويركز على تعزيز الاقتصاد الوطني عبر تقليل اعتماد ألمانيا على الاتحاد الأوروبي في بعض المجالات الاقتصادية. كما يعارض الدعم المالي الكبير للدول الأوروبية الأخرى التي تعاني من أزمات مالية.
* التغير المناخي والطاقة
يعد التغير المناخي من القضايا المحورية في الانتخابات الألمانية المقبلة، وتختلف مواقف المرشحين بشكل كبير حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة. أولريك ناتسي، مرشح حزب «الخضر»، يتبنى سياسات تراعي التغير المناخي بشكل جذري، حيث يدعو إلى الانتقال الكامل إلى الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، مع تقليل الاعتماد على الفحم والغاز. يرى «ناتسي» أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر ليس فقط ضرورة بيئية، بل فرصة للنمو الاقتصادي عبر الابتكار التكنولوجي. وهو يدعو إلى تبني سياسات صارمة للحد من الانبعاثات الكربونية، لكن مع التأكيد على العدالة الاجتماعية في تطبيق هذه السياسات لتجنب التأثيرات السلبية على الفئات الضعيفة.
من جهة أخرى، فإن فريدريش ميرتس، مرشح الحزب «الديمقراطي المسيحي»، يعارض سياسة الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة. ويرى أن ألمانيا بحاجة إلى توخي الحذر في هذا المجال، خوفاً من التأثيرات الاقتصادية السلبية على الصناعات الثقيلة والوظائف المرتبطة بالطاقة التقليدية. ميرتس يؤكد ضرورة تحقيق التوازن في سياسات الحكومة الألمانية بين حماية البيئة واستقرار الاقتصاد، ويعتقد أن التحول إلى الطاقة النظيفة يجب أن يكون تدريجياً كي لا يؤدي إلى زيادة تكاليف الطاقة على المواطنين والشركات.
أما أولاف شولتز، فيؤكد التزامه بسياسات مناخية مستدامة ولكنه يرى أن الانتقال إلى الطاقة المتجددة يجب أن يتوازى مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. شولتز يركز على تشجيع الاستثمار في الطاقة النظيفة، لكن مع ضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في الوقت ذاته، وهو يدعو إلى سياسات مرنة توازن بين البيئة والصناعة.
ولعل الموقف الأشد بين ما سبق، هو موقف حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي يتبنى موقفاً مناهضاً لسياسات المناخ الطموحة التي تهدف إلى التحول السريع نحو الطاقة المتجددة، ويرى أن السياسات البيئية الحالية تؤدي إلى زيادة التكاليف على المواطنين، ويرفض الضرائب الخضراء، ويدعو إلى الحفاظ على الطاقة التقليدية، مثل الفحم والغاز، كجزء من استراتيجية الطاقة المستدامة في البلاد.
*الهجرة والاندماج
تعتبر قضية الهجرة أحد المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا، وقد تباينت مواقف المرشحين بشكل واضح حيال هذه القضية. أولاف شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يؤيد سياسة الهجرة المستدامة ويركز على ضرورة حماية حقوق اللاجئين وتوفير فرص الاندماج. شولتز يدعو إلى تحسين إجراءات اللجوء وتسهيل حصول المهاجرين على فرص العمل والتعليم، مع التأكيد على أهمية الاندماج الاجتماعي. يرى شولتز أن المهاجرين يمكن أن يكونوا عنصراً إيجابياً في الاقتصاد الألماني إذا تم توفير الدعم الكافي لهم.
على العكس، فريدريش ميرتس، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي، يعارض سياسة الهجرة المفتوحة ويركز على تقييد الهجرة غير المنضبطة. يرى ميرتس أن سياسة الهجرة يجب أن تكون أكثر صرامة وأن ألمانيا يجب أن تحدد أولوياتها في قبول المهاجرين، خاصة في ظل الضغط على النظام الاجتماعي. هو يؤكد على ضرورة التركيز على الاندماج عبر العمل والتعليم، ولكن فقط للمهاجرين القادرين على التكيف مع النظام الألماني.
أما أولريك ناتسي، مرشح حزب «الخضر»، فيؤيد سياسات هجرة أكثر انفتاحاً. فهو يركز على تعزيز حقوق اللاجئين والمهاجرين، ويؤمن بأن ألمانيا يجب أن تكون داعماً للمهاجرين بغض النظر عن خلفياتهم. ناتسي يعارض أي محاولات لتقييد الهجرة ويشدد على أهمية العدالة الإنسانية في هذا المجال.
