مفتي الجمهورية: الصدق لا يقتصر على القول فقط..و الصائم الصادق يلتزم بالأخلاقيات
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الصدق يمثل إحدى القيم الأخلاقية الكبرى التي حثت عليها الرسالات السماوية كافة، وجعلته سمةً لازمةً للأنبياء والمرسلين، مشيرًا إلى أن الصدق لا يقتصر على القول فحسب، بل يمتد ليشمل الأفعال والنوايا، وهو الأساس الذي يبني عليه الإنسان علاقته بالله وبنفسه وبالآخرين.
جاء ذلك خلال لقائه اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي"، المذاع على فضائية "صدى البلد"، حيث تناول فضيلته الحديث عن فضيلة الصدق وأهميته في حياة الفرد والمجتمع، مستدلًا بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
استهل فضيلة المفتي حديثه بالتأكيد على أن الله تعالى ميز أنبياءه بصفة الصدق، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم وصف العديد منهم بهذه الفضيلة العظيمة، فقال عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)، وقال عن سيدنا إسماعيل عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)، وكذلك عن إدريس عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا).
وأضاف فضيلة المفتي أن العلماء حين يتحدثون عن صفات الأنبياء، فإنهم يؤكدون أن الصدق من أولى الصفات التي ينبغي أن تتوافر فيمن يتصدى للرسالة الإلهية، مشيرًا إلى أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم كان معروفًا بالصدق والأمانة بين قومه حتى قبل البعثة، وشهد له أعداؤه قبل أصدقائه بأنه لا يكذب، كما ورد في حديث هرقل حين سأل أبا سفيان عن النبي فقال: "لا يكذب"، فرد هرقل قائلًا: "وكذلك الأنبياء لا يكذبون".
وأوضح الدكتور نظير عياد أن الإمام الغزالي رحمه الله تناول الصدق في مجالات متعددة، حيث أشار إلى ضرورة توفره في الأقوال، والأفعال، والعزم، وكذلك في النية والقصد، مشيرًا إلى أن النية تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الصدق، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وفي سياق حديثه، أكد فضيلة مفتي الجمهورية أن شهر رمضان يعد مدرسة إيمانية تُعلم الإنسان الصدق في علاقته مع الله ومع نفسه ومع الآخرين، موضحًا أن الصيام عبادة خفية لا يطلع عليها إلا الله، مما يدفع الإنسان إلى التحلي بالصدق والخشية من الله عز وجل. واستدل بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، مبينًا أن التقوى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصدق.
وأضاف أن الصائم الصادق يلتزم بأخلاقيات الصيام، فيصبر على الأذى، ويضبط نفسه عند الغضب، ويقول: "إني امرؤ صائم"، موضحًا أن هذا التمرين الروحي يعزز من قوة الإنسان في مواجهة الشهوات والمغريات.
وحول حكم الكذب بالمزاح وما يُعرف بالكذب الأبيض، شدد فضيلة المفتي على أن الكذب مرفوض بشكل عام، سواء كان على سبيل المزاح أو غيره، مؤكدًا أنه لا يوجد ما يسمى بالكذب الأبيض والأسود، إذ إن الكذب يبقى كذبًا، إلا في حالات استثنائية نبيلة، كالإصلاح بين المتخاصمين أو تقوية العلاقة بين الزوجين.
وأوضح أن الحالات التي يُرخص فيها بالكذب جاءت لتحقيق غايات سامية، مثل التوفيق بين الناس، حيث يجوز أن يقول الشخص لطرفين متخاصمين بأن الآخر لم يذكر عنه إلا خيرًا لتقريب وجهات النظر وإصلاح ذات البين، وكذلك في العلاقة الزوجية، حين يقول الزوج لزوجته كلمات طيبة تعزز الود بينهما، حتى وإن لم تكن تعبر عن شعوره الحقيقي في تلك اللحظة، والعكس صحيح.
وفي ختام اللقاء، أجاب فضيلة المفتي عن مجموعة من الأسئلة التي وردت من المشاهدين، في فقرة "اسأل فضيلة المفتي"، أجاب الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، عن تساؤل حول حكم صيام المسافر في ظل تطور وسائل النقل الحديثة، مثل الطائرات والسيارات المريحة، وما إذا كانت تنطبق عليها أحكام السفر التي وردت في النصوص الشرعية.
