القربان.. جماعة سرية تمارس الانتحار وتقض مضجع الأمن العراقي
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
يواجه العراق تحديات أمنية داخلية وخارجية منذ سنوات وربما عقود، لكنه حتى 3 سنوات مضت لم يكن يضع في حسبانه أن يواجه تحديا استثنائيا يتمثل بتنظيم شيعي سري يقوم على ممارسة الانتحار الطوعي بين منتسبيه في طقس أقلق الأوساط الدينية، كما أرق الأجهزة الأمنية وهي تبحث عن طرف خيط يوصلها إلى رأسه للوقوف على خفاياه.
وبالتزامن مع تزايد انتشار جماعة "القربان" الدينية في مدن وسط وجنوب العراق، دعا رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، السلطات الإيرانية إلى تسليم أفراد الجماعة الفارين إلى أراضيها للحكومة العراقية.
تأتي هذه الدعوة في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تأثير هذه الجماعة على الشباب، خاصة بعدما تبين إثر قيام قوات الأمن العراقية بملاحقة عناصرها واعتقال العشرات منهم خلال الفترة الأخيرة أنهم معظم ضحايا طقس الانتحار الطوعي.
ووصف الصدر هذه الجماعة بأنها "منحرفة"، مشيرا إلى أنها جاءت نتيجة "الانحطاط الثقافي والعقائدي" الذي يعاني منه بعض أفراد المجتمع، وأوضح أن الجماعة تُظهر ميولا نحو جمع المال والأنصار لتحقيق منافع دنيوية، دون اعتبار للعواقب الدينية لذلك.
من هم جماعة القربان؟
ظهرت جماعة "القربان" كحركة دينية قبل 3 سنوات في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار، ثم انتشرت في محافظات الجنوب العراقي.
إعلانلا تعلن الجماعة عن قائدها ولا يعرف مرجعها الديني ولا حتى مصادر تمويلها، لكنها تتبع معتقدا يركز على الإيمان بالله فقط، مع اعتبار الصحابي والخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب ولي أمر المسلمين، دون الاعتراف بوجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وترفض السنن الإسلامية التقليدية وتتبنى طقوسا خاصة بها.
وتختلف الروايات بشأن عقيدة المنتمين لهذه الجماعة بين من يقول إنهم يؤلهون عليا، وهو مصدر اشتقاق اسمها "العلاهية"، وبين من يقول إنهم فقط يبالغون في حبه ويقتلون أنفسهم من أجل "الالتحاق به في الجنة".
ويصنف الخبير في الشؤون الأمنية الدكتور مخلد حازم، في حديثه للجزيرة نت، هذه الجماعة واحدة من أغرب الجماعات الدينية، إذ يؤمن أتباعها بالتضحية بأنفسهم من خلال "الانتحار" تقربا للإمام علي.
ولتحقيق ذلك، يجرون قرعة فيما بينهم، بحيث يكون الشخص الذي يقع عليه الاختيار ملزما بإنهاء حياته طوعا. وعادة ما تنشط هذه الطقوس في شهر محرم حسب التقويم الهجري، وهو الشهر الذي يشهد في العاشر منه إحياء ذكرى مقتل الحسين بن علي حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ورغم شُح المعلومات حول جماعة "القربان" وغموض ملامحها، نظرا لسرية نشاطاتها وعدم إعلانها عن نفسها بشكل مباشر، فإن هناك رابطا واضحا بين ممارساتها وفكرة "تسريع ظهور الإمام المهدي المنتظر". ويبدو أن هذه العقيدة تُشكل جزءا خفيا وغير معلن من فكر الجماعة، بحسب خبراء.