أما حزب«البديل من أجل ألمانيا»، فيتبنى مواقف أكثر صرامة ضد الهجرة، ويرفض سياسة اللاجئين المفتوحة التي سادت في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة. الحزب يعارض بشدة استقبال اللاجئين، ويطالب بتشديد قوانين الهجرة، بل وتقليص استقبال اللاجئين إلى الحد الأدنى. كما يتبنى فكرة أن الهجرة غير المنضبطة تشكل تهديداً للثقافة الألمانية وأمنها، ويركز على تشديد الرقابة على الحدود.
ومن اللافت حقاً أنه يضع التشكيك في الاتحاد الأوروبي في صلب توجهاته السياسية، داعياً إلى تقليص دور برلين في الاتحاد الأوروبي، واستعادة الاستقلالية الاقتصادية والسياسية، مطالباً بإجراء استفتاء حول استمرار ألمانيا في الاتحاد الأوروبي على غرار البريكست الذي جرى في المملكة المتحدة.
* العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية
تعد قضية الرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية من القضايا الحيوية التي تشغل الناخبين. في هذا السياق، أولاف شولتز يتبنى سياسة تهدف إلى تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية لجميع المواطنين، ويؤكد على ضرورة دعم القطاع العام بشكل أكبر لتوفير خدمات صحية شاملة. شولتز يسعى إلى زيادة الدعم المالي للمستشفيات والمراكز الصحية، ويؤمن أن الرعاية الصحية يجب أن تكون حقاً أساسياً لجميع الفئات.
فريدريش ميرتس، من جانبه، يؤكد على ضرورة تحسين الكفاءة في النظام الصحي دون تحميل الدولة المزيد من الأعباء المالية. هو يرى أن القطاع الخاص يجب أن يلعب دوراً أكبر في توفير الخدمات الصحية لضمان التنافسية وتحسين الجودة.
أما أولريك ناتسي، فيؤيد توسيع خدمات الرعاية الصحية العامة مع تعزيز الوقاية الصحية. يعتقد أن الحكومة يجب أن تلعب دوراً أكبر في تمويل النظام الصحي لضمان استفادة الجميع من هذه الخدمات.
«حزب البديل من أجل ألمانيا» يركز على القومية والحفاظ على الهوية الوطنية الألمانية. في القضايا الاجتماعية، يعارض الحزب التركيز على حقوق الأقليات ويشدد على أهمية الحفاظ على القيم التقليدية. فيما يتعلق بالرفاهية الاجتماعية، كما يروج لسياسات اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولة.
* السياسة الخارجية والأمن
فيما يخص السياسة الخارجية، يتفق غالبية المرشحين على ضرورة دعم أوكرانيا، ولكن تختلف مقارباتهم في التعامل مع هذا التحدي. أولاف شولتز يلتزم بدعم أوكرانيا من خلال استخدام ورقة العقوبات الاقتصادية، ويؤكد أهمية التحالف الأوروبي في مواجهة التهديدات الأمنية.
فريدريش ميرتس، من جانبه، يدعو إلى زيادة الإنفاق العسكري في ألمانيا وتحقيق استقلالية استراتيجية أكبر في إطار الناتو. هو يرى أن ألمانيا يجب أن تكون في طليعة التحركات الأمنية الأوروبية.
وفي الاتجاه المعاكس تقف زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي أليس فايدل لتتبنى مواقف معارضة في السياسة الخارجية، وتعتبر الاتحاد الأوروبي كيانًا غير ملائم للسيادة الألمانية. الحزب يرفض الالتزامات العسكرية في إطار«الناتو» ويريد تقليل دور ألمانيا في الحلف، مع التأكيد على ضرورة تحقيق استقلالية أكبر في السياسة الخارجية، ويميل قادته إلى النأي بالنفس عن الصراع الدائر في أوكرانيا.
وصولاً لحزب «الخضر» أولريك ناتسي، الذي يركز على الدبلوماسية، ويؤمن بأن التفاوض والحوار هو الحل الأنسب لمواجهة الأزمات. ومع ذلك، يدعم المساعدات الإنسانية والعسكرية لأوكرانيا في إطار التعاون الدولي.
