موائد وكراتين رمضان هي الطريق الأقصر لبرلمان مصر.. دعاية سياسية ورشاوى انتخابية
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
مع حلول الأسبوع الثاني من شهر رمضان وبعد توزيع كراتين المواد الغذائية على الفقراء؛ بدأت تحركات كبرى العوائل المصرية نحو عمل الإفطارات الرمضانية، وتنظيم المسابقات الدينية والرياضية والطلابية، وعيونها على انتخابات البرلمان المصري بغرفتيه "النواب"، و"الشيوخ"، المقررة بين آب/ أغسطس، وتشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام.
البعض رصد تلك الظاهرة، وأكد أنها أخذت هذا العام طابعا سياسيا أكبر بكثير من الأعوام الماضية مع قرب انتخابات البرلمان، وذلك لكسب الفقراء بالكراتين، والشباب بالمسابقات، والشخصيات المؤثرة بموائد رمضان، خاصة في ظل التنافس الشديد بين المرشحين على قوائم أحزاب موالاة النظام؛ "مستقبل وطن"، و"حماة وطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"الجبهة الوطنية".
"3 محاور لكسب الأصوات"
حكيم محمد أحد أعضاء حملة مرشح محتمل لمجلس النواب المصري عن حزب "مستقبل وطن"، قال لـ"عربي21": "منذ انتخابات البرلمان السابقة ونحن نجهز للدورة القادمة، ويعدّ رمضان الفرصة الأكبر لكسب أصوات الناس وتحقيق الهدف نحو عضوية المجلس".
وأوضح أنه "يجري العمل خلال رمضان على 3 محاور، الأول تجهيز شنط وكراتين رمضان، وإعداد الكشوف والتوزيع وهذا يسبق رمضان بأسبوع، ويكون للفئة المعدمة من الأهالي، وهو ما قد يتبعه توزيع مبالغ مالية كصدقات على البعض".
وبين أنه "وثانيا، وفي محاولة لكسب أصوات الشباب، ننظم دورات رمضانية تشارك بها القرى المجاورة مع رصد جوائز مالية وأطقم رياضية عليها صورة واسم المرشح، وذلك مع تدشين مسابقة حفظ القرآن الكريم، يتم توزيع جوائزها المالية والعينية والتي قد تصل لتذاكر عمرة أو حج للمتفوقين، بحضور شخصيات سياسية كبيرة".
ولفت إلى المحور الثالث وهو "إقامة موائد إفطار رمضانية فاخرة ودعوة شخصيات مؤثرة، وموظفين حكوميين، وكبار عائلات القرية والقرى المجاورة، ورجال الأعمال وأثرياء المنطقة، إيذانا بإعلان المترشح نيته وسطهم، وتأكيده أنه يحتاج أصواتهم وأصوات من يتبعونهم".
وأكد أن "واقع الانتخابات في مصر تغير كثيرا، ولم يعد يعتمد على دعم الأحزاب ولا الحكومة، بل إن الأحزاب تطلب الدعم لتكون على قائمتها، وهي أموال كثيرة تصل عشرات الملايين، ولذا فإن دفع بضعة آلاف في رمضان هو لإنقاذ ما تم دفعه للحزب الذي قد يختار غيره في اللحظات الأخيرة".
وأشار إلى "حالة التنافس بين المرشحين المحتملين وبين أحزاب (مستقبل وطن) و(حماة وطن)، والوارد الجديد (الجبهة الوطنية)"، ملمحا إلى أنهم "يتبارون بجلب الخدمات كوضع ماكينات الصراف الآلي، أو إمداد مساجد بالفرش والإنارة والإصلاحات، وتوفير احتياجات للمدارس كإصلاح الأثاث والدهانات وشراء ماكينات التصوير ودعم المسابقات الطلابية".
وأوضح أن "كثيرين قدموا خدماتهم للحزب وللأحزاب الأخرى وعرضوا أنفسهم على قياداته التي تشارك في الإفطارات الرمضانية التي جرى تنظيمها طوال السنوات الماضية بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية السابقة، وسط وعود بضم أسمائهم لقوائم الحزب".