وأكد مفتي الجمهورية أن الرخصة في الفطر أثناء السفر ثابتة بنص القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، مشيرًا إلى أن مفهوم السفر في الشريعة مرتبط بالمسافة التي حددها الفقهاء، والتي تقدر بنحو 80 كيلومترًا، فمن تجاوز هذه المسافة جاز له الفطر. ومع ذلك، أضاف المفتي أن الأفضل للصائم أن يتم صيامه إن لم يكن فيه مشقة، استنادًا لقوله تعالى: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ".
وأشار المفتي إلى أن وسائل النقل الحديثة، رغم توفيرها الراحة للمسافرين، إلا أن السفر قد يظل مشقة بالنسبة للبعض، خاصة في الرحلات الطويلة التي قد تستغرق 18 إلى 20 ساعة، مما قد يتسبب في إرهاق الصائم. وبالتالي، فإن الأخذ بالرخصة جائز، ومن أراد الصيام فله ذلك، مع التأكيد على أن الأحكام الشرعية تراعي الظروف الشخصية.
وعن توقيت الإفطار في الطائرة، أوضح فضيلة المفتي أن المسافر يصوم وفق توقيت البلد الذي خرج منه، لكنه يفطر بناءً على رؤيته لغروب الشمس، فإذا شاهد المسافر الشمس قد غربت أثناء الرحلة جاز له الإفطار، أما إن استمرت الشمس ظاهرة لفترة طويلة أكثر من 18 ساعة فيجوز له الفطر وفق عدد ساعات صيام أهل مكة المكرمة.
أما بالنسبة لمن يداوم على السفر بحكم عمله، مثل العاملين في قطاع السياحة أو النقل الجوي، فقد أكد المفتي أن لهم رخصة الفطر، لكن الصيام في هذه الحالة أولى إن لم يكن هناك مشقة، مشيرًا إلى أن العلماء ناقشوا أيضًا مسألة السفر في طاعة أو معصية، وتأثير ذلك على جواز الفطر.
وختم المفتي حديثه بالتأكيد على أن الأحكام الفقهية ينبغي أن تُفهم في سياقها الصحيح، مشددًا على أهمية الاجتهاد في الفتوى بما يراعي تغيّر الأحوال والأزمان، بشرط أن يصدر عن أهل الاختصاص، لافتًا الانتباه إلى أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصيام شهر رمضان الصدق صفات الأنبياء المزيد مفتی الجمهوریة مشیر ا إلى أن فضیلة المفتی المفتی أن إلى أن ا على أن
إقرأ أيضاً:
المفتي: لا يجوز الربح من المال المغصوب.. ورده واجب شرعا
أكد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية ، أن كل ربح ناتج عن استغلال مال مغصوب لا يجوز الانتفاع به، بل يجب رده كاملاً إلى صاحبه، مالاً وربحًا.
وجاء ذلك في فتوى رسمية نُشرت عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية ردًا على سؤال مفاده: "ما حكم شخص اغتصب مالًا من زميله، ثم اتَّجر فيه فربح، وقد تاب إلى الله، فما موقف الشرع من هذا الربح؟".
وأوضح فضيلة المفتي أن "التجارة في مال مغصوب تُعدّ تجارة في مال لا يملك صاحبه، وبالتالي لا يستحق الغاصب أي أرباح ناتجة عنه"، مشيرًا إلى أن الشريعة الإسلامية تُوجب إعادة المال المغصوب إلى صاحبه مع كل ما ترتب عليه من أرباح، لأن الأصل أن المال ليس ملكًا للغاصب، بل لصاحبه.
وأضاف أن الغصب من كبائر الذنوب، لأنه اعتداء مباشر على حقوق الغير، وهو ما حرمه الله في كتابه الكريم بقوله: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» [البقرة: 188]، مؤكدًا أن التعدي على أموال الناس بالباطل يُعدّ من أبشع صور الظلم.
وتطرق فضيلته إلى عدد من الأحاديث النبوية الشريفة التي شددت على حرمة أموال الناس، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» — متفق عليه.
كما ورد عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه، طُوِّقه من سبع أرضين» — متفق عليه.
وشدّد الدكتور نظير عياد في ختام فتواه على أهمية التوبة ورد الحقوق إلى أهلها، موضحًا أن رد المال وحده لا يكفي إن ترتب عليه ربح، بل يجب إرجاع الربح أيضًا، لأنه ناتج عن استغلال غير مشروع لمال لا يملكه الغاصب.