في النهاية، تُعتبر هذه الانتخابات اختباراً حقيقياً للأحزاب الألمانية في مواجهة القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع الألماني، ويتعين على الناخبين أن يختاروا بين مستقبل اقتصادي مستقر ولكن قد يكون أقل طموحاً، وبين سياسات بيئية واجتماعية قد تتطلب تضحيات على المدى القصير ولكن تهدف إلى تأمين مستقبل أكثر استدامة، يقف الناخب الألماني ليهندس سياسة تستمر لأربعة أعوام بين مطرقة ضعف الاتحاد الأوروبي وسندان التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية الحالية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: ألمانيا الانتخابات البوندستاج ميونيخ الانتخابات التشريعية البدیل من أجل ألمانیا الاشتراکی الدیمقراطی فی الاتحاد الأوروبی العدالة الاجتماعیة السیاسة الخارجیة الطاقة المتجددة التغیر المناخی الرعایة الصحیة فریدریش میرتس أولاف شولتز یجب أن تکون فی ألمانیا مرشح الحزب إلى الطاقة الحفاظ على أن ألمانیا إلى زیادة على ضرورة ویرکز على هو یرى أن تهدف إلى یدعو إلى یرکز على أکبر فی فی هذا
إقرأ أيضاً:
لوين رايحين؟.. مستقبل نتنياهو والاحتلال على طاولة أثير المستديرة
جاء ذلك في أولى حلقات "طرف حديث" الذي تبثه منصة "أثير" (يمكن مشاهدتها عبر هذا الرابط) وهو برنامج جديد يتبنى شكلا غير تقليدي للحوار على طاولة مستديرة، حيث يغيب المذيع ويحل النقاش التفاعلي بين الضيوف مكان الأسئلة المباشرة، مما يمنح الحوار عمقا وحيوية أقرب إلى الجدل السياسي المفتوح.
واستهلّت مراسلة الجزيرة نجوان السمري النقاش بإثارة السؤال الجوهري "لوين رايحين؟" وقد جمعتها طاولة الحوار المستديرة مع زميلها إلياس كرام، والكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4قادة إسرائيليون يدعون لرحيل نتنياهوlist 2 of 4حكومة نتنياهو على المحك بعد تهديد "شاس" بالانسحابlist 3 of 4هكذا يخطط “عرّاب الاستيطان” سموتريتش لإنهاء الدولة الفلسطينيةlist 4 of 4محللون: غزة لن تتبخر وإسرائيل خسرت أمورا لا يمكن تعويضهاend of listوتركز النقاش على تداعيات الحرب على قطاع غزة التي تجاوزت العام ونصف العام، ومدى انعكاساتها على واقع الاحتلال داخليا وإقليميا، في وقت تعيش فيه إسرائيل واحدة من أعقد لحظاتها التاريخية منذ تأسيسها.
ورأى جبارين أن صورة المشهد قاتمة، معتبرا أن نتنياهو بات يعتاش على ضباب الحرب، وهو الرابح الأول من استمرارها، مشيرا إلى أن الخطاب السياسي الإسرائيلي اليوم يخلو من أي أهداف واضحة سوى الانتقام.
وفي المقابل، وصف كرام الحرب بأنها وقود لاستمرار نتنياهو في الحكم، موضحا أن الأخير يتصرف بمنطق شخصي بحت، وأن رغبته في البقاء السياسي تطغى على أي اعتبار، وهي قناعة أخذت تتغلغل في خطاب المعارضة أيضا.
إعلانأما السمري فرأت أن التفسير الشخصي وحده لا يكفي لفهم دوافع نتنياهو، مؤكدة أن ما نشهده ترجمة عملية لأيديولوجيا اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفا منذ تأسيس هذه الدولة، وأن التشكيلة الحكومية الحالية تسير باتجاه تنفيذ كامل لمشروع اليمين العقائدي.
خطاب انتقاميوسخر جبارين مما وصفه بـ"التوراة العسكرية" التي يكتبها الجنود في غزة، في إشارة إلى الخطاب التوراتي والانتقامي الذي أصبح يوجه عقلية الجنود والسياسيين على حد سواء، مع تراجع الرؤية الإستراتيجية وتحول الحرب إلى حالة انتقامية مجردة.
وأكد كرام أنه حتى رموز المعارضة مثل يائير غولان يتعرضون لهجوم شرس لمجرد التعبير عن القلق على مستقبل إسرائيل، إذ يُتهم كل من ينتقد الحرب بالخيانة، مما يعكس مدى الإجماع الداخلي في إسرائيل على مواصلة الحرب رغم الكارثة الإنسانية في غزة.
ولفتت السمري إلى أن الإعلام الإسرائيلي يتجاهل ما يحدث في غزة بشكل شبه كامل، وأن الأصوات المعترضة لا تفعل ذلك رحمة بالفلسطينيين، بل خشية على سمعة إسرائيل الدولية، لا سيما بعد تصاعد الانتقادات الأوروبية لممارسات الجيش.