وختم بالقول: "الكل يقدم كشف حساب للحزب حتى يستقر عليه الاختيار، خاصة مع ما يشهده الحزب من حراك شديد مع ظهور حزب الجبهة الوطنية وما لديه من دعم كبير وشخصيات لها ثقلها"، ملمحا إلى "مخاوف البعض من الخروج من قوائم الحزب والترشح فرديا ما يقلل من فرصه في دخول المجلس".
"استغلال الأزمة الاقتصادية"
السياسي المصري عضو الحركة المدنية الديمقراطية سمير عليش، قال لـ"عربي21"، إن "تلك الأحزاب تستخدم شهر رمضان لتحصل على دعم المصريين وتستغل حاجة المصريين الماسة للطعام في تحقيق هدفها".
وأوضح أن "الأزمة الاقتصادية في مصر طالت الجميع، فما بالك بأوضاع ملايين الفقراء"، موضحا أنه "لولا أحداث غزة وحرب الإبادة الإسرائيلية بحق شعبها التي استدعت وقوف الشعب المصري مع الرئيس، لدعم القضية الفلسطينية، وفق ظاهر التوجه المصري؛ لكان الشعب قد انفجر".
"أشد خطورة على المجتمع"
من جانبه، قال رئيس حزب "الخضر" المصري محمد عوض: "قبل ثورة يناير 2011، كانت هناك ظاهرة متزايدة وتنمو عاما بعد عام بالمناسبات الدينية، وخاصة شهر رمضان، هذه الظاهرة تمثلت بانتشار ما عُرف في حينه بـ(موائد الرحمن)".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الظاهرة في بداياتها كانت تجري من منطلق الصدقة والتعاطف، ثم تطورت وأخذت أشكالا دعائية، وتسابق على تنظيمها أسماء لامعة، وسرعان ما انخرط فيها كثير من الأسماء السياسية من قيادات الحزب الحاكم في حينه (الوطني الديمقراطي)".
وأكد أنه "لذلك فإن كراتين الفقراء في رمضان، ليست بالأمر المستحدث، بل منذ سنوات طويلة وصارت عادة يسلكها مصريون دون أن تكون مرتبطة بأهداف سياسية".
وتابع: "أما موائد الرحمن فكانت ببدايتها صورة من صور الصدقات وتطورت لتصبح شكلا من أشكال الوجاهة الاجتماعية بفعل الخير، وفي أضيق الحدود خلال السنوات القليلة وقبل 25 يناير 2011، كانت على سبيل دعم الأهداف السياسية الفردية، كتنظيم بعض أعضاء مجلسي الشعب والشورى، لها".
ومضى يوضح أن "تلك الظاهرة في حينه لم تكن تتطرق لتكون وسيلة دعاية أو رشوة انتخابية، هذا خلافا لما يبدو حاليا من موائد العائلات".
ولفت إلى أنه "بنظرة سريعة، سنجد موائد العائلات تختلف عن موائد الرحمن، فبينما نجدها تقتصر على دعوة أعضاء فئة معينة من المجتمع، هم نخب العصر أو النخب الجدد؛ فإن موائد الرحمن كانت لعوام الشعب، وهو ما أعطى زخما شعبيا كبيرا لها، وجعل منها ملتقى شعبيا يحظى بثقة عوام الناس".
وأشار أيضا، إلى أن "موائد العائلات بالنظر لأشخاص منظميها أو ضيوفها، فتبدو كدعوة غداء بين وفود تجارية أو عشاء عمل لقيادات كتل انتخابية، ولذلك تجري داخل قصور وفيلات، وهذا أبعد ما يكون عن رجل الشارع أو بمعنى أدق أبعد ما يكون عن الناخب".
وبين أنه "وكعادة الحملات الانتخابية يقوم المرشح بدعوة رؤوس العائلات والقبائل على طعام الغذاء أو العشاء، للاتفاق على لمن يكون تصويت هذه العائلات، ولأي مرشح، ومقابل ماذا؟".