يتفق الباحث العراقي في الأنثروبولوجيا، علاء حميد، مع ذلك، ويرى أن لجماعة "القربان" بُعدا باطنيا غير مُعلن يعيدنا إلى جدلية مفهوم "الانتظار" في العقيدة الشيعية، فمنذ القدم، انقسمت رؤى الشيعة حول هذا المفهوم إلى تصورين رئيسيين:
الأول هو "الانتظار الإيجابي"، الذي يستند إلى العمل والتمهيد لظهور الإمام عبر الإصلاح والممارسة. الثاني هو "الانتظار السلبي"، القائم على ممارسات وطقوس يُعتقد أنها تسرّع من ظهوره، رغم أنها تتعارض مع السياق الاجتماعي والعقائدي. إعلانويُشير حميد في حديثه للجزيرة نت إلى أن جماعة "القربان" تمزج بين مفهوم التضحية للإمام والرغبة في التعجيل بظهوره، وهو ما يمثل تناقضا غريبا، إذ إن التضحية تعني انتهاء دور الجماعة، بينما يفترض التعجيل بظهوره استمرار وجودها، مما يجعل سلوكها غير مسبوق بين الحركات الدينية الباطنية.
pic.twitter.com/eqKBEhLZKB
— وزير القائد – صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) February 17, 2025
مطالب بتسليمهمدعا الصدر إلى مواجهة القربانيين بحزم، وحثّ الجميع على الإبلاغ عنهم، ورفض التعامل معهم حتى في أبسط الأمور اليومية، مثل الطعام والشراب. كما أعرب عن اعتقاده أن هذه الجماعة تحظى بدعم خارجي، مطالبا السلطات الإيرانية بسرعة تسليمهم إلى الحكومة العراقية لمحاسبتهم.
وتعزز تصريحات الصدر ما تم تداوله سابقا بشأن فرار عدد من قادة الجماعة ومنظّريها إلى إيران، وعلى رأسهم مؤسس الجماعة وزعيمها، عبد علي الحسني، الذي يلقّبه أتباعه بـ"المولى"، يقال إنه رجل دين شيعي عراقي يقيم حاليا في مدينة مشهد الإيرانية. جاء ذلك في ظل تصاعد ملاحقات الأجهزة الأمنية العراقية ضد الجماعة وأعضائها.
يقول الخبير الأمني مخلد حازم إن هذه الحركات تنتشر في عدة محافظات عراقية، وخاصة في الجنوب والوسط، ولديها روابط قوية مع جماعات في إيران، ويتنقل أعضاؤها بشكل مستمر بين البلدين.
وعند تعرضهم للضغط الأمني من السلطات العراقية، يلجؤون إلى الاختفاء لفترة قبل أن يعودوا للظهور مجددا لممارسة طقوسهم، ويتبعون أساليب سرية في التجمع والتنظيم، مما يجعل من الصعب تتبعهم ورصد أنشطتهم، وفق حديثه.
ويرى المحلل السياسي العراقي، أحمد الكناني، أن احتواء إيران لهذه الجماعات يثير تساؤلات كثيرة، وقد يكون لأغراض مستقبلية، مشيرا إلى أن انتشار هذه الثقافة قد يؤدي إلى ظهور خلايا نائمة يمكن أن تستيقظ في أي لحظة لإثارة الفتنة داخل العراق.
إعلانلهذا السبب، يُصر مقتدى الصدر على إعادتهم إلى العراق ومحاسبتهم قانونيا، إلا أنه من غير المرجح أن تستجيب إيران لمطالبه، وفق حديثه.
من جانبه، يرى رئيس المركز الإقليمي للدراسات، علي الصاحب، أن العراق عاش فترة طويلة في ظل سياسة المحاور، مما أدى إلى تشكيل تحالفات واسعة النطاق لفصائل وأحزاب تُظهر ولاء مطلقا للمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي. ويضيف أن جماعة "القربان" استغلت هذا السياق لتتخذ من إيران ملاذا آمنا، ويلجأ إليها العديد من العناصر المطلوبين لدى القضاء والأمن العراقي.
وأوضح الصاحب، في حديثه للجزيرة نت، أن العلاقات العراقية الإيرانية لن تتأثر بشكل كبير بهذه الأحداث الطارئة، إذ إن الأعداد الموجودة في إيران ليست كبيرة، ولا تبدو أنها تولي اهتماما أو رغبة في إبقاء تلك الجماعات الشاذة على أراضيها، نظرا لأنها لا تنتمي للعقيدة الشيعية التي تلتزم بها إيران.