ورأى جبارين أن الحكومة الحالية لم تأبه منذ البداية بصورتها الدولية، وأن الإعلام الغربي جُنّد مسبقا للدفاع عن الخطاب الإسرائيلي تحت ذريعة المقارنات التاريخية مع أوروبا الاستعمارية، في محاولة لإسكات أي انتقاد مبكر.
وتطرق الضيوف إلى مأزق التجنيد في إسرائيل، حيث بات الجيش مضطرا لتوسيع تشكيلاته، دون وجود قاعدة بشرية كافية لتلبية هذا التوسع، في ظل رفض الحريديم الخدمة العسكرية وارتفاع ضغط الخدمة على جنود الاحتياط.
وتساءل كرام "هل يمكن حقا إدماج الحريديم في المؤسسة العسكرية؟" ليجيب جبارين ساخرا بأن الحريديم ليس لديهم المهارات ولا الرغبة في الاندماج، معتبرا أن الجيش نفسه لا يرغب في ضمهم بشكل حقيقي.
إعلان شرخ داخليوتحدث الضيوف عن عمق الشرخ الداخلي الذي أحدثته الحرب، حيث يشعر جنود الاحتياط من الطبقة الوسطى بأنهم وحدهم من يتحمل أعباء الحرب، في حين تتلقى جماعات دينية كالحريديم المخصصات دون أي التزام مقابل.
وأشار جبارين إلى أن أزمة التجنيد قد تنسف الاتفاقات الحكومية، لكنها لن تُسقط نتنياهو بسهولة، فهو بارع في إدارة الأزمات وليس حلّها، ويستثمر حالة الفوضى لتعزيز بقاء حكومته.
واعتبرت السمري أن نتنياهو يسعى لإنهاء مسيرته السياسية دون أن يلاحقه لقب "مهندس هزيمة 7 أكتوبر" مشيرة إلى أن كل ما يفعله اليوم محاولة عبثية لمسح وصمة العار التي لحقت به أمام الرأي العام الإسرائيلي.
وأكد الضيوف أن بنية المجتمع الإسرائيلي لا توفر بديلا حقيقيا لنتنياهو، فالمشهد السياسي مهيمن عليه من قبل اليمين، حتى من خارج الائتلاف، مع شبه إجماع على استمرار الحرب وسحق القضية الفلسطينية.
وقال كرام إن الأحزاب المصنفة "معارضة" لا تختلف كثيرا في الموقف من القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ جميعهم يتبنون خطابا أمنيا لا يبتعد عن اليمين المتطرف.
وشدد جبارين على أن المعضلة في إسرائيل اليوم ليست نتنياهو وحده، بل غياب البديل الذي يملك الكاريزما والقدرة على إعادة تعريف إسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، مشيرا إلى أن القادة الجدد مجرد نسخ مخففة من نتنياهو.
استهداف الصحفيينوفي محور متصل، ناقش ضيوف "طرف حديث" تصاعد التحريض ضد الصحفيين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث روت السمري وقائع شخصية عن استهدافها وزملائها من قبل صحفيين إسرائيليين بتهم التخابر وتحديد مواقع الجيش لحماس، فقط لأنهم مراسلو الجزيرة.
وأكد جبارين أن الرقابة والتحريض بلغا مستوى المكارثية، إذ يكفي أن تضغط على زر "أحزنني" في منشور إنساني لتُستدعى للتحقيق، في وقت تحولت فيه مسيرة العودة إلى حدث محظور، ويُمنع الفلسطينيون من التعبير عن حزنهم حتى في ذكرى النكبة.
إعلانوأشار كرام إلى أن جرائم القتل داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي تجاوزت المعدلات العالمية بشكل غير مسبوق، وأن الشرطة والمخابرات تتعامل معها بتراخٍ متعمد، رغم قدرتها على كشف جرائم جنائية خلال ساعات إذا كان الضحية يهوديا.
وفي تقييم العلاقة مع الولايات المتحدة، رأى الضيوف أن ما يشهده العالم من انتقادات لنتنياهو لا يعدو كونه إجراءات رمزية، فواشنطن لم توقف شحنات السلاح، ولم تُفعّل أي عقوبات حقيقية ضد إسرائيل، رغم صمود الحرب لما يزيد على 18 شهرا.
وفي مشهد ضبابي يخلو من أي أفق سياسي، يبقى السؤال الذي طرحته السمري منذ بداية الحلقة معلقا "لوين رايحين؟" وهما ما يعكس تيها إسرائيليا داخليا لا يبدو أن الإجابة عنه باتت قريبة.
31/5/2025