"استبدال الرشى الانتخابية التقليدية"
ويرى عوض، أن "ظهور موائد العائلات الرمضانية، وهي قريبة التزامن مع موعد إجراء الانتخابات التشريعية، يمكن تفسيره بأن الانتخابات ستكون جادة وحرة ونزيهة، وهو ما يدفع المرشحين للبدء مبكرا في الاستعداد الجاد لها".
ومن ناحية أخرى، يعتقد أن "الأمر يمكن تفسيره أيضا، بأنه اختيار مبكر من السلطة للمرشحين من الأحزاب المختلفة، وخصوصا أن الأحزاب يجب أن تتمتع بأرضية حقيقية لها بالشارع، وهو أمر محل شكوك كبيرة بالوقت الراهن".
وأكد أنه "إن صح تفسير عقد موائد العائلات على النحو السابق، فأظن أنه يجب الإشارة إلى مدى تأثير تلك الموائد العائلية على سلامة ونزاهة ونجاح المسار الديمقراطي للمجتمع".
وخلص للقول: "ودون الخوض بتفصيلات كثيرة، فإن خطط الاستحواذ على الكتل الانتخابية عن طريق هذه الموائد، هو بالحقيقة استبدال للرشاوى الانتخابية التقليدية".
ولفت إلى أنه "سابقا كانت هناك أمور، مثل قيام الحكومة المحلية برصف بعض الطرق، أو تلقي شكاوي المواطنين الفردية وإعطاء تأشيرات المسئولين عليها، أو تلقي كراتين المواد التموينية، أو مثل إعطاء أوراق مالية مقسمة نصفين".
وفي نهاية حديثه أكد السياسي المصري أن "استبدال هذا السلوك، بسلوك آخر أشد خطورة على المجتمع، لأنه يرتكز على بناء علاقات للمصالح الفردية، وتعميق هذا السلوك داخل الأسرة المصرية".
الصورة على الأرض
ومن بين 14 حزبا مصريا لهم ممثلون في البرلمان الحالي؛ لحزب "مستقبل وطن" 316 مقعدا حازها بانتخابات "النواب" التي أجريت تشرين الأول/ أكتوبر 2020، من أصل 596 مقعدا، كما أنه له 149 مقعدا بمجلس "الشيوخ" إثر اقتراع انعقد آب/ أغسطس 2020، من أصل 300 مقعدا، فيما تلاه المستقلون بـ93 مقعدا بالنواب.
وبحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" (حكومية)، ففي مصر 87 حزبا سياسا.
لكن مراقبين يرون أن "مستقبل وطن"، الذي دشنه جهاز الأمن الوطني –جهاز سيادي تابع لوزارة الداخلية- والذي يختار المرشحين على قوائمه، بعد فحص أمني شديد الدقة، وانتقل به من 57 مقعدا فقط في برلمان 2015، إلى أكثر من نصف مقاعد البرلمان بشقيه، سوف يواجه منافسة كبيرة بالانتخابات المقررة قبل 60 يوما من انتهاء مدة البرلمان الحالي كانون الثاني/ يناير 2026؛ من حزب "الجبهة الوطنية".
و"الجبهة الوطنية"، هو الحزب الأحدث في مصر، والمدعوم من رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، المقرب من النظام والمخابرات الحربية والذي تصاعد نجمه بشكل مثير للجدل برئاسته لاتحاد القبائل العربية والمصرية، وتوسعت إمبراطوريته الاقتصادية بصورة تدعو للتساؤل حول مصدر ثروته.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، جرى تدشين حزب "الجبهة الوطنية"، برئاسة وزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، أحد قيادات "العرجاني جروب"، إلى جانب نائبه وزير الزراعة الأسبق السيد القصير، وعدد آخر من الوزراء والمحافظين السابقين، ورئيس مجلس النواب السابق علي عبدالعال، وأعضاء بالبرلمان غادروا حزب "مستقبل وطن"، لتقرر لجنة الأحزاب السياسية قبولها الحزب رسميا في10 شباط/ فبراير الماضي.