وأشار أيضا إلى أن وجود أعداد كبيرة من الشيعة العراقيين على أراضي إيران يُعتبر أمرا طبيعيا، طالما لم تُسجل ضدهم شكاوى لدى المحاكم المختصة في العراق.
تعد جماعة "القربان" مسألة ذات بعد أمني واضح، بسبب التهديد المحتمل الذي تمثله للاستقرار الداخلي في البلاد، حيث تعكس أنشطتها غير التقليدية والمقلقة نوعا من الانفصال عن المجتمع بشكل عام.
وبالنسبة للأجهزة الأمنية العراقية، فإن التحدي الأكبر في ملاحقة الجماعة هو في كونها تنظيما "خيطيا" على غرار جميع الأحزاب والتنظيمات السرية، حيث لا يعرف الفرد المنتمي للمجموعة أحدا سوى الشخص الذي جنده.
وبحسب مصادر إعلامية عراقية، فقد أعاق هذا التكتيك عمل الأجهزة الأمنية، لأن اعتقال أي عضو في المجموعة لن يؤدي لنتائج فعالة على مستوى باقي أفراد المجموعة.
إعلانولدى المجموعة قنوات خاصة مغلقة على تليغرام يجري فيها الإعلان عن موعد القرعة المتعلقة باختيار الأشخاص الذين سيضحون بأنفسهم، وفق ما أفاد به مصدر استخباراتي في محافظة ذي قار لوسائل إعلام عراقية.
وعادة ما يجتمع أفراد المجموعة في مكان محدد بشكل سريع ويجرون القرعة، وبعدها يمارسون طقوسا معينة تتمثل في قراءة بعض الأدعية الدينية وإشعال الشموع كأنهم يقومون بزفاف الشخص الذي وقعت عليه القرعة للجنة، بحسب المصدر ذاته.
ويتابع المصدر الاستخباراتي "بعد انتهاء القرعة يقوم الشخص بالانتحار عبر شنق نفسه بنفسه ومن دون مساعدة أحد في أغلب الأحيان".
يرى الخبير الأمني مخلد أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن هذه الحركات قد تتحول إلى شرارة تندلع في أي وقت. ومع سرعة انتشارها، قد تجد الحكومة نفسها عاجزة عن احتوائها، مما يعزز من خطر تفشي العنف في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، تثار المخاوف من تصاعد الصراعات بين هذه الجماعة ومجموعات دينية أخرى، مما قد يؤدي إلى اندلاع صراع شيعي-شيعي بواجهات متعددة. بينما تستخدم الحركة غطاء إسلاميا، إلا أنها في جوهرها تخدم أجندات خارجية تُدار من خارج الحدود.
ويتفق الخبراء الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت على أن تحركات العلاهية تحمل خطرا متزايدا على الأمن، خاصة إذا ما رُبطت بالمستجدات في الشرق الأوسط. ورغم أنهم ما زالوا متخفين حتى الآن، فإن مخلد يرى أن العلاهية قد تختار زمانا ومكانا معينين لتنفيذ عمليات لا تُعرف أبعادها، مما قد يشعل شرارة اضطرابات في الوسط العراقي، خصوصا في المناطق الدينية التي تشهد تعددا طائفيا.
ويشير الخبير مخلد إلى أن الجماعة تحمل بعدا سياسيا، حيث حاول بعض أعضائها اعتبار مقتدى الصدر "الإله الروحي" لهم. ومع ذلك، سارع الصدر إلى رفض هذه المزاعم وحاربها، ساعيا لتجنب أي ارتباط بهذه الحركة.
إعلانوفي أبريل/نيسان 2024، أعلنت مديرية الاستخبارات في محافظة الديوانية عن اعتقال مسؤول ينتمي إلى حركة "العلاهية" في جنوب العراق. ووفقا لبيان صادر عن المديرية، فقد ألقت مفارزها القبض على المسؤول أثناء وجوده في قضاء الحمزة الشرقي بمحافظة ذي قار، وهو في طريقه إلى محافظة كربلاء.