وفي ظل ظهور حزب "الجبهة"، ورغبته في مشاركة كعكة مقاعد البرلمان، يتحدث "مستقبل وطن"، حزب الأغلبية عما أسماه بـ"القائمة الوطنية"، التي تضم إلى جواره أحزاب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"الإصلاح والتنمية"، و"العدل"، وهي المصنفة من أحزاب المعارضة المشاركة في "الحركة المدنية الديمقراطية" المعارضة، ما يقلل من حظوظ التحالف المعارض الذي يتصدره رئيس حزب "المحافظين" أكمل قرطام.
ويترأس الأحزاب الثلاثة، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة أمام رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، فريد زهران، والسياسي المخضرم محمد أنور السادات، والنائب الشاب عبدالمنعم إمام أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب.
لكن يظل السؤال الذي لم يحسم بعد هو هل يتنافس "الجبهة الوطنية"، الذي ينتمي إليه مناطق قبلية في سيناء ومرسى مطروح وصعيد مصر، مع "مستقبل وطن"، أم أنه سيجمع أكبر حزبين مؤيدين للسلطة قائمة واحدة أو حتى تنسيق مشترك بينهما لضمان سيطرة الدولة على كامل مقاعد البرلمان؟
ويظل الانفجار الشعبي هاجسا مقلقا للجهات الأمنية المصرية وللجهات السيادية لكل تنوعاتها، خاصة مع ما يعانيه المصريون من أزمات مالية واقتصادية صعبة، وما تمر به البلاد من أوضاع تجعل أكبر بلد عربي سكانا على شفا الإفلاس بفعل ديون خارجية تعدت 155 مليار دولار، ما يزيد من حرص الأجهزة على إنتاج برلمان موالي للسلطة، وفق مراقبين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية رمضان المصرية انتخابات مصر رشاوى انتخابات رمضان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجبهة الوطنیة موائد الرحمن مستقبل وطن وأکد أن إلى أن فی مصر
إقرأ أيضاً:
نصر عسكري وهزيمة سياسية.. نتنياهو ونهاية حرب غزة بمعايير إسرائيل
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق بين إسرائيل وحماس موجة من ردود الفعل المتضاربة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. إذ انقسم اليمين الصهيوني على نفسه بين مؤيد للاتفاق ومعارض له، في حين اندفع معارضو الائتلاف إلى إعلان تأييدهم غير المشروط للاتفاق.
وبدا واضحا من طبيعة ردود الفعل السياسية أن هناك من يؤيد الاتفاق انطلاقا من واقع أنه يعني نهاية الرؤية اليمينية المسيحانية بعد اصطدامها بالواقع مقابل من يعارضون الاتفاق أيضا رفضا لهذا المنطلق. وربما لهذا السبب نظر جميع أطراف الحلبة السياسية الإسرائيلية إلى الاتفاق على أنه لحظة تاريخية تؤسس لتوجه مغاير لما كان عليه الوضع قبل الاتفاق.
والأمر لا يتصل فقط بطبيعة الحرب والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بعد أكثر من عامين على الأسر، وإنما كذلك بما يمكن أن يقود إليه الاتفاق من تغيير شامل في الرؤية السياسية. إذ ليس صدفة أنه تعاظمت مع تطور الحرب وامتدادها الزمني أفكار حاولت التعويض على صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول بتعزيز الاندفاع ليس فقط نحو ضم المزيد من أراضي الضفة والقطاع وتهجير سكانها، وإنما كذلك عرض تأييد فكرة أرض إسرائيل الكبرى من جانب رئيس الحكومة، المطلوب للجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو.
وكان نتنياهو وشركاؤه في اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وإسرائيل كاتس، قد طوروا مفهوم الحرب الدائمة مما جعل كل فرص التوصل لاتفاق تتحطم على صخرة رفضهم. ولذلك، وبصرف النظر عن توفر أسباب كثيرة لاندفاع إدارة ترامب التي قدمت دعما غير محدود للحكومة اليمينية في حربها، اضطر رئيسها للإعلان عن أنه بخطته لإنهاء الحرب ينقذ إسرائيل من غضب العالم.
العجرفةوإذا كان لكلام ترامب من معنى، فإنه شخصيا بما نشر من تسجيلات لمكالمته الحاسمة مع نتنياهو كان يقصد أن إسرائيل ليس بوسعها الاستمرار في مواجهة العالم الذي سئم سلوكها المتعجرف. وفي مقابلة مع "فوكس نيوز" بعد إعلان الاتفاق، أشار ترامب إلى محادثة أجراها مع نتنياهو: "أخبرته أن إسرائيل لا تستطيع محاربة العالم أجمع. لقد توحد العالم أجمع".
إعلانوبكلمات أخرى قال إنه، رغم تأييده لإسرائيل لا يستطيع مواصلة الدفاع عنها في مواجهة العالم بأسره. وهذا ما ينسجم إلى حد كبير مع ما يحاول عدد من المعلقين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين تأكيده في مقالاتهم وتصريحاتهم التي ترى أن إسرائيل قد تكون حققت إنجازات عسكرية مرموقة لكنها منيت بهزيمة سياسية واضحة.
عموما وبعد إعلان ترامب عن الاتفاق سارع نتنياهو لإعلان أن "هذا يوم عظيم لإسرائيل. سأعقد اجتماعا للحكومة غدا للموافقة على الاتفاق وإعادة جميع رهائننا الأعزاء إلى ديارهم. أشكر جنود الجيش الإسرائيلي الأبطال وجميع قوات الأمن الذين أوصلونا إلى هذا اليوم بشجاعتهم وتضحياتهم. أشكر الرئيس ترامب وفريقه من أعماق قلبي على التزامهم بهذه المهمة المقدسة لتحرير رهائننا. بعون الله، سنواصل معا تحقيق جميع أهدافنا وتعزيز السلام مع جيراننا".
ولكن اجتماع الحكومة تأخر عن موعده بأكثر من 4 ساعات جراء خلافات ظهرت ليس فقط بين نتنياهو ومعارضي الاتفاق من حزبي اليمين المتطرف سموتريتش وبن غفير، وإنما كذلك من داخل حزبه الليكود. وقد اضطر ترامب للاستعانة بالمبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر بقصد إقناع الوزراء بأن ما تم التوصل إليه هو أفضل الممكن وأنه يجنب إسرائيل خطرا أكبر. ومع ذلك استمر الخلاف مع حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت اللذين صوتا ضد الاتفاق، وعمدا إلى وضع "خطوط حمراء"، وصولا إلى التهديد بالانسحاب من الحكومة.
ويعلم نتنياهو أن تهديدات حزبي اليمين المتطرف ليست المشكلة بسبب أن هناك شبكة أمان للاتفاق من أحزاب المعارضة. ولكن المشكلة في الأصل هي مقدار قناعة نتنياهو شخصيا بالاتفاق ومدى إحساسه بأن هذا الاتفاق يضمن له البقاء في الحكم أم يسقطه. وهو يدرك أن الاتفاق، إذا لم يتم نسفه، فإنه سوف ينسف أغلب الأسس التي يقوم عليها الفكر اليميني الذي يمثله شخصيا والقائم على التوسع والضم.
ويشعر نتنياهو بأنه مضطر لتضخيم مزايا الاتفاق وحتى البدء بالحديث عن تطلع للسلام، لكنه في قرارة نفسه يعرف أن هذا ليس بالضرورة ما يؤمن به الآخرون. وقديما قال حكماء في إسرائيل إن مواقف اليمين هي التعبير الحقيقي عما في النفوس، لكن إنهاء الحرب يتطلب تنازلا عن هذه المواقف وهو ما يقدر عليه فقط الوسط واليسار وليس اليمين.