وأضاف البيان "بعد التحقيق معه، اعترف المتهم بقتل شخصين بناء على اعتقاده، ليكونا قربانا ويُعتبرا من أتباع الحركة".
وتكمن المشكلة، وفقا للمحلل السياسي واثق الجابري، في سهولة دخول أفراد هذه الجماعات إلى إيران ودول أخرى، حيث يصعب تمييزهم بسبب حملهم جوازات سفر عراقية وظهورهم بأوضاع طبيعية، مما يمكنهم من التحرك بحرية.
أرقام مقلقة
يتفق الخبراء الذين تحدثوا إلى "الجزيرة نت" على أن جماعة "القربان" تستغل المناطق ذات المستويات الثقافية والاقتصادية المنخفضة لنشر أفكارها، إذ يشير الباحث حميد إلى أن غالبية من ضحوا بأنفسهم في هذه الجماعة هم من الشباب.
ويتفق مراقبون أن العراق في الظروف الراهنة يشكل بيئة خصبة لنمو الحركات الفكرية الشاذة والمنحرفة، إذ تقتات هذه الحركات على حالة الرفض الشعبي الناتجة عن فقدان العدالة وسيطرة الأحزاب وانتشار المخدرات، إلى جانب ضعف الوعي الديني والثقافي.
ويرى المراقبون أن تكرار ظهور هذه الحركات واستقطابها للكثير من الشباب، رغم أن بعضها يؤدي إلى الانتحار كما في حالة جماعة "القربان"، يعكس حالة من اليأس وفقدان الأمل في حدوث تغيير أو إصلاح للأوضاع المتدهورة.
وتؤكد تقارير أن معظم أفراد الجماعة هم من الذين لا تتجاوز أعمارهم 20 عاما، وعادة ما ينتشرون في أطراف المدن الكبيرة وفي القرى والأرياف والمناطق النائية التي ينتشر فيها الفقر والجهل والبطالة.
كما يوضح الكناني أن الجماعة تتلاعب بالتركيبة الاجتماعية والأمنية لاستقطاب الفئات الأكثر هشاشة، خصوصا في مناطق الوسط والجنوب، مما يعزز نفوذها ويسهل لها التوسع في البيئات التي يسهل التأثير عليها.
إعلانومن اللافت للنظر الارتفاع الملحوظ في حالات الانتحار في هذه المناطق، وهو ما يعد مؤشرا خطيرا على تفشي هذه الظاهرة، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تسجيل أكثر من 2000 حالة انتحار في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث تم تسجيل 1073 حالة في عام 2022، وحوالي 700 حالة في عام 2023، بينما وثقت 300 حالة في النصف الأول من عام 2024.
وفي محافظة البصرة وحدها، سجل مكتب حقوق الإنسان 150 حالة ومحاولة انتحار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، وكانت معظم الحالات من الشباب، خصوصا بين 18 و35 عاما.
أما من الناحية القانونية، فإن القانون العراقي لا يعاقب على محاولة الانتحار مباشرة، إذ يُعتبر فعلا غير معاقب عليه. ومع ذلك، تُعاقب القوانين العراقية الأفراد الذين يحرضون على الانتحار أو يساعدون في تنفيذه. وبموجب المادة 408 من قانون العقوبات العراقي، يعاقب المحرضون والمساعدون على هذه الأفعال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب هذه الجماعة هذه الحرکات مقتدى الصدر الجماعة ت إلى أن
إقرأ أيضاً:
البروفيسور نوري المحمدي.. وإسهامه في تصنيع “المدفع العملاق” العراقي
آخر تحديث: 31 ماي 2025 - 11:31 م
شبكة اخبار العراق :بغداد
الحوار الشيق والأكثر من روعة ، الذي أجراه الإعلامي والمحاور التلفزيوني المحترفجلال النداوي ضمن برنامج (أوراق مطوية) ليلة الجمعة التاسع والعشرين من أيار2025 في حلقته الثانية ، كان مع البروفيسور في الاستشارات الهندسية في قطاعهاالمدني الدكتور نوري المحمدي ، وهو حديث مثير للغاية ، تضمن جوانب إبداعه وماقدمه الرجل من إسهامات وخبرات تقنية وهندسية لأغراض التصنيع العسكري ، ودورهالفاعل والخارق في محاولات العراق نهاية الثمانينات وبداية التسعينات لبناء صناعاتعسكرية ضخمة كانت تشكل في حينها محاولات جبارة لبناء مدفع عملاق تم تصنيعهفي دول أوربا.
البروفيسور نوري المحمدي.. وإسهامه في تصنيع “المدفع العملاق” العراقي
وربما كانت بروكسل إحدى محطات انطلاقة تصنيع المدفع العملاق العراقي ، والذيأثيرت حملات رعب صاخبة تبنتها وسائل إعلام بريطانية وأمريكية وإسرائيلية نهايةالتسعينات وبدايات عام 2003 ، عبرت تلك الدول في حينها عن مخاوفها الكبرىورعبها من تلك المحاولة العراقية ، وبخاصة دول عظمى مثل بريطانيا والولاياتالمتحدة،إضافة الى إسرائيل التي كانت تتابع محاولات تصنيع كهذه على أنها تهددوجودها في الصميم.
بل راحت الدعاية البريطانية والإسرائيلية وحتى الأمريكية تثير مخاوف دول أوربا من أنهذا المدفع يستهدف دول أوربا مجتمعة ، ودعت تلك الدول للوقوف بوجه محاولاتالعراق لإقامة مدقع عملاق يتعدى مداه المائة والعشرين الف كيلو متر وبامكانه أنيشكل تهديدا لأوربا نفسها قبل إسرائيل كما حاولت وسائل الدعاية البريطانيةوالإسرائيلية تصوير مخاطره أنذاك.
كانت الخبرات الفائقة الخارقة التي تقدم بها البروفيسور نوري المحمدي في مجالإقامة الابراج ونصبها في المواقع العسكرية العراقية على طول حدود العراق ، ومن ثمإسهامه في تصنيع المدفع العملاق لاحقا خارج العراق ، الى أن نقلته الجهات الفنيةالعراقية مفككا بطرق فنية مبتكرة من قبل التصنيع العسكري السابق الى داخل العراقوتهيئة مقرات نصبه وإطلاقه من داخل العراق كانت كل تلك المحاولات محل ثناءوتقدير خبراء دول العالم ودول أوربا على وجه التحديد ، واعجابهم الفائق بتلكالخبرات التي أضافت لصناعات العراق ما يشكل مفخرة كبيرة، حيث كانت تلك الخبراتوالمهارات الفنية الفائقة في التخطيط والانجاز تفوق كل تصور .
ويشير الخبير الهندسي العراقي في الحوار معه الى أن عمليات أقامة محطات قواعدالمدفع العملاق بعد إكتماله قد جرت في مناطق عراقية مختلفة منها على مقربة منجبال حمرين في ديالى وقاعدة أخرى في جبل سنجار..أي أنها مراكز انطلاق الصواريخالتجريبية للمدفع العملاق عبر قواعد إطلاق مختلفة وأسماك باقطار وامتدادات طوليةوارتفاعات مختلفة وصلت مدياته التجريبية الأولى من جبل حمرين وحتى قضاء حديثهأقصى مدن غربي الانبار، وكان المخطط للمدفع العملاق بحسب الخبير العراقيالبروفيسور نوري المحمدي أن يصل مداه إلى الف وماىة كيلو متر.