أمل وترقبرحّبت المعارضة بالاتفاق، إذ أعلن زعيم المعارضة يائير لبيد: "في هذين العامين الصعبين، هذه لحظة نور عظيم في الظلام. عسى أن تعود ملائكة السلام سالمين". كما كتب رئيس حزب أزرق أبيض، بيني غانتس: "تستيقظ أمة بأكملها هذا الصباح على أمل وترقب، لعودة قريبة لإخواننا وأخواتنا، بعد عامين من المعاناة".
كما كتب رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، على شبكة إكس: "صباحٌ مفعمٌ بالأمل والفرح. نتطلع، مع شعب إسرائيل بأكمله، إلى عودة جميع المختطفين والمختطفات إلى ديارهم".
ومن المعارضة، كتب أيمن عودة، رئيس حزب حداش/العربية للتغيير، أنه "سعيد بتوصل الجانبين إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من الاتفاق لإنهاء الحرب"، مضيفا: "لم تثبت أي حرب أكثر من هذه الحرب أنه لا يوجد حل عسكري. من الآن فصاعدًا، يجب تحرير كلا الشعبين من نير الاحتلال، لأننا جميعا ولدنا أحرارا".
أما في حكومة نتنياهو، فإن الوضع مختلف، إذ إن الترحيب بالاتفاق لا يخرج من صميم القلب وإنما يميل لأن يكون لفظيا. وحتى الآن المطروح على الحكومة هو الفصل الأول من الاتفاق المتعلق بالإفراج عن الأسرى في ظل بقاء الجيش الإسرائيلي في القطاع.
إعلانوهذا يخفف أثر الاتفاق بسبب النتيجة المباشرة له. لكن التقديرات تتحدث عن صدمة ستحدث عند إقرار إنهاء الحرب، خصوصا إذا بقيت حماس في الصورة. وهذا ما هو معلن حاليا من جانب وزراء "عوتسما يهوديت" الذين هددوا بالاستقالة من الحكومة. وفي حين لم يُهدد الصهاينة المتدينون رسميا بالاستقالة، لكنهم يُوضحون أن جميع الخيارات مطروحة.
وثمة قناعة متزايدة بأن من غير المتوقع أن يؤدي الانسحاب من الحكومة إلى الإطاحة بها. الشيء الوحيد المُحتمل هو حل الكنيست مع تحديد موعد مُتفق عليه للانتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل دخلت عام انتخابات، لذا فإن مسألة موعدها المُحدد هذا العام لا تُثير قلق نتنياهو. بطريقة أو بأخرى، على الأقل في الوقت الحالي، من غير المُتوقع أن ينسحب أي حزب من الحكومة. وسيسمح كل من الصهيونية المتدينة و"عوتسما يهوديت" بمرور المرحلة الأولى من الاتفاق -على الرغم من معارضتهما- ثم سيدرسان التطورات ويقرران مسار استمرار الحزبين في ظل حكومة نتنياهو.
وكان زعيم الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، قال: "هناك خوف كبير من عواقب إخلاء السجون وإطلاق سراح الجيل القادم من قادة الإرهاب الذين سيبذلون قصارى جهدهم لمواصلة سفك دماء اليهود هنا، لا سمح الله". وأضاف أنه لا ينوي التصويت لصالح الاتفاق. "لهذا السبب وحده، لا يمكننا الانضمام إلى هذه الاحتفالات قصيرة النظر والتصويت لصالح الاتفاق".
كما أن الوزيرة من حزبه، أوريت ستروك وبعد أن رحبت بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين معتبرة ذلك إنقاذا لهم استدركت قائلة إنه إلى جانب الفرح، هذا الاتفاق "يحمل في طياته عارا عظيما. عار على تطبيع إطلاق سراح الإرهابيين مقابل الرهائن، وعار مُسبق على جميع ضحايا هذا النهج الدموي: تضحيات دماء، وضحايا عمليات اختطاف لاحقة، عار على مجرد ذكر الدولة الفلسطينية في تلك الاتفاقية، بعد وقت قصير من قرار الكنيست بأغلبية ساحقة بأنها تُشكل خطرا وجوديا علينا".