وعن سؤاله من قبل المحاور التلفزيوني جلال النداوي فيما إذا كان هدف المدفعالعراقي العملاق أنذاك كان مخططا له أن يصل إسرائيل نفى علمه بتلك المحاولات فيحينها ، لكون المهندسين والفنيين من التصنيع العسكري لايعطونه سوى قطارات منالمعلومات ، كون المشروع أصلا كما تم إيهام الغرب في وقتها بأنه (مشروع إنبوبضخم للمجاري) ، ضمن مشاريع الخدمة المدنية ، وقد نفى البروفيسور نوريالمحمدي علمه بأن لدى العراق محاولات لإستهداف إسرائيل،لكنه أشار الى ان بمقدورمهندسي التصنيع العسكري والفنيين العسكريين العراقيين تحديث قذاىف المدفع أنأرادوا الوصول إلى داخل اسرائيل او على مقربة منها.
وأشار الخبير الهندسي العراقي البرفيسور نوري المحمدي الى أنه قد زار دولة أوربية ،وهو من قدم خبراته العلمية والفنية والتقنية لتك الشركة التي أحيل اليها ، وعند اكمالهمن قبلها ظهرت فيها أخطاء كثيرة كما أشرها الخبير المحمدي لها ومن ثم أعادت تلكالشركة الأوربية تصنيعه مجددا ، وفقا لما قدمه لها من إستشارات فنية وهندسيةمتقدمة إعترفوا بأهميتها، دون أن يضطر العراق لدفع مبالغ إضافية كما طلبتها الشركةالمنفذة ، كونها ستضطر الى اعادة تصنيعه وفقا للملاحظات القيمة التي أبداهاالمحمدي في تحويل المدفع ووضع مرتكزاته الأساسية ليؤدي المهمة الملقاة علىعاتقه ، لكنه أعرب عن إستغرابه من كثرة عدد المستشارين الأجانب من دول أوربيةودول أخرى التي كانت تشارك في إقامة هذا المشروع الضخم ،ألا وهو (المدفعالعملاق) دون أن يكون لتلك الدول معرفة بحقيقة نوايا العراق تحوير تلك الصناعةلأغراض العسكرية ، مشيرا الى ان كل الملاحظات والأفكار التي فرضها على الشركةالمنفذة أقرت بنفسها أن ملاحظاته وأفكاره صحيحة مائة بالمائة وانه على حق ،وإضطرت لإعادة تصنيعه مرة أخرى وفقا للخرائط التي زودها بها، وقد نقلت الخرائطكما قال عبر جهات عراقية خاصة ، وسلمته له عند وصوله الى إحدى الدول الأوربية ،ومنها بروكسل كما أشار الخبير الهندسي العراقي من خلال حواره المثير للغاية معالمحاور والإعلامي المحترف جلال النداوي الذي أدار حوارات غاية في الأهمية ضمنبرنامجه ( أورق مطوية)..
وكان هدف البروفيسور العراقي نوري المحمدي من هذا الحوار الشيق مع النداوي لفتالأنظار والتذكير بالقدرات العراقية الفائقة التي أذهلت العالم في وقتها في التسعيناتوما بعدها وما قبلها ، لكي تقام صناعات عسكرية متقدمة ، لكن كل تلك الأحلامأجهضت قبل إحتلال العراق وبعده ، وودع هذا البلد مناهل العلم والتقدم وما أقامهمن صناعات عسكرية ومدنية بعد أن تم تدمير قدرات العراق كليا بعد عام 2003 عندماإحتلته 33 دولة شاركت في العدوان على شعبه خلافا للقانون الدولي وسيادات الدول ،وقد حصل ما حصل.
وفي السنوات ألاخيرة بدت محاولات عراقية جادة لإقامة مشاريع تصنيع عسكري تخدمقدراته العسكرية من خلال بعض خبراء التصنيع العسكري السابقين الذين كان لهمقصب السبق المعلى في إعلاء نهضة العراق وتقدمه عبر عقود مختلفة ، وقد ادواأدوارهم بكفاءة وإقتدار عاليين بقيت محل ثناء وتقدير العالم من أقصاه الى أقصاهومن خصومه وأعدائه قبل أصدقائه، ويحاول المهندسون في التصنيع العسكريالعراقي الحالي إقامة مشاريع تسلح عراقي تخدم سعي العراق لتعزيز قدراته العسكريةالمتواضعة حاليا.