كذبة شائعةوكان التساؤل الأكبر في إسرائيل يدور حول سبب قبول نتنياهو بعرض كان يمكن أن يتحقق مع بداية الحرب في نظر البعض وفي أكتوبر/تشرين الأول العام الفائت في نظر آخرين. ولاحظ باروخ قرا في موقع "والا" الإخباري أن هناك سببين يقفان خلف ذلك.
وأكد أن هناك كذبة شائعة بأنه لم تعرض على نتنياهو مثل هذه الصفقة في الماضي. ويرى أن إسرائيل رفضت أصلا مبدأ الصفقات الشاملة وأن سموتريتش وبن غفير رأيا في عبارة إنهاء الحرب قضاء على حلم الاستيطان في غزة، في حين رأى نتنياهو أن ذلك يسقط حكومته. وتمسكت الحكومة بالنصر المطلق عنوانا لإفشال كل مبادرة.
ويرى قرا أن سببي تغيير موقف نتنياهو يتمثلان في أن الانتخابات المبكرة باتت خيارا قويا وهو ما يتجه إليه، وقرار المحكمة الجنائية الدولية حول الإبادة الجماعية الذي قاد إلى عزلة دولية لا فكاك منها.
ويرى نداف إيال في "يديعوت أحرونوت" أن "هوية الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم ليست جزءا عرضيا من الأخبار الرائعة والمبهجة. ليس من حقنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال بعد 7 أكتوبر، وبعد خبر مقتل يحيى السنوار. أُطلق سراحهم في صفقة شاليط. ستنظر إسرائيل إلى وجه كل أسير يُطلق سراحه بهذه الطريقة وتسأل: هل هذا يحيى السنوار التالي؟ كيف ستُكسر حلقة القتل والخطف والقتل والعودة؟".
وتحت عنوان "نصر عسكري، خسارة سياسية" كتب آفي يسخاروف في يديعوت أحرونوت أن "الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش الإسرائيلي في العامين الماضيين لم تترجم إلى إنجازات سياسية فحسب، بل أصبحت فشلا سياسيا فادحا، وهو ما يُضفي عليه وصف "الفشل" دلالات كبيرة. رغم الدمار الهائل في غزة، ورغم العدد المتزايد للقتلى الفلسطينيين (67 ألف قتيل)، ورغم تعرض الجناح العسكري لحماس لضربات موجعة وفقدانه كامل قيادته العليا، ترى حماس في "طوفان الأقصى" نصرا لا غير. مع أنه ليس نصرا في معارك قطاع غزة أو ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، إلا أنه نصر على الصعيدين السياسي والدولي. تنتصر حماس لأن العمل العسكري العنيف يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية، وهي تحققها واحدة تلو الأخرى، بينما حوّلت دولة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو استمرار الحرب إلى هدف سياسي، بل سياسي، وأهملت الأهداف السياسية للحرب".
بقاء حماسأما بن كسبيت في "معاريف" فتحدث عن ضرورة المحاسبة: "سنجري الحسابات لاحقا. لقد أجرينا بعضها بالفعل. عندما يتضح، للأسف، أن الحرب انتهت وأن حماس لا تزال قائمة. عندما يتضح أن "حماس وافقت على تجميد السلاح"، وعندما يتضح أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق مماثل في وقت أبكر بكثير، سيتعين علينا تقديم حساب لأنفسنا وسنكون ملزمين بتشكيل لجنة تحقيق رسمية. لكن أولا، دعونا نراهم يعودون إلى ديارهم. 20 إسرائيليا أصبحوا أفرادا من عائلاتنا جميعا".
إعلانإسرائيل أبرمت الاتفاق غير أن تنفيذه يفتح بوابات واسعة نحو أفق مجهول تتحطم فيه أحزاب وأفكار وتسميات.